على أبواب الامتحانات

عبد العزيز بن عبد الله السويدان

2022-10-06 - 1444/03/10
عناصر الخطبة
1/الله خير معين 2/الإخلاص خير رفيق 3/النتيجة على قدر الاجتهاد 4/وصايا للطلاب أثناء الامتحانات 5/المعلم وأمانة التعليم 6/أمانة الآباء ومصلحة الأبناء 7/امتحان الدنيا وامتحان الآخرة

اقتباس

أول من يستعين به المسلم على جميع أموره، هو: خالقه -سبحانه وتعالى-، فهو خير معين، وبه وحده يستعين. والاستعانة المقصودة، هي: استعانة القلب لا استعانة اللسان، فالكثير من الناس يقولون: "استعنا بالله" ولكنهم يناقضون أقوالهم بأفعالهم. فليس من صدق الاستعانة: الـ...

 

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].

 

أما بعد:

 

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

مع بداية الامتحانات يحتاج كل طالب وطالبة، وكذلك يحتاج المعلمون والمعلمات إلى بعض الوقفات المهمة.

 

الوقفة الأولى: الله -عز وجل- خير معين:

 

وأول من يستعين به المسلم على جميع أموره، هو: خالقه -سبحانه وتعالى-، فهو خير معين، وبه وحده يستعين.

 

والاستعانة المقصودة، هي: استعانة القلب لا استعانة اللسان، فالكثير من الناس يقولون: "استعنا بالله" ولكنهم يناقضون أقوالهم بأفعالهم.

 

فليس من صدق الاستعانة: الغش؛ مثلا: "من غش فليس منا" يقول صلى الله عليه وسلم.

 

وليس ذلك فحسب، بل كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يؤكد على الاستعانة بالله في العديد من المواقف؛ لأن بالاستعانة يجدد الإنسان العهد مع الله.

 

صح في السنن: أنه قال لابن عباس -رضي الله عنه- بعد أن شد انتباهه: "يا غلام إني معلمك كلمات إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف".

 

لكن الاستعانة بالله -عز وجل- لا تعني عدم الأخذ بالأسباب، فالطالب عليه: أن يأخذ بالأسباب الذي جعلها الله -تعالى- مؤدية للنجاح: المذاكرة - الحرص على راحة الجسد - الإلحاح على الاستفادة من المعلم، ولو كان جافيا معرضا.

 

الإلحاح في ذلك، وغير ذلك من الأسباب المتعلقة بالامتحان: الهدوء - الابتداء بالأسئلة السهلة، ثم الأصعب - الحرص على دعاء الله بالتوفيق؛ كما جاء في القرآن: (وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) [هود: 88].

 

وله أن يدعو بأي دعاء شاء، ومن الدعاء المناسب: (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي)[طـه: 25-26] .

 

أو: "اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا".

 

والدعاء ليس في الضراء والشدة فقط، بل ينبغي أن يكون على لسان المؤمن دائما في كل حين.

 

قال عليه الصلاة والسلام: "من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب؛ فليكثر الدعاء في الرخاء" [أخرجه الترمذي وهو حديث صحيح].

 

الوقفة الثانية: الإخلاص خير رفيق:

 

الإخلاص في كل عمل أمر مطلوب.

 

والإخلاص -هنا في الامتحان- مفهوم يغيب عن أكثر الطلاب، يعني ينبغي أن يبتغي الطالب بجهده ونجاحه وجه الله، سواء كان الامتحان في مادة شرعية أو غير شرعية؛ لماذا؟

 

لأن المؤمن إذا نوى التقرب إلى الله بالتحصن بالعلم، وإزالة الجهل، وإعانة نفسه على العفاف، وكف الوجه عن السؤال، ونفع أمته، كلها غايات، إذا أخلص فيها، وابتغى بها وجه الله، أثيب عليها، بلا شك، باعتبار نيته.

 

هذه الثقافة الإيمانية الراقية غائبة عن مناهج المسلمين: أن يبتغي بعلمه وجه الله، أن يبتغي نفع أمته، أن يفكر في الآخرة.

 

ولذلك حين تسأل طالبا مسلما في المرحلة الثانوية، حتى لو كان من الطلاب المتفوقين: ما هدفك في الحياة؟

 

فإنك ستسمع الإجابة التقليدية وقد جربتها بنفسي: هدفي النجاح بتفوق لأحصل على تقدير ممتاز؛ كي أتمكن من الدخول في الجامعة الأفضل، وأقبل بالتخصص الذي أرغب فيه؛ لأضمن عملا مرموقا في المستقبل؛ كي أتزوج وأكون أسرة، وبهذا أحقق ما أصبو إليه من الاستقرار، وضمان المستقبل.

 

نعم؛ بهذه الإجابة مع اختلاف الأساليب، سيبادرك معظم الطلاب البارزين، وهم بهذا يحددون الهدف الأغلى والأعلى الذين يطمحون إليه، والسؤال: هل هذه الإجابة إجابة صحيحة؟ وهل يعد الهدف الذي تضمنته هذه الإجابة هدف أسمى؟

 

فنقول: الإجابة في حد ذاتها إجابة صحيحة، ولا ضير أبداً أن يسعى الإنسان إلى هدف من هذا القبيل، ولكن المشكلة أن يصبح هذا الهدف هو الهدف الأسمى والأعلى، والهم الأكبر للإنسان المسلم.

 

هنا تكون المشكلة، مشكلة أمتنا المسلمة في هذا العصر تكمن هنا، سبب تراجعها وبقائها ضعيفة؛ لأن الأجيال كما ترون لا تتربى على أهداف ربانية، الأجيال المسلمة لا تتربى على ثقافة مرتبطة بالسماء، بل على ثقافة أرضية دنيوية؛ كأنما الآية قلبت فبدل أن يقول: (وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) [القصص: 77] يقول: "ولا تنس نصيبك من الآخرة!".

 

فالآخرة هناك بعيدة في زاوية صغيرة، أما الدنيا، فهي منتهى الهم وغاية المراد، وهذه التلقائية في ذكر ذلك الهدف دليل واضح على صغر الهمة، وضعف التصور الإيماني للحياة في دين المسلم.

 

كم من أب وأم مسلمين يودعان أبنائهم حين سفرهم إلى الخارج للدراسة بكل نصيحة تنفعهم، بالمحافظة على حياتهم وأموالهم وممتلكاتهم ودراستهم وصحتهم، وينسى الكثير منهم أن ينصحوهم حينها: بتقوى الله، والخوف منه، والحرص على أداء الفرائض، وقراءة القرآن، والبحث عن بيئة مسلمة هناك، يتواصون معهم على الحق والصبر، والعمل على دعوة غير المسلمين إلى الإسلام؛ بقدر ما الاستطاعة.

 

أيها المسلمون: هناك غفلة، غفلة كبيرة عن بناء أنفسنا وأبناءنا على الهدف الأسمى من الحياة الدنيا ألا، وهو: عبادة الله حق العبادة، والدعوة لذلك بالحكمة والموعظة الحسنة.

 

نزل سالم بن عبد الله بن عمر إلى السوق فزاحمه رجل في طريق ضيق، حتى آذاه، فقال له سالم: على رسلك يا هذا فقد آذيتني وزحمتني، فقال له الرجل: اسكت يا سفيه، فنظر له سالم بن عبد الله وقال: ما أحسبك ابتعدت عن الحقيقة، فمن شغل عن الآخرة بالدنيا لم يبعد أن يكون سفيها.

 

الحاصل: أن القلب لا بد أن يكون مطمعا بالآخرة قبل الدنيا، والإخلاص يقتضي إعادة النظر في الهدف الأسمى من وراء الدراسة، ومن وراء الحرص على النجاح.

 

وينبغي أن يدرك الطلاب: أن الإخلاص يقتضي الصدق، والطالب الذي يصلي، يصلي من أجل أن ينجح، ويحرص على الذهاب للمسجد وعلى الجماعة، ثم إذا انتهت الامتحانات ودع المسجد وترك الصلاة، أو عاد إلى التهاون في أدائها، ليس له من الإخلاص نصيب، وحاله كما قال القائل:

 

صلى المصلي لأمر كان يقصده *** لما انتهى منه لا صلى ولا صام

 

الوقفة الثالثة: النتيجة على قدر الاجتهاد:

 

النتيجة التي يطمح الطالب في الحصول عليها، هي غالبا ما تكون على قدر اجتهاده، والمسلم مأمور بإتقان العمل وإحسانه.

 

فقد جاء في صحيح الجامع بإسناد حسن: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله -تعالى- يحب من العامل إذا عمل أن يحسن".

 

وفي الجامع أيضا بإسناد حسن: "إن الله -تعالى- يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه".

 

بقدر الجد تكتسب المعالي *** ومن طلب العلا سهر الليالي

 

لكن ينبغي للطالب: أن يوازن بين إجهاد بدنه واستيعاب عقله، فقد يكون الإجهاد في كثير من الأحيان ذا تأثير سيء على الاستيعاب؛ خصوصا في وقت الامتحان.

 

ولهذا كان من الضروري: أن يحرص الطالب على الأوقات التي يزداد فيها استيعابه؛ مثل وقت البكور، وإن قلت تلك الأوقات، يعني بعد صلاة الفجر مثلا، إذا كان قد أحسن النوم في الليل، أو بعد المغرب عند هدوء المكان.

 

والوقت يختلف من طالب إلى آخر، فقد يناسب طالب وقتا ما، ولا يناسب آخر.

 

كما أن من الأمور المفيدة عند المذاكرة، إضافة إلى النوم الكافي: حسن التغذية: ماذا تأكل؟

 

أسأل الله -تعالى- أن يوفق أبناءنا وبناتنا في دينهم ودنياهم.

 

وأستغفر الله العظيم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.

 

أما بعد:

 

الوقفة الرابعة: ماذا ينبغي أن يفعل أثناء الامتحان؟:

 

نوصي أولادنا -ويسمع بعضهم- إذا بدأ الامتحان، فإن الطالب أو الطالبة قد يكون في وضع ارتباك، ربما في خوف، أو استعجال، أو تشتت ذهني، أو نحو ذلك، مما يكون له تأثير سلبي على أدائه للامتحان.

 

وقد ذكر بعض علماء التربية -من خلال التجربة والممارسة- بعض الاحتياطات المهمة التي تمنع ذلك -بإذن الله تعالى-؛ منها:

 

أن يبدأ الامتحان بذكر الله -تعالى-، يعني يقرأ بعض الآيات، أو يسبح الله، يستعيذ بالله من الشيطان!.

 

فإن ذكر الله -عز وجل- يطمئن له النفس المؤمنة، سواء كان في الامتحان، أو غير الامتحان: (أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد: 28].

 

فيذهب الارتباك -بإذن الله تعالى-.

 

أمر آخر: أن يقرأ الأسئلة بهدوء، حتى يفهم السؤال، لا بد أن يفهم السؤال قبل أن يجيب؛ لأنه فيما بعد تسهل عليه الإجابة، الاستعجال في القراءة يؤدي إلى الاستعجال في الفهم وبالتالي يكون فهم السؤال على غير المراد فتكون الإجابة خاطئة.

 

جاء في صحيح الجامع من حديث أنس بسند حسن أنه صلى الله عليه وسلم قال: "التأني من الله، والعجلة من الشيطان".

 

ومن الأمور: أن يتقن الطالب استغلال الوقت؛ فيبدأ بالإجابة على الأسئلة السهلة التي يعرفها، ثم يتدرج إلى الأصعب، ومنها: أن يراجع الإجابة، ويتأكد من موافقتها للسؤال.

 

معاشر الإخوة: الوقفة الخامسة: المعلم وأمانة التعليم:

 

التعليم والتربية أمانة، وسوف يسأل عنها المعلم والمعلمة يوم القيامة.

 

ولذلك فإن المعلم مؤتمن على وضع الأسئلة بعدالة، دون تعجيز أو تحد للطلاب، قال صلى الله عليه وسلم: "اللهم من ولي من أمر أمتى شيئا فشق عليهم؛ فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم؛ فارفق به" [أخرجه مسلم].

 

والمعلم مؤتمن على تصحيح الإجابات بدقة وإنصاف، وهو مؤتمن على الطالب وقت الامتحان، فلا يجوز له أن يخبر طالب بالإجابة أثناء الامتحان.

 

الوقفة السادسة: أمانة الآباء ومصلحة الأبناء:

 

الآباء مسئولون ومؤتمنون على تربية أبنائهم، سواء فيما يتعلق بتعليمهم وتأديبهم، وأمرهم بأداء العبادات، أو فيما يتعلق بالمذاكرة والاجتهاد، وتوفير الأسباب المناسبة للاستيعاب؛ من مآكل ومشارب، وهدوء وجو مناسب، ونصح بعدم السهر الطويل، وغير ذلك من النصائح.

 

الوقفة الأخيرة: امتحان الدنيا وامتحان الآخرة:

 

الامتحانات في الدنيا على مختلف أنواعها ومراحلها؛ منها: حسن النتيجة، ومنها: سيء! لكن من فوائد هذه الامتحانات: أنها تذكر الموفقين بالامتحان الأكبر، امتحان الآخرة، وهو امتحان قادم لا مناص منه، ولا رجعة عنه: (يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ * فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ)[الطارقُ: 9-10].

 

أسأل الله -تعالى- لي ولكم ولأولادنا الفوز بالجنة والنجاة من النار.

 

اللهم وفقنا وأولادنا لما تحب وترضاه، واجعلهم قرة عين لوالديهم وأماتهم...

 

 

 

 

المرفقات

أبواب الامتحانات

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات