المقاطعة الاقتصادية إحدى الوسائل التي استخدمها الناس عبر التاريخ ضد أعدائهم وخصومهم، كنوع من الضغط والإضعاف لهم، فالمشركون استخدموا هذه الوسيلة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حصار الشعب، والمنافقون دعوا لهذه الوسيلة في المدينة (لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا)، واستخدمها النبي صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً مع يهود بني النضير وحاصرهم حتى استسلموا، واستخدمه النبي أيضاً مع أهل الطائف مدة من الزمن، واستخدمه الصحابي الجليل ثمامة بن أثال رضي الله عنه مع مشركي قريش فقطع عنهم كل البضائع والتجارة حتى يأذن النبي لهم، ولم ينقطع هذا الأسلوب الذي يعتبر من وسائل الحرب بين الخصوم على مر التاريخ، حتى في عصرنا هذا فإن الدول الكبرى مارسته ضد (ليبيا) و (سورية) و (إيران) و (حكومة طالبان) و (العراق) وغيرها من الدول غير الإسلامية أيضاً.
فأسلوب المقاطعة الاقتصادية ليس بالأمر الجديد بل هو معلوم يستخدمه الناس وقت الحاجة إذا ظنوا تحقق مصلحة من ورائه، ولهذا أفتى الكثير من العلماء بمشروعيته واعتبروه نوعا من الجهاد في سبيل الله، وسأذكر غيضاً من فيض وجزءاً يسيراً جداً من فتاوى علماء الأمة الإسلامية الذين أجازوا أسلوب المقاطعة وشرعوه سواء للحكومات او الشعوب:
أما الشيخ العلامة (عبدالرحمن السعدي) فله فتوى واضحة صريحة في حكم المقاطعة الاقتصادية، وذكر فيها أن "من انفع الجهاد وأعظمه مقاطعة الأعداء في الصادرات والواردات.." ويقول الشيخ رحمه الله في هذه المقاطعة "ركن عظيم من أركان الجهاد، وله النفع الأكبر وهو جهاد سلمي وجهاد حربي".
وكذلك الشيخ (الألباني) رحمه الله في سلسلة (الهدى والنور) لما سئل عن حكم اللحم والذبائح في بلغاريا، قال الشيخ "لو كان البلغاريون يذبحون هذه الذبائح التي نستوردها منهم ذبحا شرعيا حقيقة أنا أقول لا يجوز لنا أن نستورده منهم بل (يجب) علينا أن نقاطعهم حتى يتراجعوا عن سفك دماء إخواننا المسلمين هناك، فسبحان الله مات شعور الأخوة..".
وللشيخ (حمود بن عقلاء الشعيبي) فتوى صريحة وقوية في بيان مشروعية المقاطعة الاقتصادية، ذكر فيها الأدلة من السنة، ومما جاء في الفتوى قوله: "فإذا كانت الشعوب الإسلامية في الوقت الحاضر ليس لديها قوة في الجهاد المسلح ضدهم بسبب الخلاف القائم بين حكام المسلمين وتخاذلهم عن إعلان الجهاد وارتباط أكثرهم بالدول الكافرة فلا أقل من المقاطعة الاقتصادية ضدهم وضد شركاتهم وبضائعهم".
أما الشيخ (ابن عثيمين) رحمه الله تعالى واسكنه الجنة، فقد أجاب على موضوع المقاطعة أثناء قتال الصرب للمسلمين وجاء في جوابه "المسلمون لو قاطعوا كل امة من النصارى تساعد الذين يحاربون إخواننا لكان له اثر كبير ولعرف النصارى وغير النصارى ان للمسلمين قوة وأنهم يد واحدة...".
وكذلك للشيخ (ابن جبرين) فتاوى معروفة في مشروع المقاطعة وهو أحد الموقعين على بيان مكة الثاني ضمن عشرات العلماء الذي ركز في احد بنوده على (تفعيل سلاح المقاطعة الاقتصادية على كافة المستويات، ضد العدو اليهودي وكل من تعاون معه او دعمه، واتخاذ كل التدابير الكفيلة بنشر هذه الثقافة بين كافة شرائح المجتمع المسلم، لعموم قول النبي «جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم» [رواه الألباني]).
وللشيخ (صالح اللحيدان) فتوى مستقلة في مشروعية المقاطعة واعتبارها جزءا من الجهاد في سبيل الله واعتبر الشيخ شراء بضائع الدول الداعمة للعدو (نوع من إضاعة المال).
وللشيخ (عبدالعزيز الراجحي) فتوى في المقاطعة ذكر فيها انه ينبغي مقاطعة البضائع الأمريكية والانجليزية. لو أردت أن اذكر الفتاوى التي تحث على مقاطعة الدول التي تساند العدو الصهيوني، أو التي تقوم مباشرة بحرب المسلمين كـ (أمريكا) فإنني سأحتاج الى عشرات المقالات، ولعلي ركزت على العلماء (السلفيين) دون غيرهم من علماء أهل السنة، لحاجة طلاب العلم عندنا لهذه الفتاوى، وإلا ففتاوى علماء الأزهر، وعلماء الشام وعلماء السودان، وعلماء العراق، وباكستان، وغيرهم من الدول فتاواهم في هذا الباب كثيرة جدا. وهؤلاء العلماء لا أحد منهم يجهل أن التعامل مع الكفار غير الحربيين مباح من حيث الأصل، إلا ما استثناه الدليل، لكنهم يعلمون أيضاً أثر هذه المقاطعة في إضعاف العدو وإجباره على التراجع عن مواقفه أو الإصغاء لمطالب المقاطعين، ولهذا جعلوه نوعا من الجهاد، فرغبوا فيه وحثوا الناس عليه، فرحم الله علماءنا وغفر لهم، وحفظ من بقي منهم هدى للناس وشوكة في وجوه الأعداء.
المصدر: طريق الإيمان
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم