اقتباس
فواعجبًا كيف يسير فئام من المسلمين في ركاب أهل الكتاب المحكومين بهذا الوصف المنفر المتكرر في يوم المسلم وليلته مرارًا؛ فإن تلك الأمم مهما امتلكت من سبل القوة والمنعة والرقي المادي؛ ستظل دائرة بين أغلال الغضب والضلالة وقيودهما، بعيدة...
يقرأ المصلّون سورة الفاتحة سبع عشرة مرة يوميًا عندما يؤدّون الفروض الخمسة فقط، ويزيد العدد بصلاة السنن الرواتب والنوافل، ويكثر مع صلاتي التراويح والقيام، فهي سورة تعيش مع المسلم في ليله ونهاره، ولا تصح له صلاة بدونها؛ إذ إنها ركن من أركان الصلاة عمود الإسلام.
إن هذه السورة عظيمة لأنها من كلام الله سبحانه وتعالى ووحيه المنزل على نبيه الخاتم، وبجعلها ركنًا في الصلاة دون غيرها من القرآن، وتقديمها في ترتيب المصحف، وإطلاق عدة أسماء عليها تدل على علو شأنها، إضافة إلى مرجعيتها في المعاني والدلائل والمفاهيم، وقسمتها بين الرب والعباد، لذا تشتمل على أسرار كثيرة، وفيها فتوحات ملهمة.
منها -على سبيل المثال- أن سورة الفاتحة تجزم بأنّ صراط الله المستقيم واحد لا يتعدد، وأنه صراط سار ويسير عليه جملة من خيار الخلق الذين أنعم الله عليهم منذ آبينا آدم عليه السلام وما يزالون يسيرون حتى قيام الساعة، وهم الذين عرّفتهم آية أخرى بأنهم الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون، وليس هذا فقط؛ بل حسُن أولئك رفيقًا.
ثمّ تتم سورة الفاتحة هذا المعنى الجليل حينما يضرع مَنْ يتلوها لمولاه بأن يجنبه طريق الأمة الغضبية من اليهود، ويحميه من سلوك أمة الضلالة من النصارى، فأيّ عاقل يتبع مغضوبًا عليه؟ وأيّ تقيٍّ يقتفى أثر ضال؟ وأيّ بخيس من الحظ والعقل يُعرِض عن جادة المنعم عليهم ومسارهم ويهيم خلف أقوام ناصبوا المولى القوي العدوان والاستكبار؟!
فواعجبًا كيف يسير فئام من المسلمين في ركاب أهل الكتاب المحكومين بهذا الوصف المنفر المتكرر في يوم المسلم وليلته مرارًا؛ فإن تلك الأمم مهما امتلكت من سبل القوة والمنعة والرقي المادي؛ ستظل دائرة بين أغلال الغضب والضلالة وقيودهما، بعيدة عن جنة الإنعام الإلهي وتوفيقه؛ فليس لهم في الدنيا استمرار تمكين، وهم في الآخرة من الهالكين.
وحقيق بأمة محمد عليه الصلاة والسلام أن تبصر النور بغير هؤلاء الكفرة العصاة، ولا يكون ذلك دون استقلال كامل في التصور والذهن أولًا، ثمّ السعي الحثيث لاستعادة العزة المفقودة، والصفة الحضارية لأمة خصّ الله كتابها العظيم بالخلود والحفظ، وقيّض لسنة نبيها الحماة الأبرار، وجعل عملها من باب العبادات، وكتب لها أجر الاجتهاد.
ومن مفردات هذه العودة المنتظرة رفع وعي مجتمعات المسلمين وناشئتهم بهذا المفهوم، فمن أكرمه الله بالهداية إلى دينه الصحيح الوحيد الباقي، وأقام له الوحي مصانًا واضحًا ميسرًا، حري به ألّا ينشد من التائهين سبل النجاة، ذلك أنهم مثل من يمتلك أشياء كثيرة، ويتقن معارف غزيرة، بيد أنه لا يدري أين الطريق؛ فيصاب بتخبط الذين يعلمون ظاهرًا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة في غفلتهم سادرون.
أحمد بن عبد المحسن العسَّاف-الرِّياض
ahmalassaf@
الأربعاء 12 من شهر رمضان المبارك عام 1443
13 من شهر إبريل 2022 م
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم