عناصر الخطبة
1/الإجازة الصيفية بين الاستغلال والتفريط 2/سرعة انقضاء الأيام والشهور والأعوام 3/حث الآباء على الاهتمام بتعليم الأبناء وبعض واجباتهم نحو ذلك 4/دور الآباء في إصلاح المدارس والمراد بذلك 5/ضرورة الجمع بين التربية والتعليم 6/تربية الأبناء منذ الصغراقتباس
أيها المسلمون: وانتهت إجازة الصيف، والجميع يستعد هذه الأيام لاستقبال عام دراسي جديد، وستشهد الشوارع حركة غير طبيعية، خلاف الأيام القريبة الماضية، زحمة في حركة السيارات كل يوصل ابنه أو ابنته إلى المدارس، وحافلات الطلاب، تسير هنا وهناك، سنبدأ عاماً دراسياً جديداً، بعد أن قضى الطلاب إجازة الصيف، إجازة ليست بالقصيرة، منهم من استغلها في أشياء نافعة، فنفع بها نفسه وأهله وبلده، ومنهم...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد:
أيها المسلمون -عباد الله-: وانتهت إجازة الصيف، والجميع يستعد هذه الأيام لاستقبال عام دراسي جديد.
وستشهد الشوارع حركة غير طبيعية، خلاف الأيام القريبة الماضية.
زحمة في حركة السيارات كل يوصل ابنه أو ابنته إلى المدارس، وحافلات الطلاب، تسير هنا وهناك.
سنبدأ عاماً دراسياً جديداً، بعد أن قضى الطلاب إجازة الصيف، إجازة ليست بالقصيرة، منهم من استغلها في أشياء نافعة، فنفع بها نفسه وأهله وبلده، ومنهم من ضيعها، ويتحمل أهاليهم جزءاً من المسؤولية.
أيها المسلمون: لي معكم وقفات، أحب أن أنبه عليها، ونحن نستعد لاستقبال عام دراسي جديد:
الوقفة الأولى: سرعة انقضاء الأيام، وسرعة انتهاء الشهور والأعوام، سرعة في الزمن بشكل عجيب، بالأمس يولد لك مولود، واليوم قد أكمل الابتدائية، بالأمس أدخلته المدرسة، واليوم على أبواب أن ينتهي من الثانوية، سرعة وحركة في الزمن، وهو سرعة وحركة في عمرك ودنو أجلك -يا عبد الله- كأننا بالأمس بدأنا عطلة الصيف.
وسبحان الله! ذهبت الإجازة وكأنها ثلاث أو أربع ساعات، وكل هذا من عمرك يا ابن آدم، في كل يوم تتقدم خطوة إلى قبرك، فهل شعرت بهذا -يا عبد الله- وأنت تستقبل عاماً دراسياً جديداً؟ أم أن الأمر صار إلفاً وعادة، يبدأ الأسبوع ثم ينتهي، تبدأ السنة ثم تنتهي وأنت لاه لا تشعر؟
فقف -يا أخي الكريم- هذه الوقفة واسترجع العام الدراسي الماضي وأنت تستقبل هذا العام، وراجع سجلاتك ودفاترك، ماذا قدمت وماذا عملت؟ ماذا لك وماذا عليك؟ فإن كنت من الراسبين في العام الماضي فتصحح الرسوب بتوبة نصوح وتعود إلى ربك، وإن كنت من الناجحين، فتزداد من العمل وتواصل المسير.
الوقفة الثانية: ونحن نستقبل عامنا الدراسي أن نهتم بأبنائنا، فيجب على كل أب وعلى كل مسئول أن يهتم بأولاده لابد أن نهتم بدراستهم.
احرص -أيها الوالد- واجتهد في أن يكون ولدك من الأوائل والمتفوقين في الدراسة، لا ترضى بعلامات النجاح، وهذا في الحقيقة يحتاج إلى متابعة من الأب طوال السنة متابعة دقيقة، متابعة في البيت، ومتابعة في المدرسة، وكثير من الآباء -هداهم الله- لديهم تقصير واضح في هذا الجانب، بعض الآباء لا يدري أين موقع مدرسة ابنه؟ بل البعض لا يدري في أي مرحلة هو، ناهيك عن المتابعة والتفقد لكتبه ودفاتره داخل البيت، فالمطلوب منك -أيها الأب-:
أولا: معرفة المدرسة التي يدرس فيها ولدك، ومتابعته هناك ويكون ذلك بزيارات بين فترة وأخرى إلى المدرسة، ومقابلة مدير المدرسة، والتعرف على الأساتذة الذين يتلقى منهم ولدك.
وهذه -أيها الإخوة- حلقة مفقودة في مجتمعنا إلا من رحم الله، قليل من الآباء من يواظب ويعمل له جدول زمني لزيارة المدرسة التي يدرس فيها ولده، وهذا خطأ كبير لا بد من تقوية العلاقة بين البيت والمدرسة ليشعر الوالد بأنهما شيء واحد، فيبدأ هو بالاهتمام أكثر والحرص والجد والمثابرة.
بعض الآباء يدخل ولده المرحلة المتوسطة أو الثانوية ثم يتخرج ولده ولم تطأ قدم الأب للمدرسة ولا مرة واحدة، فأين المتابعة؟ وأين الاهتمام بالأولاد وهم أمانة في أعناقكم؟
ونحن في هذا المقام لا نطعن في المدرسين، ولا نطعن كذلك في إدارة المدارس.
لكن أقول: بأن الاستهتار الموجود من بعض المدرسين، وكذلك المدرسات، والتسيب الموجود لدى إدارة بعض المدارس من أحد أسبابه عدم ذهاب أولياء أمور الطلبة إلى زيارة ومتابعة أولادهم.
ولو علم المدرسون بأن أية مشكلة تحصل لأي طالب، وبأن أي تقصير يحصل من أي مدرس أو مدرسة سوف يترتب عليه حضور ولي أمر الطالب، أو الطالبة، ومقابلته للمدرس أولاً، ثم رفع الأمر إلى مدير المدرسة لو لم ينفع التفاهم مع المدرس، ثم رفع الأمر إلى الوزارة لو لم تستجب المدرسة.
أقول: لو أحس المدرس وشعرت المدرسة بذلك لتحسن كثير من الأحوال، ولحرص كثير من المدرسين في تأدية الأمانة المطلوبة منهم على وجه أحسن من المشاهد الآن.
لكن الواقع بأن المدرسة تعلم مسبقاً بأنه لا أحد يتابعها، وليس هناك حرص من أولياء الطلبة على أبنائهم.
لذا، فإننا نسمع ببعض المشاكل، وبعض التقصير، بعد فترة وأخرى.
فهذا هو المطلوب الأول من كل أب، ونحن في بداية عام دراسي جديد أن تضع لنفسك برنامجاً دورياً لزيارة المدرسة، والتعرف على المدير والمدرسين، والسؤال والمتابعة أولاً بأول، وتقديم المقترحات والمساهمة والمشاركة لإيجاد بعض الحلول.
وهكذا، فتكون بذلك أباً فعالاً، ويكون بذلك لك دور في تحريك عجلة المجتمع إلى الأمام.
ثانيا: المتابعة الدقيقة والمحاسبة المتوازنة داخل البيت، متى خرجت من المدرسة؟ وأين ذهبت بعد انطلاق الطلاب؟ وماذا عليك من واجبات؟ ومن هم مدرسوك هذا العام؟ وأين موقعك داخل الصف؟ هل أنت في الأمام أم في الخلف؟
وهكذا كونك أب، فإنه يجب عليك معرفة كل صغيرة وكبيرة عن ولدك، جميع التفاصيل المتعلقة بالمدرسة، يجب عليك أن تسأل عنه.
ثم انظر بعد ذلك هل ولدك من المتفوقين أم من الراسبين؟
فحرصاً حرصاً منكم -أيها الآباء- ومتابعة متابعة يا أولياء أمور الطلبة: ابدأوا عامكم الدراسي هذا على غير الأعوام السابقة، راقبوا أولادكم داخل البيت وفي المدرسة.
الوقفة الثالثة: دور الآباء في إصلاح المدارس.
نعم، لا بد أن يكون لكم أيها الآباء دور في إصلاح المدارس.
ولا أقصد بإصلاح المدارس ترميمها وصيانتها، والمحافظة على جمالها ورونقها.
ولا أقصد بإصلاح المدارس العناية بأدواتها الصحية، وتوفير المياه الباردة للطلاب، لا أقصد هذا؛ لأنه عمل تقوم به وزارة المعارف أتم قيام، وهي مشكورة على ذلك.
لكن أقصد بإصلاح الجانب المعنوي في المدارس: هل جميع المدرسين على درجة عالية من الخلق والدين والأمانة؟ هل جميع المدرسين يصلحون أن يكونوا قدوات لأولادنا يقتدون بهم؟
لأنه من الطبيعي أن يتأثر التلميذ بمدرسه، يقتدي به ولا يمكن هذا، فلا يمكن أن يكون جميع المدرسين على مستوى واحد طيب من الدين والخلق؛ لأن المدرسين بشر، والبشر فيهم النقص والقصور، ونحن لا نبحث عن المستحيل، ولا نطالب بالكمال الغير واقعي؛ فإنه من المستحيل أن تجد مدرسة جميع العالمين فيها من مدرسين وإدارة على مستوى واحد وعال من الخلق والدين والأمانة.
ولكن عندما نقول بأنه لا بد أن يكون للآباء دور في إصلاح المدارس، نعني بذلك مساهمة الآباء، وتحركهم في استبعاد العناصر السيئة والمريضة.
لا شك أن هناك من المدرسين، وكذلك من المدرسات من يحملون أفكاراً سيئة، وعلى خلق بذيء، بل إن منهم من هو متورط في قضايا لا أخلاقية، ويوجد من المدرسين من يدخن، ومن المدرسين من تكون نفوسهم ضعيفة، تجره المادة إلى أمور، فيبيع أسئلة الامتحانات على الطلبة مقابل دراهم معدودة.
وقد كنا في فترة من حياتنا طلبة ورأينا وشاهدنا الكثير من الصور التي ذكرتها، بل حتى على مستوى المحاضرين في الجامعات.
فأقول لكم -أيها الآباء-: إن الدور الأول والأخير هو عليكم أنتم وحدكم، لن يتخذ أحد أي إجراء لا على مستوى المدرسة أو الوزارة دون تحرككم أنتم.
لا يكفي -أيها الوالد- أن تدخل ولدك المدرسة، ثم تتصور أنك أديت ما عليك، وأن إدارة التعليم سوف تتولى عنك كل شيء، كثير مما يحصل من المدرسين ومشاكلهم يكون في غياب عن نظر الوزارة.
فالواجب واجب أولياء أمور الطلبة، بالتعرف على كل مدرس يدرس ولدك.
ثم السؤال عنه، وعن أخلاقه ودينه، إما عن طريق من عاشروه، أو من جاوره، أو بكثرة التردد عليه في المدرسة.
والذي نراه لا يصلح أو نلاحظ عليه بعض الملاحظات نرفع في أمره ونشتكي عليه لإدارة المدرسة، فإن لم يحصل تجاوب أو تغيير فلإدارة التعليم، فإن لم يحصل تجاوب فللوزارة، إلى أن يزال هذا العنصر الفاسد.
هذه المدارس فتحت لمن؟ لأولادنا أم لأولاد الجن؟
فنحن جميعاً لا نريد هذا المدرس أو هذا المدير، أو تلك المدرسة؛ لأن فيه كذا وكذا، وأذكر مرة في أحد المناطق: أن أهل الحي فصلوا مدير المدرسة؛ لأنه كان سيئاً، ولا يصلح مثله أن يكون مديراً، فرفعوا في أمره، فلم يحصل تجاوب مباشر، وفي اليوم الثاني وقف الآباء كلهم على باب المدرسة، ولم يسمحوا للمدير بالدخول، وطردوه من المدرسة بالقوة، قالوا: هؤلاء أولادنا ولا نريدك أن تكون مديراً عليهم؟
وحصل التغيير..
فأقول: يجب عليكم -أيها الآباء-: الجدية والتحرك في هذا الأمر.
ما هي الفائدة لو نجح ولدك، وأتى بالشهادة، وفي نفس الوقت تعلم من مدرسه أشياء سيئة، وأخلاق بذيئة، فصار يدخن أو غير ذلك؟ ما قيمة الشهادة عند فقدان الأخلاق؟
أنا على يقين بأنه لو حرص أولياء الطلبة، وسعوا في الإصلاح بجد لحصل خير كثير.
الخطبة الثانية:
الحمد لله...
الوقفة الرابعة: ونحن نستقبل عاماً دراسياً جديداً، التربية مع التعليم، نريد منكم -أيها الآباء- تربية مع التعليم أن تهتموا بتربية أولادكم كما تهتمون وتحرصون على تعليمهم.
ما قيمة الدراسة بغير تربية؟ ما قيمة العلم بغير خلق؟
نعم، يوجد هناك من الآباء من هم حريصون جداً على تعليم أولادهم، بل تجد أن بعض الآباء يتابع ولده يومياً، بل ربما يذاكر له هو بنفسه، وهذا شيء جيد ومطلوب.
لكن تجده مقصر في تربيته وتوجيهه، فلو نظرت إلى الولد وجدته متفوقا في دراسته، بل ربما يكون من الأوائل بين أقرانه وزملائه، لكن في المقابل بلا خلق ولا أدب ولا عبادة، بل ربما -والعياذ بالله- لا يصلي أيضاً، وقلة مبالاة، وعدم شعور بالمسؤولية.
وهذا هو الغالب على كثير من طلاب المدارس اليوم.
تجدهم لا يحترمون كبار السن، بل يصل أحيانا الطالب إلى الثانوية لا يعرف كيف يستقبل الضيوف، لو كان أبوه غائباً عن المنزل، لا يحسن التعامل مع الناس، لا يعرف أن يتكلم في المجالس، ثم لو أتيت إلى دينه وجدته ضعيف الديانة أنهكته الشهوات والشبهات من كل جانب، ما قيمة هذا الطالب؟ ما فائدة هذا الولد وإن كان متفوقاً في دراسته؟ أين أدبه؟ أين خلقه؟ أين سمته كونه شاباً مسلماً؟ أين دينه؟
كل هذا لا شيء، هذا لا يصلح -أيها الآباء يا أولياء الطلبة- لا بد من التربية مع التعليم، لا بد من الخلق والدين مع الشهادة.
ماذا ينفع هذا الولد لو تخرج غداً؟ ألسنا نشتكي من وجود بعض الموظفين من استهتارهم بالعمل وعدم المبالاة بالمراجعين ربما جامعي، لماذا؟
لأنه عار من الخلق؛ وسأضرب لكم مثلاً واقعياً محسوساً ملموساً الآن لكي تدركوا تقصير كثير من الآباء في تربية أولادهم، هذا الجمع الذي أمامي الآن ألسنا في يوم جمعة؟ أليست هذه صلاة مخصوصة في هذا اليوم لها شأن عظيم في ديننا؟ فمن الذي أمامي الآن؟
إنني لا أرى سوى الآباء غالباً، فالسؤال: أين طلاب المتوسط والثانوي الذين يسكنون في هذه الحارة؟ أليست الصلاة واجبة عليهم؟
أنا متأكد لو حضر طلاب الثانوية وطلاب المتوسط في هذه الحارة فقط لملئوا المسجد، ولما وجد الآباء مكاناً للجلوس، طلاب هذه الحارة فقط يملئون المسجد!
فاتقوا الله -أيها الآباء- اتقوا الله -تعالى- إذا كانت العبادة إذا كانت الصلاة أنتم مقصرون في تربية أولادكم، فكيف بباقي مكارم الأخلاق؟ فكيف تريد بعد ذلك من ولدك أن يقدر الضيوف والعلماء ويقدر المسؤولية؟
إذا نكبات الدهر لم تعظ الفتى *** عن الجهل يوما لم تعظه أنامله
ومن لم يؤدبه أبوه وأمه *** تؤدبه روعات الردى وزلازله
فدع عنك ما لا تستطيع ولا تطع *** هواك ولا يذهب بحقك باطله
ثم إن التربية والتأديب -أيها الآباء- يكون مبكراً، لابد أن تضع في بالك هذه الأمور، وهذه المكارم، وكل الفضائل التي تود أن يكتسبها ولدك، لابد أن تجرعه إياها وهو صغير، فيرضع اللبن، ويرضع معه الخلق والأدب والتربية، لكن تتركه حتى يبلغ العشرين وهو متروك دون توجيه، ودون نصح مستمر، ثم تريده بعد الكبر أن يراعي هذه الأشياء؟
هذا لا يمكن.
وقديما قال الشاعر:
يقوم من ميل الغلام المؤدب *** ولا ينفع التأديب والرأس أشيب
وقال آخر:
قد ينفع الأدب الأحداث في مهل *** وليس ينفع بعد الكبرة الأدب
إن الغصون إذا قومتها اعتدلت *** ولن تلين إذا قومتها الخشب
فنسأل الله -عز وجل- بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، أن يعيننا على أولادنا، وأن يصبرنا عليهم، وأن يوفقنا إلى تربيتهم وتعليمهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
اللهم إنا نسألك أن تجعل ما نستقبل من عام دراسي جديد، عام خير ورحمة، وعام توفيق وسداد.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ...
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم