عناصر الخطبة
1/إشراق النور والهدى ببعثة خاتم الأنبياء 2/خطر الإعلام الماجن على المرأة المسلمة 3/مكانة المرأة في الإسلام وحقوقها 4/حفظ الإسلام للمرأة وصيانته لها 5/صور رائعة للمرأة المسلمة عبر الأجيال 6/استغلال الحضارة المعاصرة للمرأة وهدرها لكرامتها 7/عناء وشقاء المرأة الغربية 8/بعض إيجابيات بقاء المرأة في بيتها 9/بعض محاسن المملكة العربية السعودية تجاه المرأةاقتباس
المرأة في الإسلام ليست -كما يزعمون- كماً مهملاً، وطاقة مهدرة، ورئة معطلة، أسيرة جدران أربعة، فلو عاش هؤلاء الإسلام حقيقة، وقرؤوا التاريخ لنطق لهم بأجلى بيان، وتحدث بأوضح أسلوب عن الأثر العظيم الذي تركته المرأة في زمن أشرق بعصر النبوة والرسالة، فقد كانت تهز المهد بيمينها، وتهز العالم بشمالها، عندما...
الخطبة الأولى:
الحمد لله العلي القدير العليم الخبير، الذي أحاط بكل شيء علماً وإليه المصير، نهى المرأة عن مواطن الفساد، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شري ك له أمر النساء بالحشمة والحياء، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله بعثه الله إلينا بالهدى، فكان لنا معلماً ومرشداً، صلى الله عليه وعلى آيه وصحبه ومن اقتفى.
أما بعد:
فاتقوا الله حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
بمبعث محمد -صلى الله عليه وسلم- أشرق نور الإسلام، فاكتسح الظلام، وأفاض الخير، ونشر العدل، ومن ثم استعادت المرأة حقوقها، وعرفت منزلتها، واستنشقت نسمات الحرية.
يقلب المسلم بصره في عالمنا المعاصر، فلا يرى إلا سعار الشهوات، وحمى المغريات، ويرى المرأة المسكينة تترنح تحت سياطها، وتصطلي بنارها، ويرى تحت طلاء العصرية، والحرية والحضارة لهيب الشقاء والنكد والعبودية، قال تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا) [طـه: 124].
وتواجه المرأة المسلمة من هذا المد الإعلامي والدعائي الفضائي الهادر، دعاوي منهزمة، يصور فيها أن حياتها رزية، وحقوقها مسلوبة، وكرامتها مهدرة، ومنزلتها منحطة، حيث ارتدى الأعداء مسوح المحبة، وليس الذئاب براقع العطف والرعية، يعرضون أفانين السم، فيما لذ وطاب من الدسم.
وهيهات أن تعبر هذه الدعاوي الثغور، أو تطفئ النور، فقد كفل الإسلام للمرأة حقوقاً لا تحلم بها في أي عصر وفي أي مكان، بل عجزت عقول واضعي حقوق الإنسان أن تصل إلى مستوى حقوق المرأة في الإسلام، فقد ضمن لها حقوقها بنتاً وأختاً وأماً وزوجة، رفيقة درب، وشريكة حياة.
أنكر القرآن على المشركين تشاؤمهم بالأنثى، وعاب عليهم ذلك، قال الله -تعالى-: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ) [الزخرف: 17].
واعتبر الإسلام البنت من أسباب دخول الجنة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من كان له ثلاث بنات يؤويهن ويكفيهن ويرحمهن، فقد وجبه له الجنة" فقال رجل من بعض القوم: واثنين يارسول الله؟ قال: "واثنين" [رواه البخاري].
يعطي الإسلام المرأة كامل الحرية في اختيار الزوج، ولو أكرهت على الزواج من شخص، فالشارع يجعل الأمر إليها، إن شاءت أمضت، وإن شاءت فسخت النكاح.
حين تكون المرأة أماً، فإن منزلتها في الإسلام عظيمة، وثوابها جزيل، ويكفي أن التواضع لها سبب لدخول الجنة، كما قال عليه الصلاة والسلام لمن ترك أمه وأراد الغزو: "ويحك، الزم رجلها، فثم الجنة"[رواه ابن ماجة].
ولأنها تعاني متاعب الحمل، وتكابد آلام الوضع، ومشقة الرعاية، جعل الإسلام بر الأم أكبر، والوفاء لها أعظم، قال صلى الله عليه وسلم: "أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أبوك" [رواه مسلم].
وقد نشرت الصحف: قصة شاب غربي قبل أن يؤوي أمه العجوز في بيته، مقابل أن تقوم بخدمته وخدمة زوجته وأولاده، وتنظيف بيته، وهذا يعتبر كرماً من هذا الولد البار بأمه.
أما المسلم، فإنه لا تنقطع صلته بأمه وأبيه، حتى بعد الموت بالدعاء، والاستغفار لهما، وفي الحديث: "إذا مات الإنسان نقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" [رواه مسلم].
وإلى جانب ذلك كله، فقد حافظ الإسلام على المرأة وصانها من عبث العابثين، وطمع الطامعين، فأراد لها أن تبقى جوهرة مصونة مكنونة، لا تمتد إليها يد آثمة، أو لسان فاسق بأذى، فحرم الاختلاط والسفور والتبرج، وألزمها بالحجاب صيانة لعفتها، وحفظاً لكرامتها.
المرأة في الإسلام ليست -كما يزعمون- كماً مهملاً، وطاقة مهدرة، ورئة معطلة، أسيرة جدران أربعة، فلو عاش هؤلاء الإسلام حقيقة، وقرؤوا التاريخ لنطق لهم بأجلى بيان، وتحدث بأوضح أسلوب عن الأثر العظيم الذي تركته المرأة في زمن أشرق بعصر النبوة والرسالة، فقد كانت تهز المهد بيمينها، وتهز العالم بشمالها، عندما تنشأ قادة ومفكرين، وأبطالا ميامين، تفخر بهم الأمة.
كانت المرأة وما زالت لها أثر في التربية والبناء والبطولة والتضحية، والرأي والمشهورة، كانت مثالاُ يحتذى في العبادة والقيام والزهد والدعوة، فهذه أم المؤمنين خديجة -رضي الله عنها- تفني شبابها سنداً للدعوة، وحامية للرسالة، وهي أول قلب آمن بالرسول -صلى الله عليه وسلم-.
وقدمت المرأة دمها وحياتها في سبيل الله شهيدة طاهرة، بل كانت المرأة أول شهيدة في الإسلام، إنها سمية زوجة ياسر وأم عمار بن ياسر.
كانت المرأة فقيهة بارعة، عالمة هادية، يقول أبو موسى الأشعري: "ما أشكل علينا -أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديث قط، فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علما"
فصارت -رضي الله عنها- مرجعا في كل علم، حلالة لكل مشكلة.
أسهمت الفتاة المسلمة بكل جهد في نصرة الإسلام، ولذلك وصفت أسماء بنت أبي بكر بذات النطاقين، لتضحية بذلتها في الهجرة.
وفي موقف عصيب عاشه الرسول -صلى الله عليه وسلم- في صلح الحديبية، تأتي مشورة زوجه أم سلمة، منقذة من المأزق.
أما نساء الليل، فالحديث عنهن يطول، ونقتطف من نسماته موقف امرأة حبيب أبي محمد الفارسي، فلقد كانت توقظه بالليل، وتقول: "قم يا حبيب، فإن الطريق بعيد، وزادنا قليل، وقوافل الصالحين قد سارت من بين أيدينا، ونحن قد بقينا".
المرأة توجه الأجيال، وتهذب أخلاق الرجال، فيصنعن بهم التاريخ؛ لقد كان نساء السلف يوصين أزواجهن إذا خرجوا للسعي والكسب، فيقلن لهم: "اتقوا الله فينا ولا تطعمونا الحرام، فإنا نصبر على الجوع، ولا نصبر على النار".
وتقول أم سفيان الثوري لابنها: "يا بني اذهب واطلب العلم، وأنا أكفيك بمغزلي".
وتقول: "يا بني إذا حفظت شيئا من العلم، فانظر هل تزيد أم تنقص؟".
المرأة، وإن كانت قارةً في بيتها إلا أنها تتحسس آلام المجتمع، أحزان اليتامى، تشعر بمأساة الأمة، فتدفع من مالها، وتنفق للخير من وقتها، تقول عائشة عن زينب بنت جحش -رضي الله عنهن-: "ولم أر امرأة قط خيرا في الدين من زينب بنت جحش، وأتقى لله، وأصدق حديثا، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة، وأشد ابتذالا في العمل الذي تصدق به، وتقرب به إلى الله -تعالى-".
ذلك غيض من فيض للسمو والرقي الذي أنبتته المرأة المسلمة بفعالها، وللأثر العظيم الذي لا يفقهه من لوثت عقولهم، وطمست بصيرتهم، ويمموا قلوبهم، شطر حضارة بلغت المادة فيها أعلى درجاتها، والإنسانية والقيم أدنى دركاتها.
نعم، في الحضارة المعاصرة تحولت المرأة إلى سلعة ومتعة، تستغل للدعاية والإعلان على أغلفة المجلات، والكتب وإطارات العربات، يوظفونها في مكاتب التجارة والسياحة، لجذب الزبائن، فإذا استنفدت السنون حمالها وزينتها، أهملت باعتبارها آلة انتهى مفعولها.
هم يهينونها ويزعمون كذباً: أنهم يكرمونها، وبعد أن أدمت عثرات الطريق قدميها، تصرخ المرأة الغربية: "يا ليت بلادنا كبلاد المسلمين فيها الحشمة والعفاف!".
ينظر الإسلام إلى عمل المرأة في البيت على أنه رسالة شاقة، وأن هجرها البيت إلى عمل في مصنع أو متجر، تاركة أولادها في يد الخدم خسارة فادحة، وهل تصل الأمة إلى ما تصبوا إليه من شباب قوي، يبني مجدها إذا تركت أبناءها ينشؤون على أخلاق الخدم؟!
أنى للزوج أن يحس بالسكن والمودة، وهو يرى زوجه مثقلة بأعباء العمل، وقد ملأ عليها فكرها ووجدانها؟!
أنى للابن أن يجد من يخفف عنه متاعبه، ويفضي إليه بأحزانه، ويرتشف من العطف والحنان، وهو يرى أما متعبة الفكر، مرهقة الجسم، متوترة الأعصاب، تثور لأتفه الأسباب؟!
ها هي المرأة الغربية تقدم خلاصة عناء مضن، وطريق شاق فتعبر عن حياتها ومجتمعها، فتقول: "إن التجارب أثبتت أن عودة المرأة إلى البيت هي الطريقة الوحيدة لإنقاذ الجيل من التدهور الذي يسير فيه".
لماذا تعرض المرأة كيانها الأسري للزعزعة والهلاك، مقابل دريهمات تزهق جلها أجرة لخادم ومريبة وسائق، وتكاليف للزينة والملبوسات، في ذلك إهدار لاقتصاد المجتمع؟
وإذا عملت المرأة في بيتها استغنى المجتمع عن أعداد هائلة من الخدم، وأمن من مفاسدهم العظيمة، مع حفظ ثروة البلاد أن تغادر أرضها، وذلك إسهام منها في خدمة المجتمع، وبذلك وبقرارها في بيتها تقدم رضاعة طبيعية كاملة، تثمر خدمة صحية، ووقاية من الأمراض، وفي ذلك توفير لنفقات صحية أسرية، وتنمية اقتصاد الأسرة، ودخل خفي لها.
إن الذي يظن أن المرأة المسلمة التي تتفرغ لعملها التربوي، ليست منتجة في المجتمع يدعو إلى فقدان الثروة البشرية الحية، التي لا تقدر بثمن، نتيجة صفقة خاسرة، يكسبون من ورائها أرباحاً زهيدة، ومادة تافهة.
في ميزان الإسلام: الإنتاج البشري أثمن من الإنتاج المادي، والتفرغ لتحسين الانتاج البشري كماً ونوعاً، أهم من المشاركة في زيادة الانتاج المادي؛ لأن الإنسان في ميزان الإسلام أثمن من كل ما في هذه الحياة.
قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) [الإسراء:70].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي جعل الستر الكامل، مظهر الحشمة في النساء، وأمرهن به حذراً من الفتنة والبلاء.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الأمر في الأرض والسماء.
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، ختم الله به الأنبياء، صلى الله عليه وعلى آه وصحبه إلى يوم الجزاء.
أما بعد:
فاتقوا الله حق التقوى، قال تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا) [الطلاق: 2].
إن من نعمة الله على هذه البلاد: أن أخذت بكل أوجه الحضارة والتقدم، مع البعد عن الأخطار الجارفة، بما من الله عليها من الحكم بالكتاب والسنة، والوقوف سداً منيعاً أمام الجهلة، وضعاف العقول والنفوس، ومن ذلك: منعت الاختلاط في كل مراحل التعليم، في الوقت الذي يئن العالم كله في هذه التجربة الخاطئة.
أضفت على المرأة حشمة كريمة، وراعت حياءها وتسترها، فمنعت قيادتها للعربات، فأصبحت المرأة مخدومة لا خادمة، بل أنزلتها منزلة العظماء الذين يقاد بهم ولا يقودون.
أغلقت كل المنافذ الموصلة إلى خدش حيائها، فمنعت جل أنواع التصوير للمرأة، حتى في الوثائق الرسمية، فجعلتها بذلك دره مصونة مكنونة، محفوظة مقصورة على محارمها، ومع ذلك ضبط الأمن، فسجلت أدنى معدلات الجريمة مقارنة بدول كبرى.
عملت المرأة في مجالاتها التي تناسب فطرتها وأنوثتها، وشريعة ربها، فأثبتت المرأة نجاحاً كبيراً، مع احتفاظها بالحشمة والعفاف.
فأعطت العالم كله رسالة واضحة: بأن في الإسلام الحل لجميع مشكلاتكم.
نسأل الله التوفيق والسداد والثبات، إنه سميع مجيب الدعوات.
ألا وصلوا -عباد الله- على رسول الهدى، ومعلم البشرية الخير.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم