عناصر الخطبة
1/الإسلام دين التكافل والترابط والتراحم 2/حث الإسلام على رعاية اليتامى وكفالتهم 3/التحذير من الاعتداء على حقوق اليتيم 4/من فوائد الإحسان إلى اليتامى 5/تحريم الإساءة إلى اليتيم أو قهره واحتقاره.اقتباس
قَالَ ابن بَطَّالٍ -رحمه الله-: "حَقٌّ عَلَى مَنْ سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ لِيَكُونَ رَفِيقَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِي الْجَنَّةِ وَلَا مَنْزِلَةَ فِي الْآخِرَةِ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ".. إنَّ الربح والفوز والفلاح عندما تبذل مالك في الإحسان إلى اليتامى وفي وجوه البر المتعددة، وهنيئًا لمن كفل يتيمًا وأحسن إليه،
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي أمر عباده بفضائل الأعمال، ونهاهم عن سيئها، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ نبينا محمدًا رسول رب العالمين؛ صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا.
أما بعد: فاتقوا الله أيها المؤمنون، وتوبوا إلى الله واستغفروه.
معاشر المسلمين: إنَّ دين الإسلام هو دين التكافل والترابط ودين التراحم والتعاطف، دين يحث على الألفة والاجتماع، وينهى عن الفُرقة والاختلاف، وهذا من كمال الإسلام وعظمته؛ إذ إنَّه صالح لكل زمان ومكان، وهو دين كامل أتمَّ الله بها علينا النعمة ورضيه لنا دينًا، وإنَّه لو اجتمعت أنظمة الدنيا مهما بلغت من تطوُّر وغاية في التنظيم لسقطت قاصرة منهزمة مختلة أمام الإسلام وتشريعه الكامل العظيم، فاحمدوا الله أن مَنَّ عليكم بالإسلام.
معاشر المسلمين: إنَّ الإسلام كفل لليتيم حقَّه، وحثَّ على كفالته، ورتَّب أجورًا عظيمة لذلك، واليتيم هو الصغير الذي فقد أباه قبل البلوغ والرشد، فيكون محرومًا من نفقة والده عليه ورعايته وتربيته له وعطفه عليه، لذلك بيَّن الإسلام حقوق اليتيم، وحثَّ على الإحسان إليه، وليس في اليتم عيب أو مذمَّة، فكم من يتيم فاق غيره وبلغ مبلغًا رفيعًا، فمنهم علماء ملأوا الدنيا علمًا.
عباد الله: لقد حفظ الإسلام لليتيم حقوقه المالية وجعل أكل مال اليتيم بغير حق من أكبر الكبائر، ويل لمن أكل مال يتيم ويل له، قال الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا)[النساء:10]، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ: الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ"(أخرجه الإمام أحمد وحسَّنه الألباني)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: “الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلاَتِ"(أخرجه الشيخان).
وقال الله -تعالى-: (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا)[الإسراء:34]، قال السعدي -رحمه الله- عند هذه الآية: "هذا من لطفه ورحمته -تعالى- باليتيم الذي فقَد والده وهو صغير غير عارف بمصلحة نفسه ولا قائم بها؛ أن أمر أولياءه بحفظه وحفظ ماله وإصلاحه وأن لا يقربوه؛ (إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)؛ من التجارة فيه، وعدم تعريضه للأخطار، والحرص على تنميته، وذلك ممتد إلى بلوغه وعقله ورشده، فإذا بلغ أشده زالت عنه الولاية، وصار ولي نفسه ودُفِعَ إليه ماله"(ينظر تفسير السعدي ص: 457).
معاشر المسلمين: أحسنوا إلى اليتامى، وعاملوهم كأبنائكم، اعطفوا عليهم وارحموهم ومن ولي شيئًا من أمرهم فليحفظ لهم حقوقهم، ومن أعظم الإحسان إلى اليتامى كفالتهم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وَأَنَا وَكَافِلُ اليَتِيمِ فِي الجَنَّةِ هَكَذَا"، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى، وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا" (أخرجه البخاري). قال النووي -رحمه الله-: "كَافِلُ الْيَتِيمِ الْقَائِمُ بِأُمُورِهِ مِنْ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَتَأْدِيبٍ وَتَرْبِيَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ"(شرح النووي على مسلم 18/ 113).
وقَالَ ابن بَطَّالٍ -رحمه الله-: "حَقٌّ عَلَى مَنْ سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ لِيَكُونَ رَفِيقَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِي الْجَنَّةِ وَلَا مَنْزِلَةَ فِي الْآخِرَةِ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ"(فتح الباري لابن حجر 10/ 436).
عباد الله: إنَّ الربح والفوز والفلاح عندما تبذل مالك في الإحسان إلى اليتامى وفي وجوه البر المتعددة، وهنيئًا لمن كفل يتيمًا وأحسن إليه، هنيئًا له هذا الفضل الوارد في الحديث، وكذلك فإنَّ من فوائد الإحسان إلى اليتامى حصول لين القلب؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: أَنَّ رَجُلاً شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَسْوَةَ قَلْبِهِ، فَقَالَ لَهُ: "إِنْ أَرَدْتَ أَنْ يَلِينَ قَلْبُكَ، فَأَطْعِمِ الْمِسْكِينَ، وَامْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ"(أخرجه الإمام أحمد والبيهقي وحسنه الألباني).
عباد الله: إنَّ من بركة المال أن تُنْفِق منه على نفسك، وعلى عيالك وأهل بيتك، وتنفق منه في وجوه البر والإحسان على الفقراء واليتامى والأرامل والمكروبين، فلا تبخل بمال تكفل به يتيمًا، أو تسعى به على أرملة، أو تواسي به فقيرًا أو تُفرِّج به كربة؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ هَذَا المَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَنِعْمَ صَاحِبُ المُسْلِمِ مَا أَعْطَى مِنْهُ المِسْكِينَ وَاليَتِيمَ وَابْنَ السَّبِيلِ"(أخرجه الشيخان).
عباد الله: إياكم والإساءة إلى اليتيم أو قهره واحتقاره قال تعالى: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ)[الضحى:9]؛ قال السمعاني -رحمه الله-: "أي: لا تحتقره، ولا تأخذ حقه وتتقوى به، وقد كان أهل الجاهلية يفعلون ذلك في أموال اليتامى"(ينظر تفسير السمعاني 6/ 246). وقال السعدي -رحمه الله- عند هذه الآية: "أي: لا تسئ معاملة اليتيم، ولا يضق صدرك عليه، ولا تنهره، بل أكرمه، وأعطه ما تيسر، واصنع به كما تحب أن يُصنع بولدك من بعدك" (تفسير السعدي، ص: 928).
عباد الله: إنَّ الإحسان إلى اليتيم والسعي على الأرملة ليس عائد نفعه عليهما فحسب، بل نفعه يشمل حتى المحسِن، والقصص الشاهدة على ذلك كثيرة، فمن المحسنين من لم يُنجب له، لا من أبناء ولا من بنات، فلمَّا سعى على أرملة وكفل يتامى رزقه الله بأبناء وبنات وهو في السبعين من عمره، ذرية صالحة تدعو له، إضافة إلى الأجور العظيمة في الآخرة.
معاشر المسلمين: من فوائد الإحسان إلى اليتيم وكفالته حصول تماسك المجتمع وقوته، وحُسنُ الترابط بين أفراده، لوجود الألفة والمحبة بينهم، ذلك أنَّه مجتمع حفظ حقوق اليتامى وأحسن إليهم ولم يتركهم هملاً، وكذلك بشرى لمن كفل يتيمًا بصحبة النبي -صلى الله عليه وسلم- في الجنة، وهي منزلة عظيمة وشرف كبير، وكذلك من يشتكي قسوة القلب فإنَّه بإحسانه إلى اليتيم ومسح رأسه يحصل له لين القلب، فتزول عنه القسوة.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه؛ إنَّه هو الغفور الرحيم.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم