فاعلم أنه لا إله إلا الله

الشيخ عبدالعزيز بن محمد النغيمشي

2024-10-11 - 1446/04/08 2024-11-10 - 1446/05/08
عناصر الخطبة
1/أشرف العلوم وأفضلها العلم بالله 2/كرم الله الإنسان ومن تكريمه منحه العقل 3/الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي بعضه يجحد الله تعالى؟! 4/خلق الله العباد للعبادة ويوم القيامة يحاسبون على ذلك.

اقتباس

مَن اسْتَحْضَرَ مَواقِفَ الحِسابِ، شَمَّرَ مُسْتَقِيْماً في طَرِيْقِ العُبُودِيَّة، لا تُلْهِيْهِ دُنْيا، ولا يَفْتِنُهُ فَتَّان، يُقِيْمُ الفَرائِضَ ويَتَزَوَّدُ مِن الطاعات، ويَجْتَنِبُ النَواهِي ويُحاذِرُ المُحَرَّمات، مَن اسْتَحْضَرَ مَواقِفَ الحِسابِ، اشْتَغَلَ بِما يَعْنِيهِ...

الخطبة الأولى:

 

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أَمَّا بَعْدُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).

 

أيها المسلمون: أَشْرَفُ العُلُومِ وأَعظَمُها، وأَجَلُّ المَعارِفِ وأَكْرَمُها، عِلْمُ العَبْدِ بِرَبِه، ومَعْرِفَتُهُ لِخالِقِه، عِلْمٌ يُورِثُ، إِيْماناً وعُبُودِيةً وتَوحيداً، عِلْمٌ يُوْرِثُ اسْتِجابَةً وخُضوعاً وانْقياداً؛ (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ).

 

وما مِنْ مَخْلُوقٍ في هَذا الكَونِ، إِلا ويُقِرُّ -بِفِطْرَتِهِ- للهِ بِالوَحْدَانِيَّةِ، وأَنَّ اللهَ هُو الرَّبُ الخالِقُ المالِكُ المُدَبِرُ، وأَنَّهُ لا شَرِيْكَ لَهُ في رُبُوبِيَّتِهِ ولا في أُلوهِيَّتِه، وأَنَّهُ تَعالَى، المَتَفَرِّدُ بالعَظَمَةِ الجلالِ والكِبْرِياءِ؛ فَكُلُّ الخَلائِقِ لَهُ خاضِعَة، وكُلُّها لَهُ ساجِدَة، وكُلُّها لُهُ مُسَبِحَة؛ (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا).

 

والإِنْسانُ، واحِدٌ مِنْ هذا العالَمِ المَلِيءِ بالمَخْلُوقاتِ، وَقْدْ كَرَّمَهُ اللهُ وفَضَّلَهُ عَلى كَثِيْرٍ ممن خَلَقَ تَفْضِيْلاً، جَعَلَ لَهُ عَقْلاً وفَهْماً وإدْراكاً، جَعَلَه أَهلاً لِحَمْلِ الأَمانَةِ، وجَعَلَهُ أَهلاً لأَن يُخاطَبَ بالتَكالِيفِ الشَّرْعِية، وأَهلاً لأَنْ يُسْتَخْلَفَ في الأَرْض.

 

فَبالعَقْلِ، فاقَ الإِنسانُ أَكْثَرَ المَخْلُوقات، وبالعَقْلِ تَوَلَّى الإِنسانُ سِياسَتَها، بالعَقْلِ، تَعَلَّمَ الإِنْسانُ فَبَنا وشَيَّد، صَنَعَ الآلاتِ، وعَدَّدَ المُخْتَرَعاتِ، ورَفَعَ النَّاطِحات، وأَتْقَنّ التَقْنِيةَ، وتَقَدَّمَ في الطِّبِّ، وصَعَدَ في مَراقِي الفَضاءِ يُبارِي النَّيِّرات، كَرَّمَ اللهُ الإِنْسانَ، فَعَلَّمَهُ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَم، وسَخَّرَ اللهُ لَهُ ما في السماواتِ وما في الأَرْض.

 

كَرَّمَ اللهُ الإِنْسانَ، فاصْطَفَى مِنهُ صِدِّيْقِيْنَ وأَوْلِياً، وصالحِينَ وشُهداء، ومُرْسَلِينَ وأَنْبِياء، فأَيُّ تَكْرِيْمٍ وهَبَهُ اللهُ لِهَذا الإِنْسان؟! وأَيُّ تَفْضِيْلٍ مَنَحَهُ اللهُ إِيَّاه؟!

 

ومَعَ هذا التَفْضِيْلِ والتَكْرِيْم، فَلَيْسَ مِنْ المَخْلُوقاتِ، مَخْلُوقٌ جحَدَ حَقَّ اللهِ وأَنْكَرَ فَضْلَهُ، واسْتَكْبَرَ عَنْ عِبادَةِ اللهِ وأَشْرَكَ مَعَهُ غَيْرَه، وانْحَرَفَ عِن الفِطْرَةِ السَّوِيَّةِ، وتَرَدَّى إِلى الأَفهامِ البَهِيْمِيةِ، بَلْ كانَ مِنْ البَهائِمِ أَجْهَل وأَضَل.

 

لَيْسَ مِنْ المَخْلُوقاتِ مَخْلُوقٌ جحَدَ حَقَّ اللهِ، سِوى فَجَرَةِ الجِنِّ والإِنس، مُنِحُوا عُقُولاً فأَرْكَسُوها، وأَفْهاماً فأَنْكَسُوْها، سَيَّبُوها تَلْهُو في مَلاهِي الهَوى، وأَهْمَلُوها تَرْتَعُ في مَراعِيْ الجحُود، تَخَبَّطُوا في الضلالاتِ وانْغَمَسُوا في الأَباطِيل؛ فَما اهْتَدَوا إِلى خالِقِهِم، وما أَقَروا لَهُ بالوَحْدَانِيَّة، وما اسْتَجابُوا لأَمْرِهِ وما أَطاعُوا؛ (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ)، (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا).

 

(فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ)، اعْلَمْ أَنَّ اللهَ المُتَفَرِّدَ بالخَلْقِ والمُلْكِ والتَّدْبِير، هُو المُسْتَحِقُّ وحْدَهُ للعِبادَةِ، وَأَنَّ كُلَّ مَعْبُودٍ سِوى اللهِ باطِل.

 

واعْلَمْ أَنَّ اللهَ هُو خَالِقُ كُلِّ شَيءِ، وأَنَّ كُلَّ شَيءٍ سِوى اللهِ مَخْلُوق، وأَنَّ اللهَ لَمْ يَخْلُقْ خَلْقاً إِلا لِحْكْمَة، فَما خَلَقَ اللهُ مِنْ ذَرَةٍ ولا حَشَرَة، ولا كَوْكَبٍ ولا شَجَرَة، ولا سهْلٍ ولا وَعْرْ، ولا رَوْضٍ ولا قَفْر، ولا بَرِّ ولا بَحْر، ما خَلَقَ اللهُ مِنْ مَخْلُوقٍ إِلا لِحْكْمَة، والإِنْسانُ، خَلَقَهُ اللهُ وبَيَّنَ لَهُ الحْكْمَةَ التِيْ مِنْ أَجْلِها خُلِقْ؛ (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)، وظِيْفَةُ الإِنْسانِ في الحَياةِ، هِيَ التِي مِنْ أَجْلِها خُلِق؛ (أَنْ يَعْبُدَ اللهَ وَحْدَه).

 

فَمَنْ انْحَرَفَ عَن الحِكْمَةِ التِيْ خُلِقَ لِأَجْلها أَو أَعْرَض، فَقَد تَمَرَّدَ عَنْ الوَظِيْفَةِ التِي أُمِرَ بِشَغْلِها! وما قِيْمَةُ مَخْلُوقٍ جَنَحَ عَنْ الغايَةِ التِيْ مِنْ أَجْلِها خُلِق؛ (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ).

 

والعِبادَةُ، إِفْرادُ اللهِ بالطاعَةِ مَع كمالِ المَحَبَةِ وكَمالِ الذُّل؛ فَالعَابِدُ مُحِبٌّ لِمَعْبُودِهِ مُتَذلل، يَسْتَجِيْبُ لأَمْرِه، ويَنْقادُ لِحُكْمِه، ويُسارِعُ لِمَرْضاتِه، ويَنْكَسِرُ بَينَ يَدِيه، وتِلْكَ الغَايَةُ التِي خُلِقَ لأَجْلِها الإِنسانُ، ولَسَوفَ يُحاسَبُ عليها، واللهُ -تَعَالَى- غَنِيٌّ عَنْ النَّاسِ وعَنْ عِبادَتِهِم، ولَكِنَّ الناسَ هُم الفُقَراءُ إِلى رَبِهِم المُحْتَاجُونَ إِليه؛ (إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ).

قَالَ ابنُ القَيِّمِ -رحمه الله-: "لَوْلا التَّكَلِيْفُ -أَي العِبادَة- لَكَانَ خَلْقُ الإِنْسَانِ عَبَثًا وَسُدَى، وَاللهُ يَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ، وَقَدْ نَزَّهَ نَفْسَهُ عَنْهُ، كَمَا نَزَّهَ نَفْسَهُ عَنْ العُيُوْبِ والنَّقَائِصِ"؛ قَالَ اللهُ -تَعَالى-: (أَيَحْسِبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى)؛ أَيْ: أَيَحْسَبُ الإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ هَمَلاً لا يُؤْمَرُ ولا يُنْهى؟! كَلَّا (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ).

 

وحَياةُ الإِنْسانِ كُلُّها مَيْدانٌ لِلعِبادَة؛ فَما مِنْ لَحظَةٍ مِن لَحَظاتِ حَياةِ الإِنسانِ تُسْتَثْنَى مِن وظِيْفَةِ العُبُودِية؛ (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ).

 

إِقْرارُ المُوَحِّدِ للهِ بالتَوحِيدِ عِبادَة، وقَلْبُ المُؤْمِنِ لا يَنْفَكُّ عَنْ هذهِ العِبادَةِ ما بَقِي، ثَوابُ عِبادَةُ التَوْحِيْدِ يُكْتَبُ لَهُ في كُلِّ لَحظَةٍ مِنْ لَحظاتِ حَياتِه، مُقِيْمٌ عَلى العُبُودِيَّةِ ما أَقامَ عَلى التَوحِيد، لا يَنْفَكُّ عَنْها في يَقَظَتِهِ ولا في منامِه، ولا في ذَهابِهِ ولا في إِيابِه، فَحياةُ المَوَحِّدِ كُلُّها عُبُودِيَّة.

 

وعِباداتُ القُلُوبِ، عِبادَاتٌ مُلازِمَةٌ للمُؤْمِنِ لا يُفارِقُها، فَحُبُّهُ في اللهِ عِبادَة، وبُغْضُهُ في اللِه عبادَة، ونُصْحُهُ للهِ ولِكِتابِه ولِرَسُوْلِه ولأَئِمَّةِ المُسْلِمِيْنَ وعَامَّتِهم دِينٌ وعِبادَة، سلامَةُ القَلْبِ عِبادَة، إِحسانُ الظَنِّ عِبادَة؛ فالعَبْدُ المُؤْمِنُ حَياتُهُ كَلُّها للهِ وكُلُّها لا تَنْفَكُ عَنْ عِبادَة.

 

وكُلُّ مُخالَفِةٍ لِشَرْعِ اللهِ وكُلُّ مَعْصِيَةٍ لأَمْره، فإِنَّما هِيَ ثُلْمَةٌ في بِناءِ العُبُودِية، وكُلَّما كانَتِ المُخالَفَةُ أَكْبَرْ، كانَت العاقِبَةُ أَشَدُّ وأَخْطَر، تَفْرِيْطَ العَبْدِ بالفَرائِضِ والواجِبات، مِن الذُنُوبِ المُهْلِكات، وأَعْبَدُ الناسِ أَطْوَعُهُم لله، وأَعْبَدُ النَّاسِ أَسْرَعُهُم له اسْتِجابَة؛ (رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ).

 

بارك الله لي ولكم،

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ رَبِّ العَالمين، وأَشْهَدُ أَن لا إله إلا اللهُ ولي الصالحين، وأَشْهَدُ أَنَّ محمداً رسول رب العالمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليماً؛ أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- لعلكم ترحمون.

 

أيها المسلمون: (عِبادَةُ اللهِ) هِيَ الحِكْمَةَ التِيْ مِنْ أَجْلِها خُلِقَ الإِنْسانُ، وانْشِغالُ الإِنْسَانِ عَمَّا لأَجْلِهِ خُلِق، مِنْ أَخْطَرِ الآفاتِ.

 

وقَدْ أَقامَ اللهُ الحُجَّةَ على عِبادِهِ بإِرسالِ المُرْسَلِين؛ (رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا).

 

وبَعْدَ انْقِضاءِ الحَياةِ سَيَقُومُ الحِساب، ويُجازَى كُلُّ إِنْسانِ بِما عَمِلْ؛ (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، يَقِفُ الإِنسانُ أَمامَ رَبِهِ للحِسابِ؛ فَيَسْأَلُهُ اللهُ عَنِ المُهِمَّةِ التِيْ خَلَقَهُ مِنْ أَجْلِها، يَسْأَلُهُ عَن الأَوامِرِ والنَواهِي التِي جَاءَهُ بِها المرْسَلُون؛ (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ).

 

حِسابٌ تُعْرَضُ فيهِ عَلَى النَّاسِ أَعْمَالَهُم؛ (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)، يُنادِيْهِم الجَبارُ جَلَّ جَلالُه: "يا عِبَادِي، إِنَّما هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إيَّاهَا، فمَن وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَن وَجَدَ غيرَ ذلكَ فلا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ"(رواه مسلم)، وعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ- رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ سَيُكَلِّمُهُ اللّهُ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلاَ يَرَى إِلاَّ مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلاَ يَرَى إِلاَّ مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلاَ يَرَى إِلاَّ النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ"(متفق عليه).

 

مَوْقِفُ الحِسابِ مَوْقِفٌ شَدِيْدٌ، فَمُنْصَرَفُ النَّاسِ مِنْهُ إِما إِلى الجَنَّةِ وإِما إِلى النار، مَوْقِفُ الحِسابِ مَوْقِفٌ شَدِيْدٌ، مَنْ اسْتَحْضَرَهُ في حَياتِه تَهَيَّأَ لَه، ومَنْ غَفَلَ عَنْهُ، لَمْ يُفِقِ إِلا عَلى فَواجِعِ النَّدَم؛ (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ*مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ*لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ).

 

مَن اسْتَحْضَرَ مَواقِفَ الحِسابِ، شَمَّرَ مُسْتَقِيْماً في طَرِيْقِ العُبُودِيَّة، لا تُلْهِيْهِ دُنْيا، ولا يَفْتِنُهُ فَتَّان، يُقِيْمُ الفَرائِضَ ويَتَزَوَّدُ مِن الطاعات، ويَجْتَنِبُ النَواهِي ويُحاذِرُ المُحَرَّمات، مَن اسْتَحْضَرَ مَواقِفَ الحِسابِ، اشْتَغَلَ بِما يَعْنِيهِ عَمَّا لا يَعْنِيه، وأَدَّى الحقُوقَ لأَصْحابِها، وسَعَى إِلى طَلَبِ الفَوزِ في يَومٍ لا رَيْبَ فيه.

 

مَن اسْتَحْضَرَ مَواقِفَ الحِسابِ، لَزِمَ بابَ التَوبَة لا يَبْرَح، فَكُلَّما أَذْنَبَ تَاب، وكُلَّما ابْتَعَدَ أَناب، يَستَزِلُّهُ الشَّيْطانُ إِلى مُسْتَنْقَعِ الذَّنْبِ، فَيَفْزَعُ يَتَطَهَّرُ بِماءِ التَوبَة؛ (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ)

 

مَن اسْتَحْضَرَ مَواقِفَ الحِسابِ اسْتَعَدَّ للقاءِ رَبِه؛ (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ).

 

رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ..

 

المرفقات

فاعلم أنه لا إله إلا الله.doc

فاعلم أنه لا إله إلا الله.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات