فضل العشر الأواخر من رمضان

عبدالله بن صالح القصير

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: رمضان
عناصر الخطبة
1/محاسبة النفس 2/ التذكر بأنواع الطاعات في رمضان 3/ التفكر بتصرم الأعمار لاستغلال بقيتها 4/ فضل ليالي العشر 5/ فضل ليلة القدر 6/ أهمية تحري ليلة القدر

اقتباس

اعلموا أنكم تستقبلون في بقية شهركم -وآخره خير من أوله وفي كل خير- العشر الأواخر منه التي اختصها الله تعالى بالأجور الكثيرة والخيرات الوفيرة -إن ربك حكيم عليم- ولعل من حكمة ذلك أن يتبين المسارعون في الخيرات، المسابقون إلى المغفرة والجنات ..

 

 

 

 

 

الحمد لله، غافر الذنب مقيل العثار، أحمده سبحانه يقبل التوبة من عباده ويعفو عن السيئات، وهو الواحد القهار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق الخلق لعبادته وأمرهم بطاعته؛ ليفوزوا برضاه وجنته، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أخشى الناس لربه، وأعظمهم قياماً بعبادته، وشكراً لنعمته، وبعداً عن معصيته، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أئمة الأمة في السير على هداه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم لقاه.

أما بعد:

فيا أيها الناس: أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فقد أفلح عبد راقب الله واتقاه، وسارع إلى رضاه، واستجاب لأمره الذي به وصاه، فكان في عداد المتقين المبشرين بما جاء في الذكر المبين: ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ) [القمر:54-55].

أيها الناس: إن الله -عز وجل- إنما أعطاكم الدنيا؛ لتطلبوا بها الآخرة، ولم يعطكموها لتركنوا إليها، إن الدنيا تفنى وإن الآخرة تبقى، فلا تبطرنكم الفانية، ولا تشغلنكم عن الباقية، فآثروا ما يبقى على ما يفنى، فإن الدنيا منقطعة وإن المصير إلى الله، فلازموا تقوى الله، واسلكوا في دنياكم خير نهج يوصلكم إليه وإلى الفوز وبرضاه، واذكروا على الدوام المصير المحتوم، واذكروا القبر والبلى، والوحشة تحت أطباق الثرى، ومفارقة كل قريب وحبيب، والتجرد من كل جديد وطارف وتليد، واذكروا البعث والحساب يوم يحاسب العبد على النقير والفتيل والقطمير، ويجزى بما قدمت يداه ولا ينفع حميم حميماً إلا من رحمه مولاه ( اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ ) [الشورى:47].

أيها المسلمون: اتقوا الله واعلموا أنكم في شهر الصيام والقيام، وجزاؤهما للمؤمنين المحتسبين مغفرة الذنوب، وفي شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، من لدن علام الغيوب، وتذكروا أنكم في شهر القرآن، والقرآن يهدي للتي هي أقوم، وشهر الإحسان وربك بالمحسنين أرحم، وفي شهر الذكر وقد أعد ربكم للذاكرين والذاكرات مغفرة وأجراً عظيماً، وفي شهر الدعاء وقد أخبر ربكم أنه سبحانه قريب من داعيه يسمعه إذ يناجيه.

فآمنوا بربكم واستجيبوا له لعلكم ترشدون، وادعوه مخلصين له الدين لعلكم تفلحون، وتذكروا بتصرم الأشهر تصرم الأعمار، وبسرعة مضي اللحظات سرعة الوقوف بين يدي الواحد القهار، فقدموا لأنفسكم خيراً تجدوه، وتنافسوا في الصالحات تحمدوا العاقبة في الحياة وبعد الممات، وتوبوا إلى الله من أوزاركم فإنها حمل ثقيل، وإن أمامكم عقبة كؤوداً لا يتجاوزها إلا المخفون.

وإن الجنة -جعلنا الله وإياكم من أهلها- درجات، ومنزل الإنسان منها بحسب عمله ونفقته ابتغاء وجه مولاه؛ ففي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنك لن تعمل عملاً تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة ".

وفيه قال صلى الله عليه وسلم: " إنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة ".

وفي الصحيح أيضاً قال صلى الله عليه وسلم: " إنك لن تنفق نفقة إلا أُجرت عنها " وأخبر صلى الله عليه وسلم: " إن الأجر على قدر النفقة ".

(وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) [آل عمران:133-136].

أيها المؤمنون: اعلموا أنكم تستقبلون في بقية شهركم -وآخره خير من أوله وفي كل خير- العشر الأواخر منه التي اختصها الله تعالى بالأجور الكثيرة والخيرات الوفيرة -إن ربك حكيم عليم- ولعل من حكمة ذلك أن يتبين المسارعون في الخيرات، المسابقون إلى المغفرة والجنات، ممن يتبعون الشهوات ويستثقلون الطاعات ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ) [محمد:31].

( فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ) [العنكبوت:3].

أيها المؤمنون: لقد أقسم ربكم سبحانه بليالي العشر الأواخر من رمضان في قوله: ( وَلَيَالٍ عَشْرٍ ) [الفجر:2].

وفي ذلك تنبيه على شرفها وفضلها وعظم بركتها، وحث للمخاطبين على اغتنامها والتقرب إلى الله تعالى بما شرع فيها من أنواع الطاعات وجليل القربات، فإنها أفضل ليالي السنة على الإطلاق.

ومن شرفها أن فيها ليلة القدر بالاتفاق، وهي ليلة مباركة بنص الذكر؛ ففيه ( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) [القدر:3].

فالعمل فيها خير من ألف شهر خالية منها، وتلكم ثمانون سنة، وكم من معمر لم يستكملها.

وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنب ".

فهي ليلة تعظم فيها للقائمين الغنائم، وتحط الأوزار، وتغفر العظائم، ولذا كان نبيكم صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره، فكان إذا دخل العشر شد المئزر؛ أي اجتهد في العبادة، وشمر في الطاعة، واعتزل النساء، وتفرغ للإقبال على ربه بتلاوة القرآن والذكر والدعاء، وكان يحيى غالب ليله، ويوقظ أهله؛ لينافسوا في الغير ويفوزوا بعظم الأجر، ويشهدوا دعوة صالحي الأمة، ويحضروا مواطن تنزل الرحمة.

وقد قال تعالى: ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ) [الأحزاب:21].

فتنافسوا -رحمني الله وإياكم- في الاجتهاد في العمل الصالح طلباً للخير في هذه الليالي العظيمة، وإحياءً لهذه الشعائر الكريمة.

أيها المؤمنون: ومما يجب أن تعلموه أن ليلة القدر لم تحدد بليلة معينة من العشر، فإن الصحيح أنها تتنقل في تلك الليالي؛ فقد تكون في سنة ليلة إحدى وعشرين، وقد تكون في أخرى ليلة سبع وعشرين، وأنها تطلب في ليالي الشفع كما تطلب في ليالي الوتر، فكل ليالي العشر وتر، فتطلب ليلة ست وعشرين كما تطلب ليلة سبع وعشرين، فإن ليالي الوتر وتر بالنسبة لما مضى، وليالي الشفع وتر بالنسبة لما بقي، ولذا قال صلى الله عليه وسلم: " تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان ". وفي رواية أخرى قال: " تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان ".

وإنما أخفاها الله تعالى على عباده؛ ليكثر اجتهادهم فيها، وتظهر رغبتهم في طلبها؛ فتكثر أعمالهم، وتعظم أجورهم، فإن المجتهد في ليالي العشر يفوز بها قطعاً، فيحصل على ثوابها وعلى ثواب اجتهاده في طلبها في الليالي الأخرى، فإن أجره على قدر نيته ونية المؤمن خير من عمله.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ( حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ * أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ * وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ) [الدخان:1-6].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الهدى والذكر الحكيم، وسبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

 

 

المرفقات

781

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات