عصمة الأمة باجتماعها

أحمد شريف النعسان

2022-10-09 - 1444/03/13
عناصر الخطبة
1/ سمات تميز بها الإسلام وأهله 2/ أهمية اجتماع أمة الإسلام 3/ أمور مشتركة بين أمة الإسلام 4/ مفاسد الفرقة والاختلاف 5/ السلف الصالح نموذجا رائعا في الاجتماع والوحدة 6/ حرص الإسلام على تأليف القلوب وحثه على الاجتماع والوحدة

اقتباس

إلى مَتَى هَذِهِ الفُرْقَةُ وَهَذَا الحَالُ؛ وَكُلُّنَا يَعْلَمُ مَا فِي الفُرْقَةِ من ضَرَرٍ وَفَسَادٍ؟ وَهَلْ يَخْتَلُّ نِظَامُ المُجْتَمَعِ، وَتَنْتَشِرُ الفَوْضَى، وَتَتَصَدَّعُ أَرْكَانُ الأُمَّةِ، إلا بِتَفَرُّقِ أَهْلِهَا وَتَنَازُعِهِم؟ وَهَلْ تَتَعَطَّلُ مَصَالِحُ العِبَادِ وَالبِلادِ إلا بِالتَّفَكُّكِ وَاتِّبَاعِ الأَهْوَاءِ وَالاقْتِتَالِ؟ وَهَلْ يَتَسَلَّطُ الأَعْدَاءُ، وَيَتَمَكَّنُونَ...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أما بعد:

 

فَيَا عِبَادَ اللهِ: من أَهَمِّ مَا تَمَيَّزَتْ بِهِ أُمَّةُ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-: أَنَّهَا أُمَّةٌ مُتَوَادَّةٌ مُتَرَاحِمَةٌ مُتَلَائِمَةٌ مُتَحَابَّةٌ، أَقَامَتْ مُجْتَمَعَهَا على أَسَاسٍ من الحُبِّ المُتَبَادَلِ، وَالتَّعَامُلِ الرَّفِيقِ، وَالسُّلُوكِ الرَّقِيقِ، وعلى أَسَاسٍ من الإِيثَارِ، وَحُبِّ الآخَرِينَ، لا على الأَثَرَةِ المَمْقُوتَةِ، وَالأَنَانِيَّةِ البَغِيضَةِ.

 

لَقَد تَمَيَّزَتْ أُمَّةُ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- بِسَلامَةِ الصَّدْرِ، وَكَرَامَةِ الأَخْلاقِ، فَهِيَ أُمَّةٌ لا يَحْمِلُ أَفْرَادُهَا حِقْدَاً دَفِينَاً، ولا حَسَدَاً، ولا خِسَّةً، ولا قِلَّةَ مُرُوءَةٍ؛ كُلُّ ذَلِكَ بِبَرَكَةِ هَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ الذي حَثَّ على التَّآلُفِ وَالمَوَدَّةِ، وَاجْتِمَاعِ الكَلِمَةِ، وَوَحْدَةِ الصَّفِّ؛ وَحَذَّرَ التَّحْذِيرَ الشَّدِيدَ من التَّنَافُرِ وَالفُرْقَةِ وَالشِّقَاقِ وَالتَّنَازُعِ، فَقَالَ تعالى: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [آل عمران: 103].

 

يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَد ضَمِنَ اللهُ -تعالى- للأُمَّةِ العِصْمَةَ من الخَطَأِ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِم على الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ اللهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثَاً، وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثَاً، فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ، وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئَاً، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعَاً وَلَا تَفَرَّقُوا؛ وَيَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الـْمَالِ".

 

وفي رِوَايَةِ الإمام أحمد: "وَأَنْ تُنَاصِحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللهُ أَمْرَكُمْ".

 

لَقَد ضَمِنَ اللهُ -تعالى- للأُمَّةِ بَقَاءَ وُجُودِهَا إِذَا الْتَزَمَتْ هَدْيَ رَبِّهَا -عَزَّ وَجَلَّ- القَائِلِ: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء: 92].

 

وَالقَائِلِ: (فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ) [الأنفال: 1].

 

وَالقَائِلِ: (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) [الشورى: 13].

 

وَالقَائِلِ: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) [الأنعام: 159].

 

وَالقَائِلِ: (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) [الأنفال: 46].

 

وَالقَائِلِ: (وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْـمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) [الروم: 31- 32].

 

يَا أُمَّةَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-: لماذا الاخْتِلَافُ؟ يَا أُمَّةَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-: لماذا الاخْتِلَافُ وَالتَّنَابُذُ وَالتَّحَاقُدُ وَالتَّحَاسُدُ وَالاقْتِتَالُ، وَالدِّينُ وَاحِدٌ؟ لماذا الفُرْقَةُ وَالتَّنَازُعُ، وَالقِبْلَةُ وَاحِدَةٌ؟ لماذا التَّشَاحُنُ، وَرَبُّنَا وَاحِدٌ، وَنَبِيُّنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- وَاحِدٌ، وَكِتَابُنَا وَاحِدٌ؟

 

يَا عِبَادَ اللهِ: إلى مَتَى هَذِهِ الفُرْقَةُ وَهَذَا الحَالُ؛ وَكُلُّنَا يَعْلَمُ مَا فِي الفُرْقَةِ من ضَرَرٍ وَفَسَادٍ؟ وَهَلْ يَخْتَلُّ نِظَامُ المُجْتَمَعِ، وَتَنْتَشِرُ الفَوْضَى، وَتَتَصَدَّعُ أَرْكَانُ الأُمَّةِ، إلا بِتَفَرُّقِ أَهْلِهَا وَتَنَازُعِهِم؟ وَهَلْ تَتَعَطَّلُ مَصَالِحُ العِبَادِ وَالبِلادِ إلا بِالتَّفَكُّكِ وَاتِّبَاعِ الأَهْوَاءِ وَالاقْتِتَالِ؟ وَهَلْ يَتَسَلَّطُ الأَعْدَاءُ، وَيَتَمَكَّنُونَ من رِقَابِ العِبَادِ، إلا بِتَضَارُبِ الآرَاءِ، وَتَحْكِيمِ الأَهْوَاءِ، وَانْتِشَارِ الأَحْقَادِ والنِّزَاعَاتِ؟ لماذا هَذَا الذي يَجْرِي، وَالإِسْلامُ هُوَ الجَامِعُ؟

 

وَاللهِ إِنَّهُ لَعَجِيبٌ أَمْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ، كَيْفَ تَرْضَى لِنَفْسِهَا هَذِهِ الحَالَةَ، مَعَ أَنَّ جَمِيعَ العُقَلَاءِ يَعْلَمُونَ ضَرَرَ الفُرْقَةِ والاقْتِتَالِ، وَسُوءَ أَثَرِهَا على الأُمَّةِ؟

 

يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَد كَانَتِ الأُمَّةُ في سَلَفِهَا الصَّالِحِ مِثَالَاً يُحْتَذَى، وَأَمَلَاً يُرْتَجَى لِكُلِّ شَعْبٍ من الشُّعُوبِ، وَلِكُلِّ أُمَّةٍ من الأُمَمِ التي تَرْغَبُ في العَيْشِ الكَرِيمِ، عِنْدَمَا كَانَتْ مُتَمَسِّكَةً بِكِتَابِ رَبِّهَا -عَزَّ وَجَلَّ-، وَمُقْتَفِيَةً هَدْيَ نَبِيِّهَا سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-، عِنْدَمَا انْضَوَى تَحْتَ ظِلَالِهَا بِلَالٌ الـحَبَشِيُّ، وَصُهَيْبٌ الرُّومِيُّ، عِنْدَمَا عَاشَتْ كَالجَسَدِ الوَاحِدِ، إِذَا تَأَلَّمَ مِنْهُ عُضْوٌ تَأَلَّمَ لِأَلَمِهِ سَائِرُ الجَسَدِ، عِنْدَمَا جُمِعُوا على أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْهُم.

 

يَا عِبَادَ اللهِ: نَحْنُ اليَوْمَ أَشَدَّ مَا نَكُونُ حَاجَةً إلى التَّآلُفِ وَالتَّحَابُبِ وَالتَّمَاسُكِ وَالتَّكَاتُفِ، وَالبُعْدِ عَن الفُرْقَةِ وَالاخْتِلافِ، وَنَبْذِ أَسْبَابِ الشِّقَاقِ وَالنِّزَاعِ التي تَذْهَبُ بِرِيحِنَا، وَتُوهِنُ عَزِيمَتَنَا، وَتَنَالُ من قُوَّتِنَا.

 

وَللهِ دَرُّ القَائِلِ:

 

كُـونُوا جَمِـيعَـاً يَا بَنِيَّ إِذَا انْبَرَى *** خَـطْبٌ وَلَا تَـتَفرَّقُوا أَفْرَادَا

تأْبَى الرِّمَاحُ إِذَا اجْتَمَعْنَ تَكَسُّرَاً *** وَإِذَا افْتَرقْنَ تَكَسَّرَتْ آحَادَا

 

يَا عِبَادَ اللهِ: الإِسْلامُ جَمَعَ القُلُوبَ بِالأَمْسِ، وَجَبَلَ المَشَاعِرَ، وَصَهَرَ الرَّوَابِطَ في بَوْتَقَةٍ وَاحِدَةٍ، وَأَطْفَأَ نَارَ العَدَاوَةِ وَالبَغْضَاءِ وَالحُرُوبِ بَيْنَ الأَوْسِ وَالخَزْرَجِ؛ فَهَلْ نَكُونُ اليَوْمَ وَنَحْنُ نَعِيشُ في هَذِهِ البِلادِ المُبَارَكَةِ؛ كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: "الْـمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضَاً" وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ [رواه الشيخان عَنْ أَبِي مُوسَى -رَضِيَ اللهُ عَنهُ-].

 

يَا عِبَادَ اللهِ: عَلَيْنَا أَنْ نَعِيشَ الوَحْدَةَ التي لا تَعْرِفُ التَّفَرُّقَ، وَالشُّورَى التي لا يُخَالِطُهَا اسْتِبْدَادٌ، وَالتَّضَامُنَ الذي لا تُلَامِسُهُ أَثَرَةٌ، وَلْنَتَعَاوَنْ على البِرِّ وَالتَّقْوَى، وَلْنَتَنَاهَى عَنِ الإِثْمِ وَالمُنْكَرِ وَالعُدْوَانِ، وَلْيَعْطِفْ كُلُّنَا على كُلِّنَا، وَلْيَقُدْنَا قَوْلُهُ تعالى: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء: 92].

 

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدَّاً جَمِيلاً، آمين.

 

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

المرفقات

الأمة باجتماعها

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات