علي رقيب

تركي بن عبدالله الميمان

2023-02-17 - 1444/07/26 2023-02-20 - 1444/07/29
التصنيفات: التوحيد
عناصر الخطبة
1/عظم مراقبة الله 2/مما يعين على ترك ذنوب الخلوات 3/خطر الاستخفاف بنظر الله 4/سهولة معاصي الخلوات في زمن التقنية

اقتباس

والحَيَاءُ مِنَ اللهِ حِجَابٌ حاجِزٌ عَن الخَلْوَةِ بالحَرَام؛ فاتَّقِ اللهَ أَنْ يكونَ أهْوَنَ الناظِرِينَ إِلَيْك، وَاسْتَحْي مِنْهُ على قَدْرِ قُرْبِهِ مِنْكَ...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

 

أَمَّا بَعْد: فاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُوهُ، وَرَاقِبُوهُ وَلا تَعْصُوْه! فَإِنَّهُ (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)[غافر:19].

 

عِبَادَ الله: مَنْ أَصْلَحَ ما بَيْنَهُ وبَيْنَ الله أَصْلَحَ اللهُ ما بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاس، وَمَنْ انْتَهَكَ مَحَارِمَ اللهِ في الخَلْوَةِ، أَهَانَهُ في العَلانِيَة! (وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِم)[الحج:18].

 

وَأَوَّلُ خُطْوَةٍ في طِرِيْقِ التَّوْبَةِ، مِنْ ذُنُوْبِ الخَلْوَةِ: مَرَاقَبَةُ اللهِ فِي السِّرِّ والعَلَانِيَةِ؛ والحَذَرُ مِن الدَّارِ الآخِرَةِ! حَتَّى تَكُوْنَ مِنْ (الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ)[الأنبياء:49].

 

وَأُعْجِبَ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، فَتَبِعَهَا يُرِيدُهَا، فَقَالَتْ لَهُ: “أَلَكَ حَاجَةٌ؟” قَالَ: “نَعَمْ” قَالَتْ: “وَمَا هِيَ؟” قَالَ: “مَوَدَّتُكِ” قَالَتْ: “دَعْ ذَلِكَ لِيَوْمِ التَّغَابُنِ!” قَالَ: “فَأَبْكَتْنِي وَاللهِ؛ فَمَا عُدْتُ إِلَى ذَلِكَ!”.

 

وَاللهُ مُطَّلِعٌ عَلَى السَّرَائِر، وَعَالِمٌ بِمَا فِي الضَمَائِر؛ قال -عز وجل-: (إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]. يَقُوْلُ ابْنُ القَيِّم -في وَصْفِ ذَلِكَ-: “قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيءٍ عِلْمًا، وَأَحْصَى كُلَّ شَيءٍ عَدَدًا، وَسِعَ سَمْعُهُ الأَصْوَات، وَأَحَاطَ بَصَرُهُ بِجَمِيعِ المَرْئِيَّات؛ فَيَرىَ دَبِيْبَ النَّمْلَةِ السَّوْدَاء، عَلَى الصَّخْرَةِ الصَمَّاءِ، في اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ، فَالغَيْبُ عِنْدَهُ شَهَادَة، وَالسِرُّ عِنْدَهُ عَلَانِيَة، يَعْلَمُ السِرَّ وأَخْفَى مِنَ السِرِّ”.

 

وَلمَّا غَفَلَ المُنَافِقُوْنَ عَنْ نَظَرِ اللهِ أَظْهَرُوا خِلَافَ مَا يُبْطِنُونَ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا)[النساء: 108].

 

وَمِمَّا يَعْصِمُ الإِنْسَانَ مِنْ ذُنُوْبِ الخَلْوَةِ مَخَافَةُ اللهِ، فَإِنَّهُ “إِذَا سَكَنَ الْخَوْفُ الْقُلُوبَ؛ أَحْرَقَ مَوَاضِعَ الشَّهَوَاتِ مِنْهَا!. وَمِنَ السَّبْعَةِ الَّذِينَ يُظِلُّهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: “رَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللهَ!”(رواه البخاري ومسلم).

 

وَمَنْ اسْتَشْعَرَ رُؤْيَةَ اللهِ، وأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ؛ فَلَنْ يَخْلُوَ بِمَعْصِيَتِه (إنَّ اللهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ)[آل عمران: 5]. وَمِنْ وَصَايَا النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: “اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ!”(رواه الترمذي وحسَّنُه).

 

إذَا مَا خَلَوتَ الدَّهْرَ يَومًا فَلا تَقُلْ *** خَلَوْتُ وَلَكِنْ قُلْ عَليَّ رَقِيبُ

وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ يَغْفُلُ سَاعَةً *** وَلا أنَّ مَا يَخْفَى عَلَيْهِ يَغِيبُ

 

والحَيَاءُ مِنَ اللهِ حِجَابٌ حاجِزٌ عَن الخَلْوَةِ بالحَرَام؛ فاتَّقِ اللهَ أَنْ يكونَ أهْوَنَ الناظِرِينَ إِلَيْك، وَاسْتَحْي مِنْهُ على قَدْرِ قُرْبِهِ مِنْكَ! سُئِلَ بَعْضُ السَّلَف: “بِمَ يُسْتَعَانُ عَلَى غَضِّ الْبَصَرِ؟” قَالَ: “بِعِلْمِكَ أَنَّ نَظَرَ اللهِ إِلَيْكَ؛ أَسْبَقُ مِنْ نَظَرِكَ إِلَى مَا تَنْظُرُهُ”.

 

وَمَنْ اسْتَعَاذَ بِاللهِ مِنْ ذُنُوْبِ الخَفَاءِ؛ صَرَفَ اللهُ عَنْهُ شَرَّهَا؛ فَـالدُّعَاءُ حِصْنُ المتَّقِين، مَنْ دَخَلَهُ كانَ مِنَ الآمِنِين؛ فَقَدْ لَجَأَ إِلَيْهِ يُوْسُفُ -عليه السلام- عِنْدَمَا هَجَمَتْ عَلَيْهِ الفِتْنَة! فـ(قَالَ مَعَاذَ اللهِ إنَّهُ رَبِّي)[يوسف:23] فَصَرَفَ اللهُ عَنْهُ السُّوْءَ! وَمِنْ دُعَاءِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: “أَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ”(رواه النسائي وصححه الألباني). 

 

وَالاِسْتِخْفَافُ بِنَظَرِ اللهِ في الخَلْوَةِ، والجُرْأَةُ على مَعْصِيةِ السِّر، مَعَ الإِصْرَارِ وَالاِسْتِهْتَارِ، وَتَرْكِ النَّدَمِ والاِنْكِسَارِ؛ يُؤَدِّي إلى الخَسَارِ والدَّمَارِ! قال -صلى الله عليه وسلم-: “لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي، يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا؛ فَيَجْعَلُهَا اللهُ هَبَاءً مَنْثُورًا” قال ثَوْبَانُ: “يَا رَسُولَ اللهِ؛ صِفْهُمْ لَنَا؟” قال: “إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللهِ انْتَهَكُوهَا!“(رواه ابن ماجه وصححه الألباني).

 

وَمَنْ حَفِظَ نَفْسَهُ مِن الفِتْنَةِ، وَخَشِيَ رَبَّهُ في الخَلْوَة؛ فُتِحَتْ لَهُ الجَنَّة! (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ* هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ)[ق:31-33].

 

أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم.

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِه، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه.

 

عِبَادَ اللهِ: في زَمَنِ التَّقْنِيَةِ وَسُهُوْلَةِ المَعْصِيَةِ تَنْكَسِرُ القُيُوْدُ، وَتَزُوْلُ الْحُدُودَ؛ فَلَا يَبْقَى حَسِيْبٌ وَلا رَقِيْبٌ، إِلَّا خَوْفُ اللهِ، وَمُرَاقَبَتُهُ فِي السِّرِّ، وَخَشْيَتُهُ بِالْغَيْبِ.

 

وَحِينَ تَتَزَيَّنُ لَكَ المَعْصِيَةُ وَتَكُونُ في مُتَنَاوَلِ يَدِكَ فَاحْذَرْ مِنْ السُّقُوْطِ؛ فَإِنَّهُ امْتِحَانٌ حَقِيْقِيٌّ لِقُدُرَاتِكَ الإِيْمَانِيَّةِ، وَرَقَابَتِكَ الذَّاتِيَّةِ (لِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ)[المائدة: 94].

 

فَرَاقِبُوْا الرَّحْمَن، وَاحْذَرُوا مَجَالِسَ الشَّيْطَانِ؛ ومَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ وَهَوَاهُ هَدَاهُ اللهُ وَاجْتَبَاهُ (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا)[العنكبوت:69]. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: “خَشْيَةُ اللهِ فِي السِّرِّ: تَصْدُرُ عَنْ قُوَّةِ إِيمَانٍ، وَمُجَاهَدَةٍ لِلنَّفْسِ وَالْهَوَى؛ فَالْهَوَى يَدْعُو فِي الْخَلْوَةِ إِلَى الْمَعَاصِي. وَأَعَزُّ الْأَشْيَاءِ: الْوَرَع فِي الْخَلْوَةِ“.

 

وَمَنْ زَلَّتْ بِهِ الْقَدَمُ وَتَلَطَّخَ بِهَذِهِ القَاذُوْرَاتِ؛ فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللهِ، وَلْيَغْتَسِلْ بِمَاءِ التَّوْبَةِ فَـ (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)[البقرة: 222].

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.

 

اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لما تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِمَا لِلْبِرِّ والتَّقْوَى.

 

عِبَادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ: 90].

 

فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت: 45].

المرفقات

علي رقيب.pdf

علي رقيب.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات