عناصر الخطبة
1/أسماء الله وصفاته غير محصورة بعدد 2/إثبات صفة العلم لله 3/فروق جوهرية بين علم الله وعلم المخلوقين 4/إحاطة علم الله بكل مخلوقاته وعلمه 5/علم الله بأعداء المسلمين وبعض أصناف أعداء المسلميناقتباس
إن من إيماننا بالله -أهل الإسلام- أن الله -سبحانه وتعالى- له أسماء حسنى، وصفات علا، تليق به بجلاله وكبريائه، له صفات تدل على أنه الخالق، وأنه الإله، وأنه الرب، وأنه مالك الملك، وأنه ذو الجلال والإكرام، وله أسماء حسنى، غير محصورة، فـ...
الخطبة الأولى:
الحمد لله ...
أما بعد:
إن من إيماننا بالله -أهل الإسلام- أن الله -سبحانه وتعالى- له أسماء حسنى، وصفات علا، تليق به بجلاله وكبريائه، له صفات تدل على أنه الخالق، وأنه الإله، وأنه الرب، وأنه مالك الملك، وأنه ذو الجلال والإكرام، وله أسماء حسنى، غير محصورة، فهي كثيرة جليلة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الرجل إذا أصابه هم أو غم أو حزن أن يقول: "اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن امتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيّ حكمك، عدل فيّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري وجلاء حزني، وذهاب همي"[رواه الإمام أحمد].
هذا الحديث -أيها الأحبة- فيه دليل على أن أسماء الله وصفاته غير محصورة، بل هي كثيرة وكثيرة جداً، ولا يشكل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم: "إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة".
فهذه التسعة والتسعين من أحصاها دخل الجنة، ولا يمنع أن يكون هناك أسماء وصفات أخرى له سبحانه وتعالى، كما دل عليه الحديث المتقدم.
أيها الأحبة المؤمنون: من صفات الله العظيمة: صفة العلم، والله -عز وجل- من أسمائه الحسنى: "العليم" يُدعى به، ويتعبد له به، وهو سبحانه علام الغيوب، ولهذا يقول النبيون يوم القيامة عندما يجمع الله الرسل، فيقول: ماذا أجبتم؟ (قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ)[المائدة: 109].
ويقول سبحانه لعيسى ابن مريم: (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ)[المائدة: 116].
فالله -عز وجل- من صفاته العلم، وقد وصف بعض عباده أيضاً بالعلم، لكن ليس العلم كالعلم، فهناك فروق بين علم الله وعلم خلقه:
الفرق الأول: أن علم الله -سبحانه وتعالى- غير مسبوق بجهل، بل عليم منذ الأزل، لم يكن في وقت من الأوقات غير عالم، ثم أصبح بعد ذلك عالما، لا، بل علمه سبحانه صفة لذاته وأوليته، لم يخف عليه شيء قبل أن يخلق خلقه، وعلم سبحانه ما هم عاملون قبل أن يخلقهم، فهو يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون.
أخبر سبحانه عن علمه بالكفار عندما قال فيهم: (وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ)[الأنعام: 28].
فهو عليم بخلقه، علمٌ غير مسبوق بجهلٍ أبداً.
بينما المخلوق، تجده يوصف أحياناً بأنه عالم أو عليم، أو حتى علامة، لكنه مع ذلك علمه مسبوق بجهل، مرت عليه سنين وهو راتع في الجهل، لا يعلم شيئا، ثم استفاد بعد ذلك العلم.
الله - عز وجل - بخلاف ذلك، لم يأت عليه وقت لم يكن عالماً بخلقه، بل علمه بك قبل أن يخلقك، وأنك ستعمل كذا، وستترك كذا، وسينالك كذا وكذا.
والملائكة وهم من خلقه: (قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)[البقرة: 32].
لأنهم يجهلون، ولا علم لهم إلا ما علمهم سبحانه.
والله -جل شأنه- لا يقال عنه: عارف؛ لأن المعرفة مسبوقة بجهل، بل يقال: "العليم الخبير، العليم الحكيم، السميع العليم".
والإنسان يوصف بالمعرفة كما قال الأول:
عرفت الشر لا للشر ولكنه لتوقيه *** ومن لا يعرف الشر من الخير يقع فيه
الفرق الثاني: بين علم الخالق والمخلوق، هو أن علم الله وساع، بينما علم المخلوق محدود، ولهذا قال سبحانه: (وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ)[الأنعام: 80].
وقال عز وجل في شأن شعيب -عليه السلام- لما آذاه قومه، وأرادوا منه أن يعود في ملتهم ودينهم، قال: (قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ)[الأعراف: 89].
وقال تعالى: (وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا)[الطلاق: 12].
وقال جل شأنه في آية الكرسي: (وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ)[البقرة: 255].
فما شاء الله أن يعلمه الخلق من علمه، فإنه يُعلمهم إياه، فالأمر راجع إليه سبحانه، ولهذا ذم الله الكفار على كذبهم، وأن المانع لهم من الإيمان أنهم كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه، فقال سبحانه مبيناً قلة علم هؤلاء ومحدوديته: (بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ)[يونس: 39].
بل قال سبحانه في الملائكة: (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا)[طه: 110].
فعلم الله واسع، وعلم المخلوق محدود، قال الله -تعالى- مبيناً ارتباط الألوهية بسعة العلم: (إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا)[طه: 98].
الفرق الثالث: هو أن الله -سبحانه وتعالى- لا ينسى، قال الله -تعالى-: (لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ)[البقرة: 255].
وقال جل شأنه: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا)[مريم: 64].
ولما جادل فرعون موسى في القرون الأولى: (قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى)[طه: 51].
قال موسى: (عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى)[طه: 52].
فاحتج موسى على فرعون: بأن الله لا ينسى شيئاً من أخبار تلك الأمم، وما جرى لهم في سالف الزمن.
بينما العبد المخلوق ينسى ما كان يعلمه، أشياء كثيرة يتعلمها ويحفظها، فإذا دخل مرحلة الشيخوخة، نسى معظمها: (وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا) [النحل: 70].
كان هذا الإنسان في يوم من الأيام عالماً يشار إليه بالبنان، وإذا به ينسى كثيراً مما كان يعلمه ويحفظه، فصار لا يعلم ولا يستحضر، هذا شأن المخلوق، ضعيف، معرض للنسيان والجهل والقصور، بخلاف الخالق -جل جلاله-، فإنه لا ينسى أبداً، وعلمه من صفات ذاته، قال الله -تعالى-: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)[الأنعام: 59].
تأمل في بعض معاني هذه الآية: (وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا).
كل شجرة، وكل نبات في الكون كله، لو أسقطت ورقة، علمها عز وجل، بل أعظم من هذا، قال: (إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ)[الأنعام: 59] أي أنه كتب في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، كتب أنه ستسقط ورقة من تلك الشجرة في ظلمة الليل، في تلك البقعة من الأرض، وهو بعد لم يخلق الشجرة، بل لم يخلق الأرض كلها، لا إله إلا هو وسع كل شيء علما.
الفرق الرابع: بين علم الخالق وعلم المخلوق: أن علم المخلوقات عن الشيء الواحد يتفاوت، فقد يكون هذا الإنسان نبياً، وهناك أشياء لا يعلمها.
انظر إلى قصة نبي الله سليمان - عليه السلام - مع الهدهد: (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ * لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ * فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ * إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ)[النمل: 20 - 24].
فماذا قال نبي الله سليمان: (قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا)[النمل: 27 - 28].
فسليمان نبي من عند الله -عز وجل-، ومع هذا يجهل أمر سبأ، وما هم فيه، ويأتيه بخبر القوم الهدهد، طائر صغير، مع أن سليمان -عليه السلام- مسخرةٌ له الجن والريح، وكان ملكاً نبيا.
فانظر تفاوت علم المخلوقات بأحداث الدنيا وما يجري فيها، بل قد تعلم الحيوانات والدواب عن يوم القيامة، وأنه في يوم الجمعة، وتخاف منه، وكثير من الإنس والجن لا يعلمون هذا، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من دابة إلا وهي تفزع ليوم الجمعة إلا هذين الثقلين: الإنس والجن".
وانظر إلى علم الدواب والحيوانات بما يجري في القبور من العذاب على أهلها، عن زيد بن ثابت -رضي الله عنه- قال: "بينما النبي -صلى الله عليه وسلم- في حائط لبني النجار على بغلة له، ونحن معه، إذ جاءت به وكادت تلقيه وإذا أقبر ستة أو خمسة، فقال: "من يعرف أصحاب هذه الأقبر؟ قال رجل: أنا، قال: فمتى ماتوا؟ قال: في الشرك، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فلولا أن تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه".
فالبغلة حادت بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، وكادت أن تلقيه لسماعها لعذاب هؤلاء المشركين، والصحابة مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهم لا يشعرون ولا يعلمون.
اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ...
أما بعد:
إن حسن النظر في معاني العقيدة، والتأمل فيها كفيل بأن يريح الإنسان في هذه الدنيا، وأن يجعله مؤمناً حقاً، يعتقد في الله حق الاعتقاد، بأسمائه وصفاته وأفعاله، ومن ذلك: أن الله عليم ويعلم: (يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ)[النحل: 19].
و(يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)[البقرة: 216].
و(يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ)[البقرة: 220].
و(يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُمٌ)[البقرة: 235].
و(يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)[التغابن: 4].
و(يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ)[آل عمران: 142].
و(لِيَعْلَمَ اللّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ)[المائدة: 94].
و(يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ)[المائدة: 99].
و(يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ)[الأنعام: 3].
و(ويَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ)[الأنعام: 59].
و(يَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ)[الأنعام: 60].
و(يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ)[الرعد: 8].
و(يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ)[الرعد: 42].
و(يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا)[النور: 63].
و(يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ)[القصص: 69].
و(يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ)[الأحزاب: 18].
و(يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ)[سبأ: 2].
و(يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)[غافر: 19].
و(يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ)[محمد: 19].
و(يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى)[طـه: 7].
و(وليَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ)[الحديد: 25].
(وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ)[البقرة: 197].
(وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللّهَ يَعْلَمُهُ)[البقرة: 270].
و(وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ)[الأنفال: 60].
أيها المؤمنون: إذا كان الأمر كذلك، وأن علم الله محيط بكل شيء، فليطمئن المؤمن، وليثق بربه، وليتوكل عليه، ومما تكفل الله -عز وجل- بعلمه، فأراحنا من أخذهم، قوله جل شأنه في سورة النساء: (وَاللّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللّهِ نَصِيرًا)[النساء: 45].
تأمل في هذه الآية -يا عبد الله-: (وَاللّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ) كثيراً ما يشغل الإنسان باله لمعرفة عدوه، وكثيراً ما يبحث الإنسان ويفتش ويبذل ربما كل ما يملك لمعرفة عدوه، والله -عز وجل- قد حفظ لنا ذلك كله: (وَكَفَى بِاللّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللّهِ نَصِيرًا)[النساء: 45].
فلنفتش في كتاب الله، ولنتعرف على بعض أعدائنا، وهذا جزء يسير مما علمنا ربنا، فأولهم وفي مقدمتهم: الشيطان: إن الشيطان للإنسان عدو مبين، قال الله -تعالى-: (وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ)[البقرة: 168].
وقال جل شأنه: (فَقُلْنَا يَا آَدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ)[طه: 117].
ومن الأعداء: الكفاء بجميع مللهم ونحلهم، وأشكالهم وألوانهم، كما قال تعالى: (إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا)[النساء: 101].
فكل من صح أن يطلق عليه الكفر فهو من الأعداء، ويدخل في هذا اليهود والنصارى والشيوعيون والبعثيون، والملاحدة، والبوذيون، والمنافقون، وغيرهم من جميع ملل الكفر التي على وجه البسيطة دون استثناء.
والكفر ملة واحدة، وبعضها أشر من بعض، لكن أهونهم وأخفهم عدوٌ لنا، فيجب علينا أن نتخده عدوا.
ولما كان بعض ملل الكفر شرها وخطرها أعظم من غيرها، جاء التحذير منها على وجه الخصوص، وفي مقدمتهم: اليهود، فإنهم في أعظم الأنباء، قال الله -تعالى-: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ)[المائدة: 82].
فاليهود من أشد الجنس البشر عداوة لملة الإسلام وأهله، ولا يمكن الالتقاء معهم بأي حال من الأحوال، بنص كلام الله -عز وجل-.
وبعدهم في العداوة: المنافقون، كما قال تعالى: (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)[المنافقون: 4].
المنافقون كانوا وما زالوا، وسيزالون، هم الشرذمة التي تنخر في جسم هذه الأمة، وخطورتهم تكمن في تلبسهم بلباس الإسلام، فهم الأعداء الذين نحن بحاجة مستمرة إلى كشف عوارها، وهتك أستارها، وفضح رجالاتها: (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ) [الشعراء: 227].
ومن الأعداء: المجرمين، قال الله -تعالى-: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ) [الفرقان: 31].
فكل مجرم قل أو كثر كبر أو صغر مادام أنه مجرم، فهو عدو ينبغي الحذر منه، ومقاومته، والتخفيف من شره.
ومن الأعداء: الأزواج والأولاد، إذا منعوا الإنسان من طاعة الله، وإذا فعل الرجل الحرام وارتكب المعاصي لأجلهم، صاروا أعداءً له، وإن كانوا أهله وأولاده: (إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ)[التغابن: 14].
ومن الأعداء: بعض الصداقات، التي لا تقوم على أساس التقوى، تجمعها المصالح أو تجمعها مجرد اللهو واللعب، فهذه تجر بأصحابها إلى عواقب وخيمة، ونهايات مظلمة، وخاتمة سيئة، قال الله -تعالى-: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ)[الزخرف: 67].
فكل اجتماع لا ينعقد أساساً على قال الله، قال رسول الله، حدثنا فلان، رواه البخاري، أجمع أهل العلم، فهي اجتماعات، تحمل في طياتها عداوات، بانت لأصحابها أم خفيت.
أيها المسلمون: كم هي الخسارة عندما يكون هذا العبد الضعيف عدوٌ لله، يحارب دينه هؤلاء نهايتهم، كما قال هو جل شأنه في حقهم: (ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ)[فصلت: 28].
قال تعالى: (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ)[فصلت: 19].
نسأل الله -تعالى- أن يستعملنا في طاعته، وأن لا يستعملنا في معصيته.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم