فضل العلم وأهمية التحصيل العلمي

الشيخ د صالح بن مقبل العصيمي

2022-01-21 - 1443/06/18 2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/علو قيمة العلم وأهميته 2/اهتمام الإسلام بالعلم النافع 3/ذم الجهل والجاهلين 4/عودة الدراسة 5/وصايا للطلاب والمعلمين.

اقتباس

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْوَظَائِفِ وَمِنْ أَنْبَلِ الْمِهَنِ وَمِنْ أَشْرَفِ الْأَعْمَالِ تَعْلِيْمَ النَّاسِ وَتَدْرِيْسهم؛ فَلَو عَلِمَ الْمُعَلِّمُ الْفَضْلَ الْعَظِيمَ الَّذِي يُحْدِثُه عَلَى هَذَا النَّاشِئِ، وَالْأَثَرَ الْكَبِيْرَ عَلَيْهِ؛ لَضَاعَفَ مِنْ جُهْدِهِ، وَبَذَلَ الْمَزِيدَ مِنْ وَقْتِهِ؛ فَهَذَا الْمُتَعَلِّمُ بَيْنَ يَدَيْكَ رَصِيْدٌ لَكَ عِنْدَمَا تَلْقَى اللهَ، فَيتخرج عَلَى يَدَيْكَ...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ؛ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلِّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.

 

أمَّا بَعْدُ: الْحَمْدُ للهِ الَّذِي خَلَقَ الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ، وَرَفَعَ شَأْنَ الْعِلْمِ؛ وَامْتَنَّ عَلى الإِنْسَانِ؛ فَعَلَّمَهُ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ، وَقَالَ لِنَبِيِّهِ الْكَرِيْمِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: (وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا)[النساء: 113]، وَقَالَ -تَعَالَى-: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير)[المجادلة:11]، بَلْ وَرَفَعَ اللهُ مِنْ شَهَادَةِ الْعُلَمَاءِ؛ فَقَال: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[آل عمران:18].

 

ولِاهْتِمَامِ الْإِسْلَامِ بِالْعِلْمِ فَقَدْ جَاءَتْ أَوَّلُ آيَاتِ الْقُرْآنِ أَمرًا بالْقِرَاءَةِ وَالتَّعَلُّمِ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)[العلق:1-5].

 

وَذَمَّ اللهُ -تَعَالَى- الْجَهْلَ وَالْجَاهِلِينَ، وَحَذَّرَ مِنْه، وَبَيَّنَ أَنَّهُ سَبَبُ إِعْرَاضِ الْمُعْرِضِينَ عَنْ دَعْوَةِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، وَأَنَّ النَّاسَ لِجَهْلِهِمْ كَذَّبُوا بِهِمْ، يَقُولُ اللهُ -تَعَالَى- مُخْبِرًا عَنْ قَوِلِ نُوْحٍ لِقَوْمِه: (وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ)[هود:29].

 

وَلَمْ يَجْعَلِ اللهُ -عَزَّ وجَلَّ- العُلَماءَ كَغَيْرِهِمْ؛ فَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ لا يَسْتَوُونَ، فَقَالَ -عَزَّ مِنْ قائِلٍ-: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ)[الزمر:9]؛ فكَيْفَ يَسْتَوِي الْعَالِمُ وَالْجَاهِلُ وَرَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "العُلَمَاءُ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ"(حَدِيْث صَحِيْح). وَأَيُّ شَيْءٍ وَرِثَ العُلَمَاءُ مِنَ الأَنْبِياءِ؟ إِنَّما وَرِثُوا العِلْمَ؛ "وَإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وإنَّما ورَّثُوا العِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ"، (رَوَاهُ التِّرْمِذيُّ بِسَنَدٍ صَحِيْحٍ).

 

إِنَّ لِلْعَالِمِ -إِخْوَةَ الإِيمانِ- فَضْلاً ومَزِيَّةً؛ وَفِي الْحَدِيْثِ الصَّحِيْح: "يستغفِرُ للعالمِ مَنْ في السَّماواتِ ومَن في الأَرْضِ حَتَّى الحِيتانَ في البَحْر"(رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةَ بِسَنَدٍ صَحِيْحٍ).

 

وأَخْبَرَنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- أَنَّ عَلَامَةَ فَلَاحِ الْمَرْءِ وَإِرَادَةِ الله الخَيْرَ لَهُ أَنْ يُفَقِّهَهُ فِيْ الدِّينِ؛ قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: "مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِيْ الدِّيْن"(رَوَاهُ البُخَارِي).

 

قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ -رَحِمَنَا اللهُ وَإيَّاه-: "إِنَّ الاِشْتِغَالَ بِطَلَبِ العِلْمِ أَفْضَلُ مَا تُنْفَقُ فِيْهِ نَفائِسُ الْأَوْقَاتِ"؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ فِيْ طَلَبِ الْعِلْمِ حِفْظَ النَّفْسِ وحِفْظَ الْغَيْر.

 

الاِشْتِغالُ بِطَلَبِ الْعِلْمِ -إِخْوَةَ الإِيْمَانِ- أَفْضَلُ ما تُنْفَقُ فِيهِ الأَوْقاتُ.. أَفْضَلُ مِنْ نَوافِلِ الْعِبَادَاتِ البَدَنِيَّةِ؛ لِأَنَّ نَفْعَ الْعِلْمِ يَعُمُّ صاحِبَهُ وَالنَّاسَ، وأَمَّا النَّوافِلُ البَدَنِيَّةُ؛ فَمَقْصُورَةٌ عَلَى صَاحِبِهَا، وَلِأَنَّ العِلْمَ مُصَحِّحٌ لِغَيْرِهِ مِنَ العِبَادَاتِ؛ فَهِيَ تَفْتَقِرُ إِلَيْهِ وتَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ الْعِلْمُ عَلَيْهَا؛ فَإِنَّ الْعَابِدَ الْجَاهِلَ قَدْ يَقُومُ بِعِبادَةٍ فاسِدَةٍ تَكُونُ وَبَالًا عَلَيْه، وَلِأَنَّ الْعِلْمَ يَبْقَى أَثَرُهُ بَعْدَ مَوْتِ صَاحِبِه، وَلِأَنَّ فِي بَقاءِ الْعِلْمِ إِحْيَاءً لِلشَّرِيعَةِ وَحِفْظًا لِمَعالِمِ الْمِلَّةِ؛ فَعِلْمُ الدِّيْنِ حَياةُ الإِسْلَامِ.

 

وَلِفَضْلِ الْعِلْمِ وَكَرَامَتِه؛ فَقَدْ طَلَبَ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- مِنَ الْعَبْدِ الصَّالِحِ صُحْبَتَهُ لِغَرَضِ التَّعَلُّم، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا * قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا)[الكهف:65-66].

 

وَأَخْبَرَ اللهُ -تَعَالَى- أنَّهُ آتَى كَلِيْمَه مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- نُوَرَ الْعِلْمِ، فَقَال: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)[القصص:14]، وَزَيَّنَ اللهُ -تَعَالَى- بِهِ نَبِيَّهُ الْكَرِيْمَ بنَ الْكَرِيْمِ يُوْسُفَ بْنَ يَعْقُوبَ -عَلَيْهِمَا السَّلَامُ-، فَقَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)[يوسف:22].

 

 وَقَالَ -تَعَالَى- عَنْ دَاوودَ وَوَلَدِهِ سُلَيْمَانَ -عَلِيْهَمَا السَّلَامُ-: (وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ)[النمل:15].

 

وَأَخْبَرَ فِيْ مَعْرِضِ الْمَنِّ بِالْفَضْلِ عَلَى نَبِيِّهِ الْكَرِيْمِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- بِقَوْلِه -تَعَالَى-: (وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا)[النساء: 113]، وَقَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا)[طه:114].

 

وَمِنْ فَضْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ هِدَايةٌ لِلصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيْمِ الَّذِي لَا عِوَجَ فِيْهِ، وَقَدْ قَالَ الْخَلِيْلُ إِبْرَاهِيمُ؛ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- لِأَبِيْه: (يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا)[الأنبياء: 43]، وأَهْلُ الْعِلْمِ هُمْ أَهْلُ الْبَصَائِرِ يَرَوْنَ مَا لا يَرَاهُ النَّاسُ عِنْدَ ادْلِهَامُ الْفِتَنُ، وَاشْتِدَادُ الْخَطْبُ، وَقَدْ قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي زَمَانِ قَارُونَ: (وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ)[القصص: 80].

 

 وَأَهْلُ الْعِلْمِ أَيْضًا هُمْ أَهْلُ الْخَشْيَةِ مِنَ اللهِ -تَعَالَى-، قَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ)[فاطر: 28]، وَهُمْ  أَهْلُ الْخَيْرِيَّةِ كَمَا قَالَ النَّبيُّ الْكَرِيْمُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: "مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَاللهُ يُعْطِي، وَلَنْ تَزالَ هَذِهِ الْأُمَّةُ قَائِمَةً عَلَى أَمْرِ اللهِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُم، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

 

وَطَرِيْقُ طُلَّابِ الْعِلْمِ هُوَ طَرِيقُ الْجَنَّةِ وَنَعِيْمِهَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَجَالِسُ الْعِلْمِ مَظَنَّاتُ السَّكِيْنَةِ وَالرَّحْمَةِ وَتَنَزُّلَاتِ الْمَلَائِكَة، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلِيْهِ وَسَلَّم-: "وَمَن سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فيه عِلْمًا، سَهَّلَ اللَّهُ له به طَرِيقًا إلى الجَنَّةِ، وَما اجْتَمع قَوْمٌ في بَيْتٍ مِن بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عليهمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ المَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَن عِنْدَهُ، وَمَن بَطَّأَ به عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ به نَسَبُهُ"(رَوَاهُ مُسْلِم).

 

وَعَنْ صَفْوَان بْنِ عَسَّالٍ -رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ- قَالَ: "أَتَيْتُ النَّبِيَّ وَهْوَ فِي الْمَسْجِدِ مُتَّكِئٌ عَلَى بُرْدٍ لَهُ أَحْمَرَ، فَقُلْتُ لَه: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي جِئْتُ أَطْلُبُ الْعِلْمَ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِطَالِبِ الْعِلْمِ، إِنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ تَحُفُّهُ الْمَلَائِكَةُ وَتُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا، ثُمَّ يَرْكَبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا حَتَّى يَبْلُغُوا السَّمَاءَ الدُّنْيَا مِن مَحَبَّتِهِمْ لِمَا يَطلبُ"(حَدِيْثٌ حَسَنٌ).

 

وَالْعَالِمُ الصَّالِحُ مُقَدَّمٌ فِي أَبْوَابِ الْفَضْلِ عَلَى الْعَابِدِ كَمَا جَاءَتْ بِذَلِكَ الْأَحَادِيْثُ، فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ الْكَرِيْمُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: "وإنَّ فضلَ العالمِ عَلَى العابدِ كَفَضْلِ القمرِ ليلةَ البدرِ عَلَى سَائِرِ الكواكبِ..."(رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه بِسَنَدٍ صَحِيْحٍ).

 

وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: "الدُّنْيَا مَلْعُوْنَةٌ، مَلْعُونٌ مَا فِيْهَا؛ إلَّا ذِكْرَ اللهِ وَمَا وَالَاهُ، وَعالِمًا وَمُتعلِّمًا"(حَدِيْثٌ حَسَنٌ).

 

وَالنَّاسُ مِنْ جِهَةِ التَّمْثِيلِ أَكْفَاءُ  *** أَبُوهُم آدَمٌ وَالْأُمُّ حَوَّاءُ

نَفْسٌ كَنَفْسٍ وَأَرْوَاحٌ مُشَاكِلةٌ *** وَأَعْظُمٌ خُلِقَتْ فِيْهِم وَأَعْضَاءُ

فَإِنْ يَكُنْ لَهُم مِنْ أَصْلِهِمْ نَسَبٌ  *** يُفَاخِرُونَ بِهِ فَالطِّيْنُ وَالْمَاءُ

مَا الْفَضْلُ إِلَّا لِأَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُمُ *** عَلَى الْهُدَى لِمَنِ اسْتَهْدى أَدِلَّاءُ

وَحَسْبُ كُلِّ امْرِئٍ مَا كَانَ يُحْسِنُهُ *** وَالْجَاهِلُونَ لِأَهْلِ الْعِلْمِ أَعْدَاءُ

فَفُزْ بِعِلْمٍ تَعِشْ حَيًّا بِهِ أَبَدًا *** النَّاسُ مَوْتَى وَأَهْلُ الْعِلْمِ أَحْيَاءُ

الْعِلْمُ يَرْفَعُ بَيْتًا لَا عِمَادَ لَه *** وَالْجَهلُ يَهْدِمُ بَيْتَ الْعِزِّ وَالشَّرَفِ

 

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلاً، وَاخْتِمْ بِالصَّالِحَاتِ آجَالَنَا.

 

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

 

أمَّا بَعْدُ: عِبَادَ اللهِ: إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْوَظَائِفِ وَمِنْ أَنْبَلِ الْمِهَنِ وَمِنْ أَشْرَفِ الْأَعْمَالِ تَعْلِيْمَ النَّاسِ وَتَدْرِيْسهم؛ فَلَو عَلِمَ الْمُعَلِّمُ الْفَضْلَ الْعَظِيْمَ الَّذِي يُحْدِثُه عَلَى هَذَا النَّاشِئِ، وَالْأَثَرَ الْكَبِيْرَ عَلَيْهِ؛ لَضَاعَفَ مِنْ جُهْدِهِ، وَبَذَلَ الْمَزِيدَ مِنْ وَقْتِهِ؛ فَهَذَا الْمُتَعَلِّمُ بَيْنَ يَدَيْكَ رَصِيْدٌ لَكَ عِنْدَمَا تَلْقَى اللهَ، فَيتخرج عَلَى يَدَيْكَ َمَنْ أَسَّسْتَهُم بِالْعِلمِ، وَعَلَّمْتَهُمْ الْحُرُوفَ وَالْكَلِمَات، وَمَتَى مَا احْتَسَبْتَ الْأَجَرَ؛ كَانَ فِي مَوازِينِ حَسَنَاتِك.

 

فَإنَّ الْمَدَارِسَ هِيَ الَّتِي تُخَرِّجُ الْعُلَمَاءِ وَالْأَطِبَّاءِ وَالْمُهَنْدِسِين، وَجَمِيْعُ مَنْ يَتَوَلَّونَ شُؤُونَ النَّاسِ وَيُؤْجَرُ مَنْ عَلَّمَهُمْ وَمَتَى مَا حَسُنَتْ نِيَّتُهُ؛ فَإِنَّ لَهُ مِثْلَ حَسَنَاتِهِمْ؛ فَلَا تَظُنَّ أَنَّ جُهُودَكَ تَذْهَبُ سُدًى، وَأَنَّ جُهْدَكَ لَا يَبْقَى لَهُ أَثَر، لَا وَاللهِ مَا ذَهَبَتْ عَبَثًا، وَمِثْلُ هَذَا الْكَلَامِ يَنْطَبِقُ عَلَى الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ، وَأَفْرَادِ الْأُسْرَةِ الَّذِيْنَ يُضَحُّونَ مِنْ أَجْلِ أَبْنَائِهِم، وَيَبْذُلُونَ الْغَالِيَ وَالنَّفِيْسَ لِلرَّفْعِ مِنْ شَأْنِهِم؛ فَعَلَيْهِم أَنْ يَصْبِرُوا وَيَتَحَمَّلُوا مِنْ أَجْلِ تَعْلِيمِ الْأَبْنَاءِ.

 

وَكَذَلِكَ عَلَى مُديْرِي الْمَدَارِسِ وَجَمِيْعِ مَنْسُوبِيْهَا، أَنْ يَفْرَحُوا بِهَذِهِ الْعَوْدَةِ الْحَمِيْدَةِ لِفَلْذَاتِ الْأَكْبَادِ، وَثَمَراتِ الْفُؤَادِ، وَقُرَّةِ الْعُيُونِ لِمَقَاعِدِ الدِّرَاسَةِ بَعْدَ انْقِطَاعٍ دَامَ سَنَتَيْنِ؛ بِسَبَبِ هَذَا الْوَبَاءِ الَّذي عَطَّلَ الْمَدَارِسَ، وَعَلَيْهِم أَنْ يَلْتَزِمُوا بِالتَّعْلِيمَاتِ الصَّادِرَةِ مِن جِهَاتِ الاخْتِصَاصِ، وَوَزَارَتَي الدَّاخِليَّةِ والصِّحَّةِ، وَالتَّنْفِيذُ الدَّقِيقُ لِتَوْجِيهَاتِهَا؛ لِلْمُحَافَظَةِ عَلَى هَذهِ الْأَرْوَاحِ، وَعَدَمِ التَّسَاهُلِ فِي تَطْبِيْقِهَا.

 

فَإِنَّ هَؤُلِاءِ الصِّغَارِ أَمَانَةٌ فِي أَعْنَاقِ إِدَارَاتِ الْمَدَارِسِ وَمَنْسُوبِيْهَا؛ فَهُمْ أَهْلٌ لِذلِكَ وَفَوْقَ التَّوجِيهِ، وَلَكِنْ يُقَالُ هَذَا مِنْ بَابِ التَّذْكِيرِ وَالتَّأْكِيدِ، كَذَلِكَ عَلَى الْأَبْنَاءِ أَنْ يَلْتَزِمُوا بِالتَّعْلِيْمَاتِ، وَألَّا يَتَسَاهَلُوا بِهَا، وَأَنْ يَعْلَمُوا بِأَنَّ هَذِه التَّوجيْهَاتِ وَهَذِهِ الاحْتِرَازَاتِ مَا هِيَ إِلَّا حِرصٌ عَلَى أَرْوَاحِهِمْ، وَمَحَبَّةٌ مِنْ وُلَاةِ الْأُمُوْرِ لَهُمْ، وَحِرْصٌ عَلَيْهِمْ، فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِن التَّسَاهُلِ فِي تَنْفِيذِ هَذِه التَّعْلِيمَاتِ، وَأَلَا تُعَطَّلَ هَذِهِ الْمَدَارِسُ بِسَبَبِ اسْتِهَانَةٍ أَو تَسَاهُلٍ مِن بَعْضِ مَنْسُوبِي التَّعْلِيْمِ.

 

حَفِظَنَا اللهُ بِحِفْظِهِ وَكَلَأَنَا بِعِنَايَتِهِ وَأَحَاطَنَا بِرِعَايَتِه.

 

اللَّهُمَّ احْفَظْنَا بِحِفْظِكَ، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى؛ وَاحْفَظْ لِبِلَادِنَا الْأَمْنَ وَالْأَمَانَ، وَالسَّلَامَةَ وَالْإِسْلَامَ، وَانْصُرِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا؛ وَانْشُرِ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِنَا؛ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ.

 

وَنَسْأَلُهُ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

 

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَقُومُوا إِلَى صَلَاتِكمْ يَرْحَمْكُمُ اللهُ.

 

المرفقات

فضل العلم وأهمية التحصيل العلمي.doc

فضل العلم وأهمية التحصيل العلمي.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات