فضل البنات

ناصر بن محمد الأحمد

2016-04-28 - 1437/07/21
عناصر الخطبة
1/ شدة اهتمام الإسلام بالأسرة 2/ الانزعاج من إنجاب البنات من أخلاق الجاهلية 3/ عظم الأجر في تربية البنات 4/ مكانة البنت في الإسلام 5/ شروط الفوز بأجر تربية البنات 6/ صور من ظلم البنات في المجتمع 7/ جواز عرض الرجل بناته على الأكفاء 8/ الحث على حسن اختيار أزواج البنات.

اقتباس

البنات نعمة وهبة من الله، وفضلهنّ لا يخفى، هنّ الأمهات، هنّ الأخوات، هنّ الزوجات، جعل الله البنت مفتاح الجنة لوالديها، تُسهّل لهما الطريق إليها، تبعدهم عن النار، بل تضمن لهم أن يحشروا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- لمن أحسن إليهنّ، فهنيئاً لك أبا البنات بهذا الشرف من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كيف لا وأنت بإحسان تربيتهنّ تُعدُّ شَعباً وتبني مجداً، فعن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من كان له ثلاث بنات فصبر عليهنّ وأطعمهنّ وسقاهنّ وكساهنّ من جدته كن له حجابًا من النار يوم القيامة" (رواه ابن ماجه وأحمد).

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله ..

 

أما بعد: أيها المسلمون: اهتم الإسلام بالأسرة، وعني بها عناية فائقة، فهي الوحدة الأساسية، والركيزة الكبرى التي تتكون منها المجتمعات، وتنبثق منها العلاقات الاجتماعية، وركز الإسلام على العناية بجميع أفراد الأسرة، وقرر لهم حقوقاً وألزمهم بواجبات، وراعى التوازن بينها.

 

ولأن الأطفال بهجة الوجود وأمل الأسرة، فقد شرع الإسلام لهم حقوقاً كثيرة، وأوجب العناية بهم ذكراً كان أو أنثى، وألاّ ينزعج الوالدان حين يرزقان بالبنت. فالانزعاج لذلك من أخلاق الجاهلية التي أنكرها الإسلام ونبذها: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ، يَتَوَارَى مِنْ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُون) [النحل:58، 59].

 

كان العرب في جاهليتهم ينتقصون الأنثى ويعدونها عاراً، فجاء الإسلام فأبطل هذه النظرة المقيتة، وأبرز مكانة الأنثى، ورغّب في تربية البنات، ورتّب على ذلك الثواب العظيم.

 

وأفضل الخلق، وأزكى البشر، وخاتم الرسل -عليه الصلاة والسلام- ما عاش له من الولد إلا البنات، وذلك من أعظم الفخر للبنات، وفيه تسلية لمن لم يرزق من الولد إلا البنات.

 

عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أن امرأة جاءت إليها ومعها بنتان لها، قالت: فسألتني فلم تجد عندي غير تمرة واحدة، فأعطيتها إياها، فأخذَتها فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل منها شيئًا، ثم قامت فخرجت وابنتاها، فَدَخَلَ عَلَيَّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- فحدثتهُ حديثها، فقال –صلى الله عليه وسلم-: "من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهنّ كنّ له سترًا من النار" (رواه البخاري ومسلم).

وفي لفظ: "إن الله قد أوجب لها بها الجنة، وأعتقها بها من النار".

 

قال العلامة القرطبي -رحمه الله-: "قوله -صلى الله عليه وسلم-: "بشيءٍ من البنات" يفيد بعمومه أن الستر من النار يحصل بالإحسان إلى واحدةٍ من البنات، فأما إذا عال زيادة على الواحدة فيحصل له زيادة على الستر من النار، وهو السبق مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الجنة كما في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "من عال جاريتين - أي: بنتين - حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو" وضم أصابعه -عليه الصلاة والسلام-. (رواه مسلم).

 

البنات نعمة وهبة من الله، وفضلهنّ لا يخفى، هنّ الأمهات، هنّ الأخوات، هنّ الزوجات، جعل الله البنت مفتاح الجنة لوالديها، تُسهّل لهما الطريق إليها، تبعدهم عن النار، بل تضمن لهم أن يحشروا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- لمن أحسن إليهنّ، فهنيئاً لك أبا البنات بهذا الشرف من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كيف لا وأنت بإحسان تربيتهنّ تُعدُّ شَعباً وتبني مجداً، فعن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من كان له ثلاث بنات فصبر عليهنّ وأطعمهنّ وسقاهنّ وكساهنّ من جدته كن له حجابًا من النار يوم القيامة" (رواه ابن ماجه وأحمد).

 

وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من كن له ثلاث بنات يؤويهنّ ويرحمهنّ ويكفلهنّ وجبت له الجنة البتة"، قال: قيل: يا رسول الله: فإن كانتا اثنتين؟! قال: "وإن كانتا اثنتين"، قال: فرأى بعض القوم أن لو قال له: واحدة لقال: واحدة.

 

البنت عماد البيت، الحانية على من فيه. وكم من ابن حظي بالدلال الزائد من والديه وأغدقا عليه وفضّلاه على البنات، فلما شبَّ عن الطوق كان مصدر شقاء وتعاسة لهما، وحين احتاجا إلى الرعاية والخدمة لم يجداه، فلم ينقذهما بعد العناية الإلهية إلا حنو البنت وعطفُها، وجميل خدمتُها وبرُّها.

 

كتب أحد الأدباء يهنئ صديقاً له بمولودة: "أهلاً بعطية النساء، وأم الدنيا، وجالبة الأصهار، والأولاد الأطهار، والمبشِّرة بإخوة يتسابقون، ونجباء يتلاحقون".

 

أيها المسلمون: لقد قسّم الله -تبارك وتعالى- الخلق من لدن آدم إلى زماننا هذا إلى أن تقوم الساعة، على التقديرِ المحدود بحكمته البالغة ومشيئته النافذة، ليبقى النوع الإنساني، وتُعمر الدنيا، وينفذ وعد الله تعالى، حيث يقول تعالى في محكم التنـزيل: (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ، أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِير) [الشورى:49، 50]. فابتدأ الله تعالى بذكر الإناث في هذا التقسيم.

 

إن الله -عز وجل- أدرى بخلقه وأعلم بما يصلح أو يفسد أحوالهم، والمرء لا يدري في أي حالٍ تكون السعادة أو الشقاء، ولربما فتح الله له من أبواب الرزق وسبل الخير ما لا يخطر بباله حين تولد له بنت، ولعل مغفرة الله ورضوانه لا ينالها المرء إلا بسبب البنات.

 

إن البنت ستصبح في يوم من الأيام أُمًّا تنجب الأبناء، وتتعهد أولادها وتربيهم، فكل ما حولك من البشر إنما أخرجهم الله من بطون أمهاتهم، وأنت قد سمعت ما قرره الإسلام من حقوقٍ للأم، وما أوجب على الأولاد من برِّها ومعرفة فضلها.

 

وإذا كان المصطفى -صلى الله عليه وسلم- قد بيّن فضائل تربية البنات فإنه بفعله ذلك كان يكرمهنّ ويقربهنّ ويشملهنّ برعايته وحنانه، فقد كان يحمل أمامة بنت ابنته زينب -رضي الله عنها- وهو في صلاته.

 

وهو بأقواله وأفعاله يقدّمُ أنموذجًا فريدًا للعناية بالفتاة وتكريمها. ولئن نسي البعض فضائل البنات فلن ننسى أمهاتنا، ولن ننسى نساءً أشاد الله تعالى بِهنّ في كتابه ونوَّه بأعمالهنّ: مريم ابنة عمران، وآسية امرأة فرعون، وأمهات المؤمنين زوجات النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ورضي عنهنّ، وغيرهنّ وغيرهنّ.

فلو كان النساء كمن ذكرنا *** لفُضّلت النساءُ على الرجال

فما التأنيث لاسم الشمس عيْبٌ *** ولا التذكير فخرٌ للهلالِ

 

أعلى وأعلن الإسلام مكانة البنت في الإسلام، وأنزلها منزلة الحب والاحترام، فقد روى الترمذي عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: "ما رأيت أحداً أشبه سمتاً ودلاً وهدياً برسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قيامها وقعودها من فاطمة بنت رسول الله -رضي الله عنها-". قالت: "وكانت إذا دخلت على النبي -صلى الله عليه وسلم- قام إليها فقبلها وأجلسها في مجلسه".

 

أيها المسلمون: ومن الخطل في الرأي، والخطأ في الفهم، أن يظنّ ظانّ أن هذا الأجر العظيم في رعاية البنات وإعالتهنّ الذي أخبرت به الأحاديث يناله من قصَّر في تربية بناته على أحكام الشريعة، أو فتح لهنّ أبواب المعصية، فلا علمهنّ أحكام الحيض والطهارة، ولا أمرهنّ بالصلاة والطاعة، ولا بيَّن لهنّ أهمية العفاف والطهر والحصانة، ولم يراقب حجابهنّ، ولا يبالي أي لباس يلبسن، ولا يسأل: مع من كنّ وأين ذهبن؟

 

وقد ملأ بيته بأنواع من الموبقات التي توبق بناته وتهلكهنّ. أَوَ يظن مسلم أن يحظى بهذا الأجر في إعالة بناته وقد أشبع بطونهنّ وأهمل عقولهنّ، وألهب غرائزهنّ ولم يشبع عواطفهنّ، قد اهتم بأمور دنياهنّ ولم يبال بأعمال أخراهنّ؟!.

 

الْحَيَاءُ سِرُّ أُنُوثَةِ الْبِنْتِ، وَأَصْلٌ فِي فِطْرَتِهَا، فَاحْرِصْ أَيُّهَا الْأَبُ الْمُبَارَكُ عَلَى تَأْصِيلِ هَذَا الْخُلُقِ الْكَرِيمِ فِي نَفْسِ ابْنَتِكَ، لِيَكُونَ لِقَاحًا لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الْوُقُوعِ فِي الْمَهَالِكِ، فَإِنْ مَشَتْ فَعَلَى اسْتِحْيَاءٍ، وَإِنْ تَكَلَّمَتْ فَعَلَى حَيَاءٍ، وَإِنْ عَمِلَتْ مَنَعَهَا الْحَيَاءُ عَنْ مُمَاسَّةِ مَوَاطِنِ الرِّجَالِ، وَصَدَقَ الْحَبِيبُ -صلى الله عليه وسلم-: "الْحَيَاءُ كُلُّهُ خَيْرٌ .. وَالْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ".

 

ثُمَّ لَا تَنْسَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ تَرْفَعَ أَكُفَّ الضَّرَاعَةِ لِمَنْ رَزَقَكَ هَذِهِ الْهِبَةَ، أَنْ يُصْلِحَهَا فِي دِينِهَا وَدُنْيَاهَا، وَأَنْ يَسْتُرَ عَلَيْهَا فِي دُنْيَاهَا وَأُخْرَاهَا، فَابْتِهَالُ الْأَبَوَيْنِ وَدُعَاؤُهُمَا لِأَوْلَادِهِمَا مِنْ أَسْبَابِ قَبُولِ الدُّعَاءِ، كَمَا صَحَّ بِذَلِكَ الْخَبَرُ عَنِ سَيِّدِ الْبَشَرِ -صلى الله عليه وسلم- وَهِيَ صِفَةٌ لِعِبَادِ الرَّحْمَنِ الصَّالِحِينَ، الَّذِينَ يَقُولُونَ: (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) [الفرقان: 74].

 

بارك الله ..

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله..

 

أما بعد: أيها المسلمون: حَذَارِ ثم حذار مِنَ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ! أَوْ تَمْيِيزِ بَعْضِ الْإِنَاثِ عَلَى بَعْضٍ، فَهَذَا جَوْرٌ بَيِّنٌ، حَذَّرَ مِنْهُ الْمُصْطَفَى -صلى الله عليه وسلم- بِقَوْلِهِ: "اتَّقُوا اللَّهَ، وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ".

 

ومن أعظم الظلم، وأكبر البغي، وأشد أنواع القسوة أن يحرم بناته من حق قد قضاه الله –تعالى- لهنّ، كما يفعله من يفعله من جهلة الناس وجفاة الرجال بحرمان بناتهم من الميراث، أو التحايل لإسقاطه قبل موته بأن يسجل أملاكه باسم أبنائه دون بناته، ومن فعل ذلك فقد ختم حياته بخاتمة السوء، ولقي الله تعالى بظلم عظيم لبناته.

 

وأعظم ظلماً من ذلك أن يعضل بناته، فلا يزوجهنّ الأكفاء من الرجال إما عصبية لعشيرته، فبناتهم لا تُزوج من غير أبناء العشيرة، وليس في عصبته كفؤ يرضاه عاقل لابنته، فإما زوجها بغير كفء لها فظلمها، أو تربص إلى أن تُنتِج عشيرته كفئا لها، وقد يأتي وقد لا يأتي حتى يشيب رأسها.

 

وإذا طُلقت البنت وعادت إلى بيت أبيها فلا يحلُ له أن يعيرها بطلاقها، ويجب عليه أن يحسن إليها، حتى يجعل الله تعالى لها سبيلاً برجل آخر، فإن خرجت من عدتها، وعاد إليها مُطلِّقُها يريد نكاحها مرة أخرى فالقول قولها، فإن أرادته فليس لأبيها أن يمنعها منه بحجة أنه طلقها المرة الأولى.

 

أيها المسلمون: ليس من العيب في شيء أن يعرض الرجل بناته على الأكفاء تصريحاً أو تلميحاً، أو يوصي بذلك من يثق به. فعمر -رضي الله عنه- عرض ابنته حفصة على أبي بكر، ثم على عثمان -رضي الله عنهم-، فتزوجها النبي -صلى الله عليه وسلم-. وعثمان عرض ابنته على ابن مسعود وهو كبير وهي صغيرة. وسعيد بن المسيب -رحمه الله- تعالى رفض ابن الخليفة وقد خطب ابنته، وزوجها من رجل صالح فقير كان يطلب العلم على يديه.

 

أَيُّهَا الْأَب: بِنْتُكَ وَفِلْذَةُ كَبِدِكَ أَمَانَةٌ فِي عُنُقِكَ، وَسَعَادَتُهَا فِي الْحَيَاةِ، وَاسِتْقِرَارُ عَيْشِهَا مَنُوطٌ بِحُسْنِ اخْتِيَارِكَ لِزَوْجِهَا، فَاحْرِصْ -رَعَاكَ اللَّهُ- عَلَى أَنْ لَا تُسْلِمَ صَفِيَّتَكَ إِلَّا لِمَنْ تَرْضَى دِينَهُ وَخُلُقَهُ، وَأَمَانَتَهُ وَسِيرَتَهُ، وَفِي الْحَدِيثِ يَقُولُ الْمُصْطَفَى -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ وَدِينَهُ، فَأَنْكِحُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ" (رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ).

 

اللهم ..

 

 

المرفقات

فضل البنات.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات