فإنما هو استدراج

حمزة بن فايع آل فتحي

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/غفلة العبد وفتنته بالنعم 2/خطورة الاستدراج بالنعم 3/كيفية النجاة من الاستدراج بالنعم 4/الحذر من أقدار الله في الغافلين والمستدرجين 5/وصية لمن يريد النجاة.

اقتباس

فهل فقهتم الاستدراج؟! نِعَمٌ حاضرة مع معاصٍ قائمة، والقلب في غفلتهِ وغيّه.. يستدرجُ الله أقواماً فيغرقُهم بالطيبات، فما فاقوا ولا اعتبروا.. يزين لهم الشيطان أعمالَهم، ويمُدهم في غفلتهم، ‏فيتجاسرون على المعاصي، ويستطيبون الشهوات، وينسون ربَّهم وحقه، وينسون الخالق وما أوجبه، وينسون رازقهم وما افترضه،

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله أكرمنا بدينه، وشرّفنا بطاعته، وجعلنا خير أمة أُخرجت للناس؛ نحمده ونشكره ومن كل ذنب نستغفره، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[الحشر:18].

معاشر المسلمين: يبتلي اللهُ بعضَ الناس بالنعم فيستطيبون الحياة، ويخلطون ذلك بمعاصٍ خطيرة، ولا تزال النعم مدرارةً عليهم، ويعتقدون أن ذلك لصلاحهم أو لخير فيهم، ولربما أوغلوا في الغفلة، واكتفوا بتدين عام، وأننا مسلمون دون خوف ولا مراقبة، أو توبة ومحاسبة. فهل يسوغ مثل ذلك؟! وما فطنوا أنه ابتلاء وفتنة، وفيه استدراج وإمهال.

 

قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ)[الأعراف:182-183]، وفي مسند أحمد ‏بسند حسن عن عقبة بن عامر -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا رأيتَ اللهَ يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب، فإنما هو استدراج"؛ فهل فقهتم الاستدراج؟!

 

نِعَمٌ حاضرة مع معاصٍ قائمة، والقلب في غفلتهِ وغيّه، والله المستعان. يستدرجُ الله أقواماً فيغرقُهم بالطيبات، فما فاقوا ولا اعتبروا حتى إذا أفرطوا في كل ناحيةٍ، أتاهمُ القولُ لا عزّوا ولا انتصروا أي يأخذه في النعم والإملاء، درجةً درجةً، وهو لا يشعر حتى إذا حضر الموعد، أخذه بغتةً، فإذا هو صريع هالك، كما قال (فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا)[الحشر:2]. قيل: يزين لهم أعمالهم ويهلكهم. وقيل: "كلما جدّدوا معصية جددنا لهم نعمة".

 

وهذا حال كثير منا، إلا من رحم الله؛ يزين لهم الشيطان أعمالَهم، ويمُدهم في غفلتهم، ‏فيتجاسرون على المعاصي، ويستطيبون الشهوات، وينسون ربَّهم وحقه، وينسون الخالق وما أوجبه، وينسون رازقهم وما افترضه، (يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ)[النحل:83].

 

فاتعظوا عبادَ الله! فإنما هو استدراج، واعتبروا فإنما هو إمهال، وخذوا عبرةً من الهالكين حولكم، ومن المرضى دونكم، ومن الأشقياء وقد عاينتموهم (وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)[النمل:93]

 

أحسنتَ ظنّك بالأيام إذ حسُنت *** ولم تخفْ سوء ‏ما يأتي به القدرُ

وسالمتكَ الليالي فاغتررتَ بها *** وعند صفو الليالي يحدُثُ الكدرُ

قال تعالى: (أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ)[الشعراء: 205-207]. يُروى أن رجلاً من بني إسرائيل قال: "يا رب كم أعصيك وأنت لا تعاقبني!، قال: فأوحى الله إلى نبي زمانهم أن قل له: كم من عقوبةٍ لي عليك وأنت لا تشعر!، إن جمود عينيك وقساوة قلبك استدراج مني وعقوبة لو عقَلت!".

 

والمخرج من ذلك أهل الإسلام: محاسبةُ النفس، ومراقبة الله، ‏وعدم الاغترار بالنعم والشهوات، وأن نحدثَ لله توبة، ونهبَّ إلى شريعته جدًا وعملاً وتطبيقًا (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[النور:31].

 

والتفكر في الدار الآخرة، وأننا صائرون إلى الله، ومحاسبون على أعمالنا (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ)[آل عمران:30]. وأي تحذير ونذارةٍ بعد ذلك، وقد توعد الله بنفسه وتهدّد المتساهل الغافل، جنبنا الله وإياكم أسباب الغفلة والضياع.

 

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه؛ فيا فوز المستغفرين التائبين!

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين، وصلّى الله وسلم على سيد الخلق أجمعين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين:

 

أما بعد: فيا مَن سلم له دينُه، وعرف ربه، واستشعر الأخطار، فُقْ من غفلتك، وعُد إلى ربك، واقرأ القرآنَ حق قراءته، والهجْ بذكر الله على الدوام؛ فلن تدوم لك النعم، ولن تخلُد في الأرض، ولن يدوم عليك الحال؛ (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ)[الأعراف:182].

 

فلا تغتر بتلك النعم، ولا تندهش من حلم الله عليهم، فإنما هو استدراج؛ فلا تتعجل الهلاك، أو تبادر العقوبة، فالله حكيم عليم؛ (فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا)[مريم:84]. قال الإمامُ الحسن البصري -رحمه الله-: "كم مستدرَجٍ بالإحسان إليه!، وكم مفتونٍ بالثناء عليه!، وكم مغرور بالستر عليه!".

 

فاتقوا الله يا مسلمون، وجولوا في الحياة، انظروا أقدارَ الله في الغافلين والمستدرجين، الذين بُسط لهم في النعم، ووُسع لهم في الأرزاق، ونالتهم الموانح، كيف انتهى حالُهم، وماذا حلَّ بهم وديارهم؟! (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ)[القصص:58].

 

وصلوا وسلموا -يا مسلمون- على نبي المرحمة، ونبي الملحمة والتوبة؛ عليه أفضلُ الصلاة وأتم التسليم. (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56]، اللهم املأ قلوبنا بالإيمان..

 

المرفقات

فإنما هو استدراج

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات