عناية الإسلام بالأولاد ومقترحات لعطلتهم

مهران ماهر عثمان نوري

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: التربية
عناصر الخطبة
1/ حقوق الطفل في الإسلام 2/ملاعبة النبي للأطفال 3/مقترحات للاستفادة من العطلة الصيفية 4/التحذير من ارتياد الأطفال مواطن الفساد
اهداف الخطبة
1/بيان اهتمام الإسلام بالأطفال في تشريعاته 2/الترغيب في تربية الأطفال التربية الصحيحة 3/بيان هدي النبي في ملاعبة وملاطفة الأطفال 4/التحذير من إهمال الأولاد في العطلة الصيفية

اقتباس

وقد أكدت دراسات مختلفة لكثير من التربويين على أنّ الانحراف السلوكي للطفل تكون بداياته في مثل هذه العطلات التي يكثر فيها الفراغ، ويكثر الاختلاط بأصدقاء السوء. فالواجب علينا الاهتمام بأولادنا فيها، لا سيما وأنه لن يكون فيها بعد ذلك ابتداءً من هذا العام (كورسات) صيفية أكاديمية. وهذه مقترحات مهمة تتعلق بالعطلة الصيفية...

 

 

 

 

 الخطبة الأولى:

 

أما بعد: فقد اعتنى الإسلام بالطفل عناية كبرى، وأوجب له كثيرًا من الحقوق، فمن ذلك:

 

أولا: حق الطفل قبل الحَمْل: ويكمن في حسن اختيار الزوج لزوجه والعكس، فالرجل عليه أن يختار لصحبته التقيةَ النقية التي تحفظه في نفسها وماله، والمرأة يجب أن تحسن الاختيار، وإذا طرق بابها ذو دين وخلق فلا ترده. ويحسن التذكير بقول العليم الخبير الدال على أهمية حسن الاختيار: (ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [آل عمران: 34]. فشجرة العنب لن يكون ثمرها إلا عنبًا، والشيء إلى أصله ينزع.

 

وهل يُرجى لأطفالٍ كمالٌ *** إذا رضعوا ثدي الناقصات؟!

 

ثانيًا: حق الطفل أثناء الحمل: هنا يتعين على الأب أن يرعى زوجه حفاظًا على حياتها وحياة طفلها، ويجب عليه أن ينفق عليها ولو فارقها، وفي ذلك يقول ربنا سبحانه: (وَإِن كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ)  [الطلاق: 6]. قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره (8/153): "قال كثير من العلماء منهم ابن عباس وطائفة من السلف وجماعات من الخلف: هذه في البائن، إن كانت حاملاً أنفق عليها حتى تضع حملها، قالوا: بدليل أن الرجعية تجب نفقتها، سواء كانت حاملاً أو حائلاً. وقال آخرون: بل السياق كله في الرجعيات، وإنما نص على الإنفاق على الحامل وإن كانت رجعية؛ لأن الحمل تطول مدته غالبًا، فاحتيج إلى النص على وجوب الإنفاق إلى الوضع؛ لئلا يتوهم أنه إنما تجب النفقة بمقدار مدة العدة". وعلى كلا القولين فالآية دالة على إثبات حق النفقة رعايةً للجنين.

 

ثالثًا: حق الطفل بعد الولادة:

 

1- حقُّ الحياة: ومن أعظم ما ضمنه الله تعالى للطفل وهو في بطن أمه وبعد ولادته حقّ الحياة، فمنذ أن يبدأ الحمل به فلا يجوز لأحد أن يحاول إسقاطه، ومما بايع عليه الرسول – صلى الله عليه وسلم- النساء عدم الاعتداء على حياة أطفالهن، قال تعالى في ذلك: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [الممتحنة: 12].

 

ويحرم على الوالدين قتل أولادهما ولو كانا فقيرين، فالفقرُ لو كانَ واقعًا أو كان متوقَّعًا فلا يجوز الإقدام على مثل هذا الفعل، ففي الفقر المتوقَّع جاءت الآية: (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا) [الإسراء: 31]، وفي الفقر الواقع جاء قوله: (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) [الأنعام: 151].

 

ومن العادات التي جاء النبي– صلى الله عليه وسلم- لاجتثاثها ومحو أثرها وقطع دابرها وأدُ البنات، قال الله تعالى: (وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ) [التكوير: 8، 9]. ويبقى هذا الحقُّ ولو كان الجنين ابنَ زنى، فعن بريدة بن الحصيب –رضي الله عنه- أنَّ امرأة مِنْ غَامِدٍ مِنْ الأَزْدِ جاءت إلى النبي – صلى الله عليه وسلم-  فقالت: يَا رَسُولَ اللَّهِ طَهِّرْنِي، فَقَالَ: "وَيْحَكِ، ارْجِعِي فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ"، فَقَالَتْ: أَرَاكَ تُرِيدُ أَنْ تُرَدِّدَنِي كَمَا رَدَّدْتَ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ: "وَمَا ذَاكِ؟", قَالَتْ: إِنَّهَا حُبْلَى مِنْ الزِّنَى، فَقَالَ: "آنْتِ؟" قَالَتْ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهَا: "حَتَّى تَضَعِي مَا فِي بَطْنِكِ"، قَالَ: فَكَفَلَهَا رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ حَتَّى وَضَعَتْ، فَأَتَى النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: قَدْ وَضَعَتْ الْغَامِدِيَّةُ، فَقَالَ: "إِذًا لا نَرْجُمُهَا وَنَدَعُ وَلَدَهَا صَغِيرًا لَيْسَ لَهُ مَنْ يُرْضِعُهُ"، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ فَقَالَ:" إِلَيَّ رَضَاعُهُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ"، فَرَجَمَهَا. رواه مسلم.

 

ويحتفظ الطفل بهذا الحق ولو كان أبوه كافرًا محاربًا، فعن بريدة بن الحصيب –رضي الله عنه- قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم- إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ: "اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، اغْزُوا وَلا تَغُلُّوا، وَلا تَغْدِرُوا، وَلا تَمْثُلُوا، وَلا تَقْتُلُوا وَلِيدًا" رواه مسلم. فقتل الأطفال في الحرب من الاعتداء الذي يدخل في قوله تعالى: (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ) [البقرة: 190].

 

2- حق الاعتبار والكرامة: فيفرح به عند ولادته سواء كان ذكرًا أم أنثى، فكلٌّ نعمة من عند الله، ولا يدري الإنسان أين يكون الخير في ولده؛ مخالفًا المشركين الذين قال عنهم رب العالمين: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ) [النحل: 58،59].

 

3- حقُّ الرَّضاع: قال تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ) [البقرة: 233]. قال السعدي -رحمه الله- في تفسيره (ص104): "هذا خبر بمعنى الأمر، تنزيلا له منزلة المتقرِّر الذي لا يحتاج إلى أمر بأن يرضعن أولادهن حولين كاملين". ويأبى النبي– صلى الله عليه وسلم- أن يرجم زانية وليس لابنها من يرضعه كما مرّ معنا.

 

4- حقّ الاسم الحسن: فقد كان من هدي النبي – صلى الله عليه وسلم- تغيير الأسماء القبيحة إلى أسماء جميلة مستحسنة، فعن ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ غَيَّرَ اسْمَ عَاصِيَةَ وَقَالَ: "أَنْتِ جَمِيلَةُ" رواه مسلم.

 

ومما دلت عليه السنة أنَّه يُشرع التسمي بأسماء الأنبياء، فعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ –رضي الله عنه-قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم-: "وُلِدَ لِي اللَّيْلَةَ غُلامٌ، فَسَمَّيْتُهُ بِاسْمِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ" أخرجه مسلم، وقال: "تَسَمَّوْا بِأَسْمَاءِ الأَنْبِيَاءِ، وَأَحَبُّ الأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأَصْدَقُهَا حَارِثٌ وَهَمَّامٌ، وَأَقْبَحُهَا حَرْبٌ وَمُرَّةُ" رواه أبو داود، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ–رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "تَسَمَّوْا بِاسْمِي، وَلا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي" رواه البخاري ومسلم.

 

5- حق الإنفاق: وخيرُ نفقةٍ يدَّخر الله تعالى ثوابها للعبد النفقة على الأهل والولد، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه-قَالَ: أَمَرَ النَّبِيُّ– صلى الله عليه وسلم- بِالصَّدَقَةِ، فَقَالَ رَجُلٌ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِي دِينَارٌ"، فَقَالَ: "تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى نَفْسِكَ"، قَالَ: عِنْدِي آخَرُ، قَالَ: "تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى وَلَدِكَ"، قَالَ: عِنْدِي آخَرُ، قَالَ: "تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى زَوْجِكَ"، قَالَ: عِنْدِي آخَرُ، قَالَ: "تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى خَادِمِكَ"، قَالَ: عِنْدِي آخَرُ، قَالَ: "أَنْتَ أَبْصَرُ" رواه أبو داود والنسائي.

 

ورغّب النبي– صلى الله عليه وسلم- في ترك ما يكفي للأهل والولد لئلا يذهب ماء وجههم بسؤال الناس، فلا يوصي بإخراج شيء كثير من ماله، فعن سعد–رضي الله عنه- قَالَ: عَادَنِي رَسُولُ اللَّهِ– صلى الله عليه وسلم- فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ وَجَعٍ أَشْفَيْتُ مِنْهُ عَلَى الْمَوْتِ فَقُلْتُ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَلَغَنِي مَا تَرَى مِنْ الْوَجَعِ، وَأَنَا ذُو مَالٍ، وَلا يَرِثُنِي إِلاّ ابْنَةٌ لِي وَاحِدَةٌ، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟" قَالَ: "لا"، قَالَ: "أَفَأَتَصَدَّقُ بِشَطْرِهِ؟" قَالَ: "لا، الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ؛ إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، وَلَسْتَ تُنْفِقُ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلاّ أُجِرْتَ بِهَا، حَتَّى اللُّقْمَةُ تَجْعَلُهَا فِي فِي امْرَأَتِكَ" رواه البخاري ومسلم.

 

6- حقهم في الملاعبة والمداعبة والرحمة واللطف: ألا ترى كيف أنَّ نبينا– صلى الله عليه وسلم- مع كثرة مسؤولياته، فهو الرسول والقاضي والمعلم والموجِّه المرشد والمفتي والزوج والأب وقائد الجيش الأعلى والمجاهد والإمام والخطيب ورئيس الدولة... إلخ، فسبحان من هيَّأه وكمَّله، كان مع ذلك يلاعب أطفاله وأطفال المسلمين ويمازِحهم، ويدخل بذلك السرور في قلوبهم. وهذه جملة مباركة من الأحاديث التي تبين ذلك: فعن شداد بن الهاد–رضي الله عنه- قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ– صلى الله عليه وسلم- فِي إِحْدَى صَلاتَيْ الْعِشَاءِ وَهُوَ حَامِلٌ حَسَنًا أَوْ حُسَيْنًا، فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ– صلى الله عليه وسلم- فَوَضَعَهُ ثُمَّ كَبَّرَ لِلصَّلاةِ فَصَلَّى، فَسَجَدَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ صَلَاتِهِ سَجْدَةً أَطَالَهَا، فَرَفَعْتُ رَأْسِي وَإِذَا الصَّبِيُّ عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ– صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ سَاجِدٌ، فَرَجَعْتُ إِلَى سُجُودِي، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ الصَّلاةَ قَالَ النَّاسُ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ سَجَدْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ صَلاتِكَ سَجْدَةً أَطَلْتَهَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ أَوْ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْكَ!" قَالَ:"كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ، وَلَكِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ" رواه النسائي.

 

وعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ –رضي الله عنه- قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ– صلى الله عليه وسلم- أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ: أَبُو عُمَيْرٍ، فَكَانَ إِذَا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ– صلى الله عليه وسلم- فَرَآهُ قَالَ: "أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟" رواه البخاري ومسلم.

 

وعن أمِّ المؤمنين عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: قَدِمَ نَاسٌ مِنْ الأَعْرَابِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ– صلى الله عليه وسلم- فَقَالُوا: "أَتُقَبِّلُونَ صِبْيَانَكُمْ؟" فَقَالُوا: "نَعَمْ"، فَقَالُوا: "لَكِنَّا وَاللَّهِ مَا نُقَبِّلُ"، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ– صلى الله عليه وسلم-: "وَأَمْلِكُ إِنْ كَانَ اللَّهُ نَزَعَ مِنْكُمْ الرَّحْمَةَ؟" رواه البخاري ومسلم. وعَنْ أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ -رضي الله عنها- قَالَتْ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ مَعَ أَبِي وَعَلَيَّ قَمِيصٌ أَصْفَرُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ– صلى الله عليه وسلم-: "سَنَهْ سَنَهْ"، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: "وَهِيَ بِالْحَبَشِيَّةِ حَسَنَةٌ"، قَالَتْ: "فَذَهَبْتُ أَلْعَبُ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ، فَزَبَرَنِي -أي: نهرني- أَبِي، قالَ رَسُولُ اللَّهِ– صلى الله عليه وسلم-: "دَعْهَا"، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم-: "أَبْلِي وَأَخْلِقِي، ثُمَّ أَبْلِي وَأَخْلِقِي، ثُمَّ أَبْلِي وَأَخْلِقِي"، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَبَقِيَتْ حَتَّى ذَكَرَ -أي: ذكر الراوي زمنًا طويلاً- يَعْنِي مِنْ بَقَائِهَا.

 

وحدَّث يَعْلَى بْنُ مُرَّةَ أَنَّهُمْ خَرَجُوا مَعَ النَّبِيِّ– صلى الله عليه وسلم- إِلَى طَعَامٍ دُعُوا لَهُ، فَإِذَا حُسَيْنٌ يَلْعَبُ فِي السِّكَّةِ، فَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم-أَمَامَ الْقَوْمِ وَبَسَطَ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ الْغُلامُ يَفِرُّ هَا هُنَا وَهَا هُنَا وَيُضَاحِكُهُ النَّبِيُّ– صلى الله عليه وسلم- حَتَّى أَخَذَهُ، فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ تَحْتَ ذَقْنِهِ وَالأُخْرَى فِي فَأْسِ رَأْسِهِ فَقَبَّلَهُ وَقَالَ: "حُسَيْنٌ مِنِّي وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ، أَحَبَّ اللَّهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْنًا، حُسَيْنٌ سِبْطٌ مِنْ الأَسْبَاطِ" رواه الترمذي وابن ماجه.

وعَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ –رضي الله عنه- قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ– صلى الله عليه وسلم- يَؤُمُّ النَّاسَ وَأُمَامَةُ بِنْتُ أَبِي الْعَاصِ -وَهِيَ ابْنَةُ زَيْنَبَ بِنْتِ النَّبِيِّ– صلى الله عليه وسلم- عَلَى عَاتِقِهِ، فَإِذَا رَكَعَ وَضَعَهَا، وَإِذَا رَفَعَ مِنْ السُّجُودِ أَعَادَهَا. رواه البخاري ومسلم.

 

وعن بُرَيْدَةَ بن الحصيب–رضي الله عنه- قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ– صلى الله عليه وسلم- يَخْطُبُنَا إِذْ جَاءَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ، يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ– صلى الله عليه وسلم- مِنْ الْمِنْبَرِ فَحَمَلَهُمَا وَوَضَعَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: "صَدَقَ اللَّهُ: (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ)، فَنَظَرْتُ إِلَى هَذَيْنِ الصَّبِيَّيْنِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ، فَلَمْ أَصْبِرْ حَتَّى قَطَعْتُ حَدِيثِي وَرَفَعْتُهُمَا" رواه الأربعة إلا ابن ماجه.

 

 

الخطبة الثانية

 

أما بعد: وأما في العطلة فالواجب علينا أن نزيد من اهتمامنا بأولادنا، ولذا آثرت أن تكون الخطبة الثانية حول مقترحات للاستفادة من العطلة الصيفية، وآثرت أن أكتبها لئلا تتفلّت مني بعض النقاط المهمة.

 

وقبل أن أتحدث عن هذا أطلعكم على استطلاع للرّأي نشر في موقع صيد الفوائد، شارك فيه الناس بـ(2563) صوتا: هل وضعت برنامجًا لاستغلال الإجازة الصيفية؟ وكانت الأجوبة: "نعم" 32 في المائة، "لا" 44 في المائة، "لم أفكر" 24 في المائة. وهذا يدل على أن الكثير منا يتعامل بسَلبية مفرطة حيال العطلة الصيفية ولا يهتم فيها بأولاده.

 

وقد أكدت دراسات مختلفة لكثير من التربويين على أنّ الانحراف السلوكي للطفل تكون بداياته في مثل هذه العطلات التي يكثر فيها الفراغ، ويكثر الاختلاط بأصدقاء السوء. فالواجب علينا الاهتمام بأولادنا فيها، لا سيما وأنه لن يكون فيها بعد ذلك ابتداءً من هذا العام (كورسات) صيفية أكاديمية.

 

وهذه مقترحات مهمة تتعلق بالعطلة الصيفية:

 

1- الإشراك في حلقات التحفيظ بالمساجد بصورة يومية. وتذكَّر أنّ الوالد إذا ماتَ انقطع عمله إلا من ثلاث، منها ولد صالح يدعو له. وهل يُرجى صلاحٌ بدون كتاب الله؟!

 

2- لا بد من أن تقيم لأبنائك درسًا في البيت، في السيرة، في شمائل النبي – صلى الله عليه وسلم- في الأخلاق، في كتاب الآداب الشرعية لابن مفلح، أو أبواب من رياض الصالحين، أو في التجويد. وهذا الدرس الذي يقدمه الأب فيه كثير من الفوائد، منها: أنه يزيد من ثقافة المدرِّس والمدرَّس، يخلق جوًا إيمانيًا في البيت، يقرب بين أفراد الأسرة.

 

فجرِّب -أيها الأب المبارك- هذا المقترح وداوم عليه، وستجد خيرًا عظيمًا -إن شاء الله-. والأفضل إذا كان الدرس يوميًا أن تقِلَّ مدّته، وإذا كان ثلاثة أيّام في الأسبوع أن يُزاد في زمنه.

 

3- أدِم اصطحاب ابنك للصلاة معك بعد أن تعلّمه آداب المسجد لئلا يؤذي المصلين؛ حتى يتعلق قلبه بالمسجد.

 

4- أشركه في الذهاب إلى المحاضرات الدينية التي تُقام في المساجد بين الفينة والأخرى؛ ومن فوائد هذا أنه يتعلم التأدب مع المشايخ، ويعتاد على إطالة الجلوس لطلب العلم، ويعتاد على إعمار بيت الله.

 

5- لا بد من تحفيظ أبنائنا في هذه العطلة حصن المسلم، فوالله لو حافظنا وحافظ أبناؤنا على قراءة أذكار اليوم والليلة؛ لما عرفت العين ولا السحر طريقًا إلى بيوتنا، ونحن في زمان كثر فيه الحاسدون، وكثرت الإصابة بالعين والسحر.

 

6- العطلة الصيفية استراحة بين فترتين أكاديميتين، والذهن مشحون بالمواد العلمية، ولذا لا بد من التركيز في هذه العطلة على الترفيه واللعب، وهذا له مجالات واسعة، منها إشراكه في نادي لتعلم السباحة، لكن لا بد أن يتم اختيار الأماكن المحتشمة التي تتقيد بضوابط الشرع، إشراكه في نادي للتدرب على الألعاب القتالية: كالتايكوندو والكاراتيه والجودو والكونفو، إشراكه في أندية الرماية والفروسية، توفير القصص الهادفة لهم وحثّهم على مطالعتها، السفر إلى الخارج لمن تيسّر له ذلك لما فيه من الترفيه والتغيير المطلوب، زيارة الأقارب والمقابر؛ ليتذكر الموت، فهذا مما يقوم سلوكه، وزيارة المستشفى؛ ليشكر الله على نعمة الصحة والعافية.

 

ولا أنصح أن يمكّن الطفل من ارتياد المحلات الخارجية لألعاب (البلايستيشن)؛ لما فيها من الفساد والإفساد والانحراف الأخلاقي، وفي ذلك قصص يندى لها الجبين.

 

وأما اللعب بما يُسمى بـ(البلي)، هذه الكرات الزجاجية، فيجوز إذا ردّ كل طفل نصيب الطفل الآخر ولو خسر، أما إذا قامت اللعبة على أخذ نصيب الخاسر فهذا نوع من الميسر المحرم، ولا بد أن يفهم أطفالنا هذا.

 

التنزه معهم في حدائق الأطفال، وهنا كلمة أوجهها لكل مسؤول عن هذه الحدائق، لقد أصبحت حدائق الأطفال حدائق حب وغرام، تجد في كل زاوية من زواياها شابًا وفتاة. ولا أدري أين ذهبت غيرة الرجال والآباء، وهذا له أثره السيئ على العملية التربوية للطفل. ومن العجب العجاب في هذا المجتمع السوداني أن بعض الأسر عندنا يسمحون للخاطب أن يتنزه مع خطيبته بمفردها، ولا يسمحون للزوج العاقد أن ينفرد بزوجته ولله في خلقه شؤون!.

 

7- ولا بأس من تقويته في بعض المواد التي تعيق مسيرته الأكاديمية, ويُراعى في ذلك كله أن لا يتسرب الملل إليهم.

 

8- لا بد من مضاعفة مراقبة أولادنا في العطلة؛ لئلا يستحوذ عليهم أصدقاء السوء ونحن غافلون، فالفراغ غير المرشد يفسد ما لا يفسده الذئب الجائع الذي يخلو بقطيع الغنم. وقد أصبح مجتمعنا من المجتمعات التي بدأت تظهر فيه ظاهرة اغتصاب الأطفال -والعياذ بالله-، فالعاقل الحازم من حافظ على ولده، واسمع هذا الكلام: قال الوليد بن عبد الملك: "لولا أنَّ الله ذكر قوم لوط في القرآن؛ ما ظننت أن ذكرًا يفعل هذا بذكرٍ"، قال ابن كثير -معلقًا على هذا الأثر- في البداية والنهاية (9/184): "فنفى عن نفسه هذه الخصلة القبيحة الشنيعة والفاحشة المذمومة التي عذب الله أهلها بأنواع العقوبات، وأحل بهم أنواعًا من المَثُلات، التي لم يعاقب بها أحدًا من الأمم السالفات، وهي فاحشة اللواط التي قد ابتلي بها غالب الملوك والأمراء والتجار والعوام والكتاب ونحوهم، إلا من عصم الله منهم، فإنَّ في اللّواط من المفاسد ما يفوت الحصر والتّعداد؛ ولهذا تنوّعت عقوبات فاعليه، ولأن يُقتل المفعول به خير من أن يُؤتَى في دبره، فإنه يَفسد فسادًا لا يُرجى له بَعدَه صلاحٌ أبدًا، إلا أن يشاء الله. فعلى الرجل حفظ ولده في حال صِغَره، وبعد بلوغه، وأن يجنّبه مخالطةَ هؤلاء الملاعين الذين لعنهم رسول الله– صلى الله عليه وسلم-".

 

أخيرًا: لا بد من إعداد برنامج لهذه العطلة يقوم على تنفيذ هذه المقترحات أو غيرها؛ لتكون العطلة الصيفية لبنة بناء مباركةً لأطفالنا.

 

أسأل الله أن يبارك في ذريتنا، وأن يحفظ عرضنا...

 

 

 

 

المرفقات

الإسلام بالأولاد ومقترحات لعطلتهم

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات
عضو نشط
عبدالله
05-04-2019

بارك الله فيكم.. لكن أود التنبيه على أن النقل الذي ذكره الخطيب في آخر الخطبة عن ابن كثير وهو قوله: "فنفى عن نفسه هذه الخصلة القبيحة الشنيعة والفاحشة المذمومة ..." لا يثبت في نسخ كتاب [البدايةوالنهاية]، بل هو زيادة من الناسخ، أدخلها محقق الكتاب فيه، وهو خطأ لا شك فيه، ولذلك فليس هذا الكلام موجودًا في طبعتي "دار هجر" و"دار ابن كثير"، والكلام أيضًا لا يستقيم فكيف يقول: "ابتلي بها أكثر الملوك والأمراء والقضاة ووو..." ؟! فليتنبه لهذا ..