فضل العلم ودور الأسرة في تطبيق الإجراءات الاحترازية

الشيخ أ.د عبدالله بن محمد الطيار

2022-01-28 - 1443/06/25 2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/مكانة العلم ومنزلته 2/الحث على طلب العلم 3/من فضائل العلم وثمراته 4/مما يعين على تحصيل العلم 5/رسالة للمعلمين والآباء والطلاب

اقتباس

تعلَّموا العلمَ؛ فإنَّ تعلمَه لله خشيةٌ، وطلبَه عبادةٌ، ومدارستَه تسبيحٌ، والبحثَ عنه جهادٌ، وتعليمَه صدقةٌ، وبذْلَه لأهلِه قُربةٌ, وهو الأنيسُ في الوحْدةِ، والصَّاحبُ في الخَلْوةِ، والدَّليلُ على الدِّينِ، والنَّصيرُ في السرَّاءِ والضَّراءِ...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

الحمدُ للهِ الذي خَلَقَ الإنسانَ وعلَّمه البيانَ, وأمدَّه بالفهمِ وحَبَاهُ بالتكريمِ، القائلِ –سبحانَه-: (وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا)[النساء: 113]، وَأَشْهَدُ أن لا إِلَهَ إِلّا اللهُ وحدهُ لا شَرِيكَ لَهُ، أعزَّ العلمَ وأهلّه وذمَّ الجهلَ وأهلَه، وَأَشْهَدُ أنّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه أعرفُ الخلقِ باللهِ وأخشَاهُم لهُ، صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وصحبِهِ وسلّم تسليمًا كثيرًا.

 

أمّا بعدُ: فاتّقُوا اللهَ -أَيُّهَا المؤمنونَ-؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون)[آل عمران:102].

 

عبادَ اللهِ: رَفَعَ اللهُ -تعالى- شأنَ العلمِ وأهلِه، وبيَّن مكانتَهم، وأعلى منزلتَهم، فقالَ في كتابهِ الكريمِ: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)[المجادلة: 11]، وأَمَرَ نبَّيه -صلى الله عليه وسلم- بدعائِه بقولِه: (رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا)[طه: 114]، فالعلمُ شرفٌ عظيمٌ لحاملِه، ولا يَجْهلُ قَدْرَه وفَضْلَه إلا الجاهلونَ، وهو الدليلُ المنيرُ في الظَّلماءِ، والأصلُ العاصمُ من الأهواءِ، وهو الأنيسُ في الوحْدةِ، والصَّاحبِ في الغربةِ، والمُحدِّثُ في الخَلوةِ، والحاكمُ المُفرِّقُ بينَ الشكِّ واليقينِ، والغيِّ والرشادِ، والهدى والضلالِ، وبه يَهْتدِيْ المؤمنونَ، ويَعْرِفُ اللهَ -تعالى- به العالِمُون، وهو زادُ العقولِ من الجهلِ، وحياةُ القُلوبِ من الموتِ، يقولُ -صلى الله عليه وسلم-: "‌مَنْ ‌سَلَكَ ‌طَرِيقًا ‌يَلْتَمِسُ ‌بِهِ ‌عِلْمًا؛ سَهَّلَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ"(رواه مسلم).

 

أيُّها المؤمنونَ: لقد اعتنى نبيُّنا -صلى الله عليه وسلم- بالعلمِ أشدَّ العنايةِ، ورغَّبَ فيه، وحثَّ عليه، يقولُ صفوانُ بنُ عسَّالِ المُراديِّ: أتيتُ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وهو مُتَّكِئٌ في المسجدِ على بُرْدٍ لهُ أحمرَ, فقلتُ لهُ: يا رسولَ اللهِ! إني جئتُ أطلبُ العِلْمَ, فقال: "مرحبًا بطالبِ العِلْمِ, إنَّ طالبَ العِلْمِ لتحُفَّهُ الملائكةُ وتَظُلَّهُ بأجنحتِها, ثم يركبُ بعضُهم بعضًا, حتَّى يبلغوا السماءَ الدُّنيَا؛ مِنْ حُبِّهِمْ لما يَطْلبُ"(رواه أحمد، وحسنه الألباني).

 

قال معاذٌ -رضي اللهُ عنه-: "تعلَّموا العلمَ؛ فإنَّ تعلمَه لله خشيةٌ، وطلبَه عبادةٌ، ومدارستَه تسبيحٌ، والبحثَ عنه جهادٌ، وتعليمَه صدقةٌ، وبذْلَه لأهلِه قُربةٌ, وهو الأنيسُ في الوحْدةِ، والصَّاحبُ في الخَلْوةِ، والدَّليلُ على الدِّينِ، والنَّصيرُ في السرَّاءِ والضَّراءِ، هو منـارُ سبيلِ الجنَّةِ، يَرْفَـُع اللهُ به أقوامًا يَجْعلُهم في الخيرِ قادةً وسادةً، يُقتدى بهم، يَدلُّ على الخيرِ، به يُطَاعُ اللهُ -عزَّ وجلَّ-، وبه يُعْبَدُ اللهُ -عزَّ وجلَّ-، وبه يُوحَّدُ اللهُ -عزَّ وجلَّ-، وبه يُمَجَّدُ الله -عزَّ وجلَّ-، وبه يَتورَّعُ الإنسانُ، وبه تُوصلُ الأرحام، وبه يُعرفُ الحلالُ والحرامُ، هو إمامُ العملِ يُلْهمُه السُعداءُ ويُحْرمُ منه الأشقياءُ".

 

وكان الإمامُ أحمدُ بنُ حنبلَ -رحمه اللهُ- يقولُ: "الناسُ إلى العلمِ أحوجُ منهم إلى الطَّعامِ والشَّرابِ؛ لأنَّ الرَّجلَ يحتاجُ إلى الطعامِ والشَّرابِ في اليومِ مرةً أو مرتينِ, وحاجتُه إلى العلمِ بعددِ أنفاسِه".

 

أيُّها المؤمنونَ: اعلموا أنَّ للعلمِ فضائلَ كثيرةً، ومن ذلك:

العلمُ ميراثُ الأنبياءِ؛ فهم لم يُورِّثُوا دينارًا ولا درهمًا "وَإنَّمَا وَرَّثُوا العِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بحَظٍّ وَافِرٍ"(رواه أَبُو داود والترمذي).

 

والعلمُ يبقى والمالُ يَفْنى، يقولُ -صلى الله عليه وسلم-: "‌إِذَا ‌مَاتَ ‌الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ"(رواه مسلم).

 

والعلمُ يَحْرسُ صاحبَه، ويَحْميْهِ من غوائلِ الكفرِ والإلحادِ، ويَرفَعُ مقامَ صاحبِه في الدُّنيَا والآخرةِ.

 

والخيرُ في طَلَبِه؛ لقولِه -صلى الله عليه وسلم-: "‌مَنْ ‌يُرِدِ ‌اللهُ ‌بِهِ ‌خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ"(رواه البخاري ).

 

وصاحبُه مغبوطٌ من النَّاسِ؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "‌لا ‌حَسَدَ ‌إِلَّا ‌فِي ‌اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالا فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ، وَرَجُلٍ آتَاهُ اللهُ حِكْمَةً فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا"(رواه البخاري).

 

والعلمُ نورٌ يَستضيءُ به العبدُ في طريقِه إلى الدَّارِ الآخرةِ، ويأخذُ بيدِ صاحبِه للوصولِ إلى الجنَّةِ.

 

بسم الله الرحمن الرحيم: (وَالْعَصْر* إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْر* إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر)[العصر: 1 - 3].

 

باركَ اللهُ لي ولكمْ في القرآنِ العظيمِ, ونفعني وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والعظاتِ والذِّكرِ الحكيمِ، فاسْتَغفروا اللهَ إنَّه هو الغفورُ الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ الذي علَّم بالقلمِ، علَّمَ الإنسانَ ما لم  يعلمْ،  وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ رَفَعَ مكانةَ العلماءِ وأعلى منزلتَهم، وأُصلِّي وأُسلِّم على أعلمِ الخلقِ بربِّهِ، صلَّى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِه أجمعين.

 

أما بعدُ: فاتَّقوا اللهَ -أيُّها المؤمنون-, واعلموا أنَّ من أهمِّ الأمورِ التي تُعينُ طُلابنَا وطالباتِنا على تحصيلِ العلمِ: تَقْوى اللهِ، والإخلاصِ، والنِّيةَ الصادقةَ في طَلَبهِ، والصِّدقَ في التَّعلمِ، ونفعِ الخلقِ، والدعاءَ، ومجاهدةَ النَّفسِ، وبذلَ الجهدِ والمالِ، والصَّبرَ من أجلِ ذلك، والجلوسَ إلى أهلِ العلمِ الموثوقينَ، واجتنابَ الذنوبِ والمعاصي، والحرصَ على الدعوةِ إليه.

 

وأنتم -أيُّها المعلمونَ والمعلمات- أَحْسنُوا النِّيةَ وأخْلِصوا العملَ للهِ في تعليمِ وتنويرِ القلوبِ, وإزالةِ الجهلِ عن أبناءِ المسلمينَ، وابْذلُوا أقصى جهودِكم من أجلِ إفادتِهم وتعليمهِم وتبصيرهِم ونُصحِهم، ووضِّحُوا لِطلَّابِكم وطالباتِكم آثارَ تطبيقِ الإجراءاتِ الاحترازيةِ والالتزامَ بما يَصْدرُ من وزارتيْ الصحةِ والتعليمِ في هذا الشأنِ, فقلوبُهم طيبةٌ، وفِطْرتُهم نقيَّةٌ طاهرةٌ، وهم ذخرُ الأمةِ وعمادُها، وهم القوةُ الكامنةُ في كلِّ أمةٍ، واحتسبوا أجورَكم على اللهِ، فما عندَه خيرٌ وأبقى.

 

وأنتم -أيُّها الآباءُ والأمهاتُ- عليكم مسؤوليةٌ كبيرةٌ في توعيةِ أولادِكم بالحرصِ على التعلِّمِ، والإفادةِ مما يُقدَّمُ إليهم من جهودٍ وإمكاناتٍ من أجلِ تَفوُّقهِم وتَمَيزِهم، وإيَّاكم والغفلةَ عنهم والتقصيرَ في حقِّهِم؛ فهم يحتاجونَ لوجودِكم وتوجيهِكم ونصحِكم، وشجِّعوهُم بالجدِّ والاجتهادِ والصَّبرِ والتحمُّلِ من أجلِ الوصولِ إلى طريقِ النجاحِ والتَّفوقِ في أمرِ الدِّينِ والدُّنيا، ونفعِ المجتمعِ والأمةِ، وكُونُوا قدوةً لهم في تطبيقِ الإجراءاتِ الاحترازيةِ؛ ليتحقَّقَ الخيرُ لكمْ ولهمْ.

 

وأنتم أيُّها -الطلابُ والطالباتُ- أُوصيكم ونفسي بتقوى اللهِ، والإخلاصِ في طَلَبِ العلمِ، وإجْهادِ النَّفسِ على العملِ به؛ فإنَّ العلمَ شجرةٌ والعملَ ثمرةٌ, وليس يُـعـدُّ عالمًا من لم يكنْ بعلْمِه عاملاً، وأنتم ترونَ ما تبذُله بلادُنا -حَرَسَها اللهُ- من الأموالِ والجهودِ من أجلِ تعليمِكم، فاحرصوا على الجمعِ بين أمرِ الدَّينِ والدُّنيا، وقُوموا بتحصيلِ العلمِ النافعِ وتطبيقِه، ونفعِ المجتمعِ بما حَبَاكُم اللهُ به منه، واسْعَوا في رقيِّ بلادِكم ورفعِ شأنِها بين الأممِ.

 

واحرصوا -باركَ اللهُ فيكم- على الالتزامِ بالإجراءاتِ الاحترازيةِ التي وَضَعتْهَا الجهاتُ المسؤولةُ؛ للمحافظةِ على صحَّتِكم وصحةِ أولادِكم، حتى تَتَحقَّقَ العودةُ الآمنةُ لهم في مدارسهِم ويَتَحقَّقَ الخيرُ لجميعِ فئاتِ المجتمعِ.

 

أسألُ اللهَ -تعالى- أن يوفَّقَ الجميعَ لما يُحبُّ ويرضى، وأن يحفظَ البلادَ والعبادَ، وأن يرفعَ الوباءَ عنَّا وعن المسلمينَ والعالمِ أجمع.

 

هذا وصلُّوا وسلِّموا على الحبيبِ المصطفَى, والقدوةِ المجتبى؛ فَقَد أمَرَكُم اللهُ بذلكَ فقالَ -جلَّ وعلا-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].             

 

 

المرفقات

فضل العلم ودور الأسرة في تطبيق الإجراءات الاحترازية.pdf

فضل العلم ودور الأسرة في تطبيق الإجراءات الاحترازية.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات