فرحة المسلمين بالنصر والتمكين

الشيخ د محمد أحمد حسين

2024-12-13 - 1446/06/11 2024-12-16 - 1446/06/14
عناصر الخطبة
1/وعد الله للمؤمنين بالنصر والتمكين 2/مباركة الله لأرض الشام 3/فرحة أهل الشام بجلاء الظلم والطغيان 4/الوصية بشد الرحال للمسجد الأقصى المبارك 5/بالصبر والإيمان ينال النصر بإذن الله تعالى

اقتباس

حُقَّ لأهل الشام أن يحتفلوا ويحتفوا بحريتهم، وخلاصهم، من الظلم الذي استولى على البلاد والعباد، لعقود طويلة، هذا الظلم الذي أبدع في ظلم شعبه وأرضه وبلاده، هذا الظلم الذي لم يترك بابًا من أبواب القهر، والخوف، لا بل والإبادة إلا ارتكبها ضد أبناء شعب الشام...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله، وعَد المؤمنينَ بنصره، وتوعد الكافرين والمنافقين والخائنين بخزيه، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، وحدَه لا شريكَ له، جعل الأيام دولًا بعدله، وجعل العاقبة للمتقين بفضله، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا، وشفيعنا وقائدنا، ومعلمنا ورسولنا، محمدًا عبد الله ورسوله، وصَفِيُّه من خَلقِه وخليلُه، صلى الله عليه، وعلى آله الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، ومن سار على نهجهم، واقتفى أثرهم، واتبع سنتهم إلى يوم الدين، والصلاة والسلام على الشهداء والمكلومين، والأسرى والمعتقَلين، والقائمين الراكعين الساجدين، في المسجد الأقصى المبارَك، وفي كل أرض من ديار المسلمين.

 

وبعد، أيها المسلمون، يا أبناء بَيْت الْمَقدسِ وأكناف بَيْت الْمَقدسِ: يخاطب الله -عز وجل- المؤمنين قائلًا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)[الْبَقَرَةِ: 153]، ويقول جل من قائل: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ في الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا)[النُّورِ: 55]، صدق الله العظيم.

 

أيها المسلمون، يا أهلنا هناك في بلاد الشام: التي بارَك اللهُ فيها، وباركها رسولنا الأكرم بدعائه الخالد: "اللهمَّ بارك لنا في شامنا، وبارك لنا في يمننا"، الشام التي أخبر رسولنا الأكرم -صلى الله عليه وسلم- بأنَّها عمود الإيمان، الشام التي أيضًا أخبرنا رسولنا الأكرم بقوله: "إن الله تكفَّل لي بالشام وأهله"، وأنتم يا أبناء فلسطين، أنتم من أبناء الشام، كما أن دمشق عاصمة الأمويين، وهي دولة الخلافة الإسلاميَّة، التي يحتفل أبناؤها اليوم ومنذ بضعة أيام بزوال القهر، وبزوال الظلم، عن صدور أبنائها.

 

نعم أيها المسلمون، حُقَّ لأهل الشام أن يحتفلوا ويحتفوا بحريتهم، وخلاصهم، من الظلم الذي استولى على البلاد والعباد، لعقود طويلة، هذا الظلم الذي أبدع في ظلم شعبه وأرضه وبلاده، هذا الظلم الذي لم يترك بابًا من أبواب القهر، والخوف، لا بل والإبادة إلا ارتكبها ضد أبناء شعب الشام، فمن هناك، من مسجد الأمويين، وهنا في المسجد الأقصى المبارَك، الذي يرتبط بحضارة الأمويين، جوهرًا وموضوعًا، فقد بنى الأمويون مسجد دمشق، المسجد الأموي، الذي يرفع الأذان فيه في هذه الأيام، وبنوا في الوقت نفسه المسجد الأقصى المبارَك، الذي نصلي فيه اليوم، وفي كل الأيام، إلى أن يرث الله الأرض وما عليها.

 

نعم أيها المسلمون، يا أبناء الشام، ويا أبناء فلسطين الصابرة، والمرابطة، والملازمة لثغر من ثغور الإسلام، هو في الأهمية بمكان عظيم، نعم، أليست القدس، أليست فلسطين هي أرض الإسراء والمعراج؟! وهي جزء من عقيدة كل مسلم في العالَم، أليس المسجد الأقصى هو قبلة المسلمين الأولى، وهو ثاني المساجد التي وضعت في الأرض لعبادة الله وتوحيده؟! أليس المسجد الأقصى هو المسجد الثالث الذي لا تشد الرحال إلا إليه، ولأخويه في مكة المكرَّمة والمدينة المنوَّرة، كل هذه المعاني أيها المسلمون، يجب أن تكون حاضرة لأبناء المسلمين هنا في القدس، لا بل في كل فلسطين، هناك في غزَّة هاشم، غزَّة الصبر، وغزة الثبات، وغزة الرباط، وغزة المؤمنين، الذين يعتزون بتوحيد الله.

 

نعم أيها المسلمون، إن هذه الأرض التي باركها الله وبارك حولها، ستبقى بحول الله وقوته عامرة بالإسلام والمسلمين، يستخلفنا الله فيها كما استخلف الذين آمنوا وعملوا الصالحات من أجدادنا الكرام، من المسلمين الأوائل، الذين يدفنون في هذه البلاد، وهناك في أرض الشام، هناك معركة اليرموك، التي فصلت بين المسلمين وعدوهم الروم، هناك في حمص، حيث يرقد سيف من سيوف الله المسلول؛ إنه أبو سليمان خالد بن الوليد، صاحب الحبيب الأعظم -صلى الله عليه وسلم-.

 

أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: حُقَّ لمن طال عليه الظلم والقهر، أن ينهض من كبوته وغفوته، ليُمسِكَ زمامَ الأمور، ولكنَّنا نقول بحقٍّ وحقيقةٍ، بإيمانٍ صادقٍ بالله -تعالى-، وسيرٍ على نهج حبيبه الأكرم، وعلى نهج أصحابه من الصحابة الكرام، ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعد الله، ووعد الله لا يتخلف، ووعد الله لا يتأخر، ووعد الله هو الذي يحققه الله -تعالى- على أيدي المؤمنين، على أيدي المخلصين الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فلا تمكين، ولا زوال للخوف والقهر إلا بالإيمان وعمل الصالحات.

 

وقد روى الأئمة من أهل التفسير أسباب نزول هذه الآية، بعدة روايات مخلصها أن الصحابة -رضوان الله عليهم- شَكَوْا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- حالة القلق وحالة الخوف التي يعيشونها، فلا يكادون يضعون سلاحهم، فطمأنهم الله -تعالى-، وطمأنهم رسوله الأكرم -صلى الله عليه وسلم- بأن الله سيمكن لهم في الأرض، وسيمكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا، وقد كان ذلك؛ حينما هاجر النبي والمسلمون إلى المدينة المنوَّرة، فزال الخوف، وزال القهر، وهزم الظلم والظالمون، وارتفعت راية الحق خفاقة، لا إلهَ إلَّا اللهُ، محمدٌ رسولُ اللهِ، فتحت مكة، لا بل دانت جزيرة العرب كلها للإسلام والمسلمين، واستخلف الله -سبحانه وتعالى- صحابة الرسول الكرام أبا بكر، وعمر، وعثمان، وعليا، وجاء من بعدهم الأمويون، والعباسيون، حتى انتهت الخلافة بالعثمانيين، الذين أبوا أن يفرطوا بشبر من أرض فلسطين المباركة.

 

أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: إنها نعمة عظيمة، ومَكْرُمَة جليلة أنعمَها اللهُ عليكم أهلَ الشام، وهي نعمة على المؤمنين الموحِّدين، عليهم أن يحافظوا عليها، لإيمانهم العميق، بانتمائهم إلى هذا الدين العظيم، بوحدة صفهم، ووحدة كلمتهم، ووحدة مجموعاتهم، حتى يعيدوا لبلاد الشام مجدها، وتاريخها، وحضارتها، وعزتها، وكرامتها، بعد أن ظلمت كثيرًا، بظلم المعتدين، وظلم الظالمين الذين تخلوا عن كل ساحة من ساحات الشرف، ولقد أصاب الشاعر بوصفهم حينما قال:

أَسَدٌ عليَّ وفي الحروبِ نعامةٌ *** فتخاءُ تَجْفُلُ مِنْ صفيرِ الصافرِ

 

جاء في الحديث الشريف، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب الرجل لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يقذف في النار"، أو كما قال، فيا فوزَ المستغفرينَ استغفِرُوا اللهَ وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على سيدنا محمد لا نبي بعده، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، أحب لعباده أن يعملوا لدينهم ودنياهم، حتى يفوزوا بنعم الله وينالوا رضوانه، اللهمَّ صل على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت على سيدنا إبراهيم، وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنَّكَ حميدٌ مجيدٌ.

 

وبعد أيها المسلمون، يا أبناء بَيْت الْمَقدسِ وأكناف بَيْت الْمَقدسِ: لقد ضربتم بصبركم وثباتكم، وتمسككم بأرضكم وحرصكم على مقدساتكم أروع الأمثلة في تاريخ المسلمين الحاضر، ولعله يكون عدة للمسلمين في المستقبل، فأنتم أبناء هذه الديار المبارَكة، التي بارَك اللهُ فيها وحولها، وباركها رسولنا الأكرم -صلى الله عليه وسلم- بدعائه لها بالبركة، عليكم واجب كبير؛ أن توحدوا صفوفكم، وأن تكونوا كالبنيان، يشد بعضه بعضًا، ولا يرهبنكم تقلب الذين كفروا في البلاد؛ فإن هذا متاع قليل، وسنجتازه بحول الله وقوته، وبثباتكم في هذه الأرض المبارَكة، أرض الإسلام والمسلمين، أرض الصحابة الكرام، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وديعة عمر -رضي الله عنه-، ومحررة صلاح الدين، والأجيال الإيمانية التي مضت، والتي ستتبع إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولًا.

 

شُدُّوا رحالَكم -أيها المسلمون- في جميع الأوقات إلى المسجد الأقصى المبارَك؛ لتعمروه بالصلاة والعبادة، والتسبيح والتلاوة، فهو مسجدكم، هو مسجدكم ومسجد المسلمين أينما كانوا، ولا حق لغير المسلمين فيه، لا من قريب ولا من بعيد، إنه المسجد الذي يرفع من أعلى مآذنه أذان التوحيد، وشهادة التوحيد لله وحده، والشهادة لرسوله -عليه الصلاة والسلام- بالبلاغ والبيان، فاحرصوا -أيها المسلمون- على مقدَّساتكم، وعلى رأسها المسجد الأقصى المبارَك، واعلموا -أيها المسلمون- أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأنَّه لن يغلب عسر يسرين؛ (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)[الشَّرْحِ: 5-6].

 

أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: تزول الشدائد، ويأتي الفرج بحول الله -سبحانه وتعالى-، فهو القائل، وقوله الحق وقوله الصدق: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ في الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ)[النُّورِ: 55]، وقال -جل في علاه-: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا في الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ)[غَافِرٍ: 51].

 

اللهمَّ رُدَّنا إليكَ ردًّا جميلًا، وهيئ لنا وللمسلمين فرجًا عاجلًا قريبًا، وقائدًا مؤمنًا رحيمًا، يُوحِّد صفَّنا، ويَجمَع شملَنا، وينتصر لنا، اللهمَّ أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه.

 

اللهمَّ اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، واختم أعمالنا بالصالحات.

 

وسنقيم صلاة الغائب على أرواح الشهداء بعد صلاة الجمعة مباشرة، وأنتَ يا مُقيمَ الصلاة أَقِمِ الصلاةَ.

 

 

المرفقات

فرحة المسلمين بالنصر والتمكين.doc

فرحة المسلمين بالنصر والتمكين.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات