عناصر الخطبة
1/كثرة علامات نبوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم 2/علامات مادية ومعنوية للنبوة 3/الحكمة من ظهور علامات النبوة قبل البعثة 4/سبب إسلام الأنصار.اقتباس
ظهرت في أخلاقه -صلى الله عليه وسلم-؛ كعدم سجوده لصنم.. ما مسَّ صنمًا قط حتى أكرمه الله بالوحي، وتركه للكذب، وشرب الخمر، ولعب القمار، والتعامل بالربا، خلافًا لعادة الرجال في ذلك الوقت، وعدم طوافه بالبيت عريانًا، وغيرها من صفات الرجولة والشهامة....
الخُطْبَةُ الأُولَى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا رسولُ الله.
نحمدك ربنا على ما أنعمت به علينا من نعمك العظيمة، وآلائك الجسيمة؛ حيث أرسلت إلينا أفضلَ رُسلك، وأنزلت علينا خيرَ كُتبك، وشَرعت لنا أفضلَ شرائع دينك، فاللهم لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرِّضا.
أما بعد أيها الإخوة المؤمنون: فقد رأينا في الخطبة السابقة تجديد قريش لبناء الكعبة، والحرص على الحلال الطيب في نفقات البناء، ومشاركة النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه في البناء، وتأبى العناية الإلهية إلا حفظه من التعري على غير عادة قومه، ورأينا تحكيم النبي صلى الله عليه وسلم بينهم في وضع الحجر الأسود، فأزال الصراع بحكمته، وكان في الخامسة والثلاثين من عمره -صلى الله عليه وسلم-.
ولما بلغ -صلى الله عليه وسلم- الثامنة والثلاثين ترادفت عليه علامات نبوته، وتحدث بها الرُّهْبان والكهان؛ وهذا موضوع خطبتنا اليوم في وقفتين اثنتين:
الوقفة الأولى: علامات سبق الحديث عنها: أذكرها إجمالاً على سبيل التذكير، وقد ذكرنا من ذلك في الخطب السابقة علامات مادية ومعنوية؛ فأما المادية؛ فمنها:
• إن أمه رأت عند ولادته كأنه خرج منها نور أضاء لها قصور بُصرَى بالشام.
• البركة التي حلت بحليمة السعدية لما أخذته من إقبال الحليب على ثدييها، وخصب أرض مرعاها وغير ذلك.
• حادثة شق الصدر التي وقعت له في بادية بني سعد.
• قصة بحيرى الراهب واكتشافه لخاتم النبوة.
• تسليم الحجر عليه بمكة.
• ميل غصن الشجرة عليه لإظلاله.
• تظليل الملكين له من حرّ الشمس، وتظليل السحاب له.
• قصة الراهب نسطورا وقوله: "ما نزل تحت هذه الشجرة إلا نبي".
• سقوطه مغشيًّا عليه حين همَّ بنزع ثيابه في حادثة بناء الكعبة.
وأما المعنوية، فقد ظهرت في أخلاقه -صلى الله عليه وسلم-؛ كعدم سجوده لصنم حتى أقسم زيد بن حارثة بأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما مسَّ صنمًا قط حتى أكرمه الله بالوحي، وتركه للكذب، وشرب الخمر، ولعب القمار، والتعامل بالربا، خلافًا لعادة الرجال في ذلك الوقت، وعدم طوافه بالبيت عريانًا، وغيرها من صفات الرجولة والشهامة، حتى قالت له خديجة: "إنك لَتَصِلُ الرحم، وتصدُق الحديث، وتحمل الكَلَّ، وتَقري الضيف، وتُعين على نوائب الحق"، ووصفوه بالصادق الأمين.
والذي يهمنا في هذا المقام السؤال الآتي: ما الحكمة من ظهور هذه العلامات قبل بعثته -صلى الله عليه وسلم-؟ الحكمة أن يشاهدها الناس ويعاينوها وتشتهر بينهم، حتى إذا بُعث وقال: إنه نبي، عرفوا أخلاقه وصفاته وفضله.
وهذا ما كان؛ فقد سارَع مَن وفَّقهم الله للإيمان بالإيمان به بما عرفوه عنه من قبلُ؛ كأبي بكر وخديجة -رضي الله عنهم-، وبعضهم تأخَّر ليستيقن، وبعضهم رفَض كِبرًا وجحودًا منهم، وليس اتهامًا للنبي -صلى الله عليه وسلم-؛ قال -تعالى-: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ)[النمل: 14]، وقال -تعالى-: (فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ)[الأنعام: 33].
الوقفة الثانية: علامات ترادفت عليه قبل مبعثه بقليل وهو في عمر الثامنة والثلاثين؛ منها: العلامة الأولى: تحدث الكهان، والثانية: تحدث أحبار اليهود ورهبان النصارى.
أولاً: تحدُّث الكهان عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل البعثة: وهؤلاء حصلوا على معلوماتهم مما تأتيهم به شياطينهم من استراق السمع، وأكتفي بسرد حادثتين عن الكهان: الأولى: أن شياطينهم مُنعت من استراق السمع؛ وقالوا كما أخبر الله عنهم: (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا)[الجن: 8، 9].
والثانية: ما أخبر به الجنيُّ الكاهنةَ بالمدينة؛ عن جابر بن عبدالله: "إن أول خبر كان بالمدينة بمبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- أن امرأةً من أهل المدينة كان لها تابع من الجن، فجاء في صورة طائر أبيض، فوقع على حائط لهم، فقالت له: ألا تنزل إلينا فتحدثنا ونحدثك، وتخبرنا ونخبرك؟ قال لها: إنه قد بُعث نبيٌّ بمكة حرم الزنا، ومنع منا القرار"؛ يعني: الاستماع لخبر السماء.
فاللهم اجعلنا من أهل اليقين والإيمان، وارزقنا سرعة الاستجابة للحق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلم على عبده المصطفى وآله وصحبه، ومن اقتفى.
أما بعد: فقد رأينا في الخطبة الأولى علامات النبوة قبل البعثة، وسبق الحديث عنها وذكرناها على سبيل التذكير، ورأينا علامةً ظهرت قبيل بعثته؛ وهي تحدث الكهان به بما أخبرتهم به الجن، ونختم بالعلامة الثانية؛ وهي:
ثانيًا: تحدث الأحبار والرهبان عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل البعثة: واستقوا معلوماتهم مما علموه من كتبهم؛ ومن حوادث ذلك:
الأولى: ما جاء في قصة إسلام سلمان الفارسي، وأنه كان مجوسيًّا، ثم دخل كنيسة نصارى فأعجبته عبادتهم، فدخل دينهم، ثم استوصى قس الكنيسة عند وفاته، فأوصاه بالذهاب إلى قس الموصل، الذي أوصاه عند وفاته بالذهاب إلى قس نصيبين، الذي أوصاه عند وفاته أيضًا بقس عمورية، فأوصاه باتباع النبي -صلى الله عليه وسلم- ووصفه له.
الثانية: قصة ورقة بن نوفل وزيد بن عمرو بن نفيل وخروجهما من مكة بحثًا عن الدين الحق، حتى انتهيا إلى راهب بالموصل، فقال الراهب لزيد: إن الذي تلتمس يوشك أن يظهر.
الثالثة: تنبؤ ورقة بن نوفل بالنبي -صلى الله عليه وسلم- عندما ذهبت به خديجة -رضي الله عنها- إليه، وقال لها: "والذي نفس ورقة بيده، لئن كنت صدقتِني يا خديجة، لقد جاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى، وإنه لنبي هذه الأمة"، وسيأتي الحديث عن هذا بحول الله.
الرابعة: تنبؤ هرقل بانتشار دعوته -صلى الله عليه وسلم- وقوله: "فإن كان ما تقول حقًّا، فسيملك موضع قدميَّ هاتين".
الخامسة: في سبب إسلام الأنصار، فقد صح عنهم أنهم قالوا: إن مما دعانا إلى الإسلام، مع رحمة الله -تعالى- وهداه لنا، ما كنا نسمع من رجال يهود، وكنا أهل شرك أصحاب أوثان، وكانوا أهل كتاب، عندهم علم ليس لنا، وكانت لا تزال بيننا وبينهم شرور، فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون، قالوا لنا: إنه قد تقارب زمان نبي يُبعث الآن نقتلكم معه قتل عاد وإرم.
فكنا كثيرًا ما نسمع ذلك منهم، فلما بُعِثَ الله رسوله -صلى الله عليه وسلم- أجبناه، حين دعانا إلى الله -تعالى-، وعرفنا ما كانوا يتوعدوننا به، فبادرناهم إليه، فآمنا به، وكفروا به، ففينا وفيهم نزل هؤلاء الآيات من البقرة؛ قال -تعالى-: (وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ)[البقرة: 89].
فإياكم -إخواني- من التكبر عن الحق إذا سمعتموه أو رأيتموه أن تتبعوه، واحذروا التشبه بصنيع الكثير من أهل الكتاب الذين أبصروا الحق فرفضوه.
فاللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله، وأولئك هم أولو الألباب، آمين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم