عناصر الخطبة
1/حمد الله والثناء عليه وتكبيره 2/ الاستمرار على الطاعات بعد رمضان 3/التحذير جلساء السوء 4/المقصود بالتكبير 5/الفرح رغم الجراح 6/التحذير من الأعداء والركون إلى الدنيا 7/التذكير بحال المسلمين ومآسيهم 8/إهلاك الله للظالمين ونصره المظلومين 9/موعظة عامة للنساء 10/الحث على صيام الست من شوالاقتباس
جاء العيد وسبحان من يعز من يشاء، ويذل من يشاء، ويؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء بيده الخير وهو على كل شيء قدير. جاء العيد، ومن كان في العيد الماضي رئيسا إذا به اليوم سجينا أو طريدا أو هاربا. من كان في العام الماضي ملكا حاكما آمرا ناهيا؛ إذا به اليوم محكوما أو مطلوبا أو مصابا!. وهكذا سنة الله في....
الحمد لله، حمدا كثيرا طيبا مباركا، دائما بدوام عزته، وكما ينبغي لجلال وجهه، وعظيم سلطانه ومجده.
إنه أهل الحمد والثناء، لا نحصي نعمه، ولا نحصي ثناءً عليه، هو سبحانه كما أثنى على نفسه.
نشهد أنه الله لا إله إلا هو وحده لا شريك له، بديع السموات والأرض.
إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون، بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله الرحمن الرحيم رحمة للعالمين، ومحجة للسالكين، وحجة على العباد أجمعين، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح للأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين.
فاللهم صل عليه وعلى آل بيته الطيبين، وارض عن صحابته الكرام والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وأحينا اللهم على سنته، وأمتنا على ملته، واحشرنا يوم القيامة في زمرته، مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر..."7 مرات"، ولله الحمد.
الله أكبر في ذاته وأسمائه وصفاته: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) [الشورى: 11].
والله أكبر في سلطان ربوبيته وألوهيته، إليه المصير وهو على كل شيء قدير.
والله أكبر في جلال قدره، ومطلق قدرته وإرادته، وواسع حكمته، وهو العليم الخبير.
فالله أكبر، زينة مواسم الطاعات والأعياد.
والله أكبر، لرفع رايات الجهاد والاستشهاد.
والله أكبر، في الأذان والإقامة والركوع والسجود.
والله أكبر، على الجنائز وعند ذبح الذبائح وفي أذن كل مولود.
فإن تهافت الناس على الدنيا ومتاعها الأوفر؛ فالله أكبر.
وإن تعلقت النفوس بمحبوبات الأنداد؛ فالله أكبر.
وإن تفاضلت الحقوق في كل شيء؛ فحق الله أكبر.
وإن طغى كل جبار وعلا واستكبر؛ فالله أكبر.
سبحانه وتعالى هو الواحد القهار، الباقي بعد كل الأنام: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) [الرحمن: 26-27].
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، لله الحمد بهذا اليوم المبارك الأبهى، عيد من أعيادنا النقية الزكية، أعيادُ الفرح والسعادة، والطاعة والعبادة، والأخوة والتواصل، والتعاون والتكافل.
زينتها التكبير، والذكر والشكر الكثير.
فانظروا -رحمكم الله- إلى هذا الجمع المبارك المهيب، وتأملوا فيه حكمة هذا الدين الذي يجمع ويؤلف، ويصل ويؤاخي، وينظم ويهذب، ويطهر ويزكي، ويرفع ويرقي.
فاللهم لك الحمد بالخلق والوجود والحياة.
ولك الحمد بالكرم والفضل والإحسان.
ولك الحمد بالإسلام والإيمان.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أيها المسلمون: إنكم في يومٍ تبسمت لكم فيه الدنيا، أرضُها وسماؤها، شمسُها وضياؤها، صمتم لله شهر رمضان، وقمتم لياليه، ثم جئتم اليوم، تسألون الله الرضا والقبول، وتحمدونه على الإنعام بالتمام، والتوفيق للصيام والقيام، فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
(الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ) [الأعراف: 43].
(قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس: 58].
هذا يوم يفطر المسلمون، هذا يوم يفرح المؤمنون به، هذا يومٌ تكبرون الله فيه على ما هداكم ولعلكم تشكرون.
فبارك الله لكم عيدكم -أيها المسلمون-، وأعاده الله على هذه الأمة المرحومة وهي في عز وتمكين، ونصر وتأييد.
ولا بأس أن يهنئ بعضكم بعضًا في العيد؛ لورود ذلك عن الصحابة - رضي الله عنهم -.
عباد الله: أوصيكم ونفسي، بتقوى الله -عز وجل-، فهي وصية الله للأولين والآخرين: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ) [النساء: 131].
العيد استمرارٌ على العهد، وتوثيق للميثاق، فيا من وفّى في رمضان على أحسن حال، لا تتغير في شوال.
ويا من أدرك العيد، عليك بشكر المنعِم والثناء عليه، ولا تنقض غزلاً من بعد قوة وعناء: (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) [النحل: 92].
العيد بقاء على الخير، وثبات على الجادة، واستمرار في الطريق.
فاحذروا الرجوع إلى الذنب بعد الطاعة، فإن ذلك علامة مقت وخسران، قال يحيى بن معاذ: "من استغفر بلسانه وقلبه على المعصية معقود، وعزمه أن يرجع إلى المعصية بعد الشهر ويعود، فصومه عليه مردود، وباب القبول في وجهه مسدود".
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
حذار حذار من جلساء أصحاب السوء، واصطحاب آلات اللهو في المتنزهات والاستراحات، والعكوف عليها التي أصبحت سمة أعياد بعض المسلمين وللأسف؛ فعن عمران قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- : "ليكونن في أمتي قذف ومسخ وخسف"، قيل: يا رسول الله، ومتى ذلك؟! قال: "إذا ظهرت المعازف، وكثرت القيان، وشربت الخمور".
حذار من جلساء السوء الذين لا يعينون على خير، ولا يرشدون إلى طاعة، احذروا مجالس لهوهم وغفلتهم، فتكون ممن كثّر سوادهم، فقد جاء عن ابن مسعود –رضي الله عنه- قال: "من كثّر سواد قوم فهو منهم، ومن رضي عمل قوم كان شريكَ من عمل".
ولا تنصب خيامك قربَ مساكن الذين ظلموا أنفسهم، ففي الأرض مراغم كثيرة وسعة.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
لما كانت قلوبنا تردد التكبير مع الألسن نصرنا بالرعب مسيرة شهر، وأحكمنا الأمر.
إن تكبيرنا في العيد إعلان لانتصار الدين على الدنيا والآخرة على الأولى، فالله أكبر من الدنيا ولذائذها، والله أكبر من كيد الأعداء: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ) [العنكبوت: 45].
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
خرج النبي –صلى الله عليه وسلم- من مكة حتى إذا وافاه العيد في المدينة لم يشأ أن يطفئ البسمة، أو يطبق الشفاه، بل أعلن فرحة العيد، وأظهر سروره به، مع أنه يلاقي ما يلاقي من كيد الأعداء ومكرهم، لكنها العزائم القوية، والنفوس الكبيرة التي تأبى إلا الفرح بفضل الله ورحمته، وعظيم فيضه ومنته.
أليس يهزك الفرح حين تسمع بانتصار المسلمين في مكان مع أن جراحاتهم في أماكن أخرى، لا زالت ملتهبة ودماءهم لا زالت نازفه؟!
إنها النفوس الكبيرة التي تجد متسعًا للفرح بفضل الله حتى وإن عظم الجرح.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
احذروا الركون إلى الدنيا وكفران النعم؛ فإنكم تعيشون نعمة الأمن والصحة والغنى في الوقت الذي يُتَخَطف الناس من حولكم في حروب طاحنة، ومجاعات قاتلة، وأمراض فتاكة: (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ) [الحشر: 2].
(وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ) [النحل: 112].
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
احذروا كيد الأعداء فإنهم لا يريدون بكم خيرا، وقد أخبركم ربكم بدوام عداوتهم لكم، فقال: (حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ) [البقرة: 217].
وأنهم لن يرضوا عنكم إلا بانسلاخكم عن دينكم: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [البقرة: 120].
لقد نطقوا بالحقد قديما وحديثًا: (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) [آل عمران : 118].
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أيها الإخوة في الله: وأنتم تعيشون العيد لا تنسوا أن تعيشوه بروح الجسد الواحد، فتذكروا إخوانكم في بلدان كثيرة من بلاد المسلمين، وما يلاقونه من قتل واعتداء، وظلم وطغيان، وما يعانونه من جوع وفقر، ومرض وقهر، وشدّة وبلاء؛ عليكم بكثرة الدعاء لهم، واجعلوا من موسم العيد إعادةً لقضيتهم، ونشرًا لصحيح أخبارهم، وتذكروا أنهم يعيشون العيد تحت قذائف الطائرات، ودوي الدبابات، كان الله لهم في العون، وربط على قلوبهم، وثبت أقدامهم.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أيها المسلمون: إن نصر هذه الأمة قد انعقد غمامه، وقد أقبلت أيامه، فأحسنوا الظن بربكم، واجمعوا مع الأمل حسن العمل، واعلموا أن الشدائد التي تمرّ بها الأمة هي أمارات ميلاد جديد -بإذن الله-، فإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا.
لا تقولوا زرع الزارعُ والباغي حَصَدْ *** لا تقولوا حارس الثَّغْر رَقَدْ
أيها المسلمون: كم هو جميل أن تظهر أعياد الأمة بمظهر الواعي لأحوالها وقضاياها، فلا تحول بهجتها بالعيد دون الشعور بمصائبها التي يرزح فئامٌ من أبنائها تحتها، بل يجب أن يطغى الشعور بالإخاء قوياً، فلا ننسى فلسطين وأفغانستان والعراق، وأراضيَ أخرى في بلاد المسلمين منكوبةً، فسوريا واليمن والصومال، بمجاهديها وشهدائها، بيتاماها وأراملها، بأطفالها وأسراها، لابد أن نتذكر هؤلاء في عيدنا.
لقد جاء العيد والأمة تواجه حرباً على إخواننا في سوريا، وقد مضى شهر رمضان ومضت معه وفي أثناءه مئات الأرواح إلى باريها، قتلاً وسحلاً، وتقطيعاً وحرقاً، وأسرا وتعذيبا.
جاء رمضان ومضى، وجاء العيد وقد قُتل أكثر من عشرين ألفِ ليبي من أجل تحرير أرضهم، وبلادهم وثرواتهم من ظلم الفاجر الغادر، الطاغية المتجبر، المعاند المكابر، الزعيم العنيد الطريد القذافي.
جاء العيد وسبحان من يعز من يشاء، ويذل من يشاء، ويؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء بيده الخير وهو على كل شيء قدير.
جاء العيد، ومن كان في العيد الماضي رئيسا إذا به اليوم سجينا أو طريدا أو هاربا.
من كان في العام الماضي ملكا حاكما آمرا ناهيا؛ إذا به اليوم محكوم أو مطلوب أو مصاب!.
وهكذا سنة الله في الظلمة والطغاة، فإن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته.
وتأملوا -رحمني الله وإياكم- قوله تعالى: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء) [آل عمران: 26].
فعبر عنه بالنزع، لما يفيده هذا التعبير من شدّة تمسك هؤلاء الطغاة والملوك بملكهم، وتشبثهم به والتضحية من أجله، والدفاع عنه، وسفك الدماء، وقتل الأبرياء من أجله! ومع هذا ينزعه الله الملك الحق منهم نزعا، وهم غير راضين بنزعه، إما بانقلاب أو قتل ومؤامرة، أو تسلط عدو، أو بموت وهلاك، أو بطرد وتشريد.
يُنزع منهم بالقوة نزعا يقطّع قلوبهم، ويزيدهم ألما وعذابا، كما تنزع روح الفاجر والكافر نزعا.
وغالبا ما يصحب نزع الملك عن هؤلاء الظلمة الذل والهوان، ولذا قال تعالى: (وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء) [آل عمران: 26].
فيصير بعد العز والقوة إلى الذلة والضعف! وبعد البطش والقهر إلى الخوف والهرب! وبعد الظلم والكبر إلى الخسة والهوان! جزاءً وفاقا، وما ربك بظلام للعبيد.
نعم -عباد الله- أذاق ملكُ الملوك الملكَ والرئيس الذي عاش وحكم شعبه بالظلم والقهر والسجن، والفقر عشرات السنين، أذاقه الذلة الحقيقية والهوان في نفسه وجسده وأهله وولده! أذاقه العذاب والهوان في ماله ومكانته وثروته التي جمعها بغير حق، وحرم شعبه منها، أذاقه الذل والهوان بين أقاربه وشعبه، وأمام أقرانه وحاقديه، بل وأمام العالم كله! يذيقه الذل والهوان في آخر حياته العاجلة القصيرة مهما طالت، وما ينتظره من الذل والهوان في آخرته الآجلة الطويلة أعظم وأكثر!.
أيها المسلمون: إن في تغير العالم من حولنا لعبرة لنا جميعا، فالظلم لا يدوم، والمظلوم منصور وإن طال الظلم عليه، وسنة الله الإمهال والإملاء لعل ظالما يتوب، ومعتديا يرعوي.
فإن أبى وأصر على ظلمه، واغتر بقوته جاءته سنة الله بأخذه وهلاكه وعذابه.
أيها الإخوة المؤمنون: إنه عام عصيب على الأمة لاقت فيه المآسي وأدمى المجازر، فظائعَ دامية، وجرائم عاتيةَ، ونوازلَ عاثرة، وجراحاً غائرة، غصصاً تثير كوامن الأشجان، وفجائع تبعث على الأسى والأحزان: (وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) [البروج: 8].
لقد شنوها حرباً لا هوادة فيها على الإسلام والمسلمين في بقاع الأرض، حتى ارتفعت عن العيون الغشاوة، وانقشع الوهم، واقترب اليقين.
أيها المسلمون: كيف يهنأ المسلم بعيش، أو يرقأ له دمع، أو يدرك فرحاً بأمنية في دار كلها قذى وأذى!.
والله لن تسلو الضمائر ساعة *** والمسلمون بغير ذنب يقتلوا
ألأنهم لله قاموا طاعة *** أم أنهم قد كبروه وهللوا
أم أنهم يدعون للدين الذي *** قد حُمِّلوا تبليغه فتحملوا
لقد ملئت سجون أولئك الظلمة الطغاة من الصالحين، والدعاة المخلصين، ومنعت النساء من الحجاب وحوربن في عفافهن، حُكموا بغير ما أنزل الله، وظُلموا باسم القوانين الجائرة، والكتاب الأخضر! جُوِّعُ الشعب، وَاسَتُأثِروا همَ بِالأَموَالِ والمناصب والوزارت والثروات والمليارات، هُضِمُ الناس في حُقُوقَهُم، وَضُيِّقَ عَلَيهِم في أَرزَاقِهِم، فَعَاشُوا مُصِيبَتَينِ عَظِيمَتَينِ تَعَوَّذَ مِنهُمَا النَّبيُّ -عليه الصلاة والسلام-: "مُصِيبَةُ الإِبعَادِ عَنِ الدِّينِ، وَمُصِيبَةُ الفَقرِ وَالقِلَّةِ".
نَعَم، لَقَد عَاشَت كَثِيرٌ مِنَ الشُّعُوبِ الإِسلامِيَّةِ غُربَةً شَدِيدَةً، وَاقتَادَهُمُ الحُكَّامُ الظَّلَمَةُ بِالقُوَّةِ وَالقَسوَةِ، حَتَّى عَادَ المَظلُومُ يَصرُخُ فَلا يَجِدُ مُجِيبًا، وَعَادَ المَلهُوفُ يَستَغِيثُ فَلا يَلقَى مُغِيثًا، فَنَشَأَت فَجوَةٌ سَحِيقَةٌ بَينَ الحُكَّامِ وَالشُّعُوبِ، جَعَلَت تِلكَ الشُّعُوبَ تَفُورُ غَلَيَانًا، ضد ذَلِكَ الرَّئِيسِ المُتَبَجِّحِ المُتَكَبِّرِ الظَّالِمِ، الذي كانت تَهتَزُّ لأَمرِهِ القُلُوبُ، وَتَرتَعِدُ لِنَهيِهِ الأَفئِدَةُ، وَيَخطُبُ الكَثِيرُونَ وُدَّهُ خَوفًا مِن بَطشِهِ وَسُلطَتِهِ، وَيَتَلَمَّسُونَ رِضَاهُ خَشيَةَ عُقُوبَتِهِ وَنِقمَتِهِ، وَتَأتي أَفوَاجُ المُتَزَلِّفِينَ إِلَيهِ فَتَركَعُ بَينَ يَدَيهِ، وَتُحَيِّيهِ في الشَّوَارِعِ وَتَهتِفُ بِاسمِهِ في السَّاحَاتِ، وَلا تَألُوا في التَّقَرُّبِ إِلَيهِ بِكُلِّ وَسَائِلِ التَّقَرُّبِ، إذا بها ثُتحول وَدُونَ سَابِقِ إِنذَارٍ إلى أُسُودٍ ثَائِرَةٍ وَوُحُوشٍ كَاسِرَةٍ، وَتَنقَلِبُ بُحُورًا مِنَ الغَضَبِ هَادِرَةً مَائِرَةً، فَتَرمِيهِ بِحُمَمٍ مِن غَيظِهَا، وَتَصُبُّ عَلَيهِ جَامَّ غَضَبِهَا، حتى مَضَى إِلى عَالمِ الضَّيَاعِ وَحِيدًا، وَخَرَجَ مِن بَلَدِهِ مُشَرَّدًا طَرِيدًا، أو سُجن وأهين بعد أن كان آمرا ناهيا! لا تَذكُرُهُ الأَلسِنَةُ بِخَيرٍ وَلا تُثني عَلَيهِ، لا تَأَسَى عَلَيهِ القُلُوبُ وَلا تَأَسَفُ عَلَيهِ، إنها أَنَّاتٌ المَظلُومِينَ تُنَغِّصُ عَلَيهِ عَيشَهُ، وَدَعَوَاتُهُم تُطَارِدُهُ قَائِمًا قَاعِدًا، وَلَعَنَاتُهُم تُلاحِقُهُ حَيًّا وَقَد لا تَنقَطِعُ عَنهُ مَيِّتًا، فَسُبحَانَ مَن أَحيَا بِالعَدلِ القُلُوبَ وَأَنَارَ بِهِ الصُّدُورَ، فَانشَرَحَت لأَئِمَّةِ العَدلِ وَأَحَبَّتهُم، وَوَالَتهُم وَأَطَاعَتهُم وَدَعَت لَهُم، وَضَيَّقَ بِالظُّلمِ صُدُورَ المَظلُومِينَ وَقَسَّى بِهِ قُلُوبَهُم، فَلَعَنُوا وُلاةَ الجَورِ وَأَبغَضُوهُم وَقَاتَلُوهُم وأخرجوهم صاغرين ذليلين.
عباد الله: الظلمُ مهما كان وأين كان لا يدومُ ولا يطولُ، وسيَضمحلُّ ويزولُ، والدهرُ ذو صَرفٍ يدورُ، وسيعلمُ الظالمونَ عاقبةَ الغرورِ.
أين الذين التحفوا بالأمنِ والدَّعَةِ، واستمتعوا بالثروةِ والسَّعةِ؛ من الأممِ الظالمةِ الغابرةِ الظاهرةِ القاهرةِ؟!
لقد نزلت بهم الفواجعُ، وحلّتْ بهم الصواعقُ والقوارعُ، فهل تعي لهم حِسًّا أو تسمَعُ لهم ركزًا؟!
كيف يُقدِسُ اللهُ قومًا يتخمُ غنيهُم وفقيرُهمْ لا يجدُ ما يسدُّ به رمقَه؟!
وكيف يُقدِسُ اللهُ قومًا لا يُؤخذُ من قويِهم لضعيفهِم؟!
وقد يستبطئُ الظالمُ العقوبةَ فيتمادى في ظلمِهِ، وهو قد لا يدري أن سترَ الغيبِ عمَّا قليلٍ سينكشف عنْ خزيه؛ لأن اللهَ -سبحانه- إذا أخذَه لنْ يفلتْه، وكيف يفلتْه وهناكَ دعواتٌ مطردةٌ أو مشردةٌ مكلومةٌ مظلومةٌ تنطلقُ بالأسحارِ، تخترقُ الحجبَ فتصلُ إلى باريِها وناصرِها، فإذا هو يقول لها: "وعزّتي وجلالي، لأنصرنَّك ولو بعدَ حينٍ".
فسبحانَ من سمِعَ أنينَ المضطهدِ المهمومِ، وسمعَ نداءَ المكروبِ المغمومِ، فرفعَ للمظلومِ مكانًا، ودمَغَ الظالمَ فعادَ بعدَ العزِّ حقيرًا طريدًا مهانًا: (فَبُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [المؤمنون: 41].
أعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ * مُهطِعِينَ مُقنِعِي رُؤُوسِهِم لا يَرتَدُّ إِلَيهِم طَرفُهُم وَأَفئِدَتُهُم هَوَاءٌ * وَأَنذِرِ النَّاسَ يَومَ يَأتِيهِمُ العَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَم تَكُونُوا أَقسَمتُم مِن قَبلُ مَا لَكُم مِن زَوَالٍ * وَسَكَنتُم في مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُم وَتَبَيَّنَ لَكُم كَيفَ فَعَلنَا بِهِم وَضَرَبنَا لَكُمُ الأَمثَالَ * وَقَد مَكَرُوا مَكرَهُم وَعِندَ اللهِ مَكرُهُم وَإِن كَانَ مَكرُهُم لِتَزُولَ مِنهُ الجِبَالُ * فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ) [إبراهيم: 42- 47].
بارك الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
الحمد على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه...
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أما بعد:
أيها المسلمون: إن يومكم هذا يوم عظيم: وعيد كريم، فكل عام وأنتم بخير، تقبل الله مني ومنكم.
أسأل الله -جل وعز- أن يجعلني وإياكم وجميع إخواننا المسلمين من المقبولين، ممن تقبل الله صيامهم وقيامهم، وكانوا من عتقائه من النار.
واعلموا -رحمني الله وإياكم- أنه قد ثبت دخول شهر شوال هذا اليوم ثبوتًا شرعيًا، وأن اختلاف البلدان في دخول الشهر لا يضر؛ وذلك لأن مطالع القمر تختلف بحسب البلدان بإجماع أهل المعرفة في ذلك.
أيها المسلمون: إن هذا اليوم يوم عظيم من أيام المسلمين، يوم كله بر وإحسان، خرج المسلمون إلى مصليات الأعياد متطهرين مكبرين شكرًا لله -تعالى- على إتمام شهر الصيام وعونه على القيام.
لقد حضر المسلمون وقصدوا مصلاهم، وقد أدوا زكاة فطرهم للفقراء والمساكين فرحين مكبرين مهللين: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، والله الحمد.
أيها المسلمون: لقد أُطلق أسر الشيطان اليوم، وفكّ قيده، وسيهجم اليوم علينا بخيله ورجله هجومًا عنيفًا، وسيحمل علينا حملة شعواء بهدف أن يفسد ما جمعنا في رمضان من خير وحسنات، وأن يجعلنا من أهل النار -عافانا الله وإياكم منها-.
ومعظم الناس يعودون لحالهم قبل رمضان، وهذا أمر خطير أن يرجع العبد عن طاعات استمر عليها في رمضان.
فالحذر الحذر -معاشر الأحبة- من سلوك طرق قد توعد الله صاحبها بالنار.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أيتها الأخوات المسلمات: أذكركن بأن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بعد أن خطب الرجال في مثل هذا اليوم الأغر مشى متوكئاً على بلال –رضي الله عنه- وخطب النساء وكان من خطبته أن تلا عليهن آية المبايعة، وهي قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [الممتحنة: 12].
فلما فرغ من الآية قال: "أنتن على ذلك"، فقالت امرأة: نعم، فقال: "ما قولي لامرأة واحدة قولي لمائة امرأة" ثم أمرهن بالصدقة، فقال: "تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم"، فقالت امرأة: لم يا رسول الله؟ فقال: "لأنكن تكثرن الشكاية وتكفرن العشير"[متفق عليه].
فجعلن يلقين من قروطهن وخواتيمهن وقلائدهن في ثوب بلال صدقة لله.
ألا فاتقين الله -أيتها الأخوات- وكن خير خلف لخير سلف من نساء المؤمنين، واحذرن من التبرج والسفور والاختلاط بالرجال الأجانب، والتقصير في أداء أمانة الرعاية في البيت على الأولاد والزوج؛ فإن مسؤوليتكن عظيمة، وتأثيركن في بيوتكن أعظم، إن خيراً فخير وإن شراً فشر.
يا نساء المسلمين: أمانة كبيرة تلك التي حملتِن إياها في تربيتكِن لبناتكن في دينهن وأخلاقهن، وحشمتهن وسترهن، وحسن تعاملهن مع غيرهن من زوج وغيره.
تَّجَمُّلِن بِالحَيَاءِ، وَتَّزَيُّنِ بِالسِّترِ، وَاحَذَرِن مِنَ البَذَاءَةِ وَالصَّفَاقَةِ، فَإِنَّ المجتمعاتِ ما عانتِ المصائبَ والمحنَ والفِتنَ إلا يَومَ ضَاعَ منها الحياءُ، فَاتَّقِينَ اللهَ يَا إِمَاءَ اللهِ، اعبدُنَ رَبَّكُنَّ، وَأَطِعْنَ أَزوَاجَكُنَّ، وَحَافِظْنَ على صَّلاتكن في أوقاتها، وَالزَمْنَ قَعرَ بُيُوتِكُنَّ، ورَبِينَ أبناءَكُنَّ وَبَنَاتِكُنَّ عَلَى طَاعَةِ اللهِ، وَاحذَرْنَ المَلابِسَ العَارِيَةَ وَالفَاتِنَةَ، مِنَ العَبَاءَاتِ المُزَركَشَةِ وَالمُخَصَّرةِ، وَالثِّيابِ القَصِيرةِ والمَملُوءَةِ بِالفَتَحَاتِ، والأَنقِبَةِ الخَدَّاعَةِ والبَرَاقِعِ الخَلاَّبَةِ التي تُظهِرُ الخُدُودَ والوَجَنَاتِ، وَتَشُفُّ عَنِ الفَمِ والشِّفَاهِ، فَإِنَّ اللهَ عليمٌ خبيرٌ، لا يُخدَعُ بِمثلِ هذِهِ الملابسِ التي ظاهرُها السِّترُ والتَّحشُّمُ وباطنُها التَّعَرِّي والفِتنَةُ، وَإِيَّاكُنَّ وَالاغتِرَارَ بِمَا يُدَبِّرُهُ لَكُنَّ الفَسَقَةُ وَالفُجَّارُ الذين يَزعُمُونَ أَنَّكُنَّ في هذا المجتمعِ مَظلُومَاتٌ أَو مَهضُومَاتٌ، أو أَنَّكُنَّ طَاقَاتٌ مُعَطَّلَةٌ، أَو أَعضَاءُ مَشلُولَةٌ، ثم يُظهِرُونَ التَّبَاكِي عَلَيكُنَّ وَالحِرصَ على مَصلَحَتِكُنَّ بِكِتَابَاتٍ خَدَّاعَةٍ، وَمَقَالاتٍ بَرَّاقَةٍ، ودعوات مضللة، وَهُم في الحَقِيقَةِ عُبَّادُ شَهَوَاتٍ، وَأَسرَى نَزَوَاتٍ، يُرِيدُونَ التَّمَتُّعَ بِالمَرأَةِ متى شَاؤُوا وَأَنَّى أَرَادُوا، فَالحَذَرَ الحَذَرَ، فَإِنها خِطَطٌ طُبِّقَت فِيمَا حَولَنَا، وَاكتَوَت بِنَارِها أَخَوَاتٌ لَنَا، وَعَانَت مِن مَرَارَتِها مُجتَمَعَاتٌ غَيرَ بَعِيدةٍ عَنَّا، وَالسَّعِيدُ مَن وُعِظَ بِغَيرِهِ، وَالشَّقِيُّ مَن لم يَتَّعِظْ إِلاَّ بِنَفسِهِ.
عِبَادَ اللهِ: لا تَنسَوا صِيَامَ سِتِّ شَوَّالٍ، وَبَادِرُوا بها وَاستَبِقُوا الخَيرَاتِ، قال عليه الصلاة والسلام: "مَن صَامَ رَمَضَانَ ثم أَتبَعَهُ بِسِتٍّ مِن شَوَّالٍ كان كَصَومِ الدَّهرِ".
ثم عَلَيكُم بِالاستِقَامَةِ على العَمَلِ الصَّالحِ، وَالثَّبَاتِ على الطَّاعَةِ، وَإِيَّاكُم وَالنُّكُوصَ وَالتَّرَاجُعَ بَعدَ التَّوبَةِ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم