فضل الله بنزول المطر ووقفات معه

الشيخ عبدالله بن علي الطريف

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات: التربية
عناصر الخطبة
1/ مشهد تنزُّل رحمات الغيث بعد القنوط 2/ تأملات في الآية المصورة لهذا المشهد 3/ وقفاتٌ إيمانية مع الأمطار: اتعاظا واعتبارا وشكرا 4/ سنن وأذكار تتعلق بالأمطار 5/ تذكرة المسؤولين بالاعتناء بالطرق ومصارف السيول 6/ مظاهر سيئة مصاحبة لنزول الأمطار.

اقتباس

لقد يبِست الأشجار، ولفها الغبار، وافتقدت الخضرة الأزهار، وانعدمت نعم البر، ولم ينبت فيه الزرع، وجف الضرع، الأرض قد قَحِطت، والمواشي قد هَزُلت، والقلوب قد يئست. وبينما الناس كذلك، إذا برحمة الله تنزل، فرَويت الأرض، وجرت الوديان، وكثرت الغدران برحمة الله وفضله، وواللهِ! لولا اللهُ ما سُقينا، ولا تنعّمنا بما أوتينا، نعم: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) [الشورى:28].

 

 

 

 

الحمد لله القائل: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) [الشورى:28].

 

خَلَقَ فَسَوَّى، وقَدَّرَ فَهَدَى، وأَخْرَجَ الْمَرْعَى؛ فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى؛ السماءَ بناها، والأرضَ دحاها، أخرج منها ماءها ومرعاها، والجبالَ أرساها.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الكرم صفة من صفاته، والجود من أعظم سماته، والعطاء من أجلّ هباته، فمَن أعظم منه جودًا -سبحانه-؟ يَدُه مَلأَى، لا تغِيضُهَا نَفَقَةٌ، سَحَّاءُ اللَّيْل وَالنَّهَار، بِيَدِهِ الْمِيزَانُ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ، (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) [الحجر:21].

 

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، حبيبُ قلوبنا، وقرةُ عيوننا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

 

أما بعد: أيها الإخوة: اتقوا ربكم واستغفروه، استغفروا ربكم إنه كان غفاراً، يرسل السماء عليكم مدراراً، ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً.

أيها الأحبة: لقد يبِست الأشجار، ولفها الغبار، وافتقدت الخضرة الأزهار، وانعدمت نعم البر، ولم ينبت فيه الزرع، وجف الضرع، الأرض قد قَحِطت، والمواشي قد هَزُلت، والقلوب قد يئست.

 

وبينما الناس كذلك، إذا برحمة الله تنزل، فرَويت الأرض، وجرت الوديان، وكثرت الغدران برحمة الله وفضله، وواللهِ! لولا اللهُ ما سُقينا، ولا تنعّمنا بما أوتينا، نعم: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) [الشورى:28].

 
وهذه الآية تذكير بجانب من فضل الله على عباده في الأرض، فبينما الناس في حال عصيبة وقد غاب عنهم الغيث، وانقطع عنهم المطر، ووقفوا عاجزين عن سبب الحياة الأول، الماء، وأدركهم اليأس والقنوط، إذ المولى يتفضل وينزل الغيث، ويسعفهم بالمطر، وينشر رحمته؛ فتحيا الأرض، ويخضر اليابس، وينبت البذر، ويترعرع النبات، ويلطف الجو، وتنطلق الحياة، ويدب النشاط، وتنفرج الأسارير، وتتفتح القلوب، وينبض الأمل، ويفيض الرجاء.

 

وما بين القنوط والرحمة إلا لحظات، تتفتح فيها أبواب الرحمة، فتتفتح أبواب السماء بالماء.

 
أحبتي: لقد ختم الله تعالى الآية باسمين عظيمين وهما الولي الحميد، فـ (الْوَلِيُّ) هو الذي يتولى عباده بأنواع التدبير، ويتولى القيام بمصالح دينهم ودنياهم؛ وهو (الْحَمِيدُ) في ولايته وتدبيره، الحميد على ما له من الكمال، وما أوصله إلى خلقه من أنواع الإفضال.

وسمى الله المطر في هذا الموقف بالغيث؛ ليلقي في القلوب ظل الغوث والنجدة، وتلبية المضطر في الضيق والكربة.

 

وعبّر عن آثار الغيث بـ (وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ)، ليلقي في القلوب ظلال النداوة والخضرة والرجاء والفرح، التي تنشأ فعلاً عن تفتح النبات في الأرض وارتقاب الثمار.

 

وما من مشهد يريح الحس والأعصاب، ويندّي القلب والمشاعر، كمشهد الغيث بعد الجفاف.

 

وما من مشهد ينفض هموم القلب وتعب النفس كمشهد الأرض تتفتح بالنبت بعد الغيث، وتنتشي بالخضرة بعد الموات.

نعم أيها الأحبة: لقد فرح بهذه النعمة الصغار والكبار، والرجال والنساء، ترى البهجة والسرور في وجوههم؛ استبشاراً برحمة ربهم، فانطلقوا فرحين بسياراتهم إلى أماكن اجتماع السيول ونزول الأمطار زرافات ووحدنا، البشر يعلو وجوههم، والسعد يملأ قلوبهم؛ فلله الحمد رب العالمين.

أيها الأحبة: وبمناسبة نزول الأمطار، هذه بعض الوقفات على وجه الاختصار:

الوقفة الأولى: قال ربنا -سبحانه-: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا) [الفرقان:50]، إنّ في نزول الأمطار وتصريفها بين البلاد عبرةً وعظة لأولي الأبصار ، قال -تعالى-: (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا * وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا) [الفرقان:48-50].

 

إن علينا أن نتذكر بنزول المطر أن الله -تعالى- هو وحده القادر على إنزال الغيث، وأن من الخطأ العظيم أن يُنسَب إنزالُ المطر إلى غيره.

ثم إن علينا أن نتذكر -أيضاً- أن في إنزال المطر وإحياء الله الأرض بعد موتها عبرةً ودلالة على قدرته -تعالى- على إحياء الموتى يوم القيامة، قال -سبحانه-: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [فصلت:39].

الوقفة الثانية: قال الله -تعالى-: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) [إبراهيم:7]، المطر نعمة من نعم الله، تستوجب شكر المنعم -سبحانه- الذي أنزله علينا، فلولا فضله ورحمته ما سقينا.

 

وشكر الله بالثناء عليه بألسنتكم، والتحدث بنعمته، وشكر الله بالقيام بطاعته والإنابة إليه، بل والإكثار من شكره -سبحانه- سبب لحبّه؛ فهو يحب الشاكرين، ويزيد النعم عند شكرها، قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) [إبراهيم:7].

 

وقال -سبحانه-: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) [الأعراف:96].

 

وقال -سبحانه-: (أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ) [الواقعة:68-70].

 

فاللهم لك الحمد والشكر على آلائك التي لا تعد ولا تحصى، اللهم لو شئت لجعلت ماءنا أجاجاً، ولكن برحمتك جعلته عذباً زلالاً، فلك الحمد والشكر، لا نحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك.

 
ومن شكر الله على إنزال المطر أن يبادر المقصرون والمتلبسون بالأخطاء بالتوبة والاستغفار، والإقلاع عن الذنوب عموماً، التي تكون سبباً في منع القطر عن الأمة، ففي الأمة من ينطبق عليه قول النبي: "وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلاَّ أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَؤُنَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلاَّ مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ وَلَوْلاَ الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا" رواه ابن ماجه وحسنه الألباني.

 
فيا أيها المقصرون والمتهاونون: لا تكونوا سبب بلاء للأمة وضيق عليها، توبوا وارجعوا إلى بارئكم قبل أن تتخطفكم يد المنون.

 

أسأل الله -تعالى- أن يقبضنا صالحين، وأن يحشرنا مع النبيين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

 
الوقفة الثالثة: من السنن النبوية المأثورة ما علّمنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الأدعية والأذكار المتعلقة بالمطر، فقد كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- كما في البخاري إذا رأى المطر قال: "اللهم صيِّبا نافعا".

 

وعندما يتوقف المطر يقول: "مطِرنا بفضل الله ورحمته".

 

وإذا نزل المطر وخشي منه الضرَر دعا وقال: "اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظراب، وبطون الأودية ومنابت الشجر".

 
وجاء في الأثر بسند صحيح عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ -رضي الله عنهما-: أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَمِعَ الرَّعْدَ تَرَكَ الْحَدِيثَ وَقَالَ: سُبْحَانَ الَّذِى يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: "إِنَّ هَذَا الْوَعِيدَ لأَهْلِ الأَرْضِ شَدِيدٌ" رواه البخاري في الأدب المفرد والبيهقي وصححه الألباني.

ومن السنن الدعاء عند نزول المطر، وهو من مواطن استجابة الدعوة، فعن سهل بن سعد -رضي الله عنه- عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ثنتان ما تردان: الدعاء عند النداء (الأذان) وتحت المطر" رواه الحاكم وحسنه الألباني.

ومن السنن المأثورة عند نزول المطر، ما رواه أَنَسٌ -رضي الله عنه- قَالَ: أَصَابَنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَطَرٌ، قَالَ: فَحَسَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَوْبَهُ حَتَّى أَصَابَهُ مِنْ الْمَطَرِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟ قَالَ: "لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ تَعَالَى" رواه مسلم.

أيها الأحبة : ليحرص كل منا على هذه الأذكار والسنن، وعلينا أن نعلّمها أهلنا وأطفالَنا، ونرغبهم في حفظها والعملِ بها.

 

بارك الله لي ولكم...

 

الخطبة الثانية:

 
أيها الإخوة: ومما يحسن التذكير به في مثل هذه المناسبة، تذكير المسؤولين الذين يتولون الطرق ومصارف السيول بضرورة إتقان العمل، ومطالبة المقاولين والمنفذين بحسن العمل، وأن لا يرضوا بغير الإتقان؛ براءة لذممهم وذمم المقاولين.

ومما يجب التفطن له العناية بمسالك السيول وأماكن تجمعها من الأودية والتلاع والمسايل، والمحافظة عليها نظيفة وخالية من الحواجز والمباني، فما عند الله من الخير وما يرسله من الغيث لا حدود له، وعلى المتنفذين في كل بلاد الإسلام رعاية ذلك والعناية به.

 

ولا تنسينا أيام القحط وقلة الأمطار أيام كثرتها وتداركها، نسأل الله بمنه كرمه أن يدفع عنا والمسلمين الضر؛ إنه جواد كريم.

ومن الأخطاء التهاون بالنزول إلى الأودية والشعاب، وخوض السيول، لما يترتب على ذلك من أخطار وهلاك، وقد نقلت وسائل الإعلام وفاة بضعة عشر فرداً، منهم من مات بسبب تهاونه ومغامرته.

 
ومن المظاهر السيئة التي تصاحب نزول الأمطار ما يقوم به بعض الناس ممن يسيرون بسرعة في مياه الأمطار فيؤذون المارة، ويملؤون ثيابهم بالأوساخ.

 

ألا فليتق الله المسلم في إخوانه، ويعامل الناس بمثل ما يحب أن يعاملوه به، وأن يحذر كل الحذر من أذية المسلمين في طرقهم، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-، كما عند الطبراني بسند حسن: "مَن آذى المسلمين في طرقهم، وجبت عليه لعنتهم".

ومما يحسن التذكير به في مثل هذه المناسبة العناية بالبيئة، وعدم حرث البراري بالسيارات والدراجات النارية روحة وجيئة بلا هدف، والتفحيط فيها، مما أذهب الطبقة النباتية في البراري القريبة، وحرم الناس من الاستمتاع بجمال الخضرة، وأصحاب المواشي من الرعي فيها.

 

ثم ما يترتب على هذه التصرفات غير المسؤولة وغير المفيدة من حوادث راح ضحيتها أنفس، أو حدثت بسببها إصابات بالغة من كسور أو جروح، وربما فقد بعضهم الوعي وبقي ميتا بين الأحياء، وصار خسارة وعالة على أهله ووطنه، وما أكثر ذلك! فما من بيت من بيوتنا إلا وقد أصيب بشيء من ذلك، إلا ما رحم الله، وقليل ما هم!.

 
وعلى الأولياء القيام بمسؤولية الرعاية لمن تحت أيديهم، ابتداء من الوالي العام بالبلد، وانتهاء بالآباء والأمهات، فقد قال رسول الله: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته".

 

 

 

 

المرفقات

الله بنزول المطر ووقفات معه2

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات