عيد الألفية الثالثة

الشيخ د إبراهيم بن محمد الحقيل

2022-10-04 - 1444/03/08
عناصر الخطبة
1/ احتفالات اليهود والنصارى بالقرن الميلادي الجديد 2/ حكم مشاركة غير المسلمين في أعيادهم 3/ تحريم حضور أعياد الكفار والتشبه بهم فيها 4/ الاستمساك بالإسلام من أبين علاماتِ الشكر.

اقتباس

إنها عيدُهم وليست عيدًا لنا، فلماذا يريد كثير من المسلمين اتباع الكفار في أعيادهم التي هي من كفرهم؟! إن هذه الألفية الميلادية وما يجري فيها من احتفالات ومراسم هي من صميم دين عبَّاد الصليب، فالمشاركةُ في احتفالاتها مشاركة في شعيرةٍ من شعائر دينهم، والفرحُ بها فرحٌ بشعائر الكفر وظهوره وعلوه، وذلك مناقض لعقيدة المسلم المبنيةِ على كراهةِ الكفر وشعائره، والبراءةِ منه ومن أهله. إن علماء الإسلام متفقون على تحريم حضور أعياد الكفار والتشبه بهم فيها..

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله؛ هدانا للإسلام، وعلّمنا القرآن، وشرع لنا صيام رمضان، وجعلنا من خير أمة أُخرجت للناس، أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ لا يحدث شيء إلا بعلمه، ولا يكون إلا بأمره، ولا يخرج شيء عن إرادته، إن أراد الضر بعباده حاقَ بهم، وإن أراد لهم النفع نالهم (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الحَكِيمُ الخَبِيرُ) [الأنعام: 17-18].

 

وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ ختم الله - تعالى - به النبوات، فلا نبي بعده، وكتب الله – سبحانه - بقاء شريعته إلى يوم القيامة، فلا تزال طائفة من أمته على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله - تعالى - وهم على ذلك، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه؛ خير صحب وآل، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أما بعد: فأوصيكم - أيها الناس - ونفسي بتقوى الله -عز وجل-؛ فإن الأيام في تقارب، والأحداث في تسارع، وما تكاد سنة تبتدئ إلا وتنتهي، وكل ذلك مؤذنٌ بنهاية الدنيا واقتراب الآخرة، فاعملوا لها عملها.

 

وإن أمامكم شهر التقوى؛ فيه تفتح أبواب الجنة، وتغلق أبواب النار، وتسلسل الشياطين، فهو فرصة لتجديد التوبة، ولزوم التقوى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: 183].

 

أيها المؤمنون: سوف تشهدُ عشر رمضان المبارك هذا العام نهاية القرن الميلادي، الذي بنهايته تنتهي الألفية الميلادية الثانية لميلاد المسيح ابن مريم - عليه الصلاة والسلام - كما هو مثبت في تواريخ النصارى، وتنتهي الألفية اليهودية الثالثة لبناء مدينة القدس، وتأسيس مملكة إسرائيل الأولى.

 

ولذا فإن أهل الكتاب -اليهود والنصاري- يستعدون لنهاية هذا القرن الميلادي، وسوف يحتلفون بأعياده احتفالاً عظيمًا يفوق احتفالاتهم بأعيادهم كل عام.

 

وإذا كانت الأرضُ تعجُّ باحتفالات النصارى في كل رأس سنة ميلادية، فكيف سيكون احتفالهم بنهاية القرن العشرين، ونهاية الألفية الميلادية الثانية؟!

 

إنه حدث ضخم تستعد له الأمم النصرانية بما يناسب حجمه وضخامته عندهم، وبوادرُ ذلك ظاهرةٌ فيما خصص لهذا الحدث من ميزانيات طائلة، وعروضٍ سياحية ضخمة، وتهيئةٍ إعلامية كبيرة، حتى إن كثيرًا من التجارات والصناعات صارت مرتبطة بهذا العيد النصراني، فشركات عملاقة علقت افتتاحها على أول يوم من عام ألفين، وصناعات عدة سُميت باسمه.

 

ومع بالغ الأسف فإن الزخم الإعلامي لهذا الحدث العظيم عند أهل الكتاب قد أزال عند كثير من المسلمين حساسيةَ المشاركة في أعيادهم، التي هي من جملة شعائرهم وشرائعهم ومناهجهم، حتى صار كثير من المسلمين يتشوقون لاحتفالات الألفية أكثر من شوقهم لرمضان وصيامه وقيامه!! وأضحى من الملحوظ أن أسواقًا تجارية يملكها مسلمون علّقت عروضًا مغرية من تخفيضات وجوائز ومسابقات؛ احتفاءً بهذه الألفية اليهودية النصرانية، ووعدت أكثر محطات التلفزة العربية بتغطية احتفالاتها، فما شأننا وشأنُ هذه الاحتفالات الكفرية!! إنها عيدُهم وليست عيدًا لنا، فلماذا يريد كثير من المسلمين اتباع الكفار في أعيادهم التي هي من كفرهم؟!

 

إن هذه الألفية الميلادية وما يجري فيها من احتفالات ومراسم هي من صميم دين عبَّاد الصليب، فالمشاركةُ في احتفالاتها مشاركة في شعيرةٍ من شعائر دينهم، والفرحُ بها فرحٌ بشعائر الكفر وظهوره وعلوه، وذلك مناقض لعقيدة المسلم المبنيةِ على كراهةِ الكفر وشعائره، والبراءةِ منه ومن أهله.

 

إن علماء الإسلام متفقون على تحريم حضور أعياد الكفار والتشبه بهم فيها. (انظر: "اقتضاء الصراط المستقيم" (2/534) و"أحكام أهل الذمة" لابن القيم (2/722-725)، وقد نقل شيخ الإسلام إجماع الصحابة والتابعين على ذلك في "الاقتضاء": 1/454).

 

 وأقوال الصحابة متضافرة على ذلك، قال عمر - رضي الله عنه -: "لا تعلموا رطانة الأعاجم ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم؛ فإن السخطة تنزل عليهم" (أخرجه عبدالرزاق في "مصنفه" (1609) والبيهقي في "السنن الكبرى" (9/234).

 

وقال عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما -: "من بنى ببلاد الأعاجم، وصنع نيروزهم ومهرجانهم، وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك؛ حُشر معهم يوم القيامة" (أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (9/234) وصححه ابن تيمية في "الاقتضاء" (1/457).

 

 قال شيخ الإسلام: "وهذا يقتضي أنه جعله كافرًا بمشاركتهم في مجموعِ هذه الأمور، أو جَعَل ذلك من الكبائر الموجبة للنار، وإن كان الأول ظاهر لفظه" (اقتضاء الصراط المستقيم": 1/459).

 

وقال أيضًا: "لا يحل للمسلمين أن يتشبهوا بهم في شيء مما يختص بأعيادهم، لا من طعام ولا لباس ولا اغتسال ولا إيقاد نيران ولا تبطيل عادة من معيشةٍ أو عبادةٍ أو غير ذلك، ولا يحلُّ فعلُ وليمةٍ ولا الإهداءُ ولا البيعُ بما يستعان به على ذلك لأجل ذلك، ولا تمكينُ الصبيان ونحوهم من اللعب الذي في الأعياد ولا إظهارُ الزينة، وبالجملة: ليس لهم أن يخصوا أعيادهم بشيء من شعائرهم؛ بل يكون يومُ عيدهم عند المسلمين كسائر الأيام" اهـ (مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: 25/329).

 

وبناءً على ذلك فإنه يجبُ على المسلم أن تكون أيام هذه الاحتفالات بالألفية كسائر الأيام، لا يخصها باحتفالٍ ولا زينة، ولا تعلق التجارات عليها، ويحرم على التجار أن يربطوا تخفيضات السلع بها، أو يعلقوا افتتاح محلاتهم عليها؛ لأن فعل ذلك فيه نوع مشاركة في هذه الأعياد النصرانية، وللمسلمين ما يخصهم من الأعياد، وليسوا محتاجين إلى أن يتسولوا أعياد الآخرين، ويشاركوهم فيها.

 

قال الحافظ الذهبي - رحمه الله تعالى -: " فإذا كان للنصارى عيدٌ ولليهود عيدٌ كانوا مختصين به فلا يشركهم فيها مسلم، كما لا يشاركهم في شرعتهم ولا قبلتهم" (تشبه الخسيس بأهل الخميس ضمن مجلة الحكمة عدد (4) ص (139).

 

بل حتى الركوب في المراكب، التي يركبها الكفار لحضور أعيادهم، ينهى المسلم عن ركوبها فقد قال مالك - رحمه الله تعالى -: "يكره الركوب معهم في السفن، التي يركبونها لأجل أعيادهم؛ لنزول السخطة واللعنة عليهم" ("اللمع في الحوادث والبدع" لابن التركماني (1/294)، ونقل نحوه شيخ الإسلام عن ابن القاسم المالكي كما في "الاقتضاء" (2/526).

 

فإذا كان ينهى عن ذلك فكيف إذًا بمشاركتهم أو التشبه بهم فيها؟! لا شك أن ذلك أكثر خطرًا وضررًا.

 

وقد أفتى كبارُ العلماء في هذه البلاد المباركة بحرمة مشاركة أهل الكتاب في الاحتفال بألفيتهم، أو تهنئتهم بها، أو الإهداء لهم بمناسبتها، أو إشهارها وإعلانها، أو الدعوة إليها بأي وسيلة سواء كانت الدعوة إليها عن طريق وسائل الإعلام، أو نصبِ الساعاتِ، واللوحاتِ الرقمية، أو صناعة الملابس والأغراض التذكارية، أو طبع البطاقات أو الكراساتِ المدرسية، أو عمل التخفيضات التجارية والجوائز المادية من أجلها، أو الأنشطة الرياضية، أو نشر شعار خاص بها، (جاء ذلك في فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بمناسبة هذه الألفية).

 

كل ذلك وغيره مما يرتبط بهذه الألفية لا يجوز لمسلمٍ أن يكون له فيه مشاركة؛ سلامة لدينه، ومخالفة لأهل الكفر في كفرهم.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) [المائدة: 48].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

فاتقوا الله - تعالى - أيها المسلمون واستمسكوا بدينكم؛ فإن أعظمَ نعمة أنعم الله – سبحانه - بها على المسلمين أن هداهم للإسلام وقد ضل عنه جموع من البشر لا يعلم عددهم إلا الله -تعالى-.

 

أيها المؤمنون: إنها لمفارقة عجيبة، ومقارنة بعيدة بين حال أهل الإسلام المستمسكين بدينهم، وبين حال المغضوب عليهم والضالين، ومن تبعهم في إفكهم وضلالهم.

 

إن النصارى وهم ينتظرون العيد الألفي، قد أنفق كثير منهم أموالاً طائلة من أجل حجز موقعه في بيت لحم في فلسطين المحتلة، حيث بلد عيسى -عليه السلام- وسيتجشمون صعوباتٍ بالغة، وسفرًا بعيدًا من أجل الوصول إليها من جميع أنحاء الغرب النصراني؛ لإحياء قُداس ليلة العيد الألفي فيها، ويظنون أنهم بذلك يتقربون إلى الله - تعالى - وينالون رضاه، وهم في الكفر يرتكسون، وفي الضلال يرتمسون، وأموالهم ينفقونها ثم تكون عليهم حسرة يوم القيامة.

 

وهم مع ذلك يحسبون أنهم على صواب، وهم مخطئون ضالون عن طريق الحق والهداية (ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) [الكهف: 104].

 

وبينما أهل الكتاب يقيمون شعائر الكفر، ظانين قُربَهم من الله -تعالى- وهم عن رضاه بُعداء؛ فإن أهل الإسلام المستمسكين بدينهم في مساجدهم يصلون ويقنتون، ويركعون لله -عز وجل- ويسجدون، ويسألون الله -تعالى- من فضله، ويعوذون به من غضبه، وذلك في قيام العشر الأخيرة من رمضان؛ فيرضى ربُّهم صنيعهم، ويباهي بهم ملائكته، ويغفر لمن قَبِلَهُ منهم.

 

الله أكبر، عمل قليل يعملُه المسلمون فيُرضي الله -عز وجل- لأنه كان موافقًا لما يحبه الله -تعالى- ويرضاه، وأما أهل الكتاب فيعملون عملاً كثيرًا، ويقطعون سفرًا بعيدًا، ويبذلون أموالاً طائلة، فلا يقبل منهم؛ لأن أعمالهم وافقت ما يحبه الشيطان ويرضاه من الكفر والعصيان، فاشكروا الله -عز وجل- على نعمة الإسلام؛ فإنها والله أعظم نعمه، وأكبر منة من ذي الجلال والإكرام.

 

ألا وإن من أبين علاماتِ الشكر: الاستمساك بالإسلام، والدعوة إليه، والحذر مما يخلُّ به، ولا يغرنكم بهرجُ الذين كفروا ولو غطى الأرض كلها، فلا يحق إلا الحق، ولا يبقى إلا الصحيح، ويوم الحساب سيجد كل عبدٍ ما عمل (لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي البِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المِهَادُ * لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللهِ وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ) [آل عمران: 196-198]. (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) [الشعراء: 227]، (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآَخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ) [آل عمران: 85].

 

ألا وصلوا وسلموا على خير خلق الله - تعالى - كما أمركم بذلك ربكم.

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات