فضل صلاة الفجر

منديل بن محمد آل قناعي الفقيه

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: الصلاة
عناصر الخطبة
1/ منزلة الصلاة في الإسلام وفضلها2/ محافظة السلف عليها وتهاون خلف اليوم فيها 3/ وعيد الله تعالى للمتهاونين بها بمختلف درجاتهم 4/ فضائل المحافظة على صلاة الفجر جماعةً 5/ الوعيد لمن ضيَّع صلاة الفجر 6/ بعضُ المعينات على الاستيقاظ المبكر لصلاة الفجر.

اقتباس

إنَّ صلاة الفجر تشكو من قلة المصلين فيها، مع أنها صلاة مباركة مشهودة، أقسم الله بوقتها فقال: (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ) [الفجر:1-2]، وقال -تعالى-: (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) [الإسراء:78].

 

 

 

 

أيها المسلمون: مما لا يخفى أنَّ الصلاة عمود الدين؛ بل هي الركن الثاني للإسلام بعد الشهادتين، وهي صلة العبد برب العالمين، فرضها الله من فوق سبع سموات على النبي بغير واسطة؛ لأهميتها وعظيم مكانتها، بل أمر بالمحافظة عليها جماعةً حتى المجاهدين، وجعلها قرينة الإيمان في مواضع كثيرة من القرآن العظيم، بل سماها إيمانا، كما قال -سبحانه-: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) [البقرة:143]، أي: صلاتكم. 

وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، فعن أبي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قال سمعت رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن أَوَّلَ ما يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يوم الْقِيَامَةِ من عَمَلِهِ صَلَاتُهُ؛ فَإِنْ صَلحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ" رواه النسائي والترمذي وصححه الألباني.

وأورث المحافظين عليها الفردوس الأعلى، ووعد النبي -صلى الله عليه وسلم- من حافظ عليها بالجنة عهدا من رب العالمين، فعن عُبَادَةَ بن الصَّامِتِ -رضي الله عنه- قال: سمعت رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يقول: "خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ الله على الْعِبَادِ، فَمَنْ جاء بِهِنَّ لم يُضَيِّعْ مِنْهُنَّ شيئا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ كان له عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ" رواه أحمد والنسائي وصححه ابن حبان والألباني.

لذلك كله حافظ عليها المسلمون جيلا بعد جيل، ولم يتهاونوا بها حتى عند المرض والسكرات، قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وما يَتَخَلَّفُ عنها إلا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كان الرَّجُلُ يؤتى بِهِ يُهَادَى بين الرَّجُلَيْنِ حتى يُقَامَ في الصَّفِّ".

وفي لفظ قال: "لقد رَأَيْتُنَا وما يَتَخَلَّفُ عن الصَّلَاةِ إلا مُنَافِقٌ قد عُلِمَ نِفَاقُهُ، أو مَرِيضٌ، إن كان الْمَرِيضُ لَيَمْشِي بين رَجُلَيْنِ حتى يَأْتِيَ الصَّلَاةَ" رواه مسلم.

وقيل لابن المسيب: فلان يريد قتلك فالزم بيتك ولا تخرج. فقال مستنكراً: "أُدْعَى إلى الفلاح، أو أسمع حي على الفلاح، فلا أجيب؟!".

لقد حافظوا عليها حتى مع ضعفهم وتسلط الأعداء عليهم، حتى جاء عصرنا الحاضر فعظم المصاب بتضييع الصلاة والتهاون بها، ونسوا ما قال الله: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) [مريم:59]، والغيّ، قال ابن مسعود والبراء بن عازب: "واد في جهنم من قيحٍ". لأنه يسيل فيه قيح أهل النار وصديدهم، وهو بعيد القعر، خبيث الطعم.

ونسوا وعيد الله بالويل لهم: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ) [الماعون:4-5]، والويل قال عنه عطاء بن يسار: "الويل واد في جهنم لو سيرت فيه الجبال لماعت من حره".

واختلفت أحوالهم في التهاون والتضييع، بين مضيع لها بالكلية، ومضيع لأركانها وواجباتها والخشوع فيها، ومضيع لأوقاتها، ومضيع لجماعتها في المساجد حيث ينادى بها.

أيها المسلمون: وليكن حديثنا هذا اليوم مع المضيعين لصلاة الفجر والمتهاونين بها، كم هو منظر يفرح المسلم ويثلج صدره حين تمتلئ الشوارع بحركة الناس شبابا وشيبا وهم يملؤون الشوارع متوجهين للمدارس ودور العلم لطلب العلم وارتشاف رحيقه الصافي، أو للوظائف بحثا عن الرزق الحلال.

ولكن؛ بقدر ما تفرح بقدر ما تتألم حين تسأل: أين كانوا حين نادى المنادي: حي على الصلاةِ، حي على الفلاح، الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم؟ هل كانوا موتى؟ أم أن أمر الدنيا أحب إليهم من أمر الآخرة؟ (أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) [التوبة:38].

إنَّ صلاة الفجر تشكو من قلة المصلين فيها، مع أنها صلاة مباركة مشهودة، أقسم الله بوقتها فقال: (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ) [الفجر:1-2]، وقال -تعالى-: (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) [الإسراء:78].

أخي المسلم: كم من أجور ضيعتها يوم نمت عن صلاة الفجر؟ وكم من حسنات ضيعتها يوم سهوت عن صلاة الفجر أو أخرتها عن وقتها؟ وكم من كنوز فقدتها يوم تكاسلت عن صلاة الفجر؟.

استمع لشيء من فضائل المحافظة على هذه الفريضة التي ضيعتها: من صلى الفجر في جماعة فكأنما صلى الليل كله، فعن عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانٍ -رضي الله عنه- قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِى جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِى جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ" مسلم.

ومن صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله وحفظه، فعن أبي ذر -رضي الله عنه- يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِى ذِمَّةِ اللَّهِ، فَلاَ يَطْلُبَنَّكُمُ اللَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بشيء فَيُدْرِكَهُ فَيَكُبَّهُ في نَارِ جَهَنَّمَ" رواه مسلم.
 

نعم؛ إنها ذمة الله، ليست ذمة ملك من ملوك الدنيا، إنها ذمة ملك الملوك ورب الأرباب وخالق الأرض والسماوات ومن فيهن، ومن وصف نفسه فقال: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [الزمر:67].

ذمة الله التي تحيط بالمؤمن بالحماية له في نفسه وولده ودينه وسائر أمره، فيحس بالطمأنينة في كنف الله وعهده وأمانه في الدنيا والآخرة، ويشعر أن عين الله ترعاه.
وإذا العنايةُ لاحَظَتْكَ عُيُونُها *** نَمْ فالمخاوفُ كُلُّهُنَّ أَمَانُ

اللهم احفظنا بحفظك ورعايتك، وكن لنا معينا ونصيرا، ومؤيدا وظهيرا.

من صلى الفجر ومشى إليها في الظلم فليبشر بالنور في الدنيا والنور التام وقت الظلمة يوم القيامة، فعَنْ بُرَيْدَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِى الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" رواه أبو داود والترمذي وصححه الحاكم وابن خزيمة والألباني.

فهنيئا ثم هنيئا لأهل صلاة الفجر! الذين ما إن سمعوا النداء يدوي: "الصلاة خير من النوم"، إلا هبّوا وفزعوا وإن طاب المنام، وتركوا الفراش وإن كان وثيرًا؛ ملبين النداء.

يخرج الواحد منهم إلى بيت من بيوت الله -تعالى- وهو يقول فِي دُعَائِهِ: "اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، وَفِي بَصَرِي نُورًا، وَفِي سَمْعِي نُورًا، وَعَنْ يَمِينِي نُورًا، وَعَنْ يَسَارِي نُورًا، وَفَوْقِي نُورًا، وَتَحْتِي نُورًا، وَأَمَامِي نُورًا، وَخَلْفِي نُورًا، وَاجْعَلْ لِي نُورًا".

فما ظنك بمن خرج لله في ذلك الوقت، لم تُخرجه دنيا يصيبها ولا أموال يقترفها، أليس حريا بأن يُجاب؟.

والنور يوم القيامة على قدر السير في الظلمة، فمن كثر سيره في ظلام الليل إلى الصلاة عظم نوره وعّم ضياؤه يوم القيامة، "فَيُعْطَوْنَ نُورَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، قَالَ: "فَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ مِثْلَ الْجَبَلِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ فَوْقَ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ مِثْلَ النَّخْلَةِ بِيَمِينِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى دُونَ ذَلِكَ بِيَمِينِهِ، حَتَّى يَكُونَ آخِرُ ذَلِكَ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ عَلَى إِبْهَامِ قَدَمِهِ يُضِيءُ مَرَّةً وَيُطْفِئُ مَرَّةً، فَإِذَا أَضَاءَ قَدَمُهُ، وَإِذَا طَفِئَ قَامَ" صححه الحاكم والألباني.

قال -تعالى-: (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [الحديد:12].

من صلى الفجر في جماعة ضمن له النبي -صلى الله عليه وسلم- الجنة والنجاة من النار؛ فعن أبي موسى -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ" متفق عليه. والبردان هما الفجر والعصر.

وعن عُمَارَةَ بْنِ رُؤَيْبَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "لَنْ يَلِجَ النَّارَ أَحَدٌ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا"، يَعْنِى الْفَجْرَ وَالْعَصْر. رواه مسلم.

من صلى الفجر في جماعة شهدت له الملائكة عند الله بأنه صلى الفجر مع الجماعة؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "الْمَلاَئِكَةُ يَتَعَاقَبُونَ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ، وَهْوَ أَعْلَمُ، فَيَقُولُ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ يُصَلُّونَ".

يا له من تقرير مشرف يرفع لملك الملوك عنك يا من تصلي الفجر في جماعة! وسيرفع اسمك إلى الملك -جل وعلا-، ألا يكفيك هذا فخرا وشرفا حتى تحافظ على صلاة الفجر في جماعة؟!.

ومن صلى الفجر في جماعة فهو مؤهل لرؤية الله في الآخرة؛ فعَنْ جَرِيرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةً، يَعْنِي الْبَدْرَ، فَقَالَ: "إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ لاَ تُضَامونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لاَ تُغْلَبُوا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا"، ثُمَّ قَرَأَ: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ). متفق عليه.

ومن صلى سنة الفجر كان ذلك خيرا له من الدنيا وما فيها؛ فعَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا" رواه مسلم.
 

الله أكبر! إذا كانت سنة الفجر خيرا من الدنيا وما فيها، فكيف بأجر الفريضة؟ لا شك أنه سيكون أكثر وأعظم.

ومن صلى الفجر في جماعة أصبح طيب النفس نشيطا؛ فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عن النَّبِىَ -صلى الله عليه وسلم- قال: "يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ ثَلاَثَ عُقَدٍ إِذَا نَامَ بِكُلِّ عُقْدَةٍ يَضْرِبُ عَلَيْكَ لَيْلاً طَوِيلاً، فَإِذَا اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، وَإِذَا تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَتَانِ، فَإِذَا صَلَّى انْحَلَّتِ الْعُقَدُ فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ" متفق عليه.

هذا فضل المحافظة على صلاة الفجر، وزد على ذلك أن الوقت وقت بركة في الرزق، فعَنْ صَخْرٍ الْغَامِدِىِّ، عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "اللَّهُمَّ بَارِكْ لأُمَّتِى فِى بُكُورِهَا".

"وَكَانَ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً أَوْ جَيْشًا بَعَثَهُمْ فِى أَوَّلِ النَّهَارِ، وَكَانَ صَخْرٌ رَجُلاً تَاجِرًا وَكَانَ يَبْعَثُ تِجَارَتَهُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ، فَأَثْرَى وَكَثُرَ مَالُهُ" رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وصححه ابن حبان والألباني.
يا قومَنا هذي الفضائلُ جمّةٌ *** فَتَخَيَّرُوا قبْلَ الندامةِ وانْتَهوا

اللهم زد في أرزاقنا، وبارك لنا فيها، ووفقنا للصلاة في جماعة يا رب العالمين.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، وهدانا صراطه المستقيم، ونفعنا بهدي رسوله الكريم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، فيا فوز المستغفرين!.

 

 

الخطبة الثانية:

عباد الله: كما أن للمحافظ على صلاة الفجر جماعة أجورا وكنوزا؛ فإن لمن ضيعها آثارا مدمرة وعقوبات مخيفة:

أولها: الاتصاف بصفات المنافقين، قال -تعالى-: (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا) [النساء:142]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "ليس صلاة أثقل على المنافقين من صلاة العشاء والفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً" متفق عليه.

وها هو ابن مسعود يقول: "لقد رايتنا وما يتخلف عن صلاة الفجر إلا منافق معلوم النفاق"، ويقول ابن عمر: "كنا إذا فقدنا الرجل في الفجر أسأنا به الظن".

ثانياً: الويل والغي لمن ترك صلاة الفجر، قال -تعالى-: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ) [الماعون:4-5]، وقال -عز وجل-: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) [مريم:59]، أضاعوها فأخروها عن وقتها كسلاً وسهوا ونوما، والغيُّ وادٍ في جهنم تتعوذ منه النار في اليوم سبعين مرة .

ثالثها: يبول الشيطان في أذنيه، كما روي أن ابن مسعود قال: ذكر رجل عند النبي -صلى الله عليه وسلم- نام ليلة حتى أصبح، قال: "ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه".

وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الشيطان قد استولى عليه واستخف به، حتى جعله مكاناً للبول، نعوذ بالله من ذلك.

رابعها: الخبث والكسل طوال اليوم لمن نام عن صلاة الفجر، وبهذا روى مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ ثَلاَثَ عُقَدٍ إِذَا نَامَ بِكُلِّ عُقْدَةٍ يَضْرِبُ عَلَيْكَ لَيْلاً طَوِيلاً، فَإِذَا اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، وَإِذَا تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَتَانِ، فَإِذَا صَلَّى انْحَلَّتِ الْعُقَدُ فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ" متفق عليه.

ليس هذا فحسب؛ بل وتعلن فضيحته على الملأ، وتفوح معصيته في الأرجاء، قال أحد التابعين: "إن الرجل ليذنب الذنب فيصبح وعليه مذلته".

خامسها: كسر الرأس في القبر ويوم القيامة؛ فقد ثبت في البخاري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى في رؤيا له رجلاً مستلقياً على قفاه، وآخر قائم عليه بصخرة يهوي بها على رأسه فيشدخ بها رأسه فيتدهده الحجر، فإذا ذهب ليأخذه فلا يرجع حتى يعود رأسه كما كان، يفعل به مثل المرة الأولى، وهكذا حتى تقوم الساعة، فسأل -صلى الله عليه وسلم- عنه جبريل فقال: "هذا الذي يأخذ القرآن ويرفضه، وينام عن الصلاة المكتوبة".

عباد الله: كيف نأمل أن ينصرنا الله -عز وجل- وأن يرزقنا ويهزم أعداءنا، وأن يمكن لنا في الأرض ونحن في تقصير وتفريط في حق الله؟ كيف نسمع نداءه في كل يوم: حي على الصلاة حي على الفلاح الصلاة خير من النوم، ونحن لا نستجيب؟ هل أمِنّا مكر الله؟ هل نسينا وقوفنا بين يدي الله؟ فيا عبد الله: قم عن الفراش، وانهض من نومك، واستعن بالله رب العالمين.

سادسها: يمنع الرزق وبركته، قال ابن القيم: ونومة الصبح تمنع الرزق؛ لأنه وقت تقسم فيه الأرزاق، رأى ابن عباس ابناً له نائما نوم الصبح فقال له: "قُم، أتنام في الساعة التي تقسم فيها الأرزاق؟".

فيا عبد الله: لا تفرط في الصلاة عامة، وصلاة الفجر خاصة، وشمر عن ساعد الجد.

وعليك بأمور: أولها: نم مبكراً واترك السمر، نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- أخبرنا أن الجسم له حق علينا؛ فإن إطالة السهر لها تأثير على صحة الإنسان، فالنوم المبكر خير، والكلام بعد صلاة العشاء ورد النهي عنه من نبينا -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيح، إلا ما استثناه الدليل من مسامرة الزوج زوجته، والجلوس مع الضيف، ومدارسة العلم؛ أما إذا خشي فوات صلاة الفجر فلا يجوز.

وثانيها: احرص على آداب النوم، كالنوم على طهارة، وأداء ركعتي الوضوء، والمحافظة على أذكار النوم، والاضطجاع على الشق الأيمن، ووضع الكف الأيمن تحت الوجه، وقراءة المعوذتين في الكفين ومسح ما استطاع من الجسد بهما، وغير ذلك من الآداب، واسأَلِ الله أن يوفقَك للقيام.

ثالثها: ابذر الخير تحصد الخير، فمن قام عقب أداء طاعة من صلة رحم، أو بر والدين، أو إحسان إلى جار، أو صدقة سر, أو أمر بمعروف، أو نهي عن منكر، أو سعي في حاجة مسلم؛ كافأه الله بأن يكون ممن يشهدون الفجر.

ثالثها: عدم الإكثار من الأكل والشرب؛ فإن كثرة الأكل تولد ثقلا في النوم، بل حتى الطاعة تقل والخشوع يذهب، لأن من أكل كثيرا شرب كثيرا فتعب كثيرا فنام كثيرا فغفل كثيرا فخسر كثيرا.

ورابعها: ابتعد عن المعاصي في النهار كي تستطيع أن تقوم للصلاة، وذلك بحفظ الجوارح عما لا يحل لها؛ بالبعد عن النظر الحرام، وكذلك اللسان والسمع وسائر الأعضاء، فمن نام على معصية ارتكبها من غيبة مسلم أو خوض في باطل أو نظرة إلى حرام أو خلف وعد أو أكل حرام عوقب بالحرمان من شهود الفجر؛ لأن من أساء في ليله عوقب في نهاره، ومن أساء في نهاره عوقب في ليله. اسأل الله أن يوفقنا لطاعته، وأن يبعدنا عن معصتيه.

وخامسها: لا تنس عاقبة الصبر، فمن عرف حلاوة الأجر هانت عليه مرارة الصبر، والعاقل الفطن له في كل ما يرى حوله عبرة، فمن سهر الليالي بلغ المعالي، ومن استأنس بالرقاد استوحش يوم المعاد، "ألا إن سلعة الله غالية! ألا إن سلعة الله الجنة!".

 

 

 

 

المرفقات

صلاة الفجر

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات