فضل العمل وذم التسول

الشيخ محمد ابراهيم السبر

2025-02-14 - 1446/08/15 2025-02-12 - 1446/08/13
عناصر الخطبة
.1/أهمية العمل 2/ذم البطالة والكسل 3/التحذير من مسألة الناس أموالهم 4/انتشار التسول 5/ضرورة تحري وضع الصدقات في مصارفها الشرعية.

اقتباس

وَالْقَادِرُ عَلَى الْعَمَلِ وَالْاِكْتِسَابِ لَا تَحِلُّ لَهُ الصِّدْقَةُ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِ سُؤَالُ النَّاسِ؛ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ». رَوَاهُ أبُودَاودَ وَالتِّرْمِذِيُّ.

الخُطْبَة الأُولَى:

 

الحمد لله رب العالمين، مثيب العاملين المخلصين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولي المؤمنين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أكرم المرسلين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله الطاهرين وصحبه الأئمة المهديين وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أما بعد: فأوصيكم -أيها المؤمنون- ونفسي بتقوى الله؛ فهي العصمة من البلايا، والمنعة من الرزايا، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)[الطلاق: 2- 3].

 

عباد الله: لقد هيَّأ الله -تعالى- لعباده أسباب العيش بكرامة وأمان، يقول -تعالى-: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)[الملك: 15]. بل جعل العمل عبادةً يُؤجَر الإنسان عليها ويُثاب، قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده"(رواه البخاري). وقال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "والذي نفسي بيده، لأن يأخذ أحدكم حبله، فيحتطب على ظهره؛ خير له من أن يأتي رجلًا، فيسأله، أعطاه أو منعه"(رواه البخاري).

 

إن العمل المباح مهما قلَّ شأنه في أعين الناس واحتقروه إنما هو شرف يُعِزّ الله به أهله، ويُلبسهم به لباس الاستغناء عن الناس، وليس بعد أنبياء الله من قدوة يقتدى بها، فقد عملوا بأيديهم، وما نقص ذلك من قدرهم ومكانتهم؛ قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم"، فقال أصحابه: وأنت؟ قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة"(رواه البخاري).

 

ولقد آخى النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين المهاجرين والأنصار حين قدم المدينة، فآخى بين عبدالرحمن بن عوف، وسعد بن الربيع فعرض سعد على عبدالرحمن أن ينخلع له من نصف ماله فرفض، وقال: "دلوني على سوق المدينة"، فنزل السوق وعمل في التجارة، حتى أصبح من أغنياء الصحابة.

 

البطالة والمسألة باب مذمة وثوب ذلة؛ قال عمر بن الخطاب: "مكسبة فيها دناءة خير من مسألة الناس، وإني لأرى الفتى فيعجبني؛ فإذا قيل: لا حرفة له ولا عمل سقط من عيني".

 

المسألة تجعل صاحبها كلًّا على الناس، يتنكر له العارفون، ويستثقله الأقربون، وهناك طائفة من ذوي النفوس الضعيفة، اتخذوا من التسول حرفةً لهم، وقعدوا عن العمل المباح، وعاشوا عالةً على الناس، واتخذوا المساجد للتسول وإيذاء المصلين، واستدرار عطف الناس وشفقتهم، ليأكلوا أموالهم بالباطل والكذب والدجل، واستغلال الأطفال والنساء، وحسبوا التسول مغنمًا، وما علموا أنه ذُلّ في الدنيا، وخزي في الآخرة، قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "من سأل الناس أموالهم تكثراً، فإنما يسأل جمرًا فليستقل، أو ليستكثر"(رواه مسلم).

 

لقد نهى الإسلام عن التسول؛ لما فيه من ضرر وخطر على الأمن والأخلاق، ومخالفة الأنظمة والتعليمات بجمع الأموال بطرق غير مشروعة لجهات مشبوهة.

 

التسول دنو همة وكسل، وطمع يورث الهوان وانتزاع البركة واستحقاق الوعيد في الآخرة، قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله -تعالى- وليس في وجهه مزعة لحم"(متفق عليه).

 

لقد ربَّى النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المؤمنين على الاستغناء عن الخلق، والجدية في كسب الرزق الحلال؛ عن حكيم بن حزام، قال: سألت النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال: "إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بطيب نفس بُورِكَ له فيه، ومَن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى"(متفق عليه).

 

والقادر على العمل والاكتساب لا تحلّ له الصدقة، ويحرم عليه سؤال الناس؛ قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي"(رواه أبو داود والترمذي).

 

وأنتم ترون -عافاكم الله- كثرة المتسولين في هذه الأيام من ضعاف النفوس الذين اتخذوا المساجد والطرقات وسيلةً للتسول وفيهم الأغنياء، وفيهم الأصحاء والأقوياء على العمل، وهذا مسلك خطير، ينبغي التنبيه عليه، وتحذير المجتمع منهم، والإنكار عليهم؛ علَّهم يثوبوا إلى رشدهم، ويقلعوا عن صنيعهم.

 

فاتقوا الله -رحمكم الله-، واجتهدوا في مكافحة هذه الظاهرة التي كثرت، وتعددت أشكالها، وتذكروا أن في المجتمع مَن هم في عداد الفقراء والمحتاجين، ولكنّ نفوسهم الكريمة أغنتهم عن مسألة الناس؛ (يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ)[البقرة: 273].

 

اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وأغننا بفضلك عمن سواك.

 

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم، إنه هو البر الكريم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى.

 

وبعد: فاتقوا الله -عباد الله- حق التقوى، واتقوا الله في هذا المال فهو أمانة في أيديكم، خُذوه من حِلّه، وضعوه في محله، وتتثبّتوا من صدقاتكم لتقع في مصارفها الشرعية، عن طريق الجمعيات الرسمية الموثوقة.

 

اللهم صلِّ وسلِّم على محمد في الأولين والآخرين، وفي كل وقت وحين، وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، وأزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين. 

 

اللهم أعِزّ الإسلام والمسلمين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين.

 

اللهم وَفِّق خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده لما تحب وترضى، يا ذا الجلال والإكرام.

 

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)؛ فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

المرفقات

فضل العمل وذم التسول.pdf

فضل العمل وذم التسول.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات