فتنة المسيح الدجال-2

الشيخ د علي بن عبدالعزيز بن علي الشبل

2023-10-06 - 1445/03/21 2023-10-16 - 1445/04/01
عناصر الخطبة
1/فتنة الدجال 2/علامات خروج الدجال 3/طرف من أخبار الدجال 4/أتباع الدجَّال 5/سمات الدجال وصفاته 6/من أسباب العصمة من الدجال.

اقتباس

أول شأنه يدَّعي أنه وليٌّ من الأولياء فيؤيَّد ببعض البراهين وببعض الخوارق فيزداد أتباعه ويعظمون إلى أن يدَّعي أنه نبيٌ مُرسلٌ من الله إلى الناس، ويؤيَّد ببعض الخوارق فيعظُم أتباعه عندئذٍ إلى أن ينتهي خطره في غُلوه وكفره؛ فيدَّعي أنه رب العالمين...

الخطبةُ الأولَى:

 

إن الحَمْدُ لِله نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمْنْ يُضْلِل فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدُهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نبينا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه ومن سلف من إخوانه من المُرسلين، وسار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد عباد الله: فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مُسلمون.

 

 أيها المؤمنون! لقد حذَّرنا نبينا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من فتنةٍ عظيمة، من فتنةٍ عمياء كبيرة هي أعظم الفتن من لدن آدم إلى قيام الساعة، من فتنةٍ أنذرها نوحٌ قومه، وأنذرها موسى قومه، وكان أشدهم إعذارًا وإنذارًا منها نبينا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إنها فتنة المسيح الدجال، هذه الفتنة التي قلَّ التحذيرُ منها في هذه الأزمان.

 

  وللدجالِ -يا عباد الله- علاماتٌ ذكرها -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فذكر في زمانه أنه لا يخرج حتى يتغير الزمان بفسادِ أهله، ففي السُّنن يقول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إن بين يدي الساعة سنوات خدّاعات، يُصدَّق فيها الكاذب، ويُكذَّب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائِن، ويُخوَّن فيها الأمين، فإذا كان ذلكم فانتظروا الدجال من يومه أو من غده".

 

وفي حديث الصعب بن جثامةَ -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْه-: أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "لا يخرج الدجال حتى يذهل الناس عن ذِكره، وحتى تترك الأئمة خبره على المنابر"، فذكر علامتين كادتا أن تقع: "يذهل الناسُ عن ذِكره"؛ فلم ينسوه وإنما شُغلوا عنه بحرثهم ودنياهم وحديثهم وماهم مهتمون فيه، "وحتى تترك الأئمة خبره على المنابر"؛ فلا تجد من يُحذِّر من الدجَّال على منابر التوجيه والخُطب ومنابر الإعلام، عندئذٍ سيخرج عليهم الدجال على حين غرة: أي فُجأةً وهم لا يشعرون بخروجه.

 

 وفي حديث النواس بن سمعان -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْه- الطويل الذي أخرجه عنه مُسلمٌ في صحيحه قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إنه" أي الدجال "خارجٌ خُلَّةً بين الشامِ والعراق، فعاث يمينًا وعاث شِمالاً ألا يا عباد الله فاثبتوا، ألا يا عباد الله فاثبتوا".

 

وذكر -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طرفًا من خبر الدجال فخفضَ فيهِ ورفع وزاد فيهِ ونقص، فلما راح إليه أصحابه وجد وجوههم متغيرةً من خبره والخوف من فتنته، فقال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لهم: "ما لي أرى وجوهكم متغيرة؟"؛ قالوا يا رسول الله ذكرت الدجال فخفضت فيه ورفعت وزدت فيهِ ونقصت حتى ظنناه وراءنا في طائفة النخل -أي في نخل المدينة- قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه، وإن يخرج ولست فيكم فامرؤٌ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مُسلم"، نسأل الله أن يكون خليفتنا على أنفسنا وعلى المُسلمين أجمعين.

 

 ذكر -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- إسراعه في الأرض قال: "كالغيث" -أي كالسحاب- "استدبرته الريح" إذا ساقته الريح، وذلك أنه يطأ الأرض كلها إلا مكة فهي حرم الله وهي حرامٌ على هذا الخبيثِ وأمثاله، قال الله -عَزَّ وَجَلَّ-: (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ ‌نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ)[التوبة: 28]، وإلا المدينة وهي حرم رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

 

وذلك أن الخبيث يقدم عليها فإذا أقبل على المدينة  رأى من بعيد القصر الأبيض مسجد النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: هذا القصر الأبيض قصر محمد، فكلما همَّ الدخول إلى المدينة من فجٍ من فجاجها استقبله فيها مَلكان معهم السيوف مُسلطة فعندئذٍ يضرب صوانه في شمالي المدينة في أرضٍ سبخةٍ ذات ملح يُقال لها أرض الجرف هي ملتقى أودية المدينة فعندئذٍ ترتجف المدينة ثلاث ارتجافات فيخرج إلى الدجال من أهلها كل كافرٍ ومنافقٍ ومنافقة، قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فذلك حين تنفي المدينة خبَثَها كما ينفي الكيرُ خبث الحديد".

 

 سُئِل -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- عن فتنته قال: "معه جنةٌ ونار، فأما نارهُ فماءٌ بارد، وأما جنتهُ فنارٌ تلظَّى"، معه جبالٌ من خُبز وجبالٌ من طعام تسير بمسيره؛ دلَّ على أنه يكون في زمانه المساغب العظيمة والمجاعات العامة الكبيرة، يمر على الخربة فيأمر كنوزها فتتبعه كنوزها كأنها يعاسيب النحل، يأمر السماءَ فتُمطر ويأمر الأرض فتنبت ابتلاءً من الناس في هذا الأمر لأنه يضلهم في اعتقادهم وفي إيمانهم.

 

أول شأنه يدَّعي أنه وليٌ من الأولياء فيؤيَّد ببعض البراهين وببعض الخوارق فيزداد أتباعه ويعظمون إلى أن يدَّعي أنه نبيٌ مُرسلٌ من الله إلى الناس، ويؤيَّد ببعض الخوارق فيعظُم أتباعه عندئذٍ إلى أن ينتهي خطره في غُلوه وكفره؛ فيدَّعي أنه رب العالمين، ولا يرد دعوته إلا المؤمنون الموحدون الذين لم يُزايدوا ولم يُساوموا على إيمانهم ولا على عقيدتهم ولا على توحيدهم.

 

 وقد جاء ذكر الدجال قد جاء ذكره في القرآن في آيةٍ في سورة الأنعام في قول الله -عَزَّ وَجَلَّ-: (‌هَلْ ‌يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ)[الأنعام: 158]، قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إذا ظهرت الشمس من مغربها أو الدجال أو الدخان؛ فذلك حين لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا".

 

 نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وما فيهِ من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه كان غفارًا.

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله كما أمر، أحمده سبحانه وقد تأذَّن بالزيادةِ لمن شكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مُقرًا بربوبيته وأُلوهيته وأسمائِه وصِفاته، مراغمًا بذلك من عاندَ به وكفر، وأُصلِّي وأسلِّم على سيدِ البشر الشافع المُشفَّع في المحشر صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه السادةِ الغُرر خير آلٍ ومعشر ما طلع ليلٌ ونهارٌ فأقبل أحدهما على الآخر وأدبر.

 

أما بعد عباد الله: فاتقوا الله -عَزَّ وَجَلَّ- وعظِّموا أوامره ونواهيه، واستمسكوا بإيمانكم وعقيدتكم ولاسيما عند فساد الزمان وعند ضعف الدين وعند هيمان الهيمانين على أمور دنياهم وشهواتهم.

 

ذكر -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أتباع الدجَّال فأول أتباعهِ وأولهم وأعزم أصنافه اليهود عليهم لعائِن الله المتتابعة في كُتبه وعلى ألسنةِ رُسله -عَلَيْهِم الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، ففي صحيح مُسلم يقول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا تقوم الساعة حتى يخرج سبعون ألفًا من يهود أصبهان يتبعون الدجال"، زاد الإمام أحمد بإسنادٍ صحيح: "عليهم الطيالسة"، واليهود ينتظرونه ليُقاتلوا معه المؤمنين كما هو مُصرَّحٌ في كتبهم وفي مُقدساتهم أخزاهم الله وإياهم.

 

 الصِّنف الثاني من أتباع الدجال: المحرِّفون المُبدِّلون الذين نسبوا لله الابن والبنت والولد؛ فهؤلاء أتباعٌ للدجال؛ حيث إن إيمانهم يضيع واعتقادهم المحرَّف يسيخ إذا ظهر عليهم الدجال ومعه من الخوارق ما ليس في مقدورهم ولا في منطوق عقولهم ولا آمالهم.

 

 الصنف الثالث من أتباع الدجال: عُبَّاد الأوثان من الأحجار والشموس والأقمار الذين عبدوا الغائبين، وعبدوا الجن والشياطين، وعبدوا الأحجار والشموس والأقمار من البوذيين وغيرهم والهنادكةِ وأضرابهم، إذا خرج عليهم الدجال اتبعوه؛ لأن معه من الخوارق والمُعجزات ما لا يستطيعون له دفعًا.

 

 الصنف الرابع من أتباعه: عُبَّاد القُبور والمقامات والأضرحة، الذين أشركوا مع الله في الأولياءِ والأئمة فدعوهم واستغاثوا بهم وسألوهم وذبحوا لهم وطافوا بمقاماتهم تعظيمًا لهم، إذا خرج عليهم الدجال لم يجدوا في أنفسهم حرجًا في اتباعه؛ لأن معه من الخوارق ما يظنون أنه ربهم حيث أنه يُحيي ويُميت ويأمر السماء فتُمطر والأرض فتنبت، فيظنه هؤلاءِ المساكين ربهم وهذا غايةُ ضلاله فيهم.

 

 الصنف الخامس من أتباعه: الأعراب الذين نشأوا في أطراف الدنيا؛ فقلَّ علمهم وضعُف إيمانهم وتوحيدهم، قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وإنّ مِن أشَدِّ فِتَنِه أنّه يَأتي الأعرابيَّ، فيقولُ: أرأيتَ إن أحيَيتُ لكَ إبِلَكَ، ألستَ تَعلَمُ أنِّي ربُّكَ؟ قال: فيقولُ: بَلى. فيُمَثِّلُ له نَحوَ إبِلِه، كأحسَنِ ما يكونُ ضُروعًا وأعظَمِه أسنِمةً، قال: ويَأتي الرَّجُلَ قد مات أخوهُ، ومات أبوهُ، فيقولُ: أرأيتَ إن أحيَيتُ لكَ أباكَ، وأحيَيتُ لكَ أخاكَ، ألستَ تَعلَمُ أنِّي ربُّكَ؟ فيقولُ: بَلى. فيُمَثِّلُ له الشياطينَ نحوَ أبيهِ ونحوَ أخيهِ".

 

يمرّ الدجال على الأعرابي في بره عند إبله أو بقره أو غنمه، فيدعوه فيقول: أنا ربك، فيقول الأعرابي: أنا أكفرُ بك ولا أؤمن"، والدجال معه على هؤلاءِ حلمٌ عظيم يحلمُ عليهم ولا يُعادلهم بالعُقوبة، "فيقول له الدجال: أفرأيت إن أحييت لك أباكَ وأمك أفتؤمن بي؟ فيقول الأعرابي نعم" لأنه يعلم أن المحيي المميت هو الله -عَزَّ وَجَلَّ- ولكنه لم يفطن إلى خُبث هذا الدجال وإلى ألاعيبه وكذبِ شياطينه.

 

 والدجال معه جنٌ وشياطين فيأمرهم فيتمثلوا ويتصوروا بصورةِ أبِ ذلك الأعرابي وأمه، "فيأتيانِ إليهِ فيقولان يا فلان ألا تعرفنا؟ فيقول: أنت أبي وأنتِ أمي، كنا أمواتًا فأحيانا ربنا هذا"، عندئذٍ يضمحلُّ ما معه من علم ويزول ما معه من إيمان فيتبعه يظن أنه ربه وهذا من أتباع الدجال حيث انخدع بفتنته، وانخدع بما يظنه من خوارقه، والدجال الخبيث البعيد لم يُحيِ أباه وأمه وإنما مثَّل وصوّر عليه بهؤلاءِ الجن والشياطين.

 

 فاحذروا عباد الله فتنته، واعتصموا بدينكم واستمسكوا بإيمانكم لئلا تكونوا من أتباعه، فإن أصحاب الغفلات هم أتباع الدجال وهؤلاء الصِنف السادس.

 

 من أتباع الدجال: الرجال والنساء الذين ضعف إيمانهم وقلَّ عِلمهم وعظُم اتباعهم لشهواتهم وأهوائهم، فتجدهم خلف رغباتهم ورغباتِ نسائِهم، فهؤلاء إذا ظهر عليهم الدجال بخزعبلاته وببراهينه وخوارقه التي يؤيده بها الله -عَزَّ وَجَلَّ- تمحيصًا لإيمان الناس ومحقًا لإيمانِ الكافرين فإنهم سيتبعونه.

 

وأضرب على هذا يا رعاكم الله بمثلين عظيمين شهيرين، فانظروا إلى الكرة وإلى الرياضة بأنواعها كيف تعلَّقت بها قلوب الكثيرين فأصبحوا يحبون فيها ويُعادون فيها، يوالون فيها ويُعادون فيها، فإذا أصبح هذا اللاعب ولو كان كافرًا من فريقهم الذي يُعظِّمونه رفعوه على الرؤوس، وذلك اللاعب من فريقهم الذي هو خصمٌ لهم يسبونه ويعادونه، وليس مع هؤلاءِ اللاعبين أي خارقٍ من خوارق العادات ولا أي معجزةٍ من المعجزات وإنما هو تدرُّبٌ على نوعٍ من أنواعِ الرياضات وممارسةٌ لها فسلبوا بذلك قلوب الكثيرين، فكيف إذا خرج على أمثالِ هؤلاءِ الدجال؟! إنهم سيتبعونه ولا شك كما قاله النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

 

والصنف الثاني في النساءِ وأمثالهم: في أنواعِ الموضات في الملابس والأثاث والزينات والعطورات وهي من عمل البشر، تجد كثيرًا من النساء يُقلدن هؤلاءِ في ظهورهن وفي شعورهن وفي زينتهن وفي أثاثهن، وليس مع هؤلاءِ من الإعجاز شيء، كيف لو خرج على هؤلاءِ الدجال؟! فإنهم سيتبعونه.

 

ولهذا أخبرنا -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- أن أكثر أتباع الدجال أنهم من النساء، قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما رواه الإمام أحمد بإسنادٍ جيد: "وليعودن الرجلُ إلى حميمه"؛ أي إلى زوجته "وإلى أمه وإلى أُخته وإلى عمته فيوثقهم بالسلاسل مخافة أن يخرجوا فتبعوا المسيح الدجال"، وذلك لعِظمِ فتنته.

 

والناس في زمانٍ كثُرَ فيهم الفضول والتطفُّل؛ فلا يحصلٌ أمرٌ غريب إلا وتجدهم عليه زحامًا زُرافاتٍ وجماعاتٍ ووحدانًا، وهذا من قلةِ العقل ومن العجلةِ والاندفاع ومن ضعف الإيمان ولا حول ولا قوةَ إلا بالله.

 

 فاستمسكوا عباد الله بدينكم، وتعرَّفوا إلى الله بأسمائِه وصِفاته، فإن من عرف الله بأسمائِه وصِفاته وآمن به حقًا وصِدقًا فهو معصومٌ بإذن الله من فتنةِ المسيح الدجال.

 

 المسيح الدجال: أعور العين اليمنى، وربكم -جَلَّ وَعَلَا- ليس بأعور له عينانِ كريمتانِ لائقتان بعظمته لا تُشبهانِ أعين المخلوقين بحال كما قال سبحانه: (لَيْسَ ‌كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[الشورى: 11].

 

 الدجال -يا عباد الله- مخلوقٌ من أبوين وهو عقيمٌ لا ولد له، والله -جَلَّ وَعَلَا- أحدٌ فردٌ صمد لم يلد ولم يولد -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، الدجال يموت يقتله عيسى ابن مريم في باب لدٍ في شمال غربي بيت المقدس، والله -جَلَّ وَعَلَا- حيٌ لا يموت ولا ينبغي له سبحانه أن ينام.

 

الدجال -يا عباد الله- دميمُ الخلقة فإنه أعور العين اليُمنى وعلى جبهته جلدةٌ غليظة وشعره قَطَّط وهو أفجح ما بين القدمين إذا مشى باعد بين ساقيه، أما ربنا -جَلَّ وَعَلَا- فله الصِفات الكاملة وله الصِفات العُلا وهو -سبحانه- جميلٌ أجمل من كل جميل، فـ "الله جميلٌ يُحبُّ الجمال"؛ كما قاله النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وإن من استمسك بدينه ولم يُزايد ولم يُساوم على توحيده وعقيدته فإنه بإذن الله مُسلَّمٌ ناجٍ من فتنةِ المسيح الدجال.

 

 ومن أسباب العِصمةِ منه: حِفظُ سورة الكهف وقراءة أوائِلها وأواخرها، فقال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إذا خرج الدجال فاقرؤوا عليهِ فواتح وخواتم سورة الكهف"، ويقول -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "من حفظ العشر الآيات الأولى من سورة الكهف عُصِم من فتنةِ المسيح الدجال"، وهي سورةٌ عظيمة يُستحب قراءتها في كل جمعة فاحفظوها وباردوا إلى تحفيظها أولادكم لعلنا أن نكون وإياكم من المعصومين من فتنة المسيح الدجال.

 

 ومن أسباب النجاةِ من فتنته: دعاء الله -جَلَّ وَعَلَا- والتضرُّعِ إليه والانطراح بين يديه دعاءً وتذللاً واستغاثةً أن يُنجينا من شره، ففي الصحيحين أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "تعوذوا دُبر كل صلاةٍ من أربع: تعوذوا بالله من عذابِ جهنم، وتعوذوا بالله من عذاب القبر، وتعوذوا بالله من فتنةِ المسيح الدجال، وتعوذوا بالله من فتنةِ المحيا والممات"؛ فحريٌّ بمن استعاذ ربه من فتنته وشره ودعا ربه في أوقات الإجابة أن يكفينا شره أنه بإذن الله منجًى منه.

 

 نسأل الله -جَلَّ وَعَلَا- بأسمائِه الحُسنى وصفاته العلا أن يكفينا وإياكم شر فتنة المسيح الدجال، اللهم اعصمنا منه ومن فتنته، ومن شره ومن خطره، اللهم اعصِمنا من الفتن كلها ما ظهر منها وما بطن برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم أعزَّ الإسلام وانصر المسلمين، اللهم انصر دينك وكتابك وسُنةَ نبيك على العالمين، اللهم انصر من نصر الدين، واخذُل من خذل عبادك المؤمنين برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم أبرم لهذه الأمةِ أمرًا رشدًا يُعز به أهل طاعتك، ويُهدى بهِ أهل معصيتك، ويؤمر فيهِ بالمعروف، ويُنهى فيهِ عن المنكر يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهم وفق ولي أمرنا بتوفيقك، اللهم أصلح له بطانته، اللهم اجعله معوانًا على الخير دالاً عليه ناصرًا لأوليائك محكمًا لشريعتك يا ذا الجلال والإكرام، هو وجميع ولاة المُسلمين.

 

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراءُ إليك أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا غيثًا مُغيثًا هنيئًا مريئًا، سحًا طبقًا مُجلِّلاً، اللهم سُقيا رحمة لا سُقيا عذاب ولا هدمٍ ولا غرق ولا نَصبٍ يا ذا الجلالِ والإكرام.

 

اللهم أغث بلادنا وأوطاننا بالأمن والأمطارِ والخيرات، وأغث قلوبنا بمخافتك وتعظيمك يا ذا الجلال والإكرام، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

 

عباد الله! (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ‌وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل:90]، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمهِ يزدكم، (‌وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت: 45]، (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا ‌يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصافات: 180-182].

 

 

 

 

المرفقات

فتنة المسيح الدجال-2.doc

فتنة المسيح الدجال-2.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات