غزة الكاشفة

سامي بن خالد الحمود

2022-10-10 - 1444/03/14
عناصر الخطبة
1/ خطر الحرب على غزة 2/ ماذا كشفت محنة غزّة؟

اقتباس

إن من أعظم حكم الله تعالى من وقوع هذه المصائب، حكمةَ الكشف وتمييز الصف، تحقيقا لموعود الله في سنة التمايز بين الناس في الفتن (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) (وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) وكما قال الله تعالى بعد ما نزل بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بعد غزوة أحد من القتل والجراح: (وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ)..

 

 

 

 

 

إن ما يقع اليوم في الحرب على إخواننا في غزة، معركة تاريخية ونقطة تحول وتغيير في المنطقة, حقد يهودي متجدد وشعب مضطهد صامد، ومجاهدون مؤمنون ثابتون، ومنافقون يتربصون ويخونون، والشعوب تغلي غضبًا, والعالم الدولي ما بين متفرِّج أو مشارك، ودولنا العربية في تفرق وضعف، وانقسام للصف.

وهناك شيء آخر فوق كل هذه القوى والاعتداءات، وفوق كل الجيوش والحكومات، وفوق كل الآراء والتحليلات، وفوق كل الخطط والمؤامرات، ذلك هو الله جل جلاله, يرى ويسمع ويدبر الأمر ويقضي بالحق, لا يغفل ولا ينام، ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها، إن ربي على صراط مستقيم، هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون.

إن من أعظم حكم الله تعالى من وقوع هذه المصائب، حكمةَ الكشف وتمييز الصف، تحقيقا لموعود الله في سنة التمايز بين الناس في الفتن (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) [آل عمران:179](وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) [الأنعام:55] وكما قال الله تعالى بعد ما نزل بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بعد غزوة أحد من القتل والجراح: (وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ) [آل عمران:141].

إنها غزة الكاشفة، التي انكشف فيها المستور وظهر المخبوء, فما الذي كشفته هذه المحنة؟

1/ كشفت هذه المحنة للعالم عن الوجه القبيح لليهود المجرمين، وضعف بحمد الله التعاطف العالمي مع هذه الدولة المجرمة، وظهر خرقها للمواثيق وانتهاكها حقوق الإنسان لمن بقي لديهم إنسانية من البشر.

يكفي أن هؤلاء المجرمين يوم أمس، استقبلوا أمين الأمم المتحدة، بقصف المستشفيات ومقر الإغاثة التابعة لهيئته.

لقد انقلب السحر على الساحر، فقد أراد اليهود ومن معهم هزيمة التيار الجهادي واتهامه بالإرهاب أمام العالم، فكانت النتيجة أن هبت الشعوب المسلمة وغير المسلمة لنصرة أهل غزة، وظهر للعالم أن فعل اليهود هو أبشع أنواع الإرهاب.

2/ كشفت محنة غزة عن تيار إسلامي جهادي بقي شوكة في حلق إسرائيل وضد أطماعها في المنطقة، تيار يتبنى الجهاد والإيمان، ويرفض الخنوع والاستسلام، وقف صامدًا عسكريًا وسياسيًّا، على الرغم من كيد الأعداء، وخذلان الأشقاء, لأول مرة في حروب العرب مع إسرائيل نرى راية شرعية إسلامية لا قومية ولا عربية، قادتها من خيار الناس من أهل العلم والالتزام بالشريعة، مع الإلمام بالسياسة، فليس لأحد أن يزايد عليهم، هم أعرف بعدوهم، وهم المنتخبون من شعبهم، ومع هذا لم يستح بعض مرضى القلوب من انتقاصهم واتهامهم، متناسين الدماء الطاهرة من المجاهدين قديمًا وحديثًا من أحمد ياسين والرنتيسي وأخيرًا ريان وبالأمس سعيد صيام، ومن معهم من المجاهدين الشرفاء الذين تقدموا شهداء الشعب في غزة مع نسائهم وأطفالهم.

لقد حاول الاحتلال اليهودي وأشياعه خلال الأعوام الماضية وأد أي نبتة إسلامية تحول دون مشروعه في المنطقة؛ لأنه يعلم أنه لن يخرجه إلا الأيدي المتوضئة، والجباه الساجدة، والسواعد المجاهدة، حتى قالت صحيفة إسرائيلية: "إن على وسائل إعلامنا أن لا تنسى حقيقة هامة هي جزء من استراتيجية إسرائيل في حربها مع العرب، هذه الحقيقة هي أننا قد نجحنا بجهودنا وجهود أصدقائنا في إبعاد الإسلام عن معركتنا مع العرب طوال ثلاثين عامًا، ويجب أن يبقى الإسلام بعيدًا عن المعركة إلى الأبد". اهـ

3/ كشفت هذه المحنة فشل ما يسمى بالنظام العالمي، بهيئة أممه ومجلس أمنه وظلمه المتكرر للمسلمين، حتى أصبح من يعلق آماله بقرار مجلس الأمن كمن يصر على حرث البحر، وزرع الهواء، وتلقيح القبور ببذور الزهور، نشتكي لمجلس الأمن فيقول إنه قلق، قلق لقتل الأطفال والأبرياء, نناشد المنظمات الدولية أن تطبق مقررات العدل، وتراعي قيم الإنسانية، مع علمنا أنهم لا يسمعوننا، ولو سمعوا ما استجابوا لنا، إلا بما تريده إسرائيل وأمريكا, وهل معاناة المسلمين في فلسطين وغيرها، إلا بسبب النظام العالمي وقراراته الظالمة وتحكم الدول الكبرى فيه؟.

ليس من الحكمة أن نطالب باعتزال العالم، وإسقاط النظام العالمي كله، لكننا يجب علينا أن نراجع سياساتنا وأن نصلح تعاملنا مع غيرنا، وقد أعجبتني كلمة قالها سمو وزير الخارجية: أنه إذا لم يستجب مجلس الأمن لنا فإننا سندير ظهورنا ونبحث عن بدائل أخرى، يجب البحث عن بدائل أخرى ومنها المقاومة، يجب أن يعاد النظر في التعامل العربي السياسي مع اليهود والمبادرات، ويجب أيضًا أن يتوب بعض الساسة العرب الفلسطينيين وغيرهم من جرائمهم بحق الأمة، والأيام كفيلة بكشف كل الخيانات والمؤامرات، والأمر عظيم والحساب يسير أمام الله تعالى.

4/كشفت هذه المحنة عن الضعف والتفرق والمرض المتفشي في النظام السياسي العربي، هناك دول شاركت وللأسف في وضع غزة تحت وطأة الحصار لأسباب واهية، وانحازت للسلطة الفاسدة في رام الله، وتواطأت لإخراج حماس وفصائل المقاومة من القضية الفلسطينية، لرفضها طريق الاعتراف والتطبيع مع اليهود, وهناك دول أخرى لا تزال تحتفظ بعلاقات مع اليهود وتحتضن القواعد الأمريكية, فمتى تصلح أحوال العرب وتجتمع كلمتهم؟.

أطفال ونساء غزة في مقتلة تاريخية وجريمة بشعة، والعرب في تفرق وعدم اجتماع، وبعد عشرين يومًا تتزاحم القمم دون مبرر سوى الفرقة والانقسام، هذا في مجرد قمة وليس فتح باب جهاد أو تسيير جيوش.

ولهذا أقول: قبل أن نطالب بفتح الحدود وإعلان الجهاد، هل الأمة -حكومات وشعوبًا- مؤهلة لذلك؟ نحن نطالب الحكومات العربية بدعم حماس وفصائل الجهاد، مع علمنا بأن بعض الحكومات –وللأسف- لا تريد التيار الإسلامي ولا الجهاد في فلسطين, ولن تسمح -كما قال مسئول رفيع فيها- بإمارة إسلامية في فلسطين.

ومع فهم هذا الواقع المر، وضعف أو فساد بعض الأنظمة، يجب الحذر من إثارة الفتن وردود الأفعال غير المنضبطة ودعوات الخروج على الحكام، لا يجوز الاغترار بشعارات إيران ولا حزب الله ولا القاعدة، نحن -بحمد الله- على بينة من ديننا، يجب مطالبة ولاة الأمر بالواجب عليهم ومناصحتهم وتذكيرهم بالله، وبما أفتى به العلماء من وجوب دعم المجاهدين على أرض فلسطين بقدر الاستطاعة ولو بالسر، وتحريم التآمر عليهم، أو سد الطرق دونهم، أو هدم الأنفاق التي تفك الخناق عنهم, والمسؤولية على الحكام كبيرة، لكننا قبل أن نقول: الحكام الحكام، نقول: الشعوب الشعوب، كما تكونون يول عليكم، هل أصلحنا أنفسنا وقمنا بالدعوة إلى الله وأصلحنا ومجتمعاتنا؟ طريق النصر أن ننصر الله أولاً في حياتنا ونصلح المجتمع ونأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، كما قال الله تعالى: (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ) [محمد:7] (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) [الحج:40-41].

كشفت هذه المحنة عن الخلل الخطير في ما يسمى بالسلطة الفلسطينية، وأنها أساس مشكلة الانقسام الفلسطيني بفضائحها السابقة واللاحقة من بيع القضية والأرض، وقطع آخر خيوط الأمل في التحرير والقدس والأسرى واللاجئين، وتتبع المجاهدين بحجة الإرهاب, يخرج أحدهم متباكيًّا على دماء الشهداء، ثم يبرر جرائم اليهود بكل وقاحة انتقامًا من حماس, ويتصل آخر بحركة الجهاد ويقول لهم المعركة ضد حماس، كفوا أيديكم عن اليهود، وأنا آخذ لكم ضمانًا من اليهود أن لا يصيبكم سوء، فيردون عليه: كلنا حماس، ولن نرضى أن نكون عملاء لليهود, وصدق الله في هؤلاء المنافقين: (قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا * أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا) [الأحزاب:18-19].

لقد كنا ننادي بسطحية وسذاجة الإخوة الفرقاء بالالتقاء ونسيان الخلافات، مع علمنا أن طريق الإيمان والنفاق لا يلتقيان، وأن الأمانة والخيانة لا يمتزجان, وأن الوحدة الفلسطينية المزعومة أن تخضع حماس وأهل الإيمان، لأولياء اليهود والأمريكان، وأن تظل الرايات العلمانية مرفرفة إلى جوار الرايات الصهيونية.

إن من المخزي أن نسمع من بعض العرب من التجني والظلم لحماس والمقاومة ما لا نسمعه من بعض عقلاء الغرب.

يقول الكاتب البريطاني يوهان هاري: "إني أمقت حركة حماس، لكني أقر بأنها تعاملت ببراغماتية مع العديد من الملفات بعد فوزها في الانتخابات، إذ لم تفرض نظاما صارما على منوال طالبان، كما التزمت بهدنة من جانب واحد، توقفت عن قيادة العمليات الانتحارية، أعربت عن استعدادها لاحترام كافة الاتفاقات المبرمة بين السلطة وإسرائيل، فماذا حصلت عليه حماس في المقابل، لم تتلق شيئا غير الإهانات، والإصرار على طردها من الحكم عن طريق الحصار أو عن طريق الرصاص"اهـ.

والآن، وبعد صمود المقاومة، واختفاء لاءات اليهود, لا للصلح، لا للتنازل، لا للانسحاب، وشروع اليهود في مبادرات الانسحاب والتنازل، يبقى الخوف أن يكون هذا التنازل لصالح التيار الفاسد المتحالف مع اليهود، نسأل الله أن يوحد صف إخواننا الفلسطينيين في حماس وفتح والجهاد وغيرها على الحق، وأن يكفيهم شر شرارهم.

5/كشفت محنة غزة عن طابور من أعداء الدين من العلمانيين أو الليبراليين أو المنافقين، في السياسة والإعلام.

خرج بعضهم يلوم المقاومة ويتهكم فيهم بأنهم دراويش أو مراهقين، وأنهم لو كانوا عقلاء وسمعوا نصيحتنا وسلموا لليهود لما وقع عليهم القتل والذبح، وصدق الله: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا) [آل عمران:156].

وخرج آخر يردد شعارات الوطنية ويقول: إن غزة شأن فلسطيني، ونحن كسعوديين لسنا مسؤولين عنها، وصدق الله (وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا) [الأحزاب:13].

وخرج آخر يلوّح بأن اختيار المقاومة فصل الشتاء القارس للتصعيد جريمة، وصدق الله: (وَقَالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ) [التوبة:18].

ولما دعا خادم الحرمين -وفقه الله- لحملة إغاثة، خرج كاتب سفيه يتهم ويسخر بالمحتاجين في غزة، ويقول: وإذا تبرعنا فهل ستشكرون؟ وصدق الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ) [البقرة:264].

وقال آخر: نحن ليس لدينا مشكلة في التبرع للإسلام، ولكن ليس لهؤلاء الإخوانيين والحمساويين، وصدق الله: (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا) [المنافقون:7].

وتعلل بعضهم بالمخاطر الأمنية، وأن حركات الجهاد ستسبب لنا خطرًا وإحراجًا مع العالم، وصدق الله: (وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا) [القصص:57].

وبعض المحللين يهذي طوال الليل بكلام ساقط ممجوج، فإذا ذكرت آية واحدة على لسان أحد قادة حماس بكلماتهم الطيبة وبياناتهم الإيمانية، تبرم وانقبض وجهه، ولمز المتحدث بأن خطابه ديني عاطفي تعبوي هدفه المزايدة وجمع الأتباع، وصدق الله: (وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) [الزمر:45].

وكاتب خبيث يتهم قادة المقاومة بالسعي للمناصب وأن بعضهم يقيمون في فنادق في الخارج، ويسخر من قولهم: إن المقاومة بخير، وما عرف هذا المخادع أن المقاومة هي اختيار أهل غزة، بل اختيار المسلمين، وهؤلاء الشرفاء إنما يجاهدون عن أهل غزة وحقوقهم, ولولا ظلم اليهود واستباحتهم الدماء ما خرجوا من ديارهم، ولكن المنافقين لا يفقهون.

اللهم أصلح أحوال المسلمين، واحقن دماء إخواننا في فلسطين، واجعل دائرة السوء على اليهود وأعوانهم.

 

 

الخطبة الثانية

6/ أخيرًا كشفت محنة عن ضعفنا نحن، وتقصيرنا في قضية فلسطين، وواجب النصرة لهذا الشعب المسلم؟

سؤال:ماذا قدمنا لفلسطين لإخواننا لقدسنا لمسرى نبينا صلى الله عليه وسلم.

نداء إلى كل مسلم حاكمًا كان أو محكومًا، ألم تر مشهد الطفل لؤي الذي تركته أسلحة اليهود المحرمة بلا عينين، والطفلة جميلة التي أصبحت بلا رجلين، فكيف بالآلاف من الشهداء والجرحى الذين هم إخوة لنا في الدين، وقد أخرج البخاري في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "المسلم أخو المسلم لا يَظلمه ولا يُسلمه" وفي لفظ لمسلم: "ولا يَخذله".

لا يظلمه بنفسه، ولا يُسلمه للظلم، ولا يخذله إذا طلب منه النصرة والعون.

أليس من الخذلان أن بعض إخواننا وشبابنا كأنه أصم أبكم أعمى عما يحدث لإخوانه، بينما تراه عاكفًا بسمعه وبصره وقلبه أمام الشاشات على الغناء أو الأفلام أو التوافه والملهيات.

نحن لا نقول للشاب: عطل الحياة بسبب فلسطين، لكن نقول -يا حبيبي- استشعر أنك جزء من أمة محمد صلى الله عليه وسلم بإصلاح نفسك، ونصرة إخوانك بالتبرع، بالاهتمام بالدعاء، بزيارة الجرحى في المستشفيات، بالدعاية والكتابة في الانترنت، بكفالة الأيتام والأسر، ببناء مساجد وبيوت غزة، فإن دعم المرابطين والمجاهدين على أرض فلسطين ولو بالمعيشة والإغاثة، إعانة لهم على الجهاد، وتثبيت لهم على الرباط، المهم أن تعمل، ولو أن تقف في ظلمة الليل تدعو بقلب صادق لإخوانك، فذا وقفت بين يدي الله وسألك: ماذا قدمت لإخوانك في فلسطين، لأطفال فلسطين، تقول: يا رب فعلت كذا وكذا، بقدر الاستطاعة.

وأخيرًا, إن من العمل المشروع ضد هذه النار المحرقة في فلسطين كبح جماح مصدر النار، وأساس الدعم والقرار، المتمثل في مقاطعة المنتجات اليهودية والأمريكية.

رغم الفشل الإسرائيلي في الحرب إلا أنه يتلقى دعمًا أمريكيًّا بالسلاح والعتاد، وقرار الفيتو، وقرارات مجلس النواب الأمريكي، بل طرحت عطاءات قبل أيام لتزويد إسرائيل بالذخيرة التي أفرغت في رؤوس أطفال غزة.

إذن أمريكا تباشر الحرب في فلسطين سلاحًا وقرارًا، والحلف الاستراتيجي بين أمريكا وإسرائيل عميق وتاريخي، حتى أوباما يجهز ملفات فلسطين لشخصيات موالية لليهود، وهذا يدعو الدول العربية والإسلامية لكبح جماح التحالف مع أمريكا، وإنشاء تحالفات بديلة مع قوى أخرى كالصين والهند وبعض دول أمريكا الجنوبية قدر الاستطاعة.

وبعيدًا عن المقاطعات والسياسات المتعلقة بولاة أمور المسلمين -وفقهم الله- يبقى دورنا نحن كشعوب وتجار في المقاطعة الشعبية، ولا يلزم أن تطالب الحكومات بهذا الأمر، المطلوب جهد ووعي شعبي في مقاطعة مستمرة لبضائع من يقتلون أهلنا، ونحن أحرار في الاختيار.

وحتى تكون المقاطعة فعالة: لا بد أولاً من وجود لجان شعبية ومواقع على الانترنت لإحيائها وتنظيمها ومواصلتها، وتقديم قوائم مستمرة بالسلع المطلوب مقاطعتها، والبدائل التي تقوم مقامها وهي كثيرة بحمد الله.

ولا بد ثانيًا من الانتشار والشمول لجمهور الناس، بحيث لا تكون هذه أفكار شريحة خاصة.

ولا بد ثالثًا من الصبر والاستمرار وطول المدة، فالمقاطعة المؤقتة لا تضر إلا التاجر الذي قام بشراء تلك البضائع.

ولا بد رابعاً من نشر الفتاوى الشرعية لدعم هذا التوجه، وهناك عدة فتاوى -بحمد الله- ومن لم ير المقاطعة من أهل العلم أو أنها غير واجبة، فلا يثبط الناس في مسألة اجتهادية أفتى بها كثير من أهل العلم بحمد الله.

إن من السذاجة أن نتصور أن المقاطعة ستؤدي إلى انهيار الاقتصاد الأمريكي أو اليهودي، لكننا نجزم بأن أرباح الكثير من الشركات والمؤسسات ستتراجع قليلا أو كثيرا وهذا سيؤثر في مواقف الساسة.

وبعيدًا عن النتائج، أليست المقاطعة ستضعف اقتصاد أمريكا التي أحرقت قلوبنا؟ أليس الله سيرضى عنا ونحن نترك هذه البضائع بدلاً من أن تتحول رصاصًا في رؤوس أطفالنا؟

بلى -والله- فليحث التجار والناس على هذا الأمر والله المستعان.

اللهم صل على محمد

 

 

 

 

 

المرفقات

الكاشفة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات