فضل التوحيد وسبل تعزيز المواطنة الصالحة

الشيخ عبدالله بن علي الطريف

2020-09-18 - 1442/02/01 2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/عظم أمر التوحيد وفضله 2/من ثمرات التوحيد وفضائله 3/ما منَّ الله به على المملكة من نشر التوحيد والقيام به 4/مظاهر المواطنة الصالحة 5/تعزيز المواطنة الحقة

اقتباس

ومن فضائل التوحيد: أنه إذا تم وكمل في قلب العبد, وتحقق تحققاً كاملاً بالإخلاص التام، صَيَّرَ القليل من عمله كثيراً، وتضاعفت أعماله وأقواله بغير حصر ولا حساب، ورجحت كلمة الإخلاص في ميزان العبد بحيث لا تُقَابِلها السماوات والأرض...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

الحمدُ للهِ على نعمائِه, والشكرُ له على توفيقِه وعطائِه, وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَهُ لا شريكَ له المتفردُ بكبريائِه، أعطى فأجزل ومنحَ فتفَضَّل, وأشهد أن محمداً عبدُ الله ورسولُه ومصطفاهُ وخليلُه, أدى الرسالةَ, ونصحَ الأمةَ, وجاهدَ في اللهِ حقَ جهادِه حتى أتاه اليقين، بعد أن أتم الله به الدين, فصلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه, ما اتصلت عينٌ بنظر, وأذنٌ بخبر, وسلم تسليماً كثيراً, أما بعد:

 

أيها الإخوة: اتقوا الله حق التقوى, واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى.  

 

أيها الأحبة: إذا ذُكِرت نِعَمُ الله وعُدَّت, فإن أجلَّها وأفضلَها توحيدُ الله وإفرادُه بالعبادة؛ إنها النعمةُ التي تصغرُ بجنبها كلُ النعم، والمنحةُ الكبرى التي لا تدانيها منحة؛ لذلك فإن نعمةَ التوحيدِ والإيمان هي أجلُ نعمة؛ لذلك أنكر الله على بعض الناسِ مِنْتَهم بإسلامِهم فقال: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)[الحجرات:17].

 

فالمنة لله -تعالى- عليهم، فكما أنه -تعالى- يمن عليهم بالخلق والرزق، والنعم الظاهرة والباطنة، فمنته عليهم بهدايتهم إلى الإسلام، ومنته عليهم بالإيمان، أعظم من كل شيء؛ من حُرِمَها حُرِمَ الخيرُ كلُه، وانْصَبَ عليه الشرُ كلُه، من أَجْلِها خلقَ اللهُ الجنَ والإنس، وبعثَ جميعَ الرسلِ يدعون إليها، وهي عبادته، المتضمنةُ لمعرفتِه ومحبتِه، والإنابةِ إليه والإقبالِ عليه، والإعراضِ عما سواه.

 

وتمام العبادة متوقف على المعرفة بالله، بل كلما ازداد العبد معرفة لربه، كانت عبادته أكمل, ولأجلها خلق اللهُ المكلفين، فما خلقهم لحاجته إليهم وإنما خلقهم لعبادته, فقال -عز من قائل-: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ* مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ* إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ)[الذاريات:56-58] 

 

قال الشيخ السعدي -رحمه الله-: وللتوحيد الله فوائد عظيمة, وفضائل كثيرة لا تحصى لكثرتها, نذكر ما تيسر منها:

أن التوحيد هو السبب الأعظم لتفريج كربات الدنيا والآخرة ودفع عقوبتهما, وأنه يكفرُ الذنوب, ومن أجل فوائده أنه يمنع الخلود في النار, إن كان في القلب منه أدنى مثقال حبة خردل, وإذا كمُلَ في القلب منع دخول النار بالكلية, ويحصل لصاحبه به الهدى الكامل، والأمن التام في الدنيا والآخرة, وهو السبب الوحيد لنيل رضا الله وثوابه، وأسعد الناس بشفاعة محمد -صلى الله عليه وسلم- من قال: لا إله إلا الله خالصا من قلبه.

 

ومن أعظم فضائله: أن جميع الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة متوقفة في قبولها وفي كمالها, وفي ترتيب الثواب عليها على التوحيد، فكلما قوي التوحيد والإخلاص لله كملت هذه الأمور وتمت, ومن فضائله أنه يسهل على العبد فعل الخيرات وترك المنكرات, ويسليه عن المصيبات, فالمخلص لله في إيمانه وتوحيده تَخِفُ عليه الطاعات؛ لما يرجو من ثواب ربه ورضوانه, ويهون عليه ترك ما تهواه النفس من المعاصي؛ لما يخشى من سخط الله وعقابه, والتوحيد إذا كمل في القلب حَببَ اللهُ لصاحبه الإيمانَ وزينه في قلبه, وكره إليه الكفر والفسوق والعصيان, وجعله من الراشدين.

 

ومن فوائده: أنه يخففُ عن العبد المكاره ويهون عليه الآلام، فبحسب تكميل العبد للتوحيد والإيمان يتلقى المكاره والآلام بقلب منشرح, ونفس مطمئنة, وتسليم ورضا بأقدار الله المؤلمة, ومن أعظم فضائله أنه يحرر العبد من رق المخلوقين والتعلق بهم وخوفهم ورجائهم والعمل لأجلهم، وهذا هو العز الحقيقي والشرف العالي، ويكون مع ذلك متألهاً متعبداً لله لا يرجو سواه, ولا يخشى إلا إياه, ولا ينيب إلا إليه، وبذلك يتم فلاحُه ويتحقق نجاحه.

 

ومن فضائل التوحيد: أنه إذا تم وكمل في قلب العبد, وتحقق تحققاً كاملاً بالإخلاص التام، صَيَّرَ القليل من عمله كثيراً، وتضاعفت أعماله وأقواله بغير حصر ولا حساب، ورجحت كلمة الإخلاص في ميزان العبد بحيث لا تُقَابِلها السماوات والأرض، وعمارها من جميع خلق الله.

 

هذا قليل من كثير من فوائد التوحيد وفضائله, فلله الحمد أن هدنا إليه, وجعل بلادنا راعية له وقائمة عليه.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد. 

 

 

الخطبة الثانية:

 

أما بعد: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)[التوبة:119].

 

هذا هو التوحيد وهذا فضله، وإن بلداً جعل التوحيدَ له منهجاً والعقيدةَ الصحيحةَ دستوراً؛ لجديرٌ بالحب والانتماء، وحقٌ لقادته الطاعة والوفاء، ووحدة الصف خلفهم, كما أمر ربنا بذلك بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا)[النساء:59]؛ قال الشيخ السعدي: "وأمر الله بطاعة أولي الأمر, وهم الولاة على الناس، من الأمراء والحكام والمفتين، فإنه لا يستقيم للناس أمر دينهم ودنياهم إلا بطاعتهم والانقياد لهم؛ طاعة لله ورغبة فيما عنده، ولكن بشرط أن لا يأمروا بمعصية الله، فإن أمروا بذلك فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق".  

 

أيها الإخوة: الوطنُ مستقرُ الإنسانِ في حياتِه، ومسقطُ رأسِه، وراحةُ فؤاده، فهو نعمةٌ ومنّة مَنَّ اللهُ -سبحانه وتعالى- بها على عبادِه، وإذا جمع الوطن توحيداً خالصاً, وأمناً مستتباً، وسلطاناً يرعى مصالح الأمة؛ كان من الواجب تعزيز الانتماء لهذا الوطن والمحافظة عليه. 

 

والمواطنة الصالحة ليست بالحديث المجرد، ولا بالأماني الكاذبة, المواطنة الصالحة لها دلالاتها وبراهينها, وليست مجرد ادعاء لا أساس له, فالمواطن المنتمي لوطنه الحريص على أمنه واستقراره ورخائه، هو المواطن المستقيم على شرع الله المخلص في عبادته، المؤتمر بأمر الله والمنتهي بنهيه, والمطيعُ لولاةِ أمره بالمعروف، وعليه فإن الاستقامة أهم عمل يعزز الانتماء؛ فصلاح الفرد لبنة في صلاح المجتمع, فإذا صلح المجتمع طابت الحياة, وزاد الأمن والرخاء, قال لله -تعالى-: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)[الأنعام:82]، الأمن من المخاوفِ والعذاب والشقاء، والهدايةُ إلى الصراط المستقيم.

 

فإن كانوا لم يلبسوا إيمانهم بظلمٍ مطلقاً، لا بشرك، ولا بمعاص، حصل لهم الأمن التام، والهداية التامة, وإن كانوا لم يلبسوا إيمانهم بالشرك وحده، ولكنهم يعملون السيئات، حصل لهم أصل الهداية، وأصل الأمن، وإن لم يحصل لهم كمالها, ومفهوم الآية الكريمة: أن الذين لم يحصل لهم الأمران، لم يحصل لهم هداية ولا أمن، بل حظهم الضلال والشقاء, ويقول -سبحانه-: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ)[الأعراف:96]؛ أي: لفتح عليهم بركات السماء والأرض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم، في أخصب عيش وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كد ولا نصب.

 

والمنتمي لوطنه المحبُ له يفخرُ بإنجازاتِه, ويفرحُ بالخير الذي يحققُه، إن سمع به أو رءاه، ويبذلُ الجهدَ ويستفرغُ الوسعَ لبنائه، ويتفاءل بمستقبلِه، ويحزنُ لأي مصاب أو ضرر يصيبه.

 

هذه المعاني الكريمة حق على الوالدين والمعلمين والمعلمات، وكل داعية ومربٍ تحقيقها بأنفسهم؛ ليكونوا قدوة للكبير والصغير من الأسرة وغيرهم، مع التأكيد الفعلي والقولي عليها، والتوجيه المباشر بالقول، ويتأكد ذلك عند مخالفتها أو تجاهلها.

 

زادنا الله من فضله, ووفقنا للاستقامة على دينه؛ إنه جواد كريم.

 

المرفقات

فضل التوحيد وسبل تعزيز المواطنة الصالحة.doc

فضل التوحيد وسبل تعزيز المواطنة الصالحة.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات