عندما فقدنا الاتصال بالله

حسان أحمد العماري

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: أحوال القلوب
عناصر الخطبة
1/ منزلة الدعاء 2/ دلالاته 3/ فضله 4/ أهله 5/ الدعاء دأب الأنبياء والصالحين 6/ عندما فقدنا الاتصال بالله 7/ شروط إجابة الدعاء 8/ معينات على الدعاء

اقتباس

عندما فقدنا الاتصال بالله ساءت الأحوال، وفسدت القيم، وضاقت النفوس، وذهبت الراحة، وظهر القلق والخوف على الرزق والأولاد والمستقبل، وتسلَّطَ العدوُّ، وتأخَّرَ النصرُ، واعتمد الناس على قوَّتِهم وذكائهم وأموالهم في تدبير شؤون حياتهم، فما كان إلا المزيد من ..

 

 

 

الحمد لله مُجزِل العطايا مسبِل النِّعَم، رافِع البلايا دافِع النِّقم، يعلَم الخفايا ويرى ما في الظُّلم، أحمده -تعالى- وأشكره، خَلقَنا من العدَم، وأمدَّنا بالنّعم، هدانا للإسلام؛ فللّه الحمد مِن قبلُ ومِن بعد. 

وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريك له، مجيب الدعاء، كاشف البلوى، عالم النجوى.

أنتَ الملاذُ إذا ما أَزْمَةٌ شمـلَتْ *** وأنْتَ ملْجَأُ مَن ضَاقَتْ به الْحِيَلُ
أنت المنادَى به في كُلِّ حـادثةٍ *** أنت الإلهُ وأنـت الذُّخْرُ والأمَل
أنـت الرجاءُ لمن سدَّتْ مذاهبُه *** أنت الدليل لمن ضلَّتْ به السبُل
إنا قصـدناك والآمـالُ واقـعةٌ *** عليكَ والكُلُّ مَلهوفٌ ومُبْتَهِلُ

وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، بلّغ الرسالة، وأدّى الأمانةَ، ونصح الأمّة، وجاهد في الله حقَّ جهاده؛ تركَنا على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، ولا يتبعها إلا كل منيب سالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبِه ومن سار على نهجِه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

عباد الله: خرج سليمان عليه السلام -والحديث صحيح- يستسقي بالناس، فمر في الطريق بنملة وإذا هي قد انقلبت على ظهرها ورفعت يديها إلى الحي القيوم. فمَن أخبر النملة أن الله خلقها؟! من أخبر النملة أن الذي يحيي ويميت ويضر وينفع ويشفي ويعافي هو الله؟! أتدرون ماذا قالت النملة؟! قالت: يا حي يا قيوم: أغثنا برحمتك. فبكى سليمان وقال لقومه: عُودوا؛ فقد سُقِيتُم بدعاء غيركم.

النملة تعلم أن لا إله إلا الله وتشتكي ضرها إليه، وهكذا العجماوات، والسمكة في البحر، والدودة في الطين.

وفـي كُـلِّ شيءٍ له آيةٌ *** تـدلُّ على أَنَّهُ الـواحِدُ
فيا عجبًا كيف يُعصَى الإله *** أم كيف يَجْحَدُهُ الجاحد

إن الدعاء، واللجوء إلى الله، والاتصال به، وطلب العون والمدد منه، من أعظم أنواع العبادات، فعن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما-، عن النبي قال: "الدعاء هو العبادة"، ثم قرأ: (وَقَالَ رَبُّكُـمْ ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دخِرِينَ) [غافر:60]. رواه أبو داود، والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وصححه الحاكم.

إن الإنسان إذا أصابته نائبة من نوائب الدهر فإن أول ما يفكر فيه: بمن يتصل؟! مع من يتواصل ليقف بجانبه ويعينه في محنته؟! لكن المسلم الحق يدرك أن له ربًا عظيمًا وحكيمًا وقادرًا لا يلجأ إلا إليه، ولا يتواصل إلا معه، ولا يرجو إلا إياه، وقد أمر -سبحانه- بدعائه، والتضرع إليه، لا سيما عند الشدائد والكربات، وأخبر أنه لا يجيب المضطر ولا يكشف الضر إلا هو، فقال: (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوء) [النمل:62].

وذم الذين يعرضون عن دعائه عند نزول المصائب، وحدوث البأساء والضراء، فقال: (وَمَا أَرْسَلْنَا فِى قَرْيَةٍ مّن نَّبِىٍّ إِلا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِلْبَأْسَاء وَلضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ) [الأعراف: 94]، وقال -تعالى-: (وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَـاهُمْ بِلْبَأْسَاء وَلضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـاكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَـانُ مَا كَانُواّ يَعْمَلُونَ) [الأنعام:42-43].

وهذا من رحمته وكرمه -سبحانه-، فهو -مع غناه عن خلقه- يأمرهم بدعائه؛ لأنهم هم المحتاجون إليه، قال -تعالى-: (ياأَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَللَّهُ هُوَ الْغَنِىُّ الْحَمِيد) [فاطر:15]، وقال -تعالى-: (وَللَّهُ الْغَنِىُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء) [محمد:38]، وفي الحديث القدسي: "يا عبادي: كلكم ضالٌّ إلا من هديته؛ فاستهدوني أهدكم. يا عبادي: كلكم جائع إلا من أطعمته؛ فاستطعموني أطعمكم. يا عبادي: إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعًا؛ فاستغفروني أغفر لكم" رواه مسلم.

عباد الله: إن دعاء الله، والتضرع بين يديه، والاتصال به، يدل على التواضع لله، والافتقار إليه، ولين القلب، والرغبة فيما عنده، والخوف منه -تعالى-.

وترك الدعاء يدل على الكبر، وقسوة القلب، والإعراض عن الله، وهو سبب دخول النار، يقول -تعالى-: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) [غافر:60].

كما أن دعاء الله سبب لدخول الجنة، قال -تعالى-: (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) [الطور:25-28].

وقال -تعالى-: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) [البقرة:186] ولم يقل: فقل لهم: إني قريب، قال المفسرون: ترك الفصل لشدة الوصل، ولم يقل: فقل لهم: إني قريب؛ لأن في هذا فصلاً، وإنما قال: إني قريب، ترك الفصل لشدة الوصل، ولاتصال الكلام، (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة:186].

قال وهب بن منبه لرجل كان يأتي الملوك: "تأتي من يغلق عنك بابه، ويُظهر لك فقره، ويواري عنك غناه؛ وتدع من يفتح لك بابه نصف الليل ونصف النهار، ويُظهر لك غناه، ويقول لك: ادعني أستجب لك؟! "

وقيل لعلي بن أبي طالب: كم بين التراب والعرش؟! وظن السائل أن عليًّا سوف يعد له بالكيلومترات أو بالأميال، قال: "بينهما دعوةٌ مستجابة".

لقد كان الدعاء سنَّة الأنبياء والمرسلين، ودأب الأولياء والصالحين، ووظيفة المؤمنين المتواضعين، قال -تعالى-: (أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَـافُونَ عَذَابَهُ) [الإسراء: 57]، وقال -سبحانه-: (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِـئَايَـاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكّرُواْ بِهَا خَرُّواْ سُجَّداً وَسَبَّحُواْ بِحَمْدِ رَبّهِمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ * تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَـاهُمْ يُنفِقُونَ) [السجدة:16-17].

وهو صفة من صفات عباد الرحمن، قال -تعالى-: (وَلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً)، إلى قوله: (وَلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوجِنَا وَذُرّيَّـاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً) [الفرقان:65-77].

وهو ميزة أولي الألباب، قال -تعالى-: (إِنَّ فِى خَلْقِ السَّمَـاوتِ وَلأرْضِ وَخْتِلَـافِ الَّيْلِ وَلنَّهَارِ لاَيَـاتٍ لأوْلِى الألْبَـابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَـاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ السَّمَـاوتِ وَلأرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَـاطِلاً سُبْحَـانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)، إلى قوله -تعالى-: (فَسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنّى لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مّنْكُمْ مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى) [آل عمران:190-195].

أيها المؤمنون، عباد الله: هذا نوح -عليه السلام- يشكو أمره إلى الله، ويلجأ إلى مولاه، قال -تعالى-: (وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ * وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنْ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) [الصافات:75-76].

كانت المناداة، كانت المناجاة؛ كان التواصل مع الله، فكانت الإجابة من الرحمن الرحيم: (وَنُوحاً إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنْ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) [الأنبياء:76]، وقال -عزّ من قائل-: (فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ) [القمر:10-11].

وهذا إبراهيم الخليل، نبي الله الجليل، أبو الأنبياء، ومربي الأتقياء، رأى قومه يدعون غير الله فأبى وأنكر، ودعا إلى الله -عز وجل- فأكثر، أراد قومه أن يصرفوه عن هذا الباب؛ فاستقام لربه وثاب، وثبت على دينه وما استجاب، ورد عليهم الخطاب: (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيّاً) [مريم:48]، فكان جزاؤه لَمَّا فعل ذلك: (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلّاً جَعَلْنَا نَبِيّاً * وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً) [مريم:49-50].

ووقف حبيبنا ورسولنا ومعلمنا -صلى الله عليه وسلم- في معركة بدر يدعو إلى الفجر حتى سقطت بردته عن كتفيه يدعو الله ويستغيث، فكانت الإجابة سريعةً: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ المَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ) [الأنفال:9]، وكان النصر ليس بقوة عدد ولا عدة، ولا بتخطيط وتكتيك عسكري، وإن كان بذْلُ الأسباب من صميم الدين، قال -تعالى-: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [آل عمران:123].

ولما خرج الصحابة -رضوان الله عليهم- وأميرهم العلاء بن الحضرمي وانتصفوا الصحراء الدهناء، انتهى ماء الشرب، وكان عندهم بئر هناك، ولكن البئر جفت ويبس ما فيها، وحاولوا أن يجدوا الماء فبحثوا وحفروا ولكن لم يجدوا شيئًا، وكانت الخيل تصهل صهيلاً وتبح بحيحًا من الظمأ، وأشرفوا على الهلاك. قالوا: يا علاء بن الحضرمي: ادع الله أن يغيثنا! فوقف العلاء واستقبل القبلة مع الصحابة، وقال: يا حكيم يا عليم يا عظيم، اللهم أغثنا هذا اليوم! قالوا: والله ما انتهى من دعائه إلا وسحابة قد غطت المخيم فأمطرت حتى سقوا وغسلوا وشربوا.

ويوم أن فتح المسلمون كابل وطوقوها وقف محمد بن واسع الأزدي يرفع سبابته ويتكئ على رمحه، ويقول: يا حي يا قيوم: انصرنا. فيقول المجاهد قائد المعركة قتيبة بن مسلم: والله لَأصبع محمد بن واسع عندي خير من مائة ألف سيف شهير، ومن مائة ألف شاب طرير؛ لأنه يعرف بمن يتصل عند المدلهمات الطارئة، والقضايا الشائكة.

عباد الله: إن من شروط إجابة الدعاء بذل الأسباب المادية؛ فالمريض يبحث عن العلاج ويدعو ربه، والفقير يبحث عن مصدر للرزق ويدعو ربه، والعاطل يبحث عن العمل، والمجاهد في سبيل الله يعد العدة ثم يدعو ربه.

هذا طالوت وجنوده لم يدعوا الله بالنصر على جالوت وجنوده وهم في بيوتهم وعلى أسرتهم كما ندعو على أعدائنا اليوم؛ بل قالوا ذلك وهم في أرض المعركة قد أعدوا عدتهم، وبذلوا كافة الأسباب، قال -تعالى-: (وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى القَوْمِ الكَافِرِينَ)؛ فكانت النتيجة: (فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ اللهُ المُلْكَ وَالحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى العَالَمِينَ) [البقرة:251].

وخرج أنس بن مالك والبراء بن مالك مع أبي موسى الأشعري في معركة تستر، فلما حضرت المعركة وبدأت ساعة الصفر، قالوا: يا براء: نسألك بالله أن تقسم على الله أن ينصرنا. قال: انتظروني قليلاً. فاغتسل ولبس أكفانه وأتى بالسيف، وقال: اللهم إني أقسم عليك أن تجعلني أول قتيل، وأن تنصرنا! فكان أول قتيل، وانتصر المسلمون بإذن الله.

اللهم يا موضع كل شكوى، ويا سامع كل نجوى، ويا شاهد كل بلوى، يا عالم كل خفية، ويا كاشف كل بلية، يا من يملك حوائج السائلين، ويعلم ضمائر الصامتين، ندعوك دعاء من اشتدت فاقته، وضعفت قوته، وقلّت حيلته، دعاء الغرباء المضطرين، الذين لا يجدون لكشف ما هم فيه إلا أنت، يا أرحم الراحمين! اكشف ما بنا وبالمسلمين من ضعف وفتور وذل وهوان.

قلت قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين؛ فاستغفروه.

 

 

الخطبة الثانية:

عباد الله: عندما فقدنا الاتصال بالله ساءت الأحوال، وفسدت القيم، وضاقت النفوس، وذهبت الراحة، وظهر القلق والخوف على الرزق والأولاد والمستقبل، وتسلَّطَ العدوُّ، وتأخَّرَ النصرُ، واعتمد الناس على قوَّتِهم وذكائهم وأموالهم في تدبير شؤون حياتهم، فما كان إلا المزيد من الضياع والحرمان وقسوة القلوب، قال -تعالى-: (فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام:43].

لذلك كثرت مشاكلنا اليوم في جوانب حياتنا المختلفة السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية، وعلى مستوى الفرد والأسرة والمجتمع، وإن من أعظم الحلول أن نلجأ إلى الله بصدق وإخلاص، وأن نتوب إليه من الذنوب والمعاصي، وأن نقوم بما علينا من حقوق وواجبات.

وهناك موانع للدعاء ينبغي أن ينظر إليها كل مسلم، انظر إلى طعامك وشرابك وملبسك: أمِن حلال أم من حرام؟! جاء في الحديث الصحيح قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يده إلى السماء: يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له؟!". رواه مسلم.

وتخير أوقات الإجابة، ولا تستعجل الإجابة، وألح في الدعاء في كل وقت، فأكْثِرُوا من الدعاء، وأحسنوا العمل، وثِقُوا بالإجابة.

واعلموا أن من وسائل تقوية الصلة بالله والاتصال به المحافظة على العبادات وأهمها الصلاة، والصيام، وقراءة القرآن، وبذل المعروف، وتقديم النفع، وكف الأذى، وحسن الخلق، والمسارعة إلى الخيرات، فهذا زكريا -عليه السلام- يدعو ربه يطلب الولد وقد بلغ من العمر عتيًّا، قال -تعالى-: (وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ) [الأنبياء: 89-90]؛ ماذا كانت الإجابة؟! قال -تعالى-: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَات ِوَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) [الأنبياء:90].

فاللهم اجعل لنا من كل هَمٍّ فرَجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ومن كل عسر يسرًا، ومن كل بلاء عافية.

اللهم بك آمنا، وعليك توكلنا، وإليك أنبنا، فاغفر لنا وارحمنا، وأنت أرحم الراحمين.

هذا؛ وصلَّى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين.
 

 

 

 

المرفقات

فقدنا الاتصال بالله

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات