فضل الصلاة والسلام على محمد خير الأنام (1)

الشيخ عبدالله بن علي الطريف

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: التربية
عناصر الخطبة
1/ معنى الصلاة على النبي 2/ بعض فضائلها وفوائدها

اقتباس

ومنها: أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم سبب لإلقاء الله سبحانه وتعالى الثناء الحسن للمصلي عليه بين أهل السماء والأرض، وسبب للبركة في ذات المصلي وعمله وعمره وأسباب مصالحه؛ لأن المصلي طالب من الله أن يثنيَ على رسوله ويكرمَه ويشرفَه، وأن يباركَ عليه وعلى آله؛ والجزاء من جنس العمل ..

 

 

 

 

أما بعد: يقول الله -تعالى-: (إِن اللّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلّونَ عَلَى النّبِي يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا صَلّوا عَلَيْهِ وَسَلّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].

أيها الإخوة: في هذه الآية الكريمة خبر وأمر وتأكيد؛ أما الخبر: إن الله -تعالى- يخبر بأنه -سبحانه- وملائكته يصلون على النبي، وهو خبر مؤكد منه -سبحانه- وهو القائل عن نفسه: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً) [النساء:122]، والقائل: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثًا) [النساء:87].

نعم أحبتي، الله العلي بذاته فوق عرشه، العلي بقهره لجميع االمخلوقات، العلي بقدره لكمال صفاته، الله العظيم الذي يتضاءل عند عظمته جبروت الجبابرة، وتصغر في جانب جلاله أنوف الملوك القاهرة، من له العظمة العظيمة، والكبرياء الجسيمة، والقهر والغلبة لكل شيء، يصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم-.

بل ويخبر -سبحانه- بأن كل الملائكة المكرمين في كل السماوات والأرض يصلون على النبي، الملائكة، ذلكم العالم الغيبي من مخلوقات الله، والذين لا يحصيهم ولا يعلم عددهم إلا الله -عز وجل-، ويكفي أن نتصور كثرتهم إذا علمنا أن الْبَيْتَ الْمَعْمُور يَدْخُلُهُ كُل يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْف مَلَك لا يَعُودُونَ إِلَيْهِ آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ، كما في الصحيح.

الملائكة الذين أَطتْ السَّمَاءُ لكثرتهم، وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِط، أي: ظهر لها صوت كصوت الرحل من كثرتهم، فمَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لهَِ، كما في الحديث الحسَن. نعم! كل هذا العدد الضخم من الملائكة يصلّون على النبي -صلى الله عليه وسلم-.

محبي محمد -صلى الله عليه وسلم-: أما الأمر: فهو: (يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا صَلوا عَلَيْهِ وَسَلمُوا تَسْلِيمًا)، أي: ادعوا الله أن يثني عليه بين الملائكة وفي الملأ الأعلى لمحبته -تعالى- له، وأن يثني عليه الملائكة المقربون، ويدعوا له ويتضرعوا؛ وذلك لكماله -صلى الله عليه وسلم-، ورفعة درجته، وعلو منزلته عند اللّه وعند خلقه، ورفع ذكره.

(يَا أَيّهَا الذِينَ آمَنُوا صَلوا عَلَيْهِ) اقتداءً باللّه وملائكته، (صَلّوا عَلَيْهِ) جزاءً له على بعض حقوقه عليكم، (صَلّوا عَلَيْهِ) تكميلاً لإيمانكم، (صَلّوا عَلَيْهِ) تعظيمًا له -صلى الله عليه وسلم-، ومحبةً وإكرامًا، (صَلّوا عَلَيْهِ) زيادةً في حسناتكم، وتكفيرًا من سيئاتكم.

يقول ابن القيم -رحمه الله تعالى- في جلاء الأفهام: "إن الله -سبحانه- أمر بالصلاة عليه عقب إخباره بأنه وملائكته يصلون عليه، والمعنى أنه إذا كان الله وملائكته يصلون على رسوله فصلوا أنتم عليه؛ فأنتم أحق بأن تصلوا عليه، وتسلموا تسليمًا؛ لما نالكم ببركة رسالته ويُمْن سفارته من شرف الدنيا والآخرة". اهـ.

أيها الأحبة: أما قوله: (وَسَلمُوا تَسْلِيمًا) أي ادعوا الله أن يسلمه تسليمًا تامًا، ومما يسلمه في حياته يسلمه من الآفات الجسدية والآفات المعنوية، وبعد موته يسلمه من الآفات المعنوية، بمعنى أن تسلم شريعته من أن يقضىَ عليها قاضٍ، أو ينسخها ناسخ، ويسلم جسده الشريف بأن لا يعتدِي عليه أحدٌ بعد موته في قبره.

وقال شيخنا محمد بن عثيمين: "فإن ضُمَّ السلام إلى الصلاةِ حصلَ به المطلوب، وزال به المرهوب؛ فبالسلام يزول المرهوب وتنتفي النقائص، وبالصلاة يحصل المطلوب وتثبت الكمالات". اهـ.

محبي محمد -صلى الله عليه وسلم-: لقد تواترت السنة الصحيحة في بيان فضل الصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأَجْرِها، وقد رواها أربعون صحابيًا، منهم ثلاثة من الخلفاء الراشدين، وخمسة من العشرة المبشرين.

وقد ذكر ابن القيم -رحمه الله- تسعًا وثلاثين فائدة للصلاة والسلام على النبي -صلى الله عليه وسلم-، نذكر منها: امتثال أمر الله -سبحانه وتعالى- حيث قال: (إِن اللّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلّونَ عَلَى النّبِي يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا صَلّوا عَلَيْهِ وَسَلّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

ومنها: حصول المصلي مرة واحدة عليه على عشر صلوات، وعشر حسنات، ويمحى عنه عشر سيئات، ويرفع عشر درجات؛ فعَنْ أَبِي طَلْحَةَ -رضي الله عنه- أَن رَسُولَ اللّهِ -صلى الله عليه وسلم- جَاءَ ذَاتَ يَوْمٍ، وَالْبُشْرَى فِي وَجْهِهِ، فَقُلْنَا: إِنّا لَنَرَى الْبُشْرَى فِي وَجْهِكَ!! فَقَالَ: "إِنّهُ أَتَانِي الْمَلَكُ فَقَالَ: يَا مُحَمدُ، إِن رَبّكَ يَقُولُ: أَمَا يُرْضِيكَ أَنّهُ لَا يُصَلّي عَلَيْكَ أَحَدٌ إِلا صَليْتُ عَلَيْهِ عَشْرًا، وَلَا يُسَلمُ عَلَيْكَ أَحَدٌ إِلا سَلّمْتُ عَلَيْهِ عَشْرًا".

وعن أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَلى عَلَي صَلَاةً وَاحِدَةً صَلى اللَهُ عَلَيْهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ، وَحُطتْ عَنْهُ عَشْرُ خَطِيئَاتٍ، وَرُفِعَتْ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ". رواهما النسائي وحسنهما الألباني.

إن الصلاة عليه سببٌ لحصول شفاعته يوم القيامة، فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أن رسول الله قال: "مَنْ صلى علي واحِدَة صَلى اللهُ عليه عَشْرًا".

وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَلى عَلَي حِينَ يُصْبِحُ عَشْرًا وحِيْنَ يُمْسِى عَشْرًا أدْرَكَتْهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ". رواه الطبراني عن أبي الدرداء، وحسنه الألباني.

إن الصلاة عليه سببٌ لمغفرةِ الذنوب، وكفاية الله العبد ما أهمه؛ عَنْ أُبَي بْنِ كَعْبٍ -رضي الله عنه- قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللَيْلِ قَامَ فَقَالَ: "يَا أَيهَا النَاسُ: اذْكُرُوا اللَهَ اذْكُرُوا اللَهَ؛ جَاءَتْ الرَاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَادِفَةُ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ"، قَالَ أُبَيٌ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَهِ: إِنِي أُكْثِرُ الصَلاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلاتِي؟! فَقَالَ: "مَا شِئْتَ"، قَالَ: قُلْتُ: الرُبُعَ؟! قَالَ: "مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ"، قُلْتُ النِصْفَ؟! قَالَ: "مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ"، قَالَ قُلْتُ: فَالثُلُثَيْنِ؟! قَالَ: "مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ"، قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَهَا؟! قَالَ: "إِذًا تُكْفَى هَمَكَ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ". رواه الترمذي وصححه الألباني.

فصلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه.

 

 

الخطبة الثانية:

ومنها: أن الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- سبب لإلقاء الله -سبحانه وتعالى- الثناء الحسن للمصلي عليه بين أهل السماء والأرض، وسبب للبركة في ذات المصلي وعمله وعمره وأسباب مصالحه؛ لأن المصلي طالب من الله أن يثنيَ على رسوله ويكرمَه ويشرفَه، وأن يباركَ عليه وعلى آله؛ والجزاء من جنس العمل، "ودَعْوَةُ الْمَرْءِ مُسْتَجَابَةٌ لأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ، عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ يُؤَمِنُ عَلَى دُعَائِهِ كُلَمَا دَعَا لَهُ بِخَيْرٍ، قَالَ: آمِينَ، وَلَكَ بِمِثْلِهِ". كما صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلا بد أن يحصل للمصلي نوع من ذلك.

ومنها: أنها سبب لعرض اسم المصلي عليه -صلى الله عليه وسلم-، وذكره عنده، كما صحّ عنه أنه قال: "أَكْثِرُوا عَلَي مِنْ الصَلَاةِ فِيهِ -أي: يوم الجمعة- فَإِنَ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَي". وكفى بالعبد نبلاً أن يذكر اسمه بالخير بين يدي رسول الله.

ومن فوائد الصلاة والسلام على رسولنا أنها سبب لدوام محبة الرسول وزيادتها وتضاعفها، وذلك عقد من عقود الإيمان الذي لا يتم إلا به؛ لأن العبد كلما أكثر من ذكر المحبوب واستحضاره في قلبه، واستحضار محاسنه، ومعانيه الجالبة لحبه؛ تضاعف حبه، وتزايد شوقه إليه، واستولى على جميع قلبه؛ وإذا أعرض عن ذكره وإحضار محاسنه بقلبه نقص حبه من قلبه، ولا شيء أقر لعين المحب من رؤية محبوبه، ولا أقر لقلبه من ذكره وإحضار محاسنه؛ فإذا قوي هذا في قلبه جرى لسانه بمدحه والثناء عليه وذكر محاسنه، وتكون زيادة ذلك ونقصانه بحسب زيادة الحب ونقصانه في قلبه.

ومن فوائد الصلاة عليه أنها سبب لمحبته للعبد؛ فإنها إذا كانت سببًا لزيادة محبة المصلى عليه له فكذلك هي سبب لمحبته هو للمصلي عليه.

ومنها: أنها سبب لهداية العبد وحياة قلبه؛ فإنه كلما أكثر الصلاة عليه وذكره واستولت محبته على قلبه حتى لا يبقى في قلبه معارضة لشيء من أوامره، ولا شك في شيءٍ مما جاء به؛ بل يصير ما جاء به مكتوبًا مسطورًا في قلبه لا يزال يقرؤه على تعاقب أحواله، ويقتبس الهدى والفلاح وأنواع العلوم منه، وكلما ازداد في ذلك بصيرةً وقوةً ومعرفةً ازدادت صلاته عليه.
 

 

 

 

المرفقات

الصلاة والسلام على محمد خير الأنام 1

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات