فتح عمورية ومذبحة الحولة ألم وأمل

الشيخ عبدالله بن علي الطريف

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ نجدة الملهوف في التاريخ الإسلامي 2/ فضائل بلاد الشام 3/ شدة جرائم النظام النصيري العلوي في سوريا 4/ واجبنا نحو أهلنا في بلاد الشام.

اقتباس

نقلت إحدى القنوات في تقرير إخباري لها بأن الجيش السوري الذي يجب أن يدافع عن بلده ومواطنيه قد أطلق عليهم ثلاثة مليارات ومئتا مليون رصاصة.. وأربعة ملايين قذيفة.. وأنفق على حرب شعبه ما يزيد على مليار وأربعمائة مليون دولار.. وفعل بهم كل صنوف التعذيب والنكال والتشريد والإهانة.. بل وقصرهم على الكفر والخنى، وما وقع في الحولة من مجزرة أليمة للنساء والأطفال والرجال، وذبحهم ذبح النعاج أكبر شاهد، فهو...

 

 

 

 

الحمد لله القوي القهار الحليم الجبار يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، ويبتلي المؤمن بأنواع البلايا اختبارًا وتمحيصًا، فمن صبر ظفر، ومن جزع وتشكى فاته الأجر.. نحمده سبحانه ونشكره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له من يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ يبتلي عباده المؤمنين بالضراء؛ ليستخرج منهم الحمد والثناء، والضراعة والدعاء، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد... أيها الإخوة: ذكر المؤرخون في حوادث سنة ثلاث وعشرين ومائتين وفي مثل هذه الأيام من تلك السنة استغل الروم انشغال الخليفة المعتصم في القضاء على بعض الفتن، وجهزوا جيشاً ضخماً بلغ أكثر من مائة ألف جندي بقيادة ملك الروم ، ودخل الجيش بعض مدن المسلمين وحصونهم شمال الشام والجزيرة.. فقتل من بها من الرجال، وسبى الذرية والنساء، وأغار على بعض الحصون الأخرى للمسلمين.. ومثَّل بمن صار في يده من المسلمين وسمل أعينهم، وقطع أنوفهم وآذانهم، وسبى أكثر من ألف امرأة من المسلمات واعتدى على أعراضهن... فخرج إليه أهل الثغور من المسلمين من الشام والجزيرة، إلا من لم يكن له دابة ولا سلاح.

وبلغ الخبر الفظيع المعتصم، وحكى الهاربون الفظائع التي ارتكبها الروم مع السكان العزل؛ فاستعظمه وكبر لديه.. وبلغه أن امرأة هاشمية صاحت، وهي أسيرة في أيدي الروم: وا معتصماه! فأجابها وهو جالس على سريره: لَبْيكِ.. لبيك.! وفي يده قدح يريد أن يشرب ما فيه، فقذف بالقدح ونهض من ساعته، وصاح في قصره: النَفِير النفير.. وتجهز جهازاً لم يجهزه أحد قبله من الخلفاء، وأخذ معه من آلات الحرب والأحمال والجمال والقرب والدواب والنفط والخيل والبغال شيئا لم يسمع بمثله.

وسأل المعتصم أي بلاد الروم أمنع وأحصن.؟ فقيل له: عمورية.. وهي مدينة عظيمة كبيرة جداً ذات سور منيع وأبراج عالية كبار كثيرة.. وهي عين النصرانية، وهي أشرف عندهم من القسطنطينية.. ولم يعرض لها أحد منذ كان الإسلام.. فسار إليها في جحافل أمثال الجبال.. ونزل قريبا منها، وقد تحصن أهلها تحصناً شديداً وملئوا أبراجها بالرجال والسلاح.. فنصب المعتصم المجانيق حول عمورية فلما انهدم أول موضع من سورها بادر أهل البلد فسدوه بالخشب الكبار المتلاصقة، فألح عليها المسلمون بالمنجنيق وانهدم السور من ذلك الجانب.‏.‏

واستمر المسلمون في الحصار والرمي بالمجانيق وغير ذلك من آلات الحرب‏‏ فهدم المنجنيق ما بين برجين.. وسمع الناس هدة عظيمة فنودي في الناس‏ أن ذلك سقوط السور‏..‏ ففرح المسلمون بذلك فرحاً شديداً، ودخلوا البلد قهراً.. وتتابع المسلمون إليها يكبرون، وتفرقت الروم عن أماكنها فجعل المسلمون يقتلونهم في كل مكان حيث وجدوهم.. وغنموا مغانم كثيرة وأقام المعتصم فيها حتى آخر شوال ثم انصرف.‏.‏

أيها الأحبة: هذه قصة استغاثة المرأة الهاشمية التي أطلقت استغاثتها بقولها وامعتصماه.. وهي في آخر موضع من بلاد المسلمين.. وكيف أجابها الخليفة في بغداد وثَأَرَ لها وفتحَ جزاءاً مهماً من بلاد الروم استجابة لندائها.. واليوم تنادي الحرائر وينادي الأطفال وينادي المكلومون في بلاد الشام المكلومة في عقر بلاد المسلمين بكل أصواتهم.. وتنقل وسائل الإعلام آلامَهم وقتلهم وتقطيع حناجرهم وأوصالهم.. بل ونشروا أناسًا منهم بالمناشير من رؤوسهم حتى أسفلهم وهدمت بيوتهم ومدنهم وقراهم وأحرقت متاجرهم وحقولهم..

وقد نقلت إحدى القنوات في تقرير إخباري لها بأن الجيش السوري الذي يجب أن يدافع عن بلده ومواطنيه قد أطلق عليهم ثلاثة مليارات ومئتا مليون رصاصة.. وأربعة ملايين قذيفة.. وأنفق على حرب شعبه ما يزيد على مليار وأربعمائة مليون دولار.. وفعل بهم كل صنوف التعذيب والنكال والتشريد والإهانة.. بل وقصرهم على الكفر والخنى وما وقع في الحولة من مجزرة أليمة للنساء والأطفال والرجال وذبحهم ذبح النعاج أكبر شاهد فهو قتل بأبشع قتلة بسبب ثباتهم وهم يستغيثون: أينكم يا مسلمون يا عرب يا عالم.. يا.. يا... ولا مجيب.. ولسان حالهم يقول ما قاله شاعرُهم عمر أبو ريشة يخاطب الأمة:

كيف أغضيت على الذل *** ولم تنفضي عنك غبار التهم ؟
أو ما كنــت إذا البغي اعتدى*** موجة من لهب أو من دم !؟
كيف أقدمت وأحجمت *** ولم يشتف الثأر ولم تنتقمي ؟
اسمعي نوح الحزانى واطربي*** وانظري دمع اليتامى وابسمي
ودعي القادة في أهوائها *** تتفانى في خسيس المغنم
رب وا معتصماه انطلقت*** ملء أفواه البنات اليتم
لامست أسماعهم.. لكنها *** لم تلامس نخوة المعتصم
أمتي كم صنم مجدته لم *** يكن يحمل طهر الصنم
لا يلام الذئب في عدوانه *** إن يك الراعي عدوَّ الغنم

أيها الإخوة: أين يقع هذا الظلم وهذا البطش الطائش الذي يقطر حقدا وبغضاً..؟ إنه في الأرض التي دعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة صراحة بقوله: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا». رواه البخاري... وفي المكان الذي كان يقول عنه صلى الله عليه وسلم: «طُوبَى لِلشَّامِ». فَقُال الصحابة رضي الله عنهم: لأَيٍّ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لأَنَّ مَلاَئِكَةَ الرَّحْمَنِ بَاسِطَةٌ أَجْنِحَتَهَا عَلَيْهَا». رواه الترمذي وصححه الألباني..

الشَّامُ أَرضُ الغَنِيمَةٍ وَالرِزقٍ التي قَالَ عنها رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ استَقبَلَ بِيَ الشَّامَ وَوَلىَّ ظَهرِيَ اليَمَنَ، وَقَالَ لي: يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي جَعَلتُ لَكَ مَا تُجَاهَكَ غَنِيمَةً وَرِزقًا، وَمَا خَلفَ ظَهرِكَ مَدَدًا». رَوَاهُ الطَّبَرَانيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ..

«الشَّامُ أَرضُ المَحشَرِ وَالمَنشَرِ». رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.

وَفي الشَّامِ أيها الأحبة: العِلمُ وَالإِيمَانُ إذا وقعت الفتن، فَعَن عَبدِاللهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي رَأَيتُ كَأَنَّ عَمُودَ الكِتَابِ انتُزِعَ مِن تَحتِ وِسَادَتي، فَأَتبَعتُهُ بَصَرِي فَإِذَا هُوَ نُورٌ سَاطِعٌ عُمِدَ بِهِ إِلى الشَّامِ، أَلا وَإِنَّ الإِيمَانَ إِذَا وَقَعَتِ الفِتَنُ بِالشَّامِ» أَخرَجَهُ الطَّبَرَانيُّ وَالحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.. وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «وَعُقرُ دَارِ المُؤمِنِينَ الشَّامُ». رَوَاهُ النَّسَائِيُّ في حَدِيثٍ طَوِيلٍ صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.

وبعد أيها الإخوة: لا نقول إلا ما قال ربنا سبحانه: (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ) [إبراهيم: 42- 43]، قال الشيخ السعدي رحمه الله: "هذا وعيد شديد للظالمين، حيث أمهلهم وأدرَّ عليهم الأرزاق، وتركهم يتقلبون في البلاد آمنين مطمئنين، فإن الله يملي للظالم ويمهله ليزداد إثماً، حتى إذا أخذه لم يفلته، قال سبحانه: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) [هود: 102] وفي الآية أيضًا تسلية للمظلومين.." ا.هـ

 

 

الخطبة الثانية:

أيها الإخوة: يقول قائل ماذا نفعل وبماذا نتصرف أقول لكم بيدكم وتحت تصرفكم خير كثير.. أن لا نيأس أبداً.. وأن نعلم علم اليقين أن للظالم نهايةً آتية وإن تأخرت، فإن الله يمهل للظالم ويملي له حتى أخذه لم يفلته، وقد وجَّه الرسولُ صلى الله عليه وسلم التحذيرَ لمن تولَّى للمسلمين عملاً حكَّامًا وغيرهم أن ينهَجوا أي صورةٍ من صور الظلم في ولايتهم، فيقول صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليُملِي للظالم حتى إذا أخَذَه لم يُفلِتْه، ثم قرأ: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) [هود: 102].

ثم الإنفاق في سبيل الله لإغاثة إخواننا في سوريا وهناك هيئات رسمية مرخصة من الدولة ولله الحمد تستقبل صدقاتكم وزكواتكم، وقد أفتي سماحة المفتي بدفع الزكاة لهم وهناك هيئات إسلامية تستقبل التبرعات فهيئة الإغاثة الإسلامية العالمية والندوة العالمية للشباب الإسلامي تستقبلها وتوصلها.. فبادروا بالإنفاق في سبيل الله قال الله تعالى: (هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) [محمد: 38] ويقول صلى الله عليه وسلم: «أنفِق يُنفِقُ اللهُ عليك» وقال: «ما نَقصت صدقةٌ من مال». وقالَ رسولُ الله : «باكِروا بالصَّدقة، فإنَّ البلاءَ لا يتخطَّى الصَّدقةَ» ولا تنسوا «أنَّ صنائِعَ المعروفِ تقِي مصارعَ السُّوء».

دعوةٌ للجميع إلى الإنفاقِ والبذل لإخواننا في سوريا لِننالَ بَرَكةَ دُعاءِ النَّبِيِّ الذي قالَ: «إِنَّكُمْ سَتُجَنَّدُونَ أَجْنَادًا جُنْدًا بِالشَّامِ،وَجُنْدًا بِالْعِرَاقِ، وَجُنْدًا بِالْيَمَنِ» ،ثُمَّ قَالَ: «عَلَيْكَ بِالشَّامِ, فإنَّ اللهَ تَكَفَّل لِي بالشَّامِ وَأَهلِهِ».

ثم الدعاء.. الدعاء لإخواننا بسوريا ندعو ونأمر من تحت أيدنا بالدعاء وخصوصاً في أوقات الإجابة في ثلث الليل الآخر.. وبين الأذان والإقامة.. وفي السجود.. وساعة الإجابة يوم الجمعة..

لنتعاهد أنفسنا ونخصص لهم من وقتنا وقتاً للدعاء.. لما لا نخصص آخر ساعة اليوم لهم ونجتهد خلال دقائق بالدعاء ونلح ونبكي بين يدي الله فوالله إنهم بأمس الحاجة إلي الدعاء.. ولن تعدم الأمة مخلصين ومخلصات لو أقسموا على الله لأبرهم.. وأنتم أبناءي الصغار أدعو الهجوا وألحوا فأنتم أنقياء أطهار مستجاب دعاءكم، فادعوا لإخوانكم بالنصر والخلاص من طاغية عصره وطاغوت زمانه.....

أيها الإخوة: إني داع فأمنوا بقلوب مقبلة مضطرة (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) [النمل: 62] أي: هل يجيب المضطرب الذي أقلقته الكروب وتعسر عليه المطلوب واضطر للخلاص مما هو فيه إلا الله وحده؟ ومن يكشف السوء أي: البلاء والشر والنقمة إلا الله وحده؟ ومن يجعلكم خلفاء الأرض يمكنكم منها ويمد لكم بالرزق ويوصل إليكم نعمه وتكونون خلفاءَ من قبلكم إلا الله وحده؟..

اللهم إنا أشكو إليك ضعف قوتنا، وقلَّة حيلتنا.. وهوانَنا على الناس يا رب العالمين، أنت رب المستضعفين إن لم يكن بك غضبٌ علينا فلا نبالي، ولكن عافيتَك أوسعُ لنا نسألك بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات.. وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن يحل بنا سخطك.. أو ينزل علينا عذابك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا باك..

اللهم ارزقنا شكر نعمتك.. وأسعفنا يا الله بقوتك وحولك.. انصر إخواننا في سوريا وجيشهم الحرّ يوم قلّ الناصر.. لا ناصر لهم إلا أنت.. أعلِ رايتهم.. اجمع كلمتهم.. وحَّد صفهم.. سدِّد رميهم.. تقبل شهيدهم.. اشف مريضهم.. آوي مشردهم .. واجبر ثكلاهم، وارحم ضعفهم..

اللهم عليك بطاغية الشام وحزبه ومعاونيه اللهم لا تقم لهم راية واجعلهم لمن خلفهم آية.. اللهم اشف صدورنا منهم وعجل بهلاكهم.. اللهم عليك بهم اللهم عليك بهم.. يا قوي يا عزيز يا جبار يا منتقم يا مهيمن يا من بيده ملكوت السموات والأرض أخذل جند الطاغية بشار وأدل دولته لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك.. اللهم كن لليتامى والثكالى والحرائر والحيارى اللهم اجعل موتاهم من الشهداء وأحياءهم من الخلفاء.. اللهم ولي عليهم خيارهم واكفهم شرارهم.
 

 

 

 

المرفقات

عمورية ومذبحة الحولة ألم وأمل

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات