عناصر الخطبة
1/ تفضيل الله لبعض مخلوقاته 2/ مكانة بلاد الشام في الإسلام 3/ نبذة تاريخية عن بناء المسجد الأقصى وبعض خصائصه وفضائله 4/ حرص السلف على السكنى في بيت المقدس 5/ أحداث فاصلة ستكون في المسجد الأقصى في آخر الزمان 6/ عناية خلفاء وأمراء المسلمين بالمسجد الأقصى 7/ عودة المسجد الأقصى لن يكون إلا تحت راية إسلاميةاقتباس
بالنسبة لنا -معاشر المسلمين- أهم أحداث آخر الزمان لن تكون في مكة ولن تكون في المدينة، وإنما ستكون في بيت المقدس عندما يخرج الدجال، ويفتن الناس بشبهاته وتلبيسه، ويكثر أتباعه وجنوده، يذهب ويتوجه إلى بيت المقدس، وإن...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70 - 71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وبعد:
أيها المسلمون -عباد الله-: لما خلق الله -سبحانه وتعالى- الخلق كان من حكمته فيهم: أن فضل بعضهم على بعض، ففضل بعض البشر على بعض، وفضل بعض الأزمنة على بعض، وفضل بعض الأماكن على بعض، وهذا كله لحكمة يعلمها والله عليم حكيم.
من الأماكن التي فضلها الله -تبارك وتعالى- وشرفها واختصها عن بقية الأماكن: بقعة توسطت ثلاث قارات في العالم، وتميزت بجوها وهوائها، وبما جعل الله -سبحانه وتعالى- فيها من الخير والبركة، كانت هذه البقعة مهبط للرسالات، وموطنا للنبوات، ومنزلا لوحي الله -تبارك وتعالى-.
ارتبطت هذه البقعة ببداية الخليقة، وفيها تكون أحداث النهاية، ولعلكم عرفتموها؛ إنها "أرض الشام"، وعلى وجه الخصوص منها أرض فلسطين، وعلى وجه الخصوص منها: "الأرض المقدسة" التي احتضنت فيها بيت المقدس والمسجد الأقصى الذي يئن اليوم، يئن من احتلال اليهود الغاصبين، ومن أذى هؤلاء القوم الكافرين الذين نجسوا طهارته، وأفسدوا جماله وبهاءه.
نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يفك أسر المسجد الأقصى من أيديهم، وأن يحرر تلك الأرض المباركة.
أيها الأحباب الكرام: لهذه الأرض الطيبة مكانة خاصة في ديننا وعقيدتنا ليست مجرد أرض كهذه الأرض ليست هي بقعة كبقع الأرض، إنها بقعة ارتبطت بديننا، وارتبطت بعقيدتنا ارتباطا وثيقا، كيف لا وفيها المسجد الأقصى، وما أدراك ما المسجد الأقصى الذي لربما كثير من المسلمين يجهلون ما هو هذا المسجد العظيم المبارك.
إنه ثاني مسجد بني على وجه الأرض، هو ثاني مسجد وجد في تاريخ البشرية كلها، يسأل أبو ذر النبي -صلى الله عليه وسلم- فيقول له: "أي مسجد وضع في الأرض أولا؟" فيقول صلى الله عليه وسلم: "المسجد الحرام" فيقول: ثم أي؟ قال: "ثم المسجد الأقصى" قال: كم كان بينهما؟ قال: "بينهما أربعون سنة" لا غير.
بناهما كما رجح ذلك كثير من العلماء بناهما آدم -عليه السلام-، هو الذي بنى المسجد الحرام، وهو الذي بنى المسجد الأقصى، ثم جاء بعده إبراهيم فرفع البيت الحرام، وقد كانت أسسه موجودة من عهد آدم، ولهذا ربنا -تبارك وتعالى- يقول: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [البقرة: 127]، فالأسس كانت موجودة، وإنما جاء إبراهيم فرفعها وجدد بناءها.
ثم جاء سليمان بن داود -عليه وعلى أبيه السلام- فجدد بناء الأقصى، ورفع بناء هذا المسجد -أيها الأحباب- الذي صلى فيه، وزاره كثير من أنبياء الله ورسله، ومن لم يتمكن منهم من زيارته تمنى أن يزوره؛ حتى أن موسى -عليه السلام- لما حضره الأجل، وعلم أنه لن يصل إلى المسجد الأقصى دعا الله -عز وجل-، وسأله أن يدنيه منه، حتى يكون منه بمقدار رمية حجر، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "فلو كنت ثم" أي لو كنت هناك: "لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ" حب وشوق ولهفة لهذا المسجد العظيم.
هذا المسجد -أيها الأحباب- الذي ارتبط بحدث عظيم جدا في تاريخ أمة الإسلام إسراء النبي -صلى الله عليه وسلم-: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) [الإسراء: 1] هذه المعجزة الإلهية والآية الربانية التي أكرم الله -سبحانه وتعالى- بها محمدا -صلى الله عليه وسلم-، ما كانت إلا بقعة من الأرض، إلا إلى ذاك المسجد المبارك، يقول صلى الله عليه وسلم: "أوتيت بالبراق وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه، قال: فركبته فأتيت بيت المقدس فربطته في الحلقة التي يربط بها الأنبياء"، هناك حلقة في هذا البيت المبارك اعتاد الأنبياء أن يربطوا دوابهم فيها، إشارة إلى كثرة زيارة الأنبياء لهذا المسجد، وأن معظمهم قد جاءه وصلى فيه، يقول صلى الله عليه وسلم: ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين، وجمع له الأنبياء جميعا بعثهم الله -سبحانه وتعالى- له فصلوا جميعا في هذا المسجد في تلك الليلة يتقدمهم ويؤمهم محمد -صلى الله عليه وسلم-، فكانت ليلة من أعظم ليالي البشرية كلها، اجتمع فيها رسل الله وأنبياؤه في ذلك المسجد المبارك.
المسجد الأقصى -أيها الأحباب- هو أولى القبلتين، فأول ما فرضت الصلاة على المسلمين كانوا يصلون إلى المسجد الأقصى، يقول البراء بن عازب -رضي الله عنه وأرضاه-: "مكثت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا، نصلي إلى المسجد الأقصى، ثم صرفنا إلى القبلة" (أي إلى بيت الله الحرام) وهذا الحديث في الصحيحين.
فكان هذا المسجد أول قبلة توجه إليها المسلمون في صلاتهم، وليس هناك مسجدا في الأرض كلها فيه فضيلة لئن يسافر إليه أحد من الناس من أجل أن يصلي ويتعبد فيه إلا هذا المسجد مع المسجد الحرام والمسجد النبوي، يقول صلى الله عليه وسلم: "لا تشد الرحال" (أي لا يسافر أحد إلى مسجد ليصلي فيه تعبدا وتقربا) "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا" (يعني المسجد النبوي) "والمسجد الحرام والمسجد الأقصى".
هذه هي الثلاثة المساجد التي تشد الرحال إليها وأما ما عداها فلا يشد رحل إليه، فهو ثالث مساجد الأرض، فضلا ومنزلة ومكانة وشرفا عند الله -سبحانه وتعالى-.
ولهذا -أيها الأحباب- كانت الصلاة في المسجد الأقصى مضاعفة في أجرها، يسأل أحد الصحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الصلاة في المسجد الأقصى، والصلاة في المسجد النبوي: أيتهما أفضل؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "صَلاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ فِيهِ، وَلَنِعْمَ الْمُصَلَّى فِي أَرْضِ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ وَلَقَيْدُ سَوْطٍ أَوْ قَالَ: قَوْسُ الرَّجُلِ حَيْثُ يَرَى مِنْهُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ خَيْرٌ لَهُ أَوْ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا"، فقوله صلى الله عليه وسلم: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه" يدل على أن الصلاة في المسجد الأقصى بمائتين وخمسين صلاة؛ لأن الصلاة في المسجد النبوي بألف صلاة.
وانظر -يا رعاك الله- إلى الجملة الأخيرة في هذا الحديث: "لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ وَلَقَيْدُ سَوْطٍ أَوْ قَالَ: قَوْسُ الرَّجُلِ حَيْثُ يَرَى مِنْهُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ" أي لئن يكون للرجل موضع صغير ولو كان بقدر القوس يرى منه المسجد الأقصى أحب إليه من الدنيا جميعا. إشارة إلى ما نعيشه اليوم حيث منع المسلمون من الوصول إلى المسجد الأقصى صار جميع المسلمين يتلهفون ويشتاقون ويحنون؛ لأن يروا المسجد الأقصى عيانا لا عبر الشاشات، ولو من موضع صغير كموضع القوس.
نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يرزقنا رؤية المسجد الأقصى، والصلاة فيه، كما صلى فيه إمامنا وسيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-.
أيها الأحباب الكرام: هذا المسجد ليس فقط تضاعف فيه الصلاة بل جاء ما هو أكثر هذا؛ يروي لنا عبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنه وعن أبيه وأرضاهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إن سليمان بن داود -عليه وعلى أبيه السلام- لما بنى بيت المقدس سأل الله ثلاثة: سأله حكما يوافق حكمه، فؤتيه، وسأله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده، فؤتيه، وعندما فرغ من بناء المسجد سأل الله -عز وجل- ألا يأتيه أحد" أي لا يأتي أحد المسجد الأقصى لا يريد إلا الصلاة فيه أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- "فقد أعطاه الله اثنتين وأرجو أن يكون الله قد أعطاه الثالثة"، وهي من جاء المسجد الأقصى لا يريد إلا الصلاة فيه يخرج من خطيئته كيوم ولدته أمه.
وقد رغب النبي -صلى الله عليه وسلم- في سكن تلك البلاد الطيبة؛ يأتي حذيفة بن اليمان ومعاذ بن جبل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يستشيراه في المنزل: أين يذهبان؟ وأين يسكنان ويذهبان؟ فأومأ النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الشام، فسأله مرة أخرى، فأومأ إلى الشام، فسأله المرة الثالثة فأومأ إلى الشام، ثم قال صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالشام؛ فإنها صفوة بلاد الله يسكنها خيرته من خلقه، وإن الله تكفل لي بالشام وأهله".
ولهذا نجد -أيها الأحباب- في سير الصحابة -رضي الله عنهم وأرضاهم- وفي سير التابعين والعلماء والأئمة أن كثيرا منهم قد ذهبوا إلى بلاد الشام، وعلى الخصوص إلى بيت المقدس سكنوه، ونزلوا فيه، وعاشوا في أكنافه، وماتوا في تلك البلاد الطيبة المباركة، التمسا للخير والبركة التي فيها، وامتثالا لتوجيه النبي -صلى الله عليه وسلم-.
نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يوفقنا جميعا إلى ما يحب ويرضى.
بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه غفور رحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارا به وتوحيدا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما مزيدا.
وبعد:
أيها الأحباب الكرام: إن بيت المقدس والمسجد الأقصى كان مسرحا لأحداث عظيمة حدثت وتحدث وستحدث في آخر الزمان.
بالنسبة لنا -معاشر المسلمين- أهم أحداث آخر الزمان لن تكون في مكة ولن تكون في المدينة، وإنما ستكون في بيت المقدس عندما يخرج الدجال، ويفتن الناس بشبهاته وتلبيسه، ويكثر أتباعه وجنوده، يذهب ويتوجه إلى بيت المقدس، وإن كان لن يتمكن من دخول المسجد الأقصى، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال عن الدجال: "إنه يلبث فيكم أربعين صباحا، يرد فيها كل منها، يذهب إلى كل مكان إلا أربعة أماكن أربعة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، ومسجد الطور، والمسجد الأقصى، لا يتمكن من دخوله يتوجه إليه فينزل عيسى -عليه السلام- ينزله الله -تبارك وتعالى- ويهبطه إلى الأرض عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، فيتوجه للقاء الدجال، ويأتي للمسلمين وهم يتهيئون لصلاة الفجر، فيصلي معهم -عليه السلام- ويؤم المسلمين إمامهم ولا يؤمهم عيسى -عليه السلام-، فبعد أن ينتهوا من صلاتهم يأمر بفتح الأبواب، فتفتح الأبواب، فإذا بالدجال ومعه سبعون ألف من اليهود جاؤوا لملاقاة المسلمين، فلا يرى الدجال عيسى -عليه السلام- إلا ويزوغ كما يزوغ الملح في الماء، ويفر من عيسى، فيدركه عيسى -عليه السلام- ويقتله.
وعند ذلك يتفرق اليهود ويفرون هاربين، ويختبئون وراء الحجر والشجر، فينطق الله -سبحانه وتعالى- الحجر والشجر، وينادي كل منهم: "يا عبدالله يا مسلم هذا يهودي ورائي تعال فاقتله، إلا شجر الغرقد فإنه من شجر اليهود".
ينتصر المسلمون انتصارا عظيما وهم في أكناف بيت المقدس، وقد بشر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الطائفة المنصورة المؤدية من عند الله -تبارك وتعالى- ستكون في ذلك المكان المبارك، يقول صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين على من ناوئهم، وهم كالإناء بين الأكلة" أي تتداعي عليهم الأمم من كل مكان، ويتكالب عليهم الأعداء من كل مكان، ولكن لا يضرهم هذا أبداً حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك، قال الصحابة -رضي الله عنهم وأرضاهم- وأين هم يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "هم بأكناف بيت المقدس" أي ما حول بيت المقدس في تلك الأرض المباركة الطيبة.
بل أشار النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أن الخلافة في آخر الزمان ستكون في تلك الأرض الطيبة المباركة، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبي حوالة الأسدي وقد وضع النبي -صلى الله عليه وسلم- يده على رأس أبي حوالة، قال: "يا ابن حوالة إذا رأيت الخلافة قد نزلت بالأرض المقدسة، فقد دنت الزلازل والبلابل والأمور العظام، والساعة يومئذ أقرب إلى الناس من يدي هذه إلى رأسك"، وكانت يده على رأس ابن حوالة.
هذه إشارة إلى أن خلافة المسلمين في آخر الزمان ستكون في تلك البلاد الطيبة المباركة.
هذا هو المسجد الأقصى -أيها الأحباب- في ديننا وعقيدتنا جزء لا يتجزأ من مقدساتنا، بل هو أهم مقدساتنا بعد الحرمين الشريفين، ولأَن الصحابة -رضي الله عنهم وأرضاهم- أدركوا هذه الحقيقة فقد اهتموا واعتنوا بفتح بيت المقدس، عمر -رضي الله عنه وأرضاه- كان يسير إلى كل ناحية جيش من جيوش المسلمين حتى جاء إلى بيت المقدس فلم يكتف بجيش واحد، بل سير أربعة جيوش عليه أربعة من أعظم قادة المسلمين: أبو عبيدة بن الجراح، وشراحبيل بن حسنة، وعمرو العاص، وخالد بن الوليد.
بل لم يكتف عمر بتسيير هذه الجيوش، بل ذهب بنفسه لأجل أن يتسلم مفاتيح بيت المقدس تحقيقا لوعد الله -تبارك وتعالى- بأنه سيورث الأرض لعباده الصالحين، قال تبارك وتعالى: (إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [الأعراف: 128]، (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) [الأنبياء: 105]، فأورث الله -تبارك وتعالى- تلك الأرض الطيبة المباركة أورثها لعباده الصالحين المؤمنين الذين قاموا بأمر الله، فمكنهم الله -عز وجل- في الأرض، فأين عمر -رضي الله عنه وأرضاه-؟ أين عمر ليأتي ويرى المسجد الأقصى وقد ضيعه أبناؤه، وقد فرطوا فيه، وقد تغلبت عليه الأمة المغضوب عليها، نجست طهره، وشوهت محياه، وأفسدت أرضه، وفعلت به الأفاعيل؟ ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أين عمر؟ ليُعلم الناس الدرس الذي علمهم عندما فتح بيت المقدس جاء بثياب مرقعة وعليها أثر الطين والوسخ، فقال له أبو عبيدة: لو غيرت ثيابك، ولبست أحسن منها، فإنك ستقابل الرهبان والقساوسة والوجهاء؟ فقال عمر -رضي الله عنه وأرضاه-: "لو قالها غيرك يا أبو عبيدة، نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله".
أين عمر ليُعلم الناس اليوم ذات الدرس الذي علمه لأبي عبيدة -رضي الله عنه وأرضاه-؟
لن يعود الأقصى -أيها الأحباب- إلا براية إسلامية صادقة خالصة، لن يعود الأقصى بالدعوة القومية، ولن يعود بالمفاوضات العبثية، ولن يعود بالاستسلام المسمى بالسلام، لن يعود إلا براية عقائدية خالصة.
جاء اليهود براية عقدية واضحة، ولن يقف أمامهم إلا راية عقدية واضحة مثلها، فمعركتنا مع اليهود معركة عقدية من الطراز الأول، ليست معركة أرض وبنيان، إنما هي معركة كفر وإيمان، صراع حق وباطل، وليس صراع مصالح وأراضي.
القدس أرض الأنبياء
القدس حلم الشعراء
في القدس قد نطق الحجر
لا مؤتمر لا مؤتمر
أنا لا أريد سوى عمر
في المسجد الأقصى وفي العمري
قد نطق الحجر
شاهت وجوه بني النضير
تدافعوا نحو الحفر
شاهت وجوه الانتهازيين
عباد البشر
في القدس قد نطق الحجر
لا مؤتمر لا مؤتمر
أنا لا أريد سوى عمر
سقطت شعارات الفراعنة الصغار
واسود وجه العابثين من اليمين إلى اليسار
من لحية الشهداء يخرج أمتي ضوء النهار
لمشايخ الأرض القرار
والقدس مجد وفخار
والقدس أرض الأنبياء
والقدس حلم الشعراء
لا مؤتمر لا مؤتمر
أنا لا أريد سوى عمر
نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يحرر المسجد الأقصى من أيدي الغاصبين المعتدين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم