عناصر الخطبة
1/أعظم المعرفة وأجلها 2/الوسائل المعينة على معرفة الله تبارك وتعالى 3/فوائد التفكر في خلق الله 4/تأملات في آية الكرسي 5/تأملات في مجرة درب التبانة 6/الله أعظم من أن يُعْصَى.اقتباس
هذه السموات العظيمة بجانب عظمة الكرسي، هي كدراهم سبعة ألقيت في تُرس، هل تصوّرت عظمة هذا الكرسي؟!، ولكي تتصوّر عظمة الكرسي، اسمع شيئًا من عظمة السموات لتعرف عظمة الكرسي، ولتعلم عظمة ذلك؛ فالسموات أودع الله فيها من الخلق شيئًا عظيمًا، فالنجوم هي وحدة بناء المجرات.. ومجرتنا مجرة التبانة...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
أما بعد فيا أيها الناس: لقد تعرّف الله -سبحانه- لخَلْقه بما أودع في الكون من جميل خَلقه وصُنعه، وما بثّ فيه من بديع آياته، ففي كل شيء له آية تدل على أنه واحد، -سبحانه وتعالى-، ولقد عاب الله على المشركين عدم معرفتهم لله حق معرفته فقال: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ)[الأنعام:91].
عباد الله: إن من أعظم ما يدل العبد للتعرُّف على ربه العظيم، وتوقيره اللائق به، أن ينظر العبد في صُنع ربه في الكون، وتلك المخلوقات العظيمة التي خلقها الله -سبحانه- بقوله للشيء: كن فيكون، السموات السبع العظيمة التي رُفعت بغير عمد، والأرضون الفسيحة التي بُسطت للناس، وجعل فيها من كل شيء موزون، والجبال الشاهقة التي أرست الأرض أن تميد بالخلق، والبحار الواسعة التي مُلئت بعجائب المخلوقات، وأودع الله فيها من أسرار القدرة شيئًا عظيمًا، وفي نفس العبد آيات وعِبَر تذهل العقول البشرية، فكم من ملحد دخل الإيمان قلبه لما نظر إلى آيات الله في جسم الإنسان، قال -سبحانه-: (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ)[الذاريات:21].
معاشر المؤمنين: إن التفكر في خلق الله يعود على العبد بقوة الإيمان، والخشية، والمحبة لله -سبحانه-، قال -سبحانه-: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ)[آل عمران:190].
إن المتأمل في خلق الله يحار عقله من استيعاب تلك القدرة التي صنعت ذلك، فلا يملك بعدها إلا التسبيح بعظمة الخالق -جل في علاه-، فلنتأمل الكرسي الذي جعله الله آية للناس، وذكَره في كتابه، وسُمّيت آية باسمه، فيقال آية الكرسي، وجعلت أعظم آية في كتاب الله، فقد ذكر الله -سبحانه- من عظمة الكرسي أنه وسع السموات والأرض، فقال -سبحانه- (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ)[البقرة:255].
وتفسير ذلك جاء في السنة وكلام السلف، أخرج ابن جرير في تفسيره من حديث ابن زيد: حدثني أبي قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما السماوات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في تُرس".
هذه السموات العظيمة بجانب عظمة الكرسي، هي كدراهم سبعة ألقيت في تُرس، هل تصوّرت عظمة هذا الكرسي؟!، ولكي تتصوّر عظمة الكرسي، اسمع شيئًا من عظمة السموات لتعرف عظمة الكرسي، ولتعلم عظمة ذلك؛ فالسموات أودع الله فيها من الخلق شيئًا عظيمًا، فالنجوم هي وحدة بناء المجرات.. ومجرتنا مجرة التبانة تحتوي على ملايين بل بلايين النجوم والشموس!..
وهذه المعطيات الرقمية ليست نظرية، وإنما مشاهدة حقيقية.. ويقدر العلماء طول مجرة التبانة بـ100,000 "مائة ألف" سنة ضوئية أي ما يعادل 945,424,051,200,000,000كم "تسعمائة وخمس وأربعين كوادرليون وأربعمائة وأربع وعشرين ترليون وإحدى وخمسين بليون ومائتين مليون كم".
ويُقدّر عدد نجومها بين 200 – 400 بليون نجم. وفي السماء الدنيا بلايين المجرات، وكل مجرة تحتوي على بلايين النجوم.. والعلماء كلما طوروا مناظيرهم العملاقة اكتشفوا المزيد والكثير من المجرات العظيمة.. وحجم السماء أكبر وأعظم من أن يستوعبه العقل البشري أو يدركه الذهن الإنساني بل ولا حتى الحاسب الآلي.
ويكفي أن نذكر هنا أن متوسط قُطْر المجرات يساوي 30,000 سنة ضوئية.. بينما تُقدر المسافة الوسطية بين كل مجرتين بـ3 ملايين سنة ضوئية! فعندها ندرك قوله -تعالى-: (رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا)[النازعات:28]؛ فجعلها واسعة الأرجاء ممتدة البناء لحكمة شاءها خالق الأرض والسماء (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ)[الأنبياء:16].
لا إله إلا الله، كيف هذه العظمة التي لا يدركها العقل، إنها لا شيء بالنسبة للكرسي.. إن هذا الكرسي هو موضع قدمي الرب، وهو مثل الدرجة والمرقاة بين يدي العرش، فيا سبحان الله كيف يكون العرش؟!
جاء في الحديث أن "الكرسي بالنسبة للعرش كحلقة أُلقيت في صحراء"، فهل تستطيع أن تتخيل العرش الآن؟! والله -سبحانه- فوق العرش، ويعلم كل ما يجري في كونه لا يعزب عن علمه مثقال ذرة، -جل في علاه- قال -سبحانه- (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)[الأنعام: 59].
عباد الله: إذا ذكرتم الله فتفكّروا في خلقه، تجدوا أن التسبيح له طعم آخر، اللهم ارزقنا خشية تملأ قلوبنا، وتورثنا الإنابة إليك يا رب العالمين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم......
الخطبة الثانية:
أما بعد فيا أيها الناس: لقد دعانا الله إلى التفكر في خلقه، وذلك لما يُورثنا من الخشية له ومعرفة عظمته -سبحانه-، وبالتالي نهرب من معصيته -سبحانه-، فمن كان بالله أعرف كان لله أخوف، فالرب العظيم ذكر لنا أن الملائكة عنده -سبحانه- في ملكوت السموات، ولا يحصيهم إلا هو، فمما ذكر من عددهم: أولئك الذين يأتون بجنهم يوم القيامة، جاء في الحديث أن الملائكة يجرونها يوم القيامة لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك، فكم عدة هؤلاء؟! إنهم قرابة خمسة مليارات مَلَك، وأخبر أن البيت المعمور في السماء الدينا يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون، فكم عدد هؤلاء؟! قال -سبحانه-: (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ)[المدثر: 31].
فهل يجدر بنا نحن العصاة المذنبون الضعفاء، أن نبارز الله بالذنوب، ونعترض على أحكامه، أو أن نَسبَّهُ -سبحانه- كما يصدر عن بعض الخلق، يقول -سبحانه-: (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ)[الانفطار: 6]؛ يعني ما الذي غرّك حتى تعصيه، وهو بتلك المكانة والألوهية العظيمة، قال -سبحانه-: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)[الزمر:67].
اللهم اغفر لنا خطأنا وجدنا....
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم