عشر ذي الحجة أفضل من عشر رمضان (2)

الشيخ راشد بن عبدالرحمن البداح

2021-07-09 - 1442/11/29 2022-10-06 - 1444/03/10
التصنيفات: عشر ذي الحجة
عناصر الخطبة
1/خطأ الاتكال على كرم الله وحده 2/فضل العشر من ذي الحجة 3/الحث على إحياء شعيرة التكبير في هذه الأيام 4/أعمال فاضلة تستحب فيها.

اقتباس

وإنَّ منْ فضلِ اللهِ -تَعَالَى- علَينا أنه "لَمَّا وَضَعَ فِي النُفُوسِ حَنِينًا إِلَى حَجِّ بَيْتِهِ الْحَرَامِ، وَلَيْسَ كُلُّ أحَدِ قَادِرًا عَلَى ذلكَ كُلِّ عَامٍ, جَعَلَ مَوْسِمَ الْعَشْرِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ السَّائِرِينَ وَالْقَاعِدِينَ؛ ليَكُونُ أفْضَلَ مِنَ الْجِهَادِ الَّذِي هُوَ أفْضَلُ مَنِ الْحَجِّ...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

"الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ، مَنَّ عَلَيْنَا فَهَدَانَا وَأَطْعَمَنَا وَسَقَانَا، وَكُلَّ بَلَاءٍ حَسَنٍ أَبْلَانَا"(السنن الكبرى للنسائي), "وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ، مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ إِلَّا نَفْسَهُ، وَلَا يَضُرُّ اللَّهَ شَيْئًا"(سنن أبي داود).

 

أما بعد: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا)[الأحزاب: 70].

 

دعا رجلٌ مليونير جماعةً للعَشاءِ، فأَدخَلَهم في خزينةِ أموالهِ ليُكرمَهم، وقال: "امكثُوا عشرَ دقائقَ، وما حملتُم بأيدِيكم فهوَ لكم", فذهبوا يَجمعونَ ويُسارعونَ، إلا واحدًا منهم، قال: "لا تُكثروا من الجَمعِ؛ فإن الرجلَ كريمٌ، وسيُعطِينا دونَ أن نجمعَ لأنفسِنا!", فهل تَقبلُ كلامَه، أم تَعتبرُه تَخذيلاً، وتَضييعًا لفرصةٍ سانحةٍ كبيرةٍ؟!.

 

هذا المثالُ الرمزيُ يُطابِقُ حالَنا مع كرمِ ربِنا لنا, حينَ تأتينا مواسمُ مضاعفةِ الحسناتِ, فمن اعتمدَ على فضلِ اللهِ دونَ أن يعملَ فهو مُفرطٌ مُضيعٌ, ومن اجتهدَ واستكثرَ فهو الموفقُ المُتاجِرُ مع اللهِ في مواسمِ الآخرةِ؛ (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى)[الضحى: 4].

 

أَلَا إِنَّنا غدًا نترقَّب بَدْءَ مَوْسِمٍ لَا كَالْمَوَاسِمِ، أيَّامُهُ وَلَيَالِيْهِ أَعَظْمُ أيَّامِ ولَيَالِي الدُّنْيَا، فِيهِ أَيَّامٌ مَعْلُومَاتٌ، وَفِيهِ أَيَّامٌ مَعْدُودَاتٌ؛ ففي صحيحِ البخاريِّ أنَّ النَّبِيَّ قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا العَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ؟", قَالُوا: وَلاَ الجِهَادُ؟! قَالَ: "وَلاَ الجِهَادُ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ".

 

قَالَ ابْنُ رَجَبٍ – رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: "هَذَا حَدِيثٌ عَظِيمٌ جَلِيلٌ, يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَشْرَ ذِي الْحِجَّةِ أفْضَلُ مِنْ عَشْرِ رَمَضَانَ، لَيَالِيِهِ وَأَيَّامِهِ, ونَوَافِلُ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ أفْضَلُ مِنْ نَوَافِلِ عَشْرِ رَمَضَانَ، وَكَذَلِكَ فَرَائِضُ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ تُضَاعَفُ أَكْثَرَ مِنْ مُضَاعَفَةِ فَرَائِضِ غَيْرِهِ... وَقَدْ كَانَ عُمَرُ يَسْتَحِبُّ قَضَاءَ رَمَضَانَ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ؛ لِفَضْلِ أيَّامِهِ"(باختصار من فتح الباري لابن رجب).

 

فـ"الْغَنِيمَةَ الْغَنِيمَةَ بِاِنْتِهَازِ هَذِهِ الْأيَّامِ الْعَظِيمَةِ؛ فَمَا مِنْهَا عِوَضَ وَلَا لَهَا قِيمَةُ، وَالْعَجَلَ الْعَجَلَ قَبْلَ هُجُومِ الْأَجَلِ... قَبْلَ أَنْ يَصِيْرَ الْمَرْءُ مُرْتَهَنًا فِي حُفْرَتِهِ بِمَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلٍ"(لطائف المعارف لابن رجب).

 

ألَا وإنَّ منْ فضلِ اللهِ -تَعَالَى- علَينا أنه "لَمَّا وَضَعَ فِي النُفُوسِ حَنِينًا إِلَى حَجِّ بَيْتِهِ الْحَرَامِ، وَلَيْسَ كُلُّ أحَدِ قَادِرًا عَلَى ذلكَ كُلِّ عَامٍ, جَعَلَ مَوْسِمَ الْعَشْرِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ السَّائِرِينَ وَالْقَاعِدِينَ؛ ليَكُونُ أفْضَلَ مِنَ الْجِهَادِ الَّذِي هُوَ أفْضَلُ مَنِ الْحَجِّ"(اللطائف).

 

فـ"مَنْ فَاتَهُ الْقِيَامَ بِعَرَفَةَ، فَلَيَقُمْ للهِ بِحَقِّهِ الَّذِي عَرَفَهُ، مَنْ عَجِزَ عَنِ الْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ فَلَيَبِتْ عَلَى طَاعَةِ اللهِ، وَقَدْ قَرَّبَهُ وَأَزْلَفَهُ... ومَنْ لَمْ يَصِلْ إِلَى الْبَيْتِ؛ لِأَنَّهُ مِنْهُ بَعيدٌ، فَلَيَقْصِدْ رَبَّ الْبَيْتِ؛ فَإِنَّهُ أقْرَبُ إِلَى مَنْ دَعَاهُ وَرَجَاهُ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ"(اللطائف).

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِذَا أُعْلِنَ الشَّهْرُ فَعَلَيْكُمْ بِالتَّكْبيرِ فِي بُيُوتِكُمْ، وَمَسَاجِدِكُمْ وَمَجَالِسِكُمْ، وَمَجَامِعِكُمْ, واقتدوا بأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- اللذَينِ يَخْرُجَانِ أَيَّامَ الْعَشْرِ إِلَى السُّوقِ، فَيُكَبِّرَانِ، فَيُكَبِّرُ النَّاسُ مَعَهُمَا، لَا يَأْتِيَانِ السُّوقَ إِلَّا لِذَلِكَ"(أخبار مكة للفاكهي), قالَ مَيمونُ بنُ مِهْرانَ: "أدرَكْتُ الناسَ وإنَّهمْ لَيُكبِّرونَ في العَشْرِ، حتَّى كنتُ أشبِّهُهُ بالأمواجِ مِن كَثْرَتِها!"(فتح الباري لابن رجب).

 

وقدْ كانتْ هذهِ الشَّعيرةُ قبلَ ثلاثِةِ عُقودٍ ظاهِرةً في أسْواقِ الغنَمِ خاصَّةً، فأينَ مَنْ يُحْيِيْها وقدْ مَاتَتْ أو كادَتْ؟!.

 

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

"إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، مَا شَاءَ اللهُ جَعَلَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَمَا شَاءَ جَعَلَ خَلْفَهُ، وَإِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا"(مسند أحمد) والصلاةُ والسلامُ على خيرِ خَلْقِهِ عِبادةً وذِكرًا، أما بعدُ:

 

فإنْ قلتَ: أيُ الأعمالِ أرجَى في هذهِ العشرِ؟.

فيُقالُ: أرجاها المحافظةُ على الصلواتِ المفروضاتِ بالمساجدِ، لاسيَما صلاتَي الظهرِ والعصرِ، فيا عجبًا لمنْ يَحرصُ على السننِ، وأما صلاتُه ففي مَهَبِ الريحِ!.

 

ومما يُشرعُ في هذه الأيامِ المباركةِ: استحبابُ صيامِ تسعةِ أيام، "فإن ضعُفتَ فيومًا ويومًا، والصيامُ يُعينُك على قلةِ الخروجِ والولوجِ، فإذا صاحَبَه كثرةُ مُكثٍ بالمسجدِ لقراءةِ القرآنِ كان خيرًا على خيرٍ، لا سيَما بعدَ الفجرِ والعصرِ, وَقَدْ رُوِيَ عَنِ اِبْنِ عُمَرَ وَاِبْنِ سِيْرِيْنَ وَقَتَادَةَ أَنَّ صِيَامَ يَوْمٍ مِنَ الْعَشْرِ يَعْدِلُ سَنَةً"(باختصار من فتح الباري لابن رجب).

 

ومنَ الأعمالِ المضاعفةِ في هذهِ الأيامِ المباركةِ: الإكثارُ من ذكرِ اللهِ بالتسبيحِ والتهليلِ والتحميدِ والتكبيرِ.

 

فـ"الْغَنِيمَةَ الْغَنِيمَةَ بِاِنْتِهَازِ الْفُرْصَةِ فِي هَذِهِ الْأيَّامِ الْعَظِيمَةِ, فَمَا مِنْهَا عِوَضَ وَلَا لَهَا قِيمَةُ، وَالْعَجَلَ الْعَجَلَ قَبْلَ هُجُومِ الْأَجَلِ... قَبْلَ أَنْ يَصِيْرَ الْمَرْءُ مُرْتَهَنًا فِي حُفْرَتِهِ بِمَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلٍ".

 

فاللهمَ أعِنَّا على ذِكرِكَ وشُكرِكَ وحُسْنِ عِبادَتِكَ, اللهمَّ أقبِلْ بقلوبِنا في هذهِ العشرِ على طاعتِكَ, اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَرَى مَكَانَنا، وَتَسْمَعُ كَلَامَنا، وَتَعْلَمُ سِرَّنا وَعَلَانِيَتَنا، ولَا يَخْفَى عَلَيْكَ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِنا، نَحْنُ البؤساءُ الْفُقَرَاءُ، الْمُسْتَغِيثُونَ الْمُسْتَجِيرُونَ، الْمُقِرُّونَ الْمُعْتَرِفُون بِذُنوبِهِمْ., اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنا بِدُعَائِكَ أشَقِياءَ، وَكُنْ بِنا رَؤوفًا رَحِيمًا، يَا خَيْرَ الْمَسْئُولِينَ، وَيَا خَيْرَ الْمُعْطِينَ, اللهم إنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ, اللهم أَرْخِصْ أسعارَنا، وَآمِنْ دِيَارَنَا، وَحَسِّنْ أَخْلَاقَنَا، ويسِّرْ أَرْزَاقَنَا، وَارْحَمْ أمواتَنا، وأحسِن مماتَنا، وَاجْمَعْ عَلَى الْهُدَى شُؤونَنا، وَاقْضِ اللَّهُمّ دُيونَنا, اللهم وَفِّقْ إمَامَنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ بِتَوْفِيقِكَ، وارزقْهم بطانةً صالحةً ناصحةً، وَاحْفَظْ أبْطَالَ الْحُدُودِ وعُيونَنا الساهرةَ، واجزِهِم عَنَّا خَيْرَ الْجَزَاءِ

 

المرفقات

عشر ذي الحجة أفضل من عشر رمضان.doc

عشر ذي الحجة أفضل من عشر رمضان.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات