عناصر الخطبة
1/ التحذير من الوقوع في الصحابة 2/ الصحابة كلهم عدول ثقات 3/ فضائل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما 4/ أصح ما ورد في فضل معاوية 5/ عقيدة أهل السنة في الصحابة 6/ سب الروافض للصحابة 7/ فضل الحسن بن علي رضي الله عنهما 8/ الحث على صيام يوم عاشوراء 9/ بدع الروافض في يوم عاشوراء.اقتباس
مَا تَجَرأَ أَحَدٌ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِسَبٍّ أَوْ ثَلْبٍ؛ إِلَّا اِبْتَلَاهُ اللهُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِمَوتِ الْقَلْبِ، فَهُمْ مُبَلِّغُو الرِّسَالَةِ وَحَمَلةُ الْأَمَانَةِ، بَعْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هُمُ الصَّحَبُ المَيَامِينُ، وَالأَخْيَارُ الطَّاهِرُونَ. وَمَا وَلَجَ أَحَدٌ فِي أَعْرَاضِهِمْ؛ إِلَّا كَانَ وُلُوجُهُ مِنْ طَرِيقِ بَوَّابَةِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عامةً، وَمُعَاوِيَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- خاصةً؛ فَمَا تَجَرَّأَ أَحَدٌ عَلَيهِ؛ إِلَّا قَادَتْهُ تلك الجرأةِ إِلى بَقِيَّةِ أَصْحَابِ محمدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَهُوُ السّترُ لأَصْحَابِ محمدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِذَا كَشَفَ الرَّجُلُ السّتْرَ، اِجْتَرَأَ عَلَى مَا وَرَاءَهُ. إِنَّهُ مُعَاوِيَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَهُمْ بَقِيَّةُ الصَّحَابَةِ -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْـمَعِيـنَ-.
الْخُطْبَةُ الْأُولَى:
إنَّ الحمدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ - صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.
أمَّا بَعْدُ... فَاتَّقُوا اللهَ-عِبَادَ اللهِ- حقَّ التَّقْوَى؛ واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْي هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-، وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثُاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
عِبَادَ اللهِ، مَا تَجَرأَ أَحَدٌ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِسَبٍّ أَوْ ثَلْبٍ؛ إِلَّا اِبْتَلَاهُ اللهُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِمَوتِ الْقَلْبِ، فَهُمْ مُبَلِّغُو الرِّسَالَةِ وَحَمَلةُ الْأَمَانَةِ، بَعْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هُمُ الصَّحبُ المَيَامِينُ، وَالأَخْيَارُ الطَّاهِرُونَ.
وَمَا وَلَجَ أَحَدٌ فِي أَعْرَاضِهِمْ؛ إِلَّا كَانَ وُلُوجُهُ مِنْ طَرِيقِ بَوَّابَةِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عامةً، وَمُعَاوِيَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- خاصةً؛ فَمَا تَجَرَّأَ أَحَدٌ عَلَيهِ؛ إِلَّا قَادَتْهُ تلك الجرأةِ إِلى بَقِيَّةِ أَصْحَابِ محمدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَهُوُ السّترُ لأَصْحَابِ محمدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِذَا كَشَفَ الرَّجُلُ السّتْرَ، اِجْتَرَأَ عَلَى مَا وَرَاءَهُ. إِنَّهُ مُعَاوِيَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَهُمْ بَقِيَّةُ الصَّحَابَةِ -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْـمَعِيـنَ-.
نَعَمْ، مَا تَجَرَأَ أَحَدٌ عَلَى صَحْبِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَّا كَانَ ولوُجُهُ – فِي الْغَالِبِ- مِنْ بَابِ الطَّعْنِ فِي مُعَاوِيَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- خَلِيفَةِ الْمُسلِمِينَ، وخَالِ المُؤمِنِينَ، ولقد تَـجَرَّأَتْ قنَواتُ البِدْعَةِ والضَّلالِ، سَيْرًا عَلَى نَهْجِ كُتُبِ أَئِمَّتِهِمْ، وآيَاتـِهمْ، عَلَى سَبِّ صَحْبِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُبتَدِئِيـنَ بِـمُعَاوِيَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- صَرَاحَة ً وَعَلَانِيَةً، مُسْتَدِلِّينَ بِأَحَادِيثَ مَوْضُوعَةٍ وَمَكْذُوبَةٍ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيَسْتَدِلُّونَ بِقِصَصٍ لَا تَثْبُتُ؛ كَقِصَّةِ التَّحْكِيمِ المَشْهُورَةِ، وهِيَ قِصَّةٌ بَاطِلَةٌ، وَأَحسَنَ الإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ اِبْنُ العَرَبِيِّ حِيْنَمَا رَدَّهَا:
إِنَّ الرَّوَافِضَ شَرُّ مَنْ وَطِئَ الْحَصَى *** مِنْ كُلِ إِنْسٍ نَاطِــقٍ أَوْ جَانِ
مَدَحُـوا النَّبِيَّ وَخَوَّنُــوا أَصْحَابَـــهُ *** وَرَمَوهُمُ بِالْظُّلْـــمِ وَالْعُدْوَانِ
حَبـُّـوا قَرَابَتَـــهُ وَسَبـُّـوا صَحبَـــهُ *** جَدَلَانِ عِنْدَ اللهِ مُنَتَقِضَــــانِ
فَكَأَنَّمَــــا آلُ النَّبِــــيِّ وَصَحْبُــــهُ *** رَوْحٌ يَضُمُ جَمِيعَهَا جَسَـدَانِ
عِبَادَ اللهِ، لَا بُدَّ لِلْأُمَّةِ أَنْ تَعْرِفَ لِمُعَاوِيَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَدْرَهُ، فَهُوَ صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ أَسْلَمَ قَبْلَ الفتحَ، قالَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: "كتَمتُ إِسْلَامِي عَنْ أَبِي، وَلَقَدِ دَخَلَ رَسُولُ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَكَّةَ في عُمْرَةِ القَضَاءِ؛ وإِنِّي لَمُصَدِّقٌ بِهِ، ثُمَّ لـمَّا دَخَلَ عَامَ الفتحِ أظهرْتُ إِسْلَامِي، فَجِئْتُهُ، فَرَحَّبَ بِي، وكَتَبْتُ بَيْنَ يَدَيهِ"، وشَهِدَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- مَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حُنَيْنًا.
ولَهُ فَضَائِلُ مِنْهَا:
1- أَنَّهُ مَعَ أولئكَ الرِعيلِ الَّذِينَ اِشْتَركُوا مَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ، وَقَالَ اللهُ فِيهِمْ: (ثُمَّ أنْزَلَ اللهُ سَكِيْنَتَهُ عَلَىَ رَسُولِهِ وَعَلَىَ المُؤْمِنِينَ) [التوبة: 26]، فكانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ أَنْزَلَ اللهُ عَلَيهِمْ سَكِيَنتَهُ.
2- دَعَا لَهُ الرَّسُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دُعَاءً خَاصَّاً فقالَ: "اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا وَاهْدِ بِهِ" (رَوَاهُ التَّرْمِذِيُّ وَغَيْـرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ).
3- وقَالَ الرَّسُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الَّلهُمَّ عَلِّمْ مُعَاوِيَة الْكِتَابَ والحِسَابَ، وقِهِ الْعَذَابَ" (رَوَاهُ اِبْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ، وَسَنَدُهُ حَسَنٌ).
4- وَمِنْ فَضَائِلهِ، وَيَعُدُّهَا بَعْضُهُمْ مَطْعَنًا عَلَيْهِ، وَهِيَ مِنْ أَعْظَمِ فَضَائِلِهِ، مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: كُنْتُ أَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالَ ليِ: "اِذْهَبْ وَادعُ لِيَ مُعَاوِيَةَ"، قَالَ: فَجِئْتُ فَقُلْتُ: هوَ يأكلُ، قالَ: ثم قالَ لِي: "اِذْهَبْ وَادعُ لِيَ مُعَاوِيَةَ"، قَالَ: فَجِئْتُ فَقُلْتُ: هُوَ يَأْكُلُ، فَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : "لَا أَشْبَعَ اللهُ بَطْنَهُ"! قَالَ ابْنُ عَسَاكِرٍ: هَذَا أَصَحُّ مَا رُوِيَ فِي فَضْلِ مُعَاوِيَةَ.
قَالَ الذَّهَبِيُّ: هَذِهِ مَنْقَبَةٌ لِمُعَاوِيَةَ؛ لِقَوْلِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "اللهُمَّ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ سَبَبْتُهُ، أَوْ لَعَنْتُهُ، أَوْ جَلَدْتُهُ، فَاجْعَلْهَا لَهُ زَكَاةً وَرَحْمَةً" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
وَقَالَ الإمامُ الألبانِيُّ -رحمه اللهُ-: قَدْ تَسْتَــغِلُّ بَعْضُ الفِرَقِ هَذَا الْحَدِيثَ لِيِتَّخِذُوا مِنْهُ مَطْعَنًا فِي مُعَاوِيَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَلَيْسَ فِيهِ مَا يُسَاعِدُهُمْ عَلَى ذَلِكَ، كَيْفَ وَفِيهِ أَنَّهُ كَانَ كَاتِب النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:"لَا أَشْبَعَ اللهُ بَطْنَهُ"! كَلِمَةٌ جَرَتْ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ، نَحْوَ: قَاتَلَهُ اللهُ مَا أَكْرَمَهُ! وَنَحْوَ: وَيْلَ أُمِّهِ وَأَبِيهِ مَا أَجْوَدَهُ! وَكَقَولِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِمُعَاذٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: "ثَكَلَتْكَ أُمُّكَ"! مِمَّا لَا يُرَادُ مَعْنَاهُ.
5- وَمِنْ فَضَائِلِهِ أَيْضًا أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ غَزَى مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِ اللهِ عَلَى الْبَحْرِ، أَمِيرًا، وَقَدْ أَثْنَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَيهِمْ، فَقَالَ: "أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ البَحْرَ قَدْ أَوْجَبُوا" (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).
وَمَعْنَى: "أَوْجَبُوا" أَيْ: أَوْجَبُوا لأَنْفُسِهِمْ دُخُولَ الْجَنَّةِ بِجِهَادِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ –تَعَالَى-. قَالَ الْمُهَلَّبُ: "وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَنْقَبَةٌ لِمُعَاوِيَةَ؛ لأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ غَزَا الْبَحْرَ، وكَانَ ذَلِكَ فِي وَقْتِ إِمَارَتِهِ عَلَى الشَّامِ، فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ".
6- ومِنْ فَضَائلِهِ أَيْضًا: أَنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَيْثُ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- طَلَبَ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُؤَمِّرَهُ حَتَّى يُقَاتِلَ الكُفَّارَ كَمَا كَانَ يُقَاتِلُ الْمُسْلِمِينَ، وأَنْ يَجْعَلَ مُعَاوِيَةَ كَاتِبًا بَيْنَ يَدَيْهِ؛ فَاسْتَجَابَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَانَ مُعَاوِيَةَ يَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَهَذِهِ الَمَزِيَّةُ لَا تَكُونُ إِلَّا لِتَقِيٍّ، وكَانَ يَكْتُبُ أَيْضًا رَسَائِلَ النَبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى زُعَمَاءِ الْقَبَائِلِ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْإِصَابَةِ.
7- وَلَقَدْ نَالَ مُعَاوِيَةُ ثِقَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- الَّذِي لَا يُحَابِي فِي الْإِمَارَةِ قَرِيبًا، وَلَا صَدِيقًا، وَاِخْتَارَ مُعَاوِيَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لِفَتْحِ قَيْسَارِيَّةَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رِسَالةً قَالَ فِيهَا: "أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ وَلَّيْتُكَ قَيْسَارِيَّةَ فَسِرْ إِلَيْهَا، وَاِسْتَنْصِرِ اللهَ عَلَيْهِمْ، وَأَكْثِرْ مِنْ قَوْلِ: لَا حَوْلَ ولَا قُوَّةَ إِلَّا بِالله الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ! اللهُ رَبُّنَا وَثِقَتُنَا، وَمَوْلَانَا، فَنِعْمَ الْمَوْلَى، وَنِعْمَ النَّصِيرُ".
فَسَارَ إِلَى قَيْسَارِيَّةَ بِجُنُودِهِ، وكَانَتْ تِلْكَ الْمَدِينَةَ مُحْصَّنةً، وبَأْسُ أَهْلِهَا شَدِيدًا، فَحَاصَرَهَا مَعَاوِيَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- طويلاً، وَاِجْتَهَدَ فِي الْقِتَالِ حَتَّى فَتَحَهَا اللهُ عَلَى يَدَيهِ، وكَانَ فَتْحًا كَبِيرًا، وكَانَتْ قَيْسَارِيَّة آخِرَ مُدُنِ الشَّامِ فَتْحًا.
8- وَلَقَدْ أَثْنَى عَلَيْهِ سَلَفُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَمِنْ ذَلِكَ:
قَالَ عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: "تَذْكُرُونَ كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَدَهَاءَهُمَا، وَعِنْدَكُمْ مُعَاوِيَةَ" (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ).
وَذَكَرَ اِبْنُ كَثِيرٍ أَنَّ عَلِيًّا -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ بَعْدَ وَقْعَةِ صِفِّينَ: "لَا تَكْرَهُوا إِمَارَةَ مُعَاوِيَةَ، فَوَ اللهِ لَإِنْ فَقَدْتُمُوُهُ لَتَرَوُنَّ رُؤُوسًا تَنْدُرُ عَنْ كَوَاهِلِهَا كَأَنَّهَا الْحَنْظَلُ".
وَهَذَا أَمْرٌ مِنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لِأَصْحَابِهِ بِعَدَمِ كَرَاهِيَّتِهِمْ لِإِمَارَةِ مُعَاوِيَةَ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ: "قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: "هَلْ لَكَ فِي أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ مُعَاوِيَةَ، فَإِنَّهُ مَا أَوْتَرَ إِلَّا بِوَاحِدَةٍ؟ قَالَ: «أَصَابَ، إِنَّهُ فَقِيهٌ»".
وقالَ أبُو الدَّرْدَاءِ: "مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشْبَهَ صَلاةً بِصَلَاةِ النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من معاويَةَ".
بَلْ هَا هُوَ الْخَلِيفَةُ الْعَادِلُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَا ضَرَبَ إِنْسَانًا قَط إِلَّا إِنْسَانًا شَتَمَ مُعَاوِيَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.
وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَةَ -رحمهُ اللهُ-: "اِتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مُعَاوِيَةَ أَفْضَلُ مُلُوكِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وكَانَ مُلْكَهُ مُلْكًا وَرَحْمَةً".
ولمَّا ذُكِرَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العزِيزِ عِنْدَ الأَعْمَشِ -رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ: "كَيفَ لَوِ أَدْركْتُمْ مُعَاوِيَةَ؟ قَالُوا: فِي حِلْمِهِ؟ قَالَ: لَا واللهِ، فِي عَدْلِهِ".
قَالَ سَعِيدٌ بْنُ المُسَيِّبِ: "مَنْ مَاتَ مُحِبًّا لأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وعَلِيٍّ، وَشَهِدَ لِلْعَشَرَةِ بِالْجَنَّةِ، وَتَرَحَّمَ عَلَى مُعَاوِيَةَ كَانَ حَقِيقًا عَلَى اللهِ ألَّا يُنَاقِشَهُ الْحِسَابَ".
و- قَالَ اِبْنُ خَلْدُونَ: "كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تُلْحَقَ دَوْلَةُ مُعَاوِيَةَ بِدُولِ الْخُلَفَاءِ؛ فَهُوَ تَالِيهِمْ فِي الْفَضْلِ، والْعَدَالَةِ وَالصُّحْبَةِ". وَمُعَاوِيَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ، مَنْ تَجَرَأَ عَلَيهِ، فَهَذَا نَذِيرٌ عَلَى سُوءِ طَوِيَّتِهِ، وَيُخْشَى عَلَى مَنْ سَلَكَ هَذَا الْمَسْلَكِ مِنْ سُوءِ الْخَاتِمَةِ، أَفَلا يَسَعُ الْعُقَلَاءَ مَا وَسِعَ سَلَفَ هَذَهِ الأمُّةِ مِنْ حُبِّهِ والتَّرَضِّي عَلَيهِ؟!
عِبَادَ اللهِ: إِنَّ مُعَاوِيَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- مِنْ خِيرَةِ صَحْبِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَإِنِّي لَأَعْجَبُ مِنْ قَنَوَاتِ الْبِدْعَةِ، وَأَذْنَابِهِمْ، وَأَتْبَاعِهِم، كَيْفَ لَا يُحَكِّمُونَ عُقُولَهُمْ، إِنْ كَانَتْ لَهُمْ عُقُولٌ؟! فَهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ الْحَسَنَ بْن عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- إِمَامٌ مِنْ أَئِمَّتِهِمْ، مَعْصُومٌ مِنْ الْخَطَأِ وَالسَّهْوِ عِنْدَهُمْ، بِاتِّفَاقِ مَصَادِرِهِمْ، بَلْ وَيَرَوْنَ أَنَّ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِعِصْمَتِهِ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَبَدًا، وقَدْ اِتَّفَقَتْ مَصَادِرُهُمْ مَعَ مَصَادِرِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْحَسَنَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- تَنَازَلَ عَنِ الْخِلَافَةِ لِمُعَاوِيَة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.
فِإنْ كَانَ مَعْصُومًا عِنْدَهُمْ كَمَا يَزْعُمُونُ مِنَ الْخَطَأِ وَالسَّهْوِ والنِّسْيَانِ، أَفَلَا تُرْشِدُهُمْ عُقُولُهُم إِلَى أَنْ يَعُدُّوا تَنَازُلَهُ تَنَازُلًا صَحِيحًا مِمَّنْ لَا يُخْطِئُ عِنْدَهُمْ؟! فَكَيْفَ يَقْدَحُونَ بِمُعَاوِيَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَقَدْ تَنَازَلَ لَهُ بِالْخِلَافَةِ مَعْصُومٌ عِنْدَهُمْ؟
وَهَلْ يُمْكِنُ لِلْحَسَنِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنْ يَتَنَازَلَ عَنِ الْخِلَافَةِ لِمَنْ لَا يُؤْمِنُ بِاللهِ، ولَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ؟ بَلْ وَيَتَنَازَلُ عَنْ الخِلَافةِ لِمَنْ هُوَ عِنْدَهُمْ أَكْفَرُ مِنَ اليَهُودِ والنَّصَارَى! أَلَيْسَ فِي هَذَا قدْحٌ بِالْحَسَنِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-؟ أَوَ لَا يَسَعُ العُقَلَاءَ ثَنَاءُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْحَسَنِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَقَالَ: "إِنَّ اِبْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بِيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ" (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ). فَلَقَدْ وُصَفَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَاتَيْنِ الطَّائِفَتَينِ بِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ.
ب – عِبَاَد اللهِ، إِنَّ مَا حَدَثَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ دَافِعُهُ حُبُّ الْخَيْرِ، فَلَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَقَعَ فِي عِرْضِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَلَقَدْ حَمَى اللهُ يَدَهُ مِنْ دِمَائِهِمْ، أَفَلَا يَـحْمِي هُوَ لِسَانَهُ مِنْ أَعْرَاضِهِمْ؟ والعَجِيبُ أنَّ هَذِهِ الأَحدَاثَ التِي أَظْهَرُوهَا لِلْنَاسِ عَلَى أَنَّهَا أَخَذَتْ عَصْرَ عَلِيٍّ وَمُعَاِويَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - لَمْ تَسْتَغْرِقْ إِلَّا بِضْعَةَ أَشْهُرٍ فِي بِدِايَةِ عَهْدِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ لَـمْ يَحْدُثْ شَيْءٌ.
قلْ خَيرَ قَــوْلٍ فِي صَحَابَةِ أَحْمَـدَ *** وَامْدَحْ جَميعَ الآلِ وَالنِّسْـــوْانِ
دَعْ مَا جَرَى بَيْنَ الصَّحَابَةِ فِي الْوَغَى *** بِسُيُوفِهِمْ يَوْمَ اِلْتَقَىَ الْجَمْعَـانِ
فَقَتَيلُهُـــمْ مِنْهُــمْ وَقَاتِلُهُـــمْ لَهُــمْ *** وَكِلَاهُمَا فِي الْحَشْرِ مَرْحُومَانِ
وَاللهُ يَـــوْمَ الْحَشْرِ يَنْزَعُ كُــلَّ مَـا *** تَحْوِي صُدُورُهُمُ مِنَ الْأَضْغَانِ
فِئَتَـــانِ عَقْدُهُمَـا شَرِيعَـــةُ أَحْمَــدٍ *** بِأَبِـي وَأُمِّـي ذَانِـــكَ الْفِئَتَـانِ
عِبَادَ اللهِ.. الْحَذَرَ الْحَذَرَ! أنْ يَقَعَ فِي قَلْبِ أَحَدٍ مِنْكُمْ شَيْءٌ عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وأَرْضَاهُ، أَوْ رَيْحَانَتَيِّ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الحسَنِ والْحُسَيْنِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -، كَمَا لَا يَقَعُ فِي قُلُوبِكِمْ شَيْءٌ فِي حَقِّ خَالِ المُؤمِنِينَ، وَكَاتِبِ الْوَحْيِ لِلْرَسُولِ الأَمِينِ مُعَاوِيَةُ.. فليكُنْ شعَارُكم كَشِعَارِ شَيْخِ الإِسْلَامِ اِبْنِ تَيْمِيَّةَ عِنْدَمَا قَالَ فِي لَامِيَّتِهِ:
يَا سَائِلِي عَنْ مَذْهَبِي وَعَقِيدَتِي *** رُزِقَ الْهُدَى مَنْ لِلْهِدَايَةِ يَسْأَلُ
اِسْمَعْ كَلَامَ مُحَقِّق ٍفِي قَوْلِهِ *** لَا يَنْثَنِي عَنْهُ وَلَا يَتَبَدَّلُ
حُبُّ الصَّحَابَةِ كُلِّهُمْ لِي مَذْهَبُ *** وَمَوَدَّةُ الْقُرْبِ بِهَا أَتَوَسَّلُ
وَلِكُلِّهِـمْ قَدْرٌ وَفَضـْـلٌ سَاطِـعٌ *** لَكِنَّمَا الصِّدِّيــقُ مِنْهُـــمْ أَفْضَـلُ
فَقُلُوبُ الْعُقُلَاءِ مُلِئَتْ بِحُبِّ مُحُمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَصَحْبِهِ، أَمَّا الْقُلُوبُ الْمَرِيضَةُ فَأَمْرُهَا إِلَى اللهِ، وَعَامَلَهَا اللهُ بِمَا تَسْتَحِقُّ.
أَقُولُ قَولِي هَذَا، وَأسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ...
الخُطْبَةَ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً.
أمَّا بَعْدُ: فَاِتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاِسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.
عِبَادَ اللهِ، نَـحْنُ فِي شَهْرِ اللهِ الْمُحَرَّمِ، الَّذِي يُسْتَحَبُّ فِيهِ الصِّيَامُ أَكْثَرَ مِنْ غَيْـرِهِ مِنَ الشُّهُورِ خَلَا رَمَضَانَ، وَأَفْضَلُ يَوْمٍ يُصَامُ فِيهِ يَوْمُ عَاشُورَاءَ؛ الذي قال عنه النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ"، (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
وقَدْ عَزَمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى أَلَّا يَصُومَهُ مُفْرَدًا؛ بَلْ يَضُمُ إِلَيهِ يَومًا آخَرَ؛ مُخَالَفَةً لِأَهْلِ الكِتَابِ فِي صِيَامِهِ؛ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عنهُمَا-، قَالَ: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : "فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ"، قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
والأَجْرُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى الصِّيامِ، هُوَ صَومُ اليومِ العَاشِرِ، فَمَنْ صَامَهُ كَفَّرَ اللهُ عَنْهُ خَطَايَا سَنَةٍ كَامِلَةٍ، ومَنْ صَامَ مَعَهُ يَومًا قَبْلَهُ، أَو بَعْدَهُ؛ نَالَ مَعَ أَجْرِ التَّكْفِيرِ أَجْرَ الْـمُخَالَفَةِ، فَلْيَصُمْ يَوْمَ التَّاسِعِ، معَ صِيامِ اليومِ العاشِرِ، وإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَصِيَامُ يومِ العَاشِرِ وَحْدَهُ، مُحَصَّلٌ بِهِ الأَجْرُ بِإِذْنِ اللهِ.
عِبَادَ اللهِ، لَقَدْ أَحْدَثَ الشَّيْطَانُ الرَّجِيمُ بِسَبَبِ مَقْتَلِ الْحُسَيْنِ -رَضِيَ اللهُ عنهُ- ثَلَاثَ بِدَعٍ فِي عَاشُورَاءَ:
البِدْعَةُ الأُولَى: يَقْتَرِفُهَا الشِّيعَةُ، وَخَاصَّةً الرَّافِضَةَ؛ حيثُ أَخْرَجُوا عَاشُورَاءَ عَنْ شُكْرِ اللهِ لنجاةِ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- وجعلُوهُ مُتَعَلِّقًا بِـمَقْتَلِ الْـحُسَيْـنِ بنِ علِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عنهُمَا-، فجعَلُوهُ بَدَلَ الصِّيَامِ وَالشُّكْرِ مُتَعَلِّقًا بِالْحُزْنِ، والنُّوَاحِ، واللَّطْمِ، والصُّرَاخِ، والبُكَاءِ، وجَرْحِ الأَجْسَادِ وإِسَالَةِ دِمَاءِ الصِّغَارِ والْكِبَارِ بِضَرْبِ أَجْسَادِهِمْ، وجَرْحِهَا بِالسَّكَاكِيـنِ والأَسْيَافِ، وإِظْهَارِ الْجَزَعِ وَإِنْشَادِ الْمَرَاثِي، وقِرَاءَةِ أَخبَارٍ مُثِيـرَةٍ لِلْعَوَاطِفِ، مُهِيِّجَةٍ لِلْفِتـَنِ، وكَثِيرٌ مِنْهَا مَكْذُوبٌ.
وَهَذَا لَا شَكَ فِي أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، ومِنْ أَفْحَش الذُّنُوب وأَكْبَرِ الْمُحَرَّمَاتِ؛ حَيْثُ حَرَّمَ اللهُ النِّيَاحَةَ عَلَى الْمَيِّتِ، وَلَطْمَ الخدودِ، فَكَيْفَ بِالنِيَاحَةِ عَلَى مَيِّتٍ مَاتَ مُنْذُ قَرْنٍ، وَنِصْفٍ؟! بَلْ وَحَطَّ رِحَالَهُ فِي الْجَنَّةِ؛ فهوَ سيِّدُ شَبابِها؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ" (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).
بَلْ وَجَعَلَ الرَّافِضَةُ هَذَا الْيَوْمَ الْعَظِيمَ مَنَ الْأَيَّامِ الَّتِي يُكْثِرُونَ فِيهَا مِنْ لَعْنِ وَسَبِّ الصَّحَابّةِ -رُضْوَانُ اللِه علِيهِمْ- وقد حذر الرسول من ذلك: "لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلَا نَصِيفَهُ" (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ).
الْبِدْعَةُ الثَّانِيَةُ: بِدْعَةُ النَّاصبِةِ، وهَذِهِ الفِرْقَةُ تَكَادُ أَنْ تَكُونَ مُنْقَرِضَةً؛ حَيْثُ كَانُوا يَحْتَفِلُونَ فِي يَومِ عَاشُورَاءَ؛ مُخَالَفَةً لِلَّرَافِضَةِ، ومُنَاكَفَةً لَهُمْ، واِحْتِفَاءً بِمَقْتَلِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-.
الْبِدْعَةُ الثَّالِثَةُ: مِنْ بَعْضِ جُهَّالِ أَهْلِ السُّـــنَّــةِ، حَيْثُ جَعَلُوهُ يَوْمَ سُرُورٍ وفَرَحٍ، وجَعَلُوا هَذَا الْيَوْمَ عِيدًا، بِحُجَّةِ أَنَّ اللهَ أَنْجَى فِيهِ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَوَضَعُوا الْأَحَادِيثَ الَّتِي فِيهَا حَثٌ عَلَى الْاِكْتِحَالِ، وَالْاِخْتِضَابِ، وَالْاِغْتِسَالِ، وَالتَّوْسِعَةِ عَلَى الأَهْلِ، وَغَيْرِهَا مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمُوْضُوعَةِ فِي فَضْلِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، فَأَحْدَثَ أُولئِكَ الْحُزْنَ، وأَحْدَثَ هَؤُلَاءِ الْأَعْيَادَ، وكُلُّ هَذَا مِنَ الْبِدَعِ الْمُحَرَّمَةِ؛ فَعَاشُورَاءُ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا الصِيَامُ شُكْرًا للهِ، لِا فَرَحٌ، وَلَا حُزْنٌ.
وقَانَا اللهُ وإِيَّاكُمْ شَرَّ الْبِدَعِ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا، وَمَا بَطَنَ، وَهَدَانَا لِلْسُّنَنِ وَجَعَلَنَا نَقْتَدِي بِخَيْرِ الْبَشَرِ، اللَّهُمَّ اِجْعَلْنَا مِمَّنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ وَاتَّبَعَ رِضَاكَ وسَارَ عَلَى نَهْجِ خَلِيلِكَ وَمُصْطَفَاكَ.
الَّلهُمَّ اِجْعَلْنَا مِمَّنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ.الَّلهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ, وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا, لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، الَّلهُمَّ اجْعَلْهُ سِلْمًا لِأْوْلِيَائِكَ، حَرْباً عَلَى أَعْدَائِكَ، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَاقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ.
اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.
اللهُمَّ أَكْثِرْ أَمْوَالَ مَنْ حَضَرَ، وَأَوْلَادَهُمْ، وَأَطِلْ عَلَى الْخَيْرِ أَعْمَارَهُمْ، وَأَدْخِلْهم الْجَنَّةَ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.
أَلَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم