عرفة والأضحية

الشيخ راشد بن عبدالرحمن البداح

2022-07-01 - 1443/12/02 2022-10-08 - 1444/03/12
عناصر الخطبة
1/شأن يوم عرفة 2/استحضار عظم هذا اليوم والتفرغ فيه للذكر والدعاء 3/العيد والأضحية

اقتباس

تذكروا أَنَّ اجْتِمَاعَ أَهْلِ عَرَفَةَ اليومَ يُوَافِقُ اجْتِمَاعَ الْمُسْلِمِينَ فِي مَسَاجِدِهِمْ وَمَوْقِفِهِمْ مِنَ الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ. وإِذَا اتَّفَقَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ جُمُعَةٍ، فَقَدِ اتَّفَقَ عِيدَانِ مَعًا. ولنتَذَكَّرْ بيَوْمِ عَرَفَةَ أَعْظَمِ مَوَاقِفِ الدُّنْيَا...

الخُطْبَةُ الأُوْلَى:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، مُبَارَكًا عَلَيْهِ، كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له. وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه، بلَّغَ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ، وجاهَدَ في اللهِ حقَّ جهادِه، فاللهم صلِّ وسلِّمْ عليهِ تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعدُ: اليومَ يومُ المَرحمةِ، اليومَ يومُ المباهاةِ، اليومَ كمْ من رقبةٍ من النارِ مُعتَقَةٌ، عصرَ اليومِ يَفعلُ فيهِ ربُنا كما يشاءُ ثلاثةَ أفعالٍ لا تكونُ إلا فيهِ: يُعتِقُ ويَدنُو ويُباهِيْ.

 

فاستشعِرْ عصرَ اليومِ أَنَّ الرَّبَّ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يَدْنُو مِنْ أَهْلِ الْمَوْقِفِ، ثُمَّ يُبَاهِيْ بِهِمُ الْمَلَائِكَةَ فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ. يَغفر لمن شاءَ لا يبالي. وَتَحْصُلُ مَعَ دُنُوِّهِ مِنْهُمْ سَاعَةُ الْإِجَابَةِ الَّتِي لَا يَرُدُّ فِيهَا سَائِلًا يَسْأَلُ خَيْرًا فَيَقْرُبُونَ مِنْهُ بِدُعَائِهِ وَالتَّضَرُّعِ إِلَيْهِ، وَيَقْرُبُ مِنْهُمْ تَعَالَى نَوْعَيْنِ مِنَ الْقُرْبِ: قُرْبُ الْإِجَابَةِ الْمُحَقَّقَةِ، وقُرْبُهُ الْخَاصُّ مِنْ أَهْلِ عَرَفَةَ، وَمُبَاهَاتُهُ، فَتَسْتَشْعِرُ قُلُوبُ أَهْلِ الْإِيمَانِ هَذِهِ الْأُمُورَ فَتَزْدَادُ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِهَا، وَفَرَحًا وَسُرُورًا وَابْتِهَاجًا، وَرَجَاءً لِفَضْلِ رَبِّهَا وَكَرَمِهِ.

 

قالَ ابنُ عبدِ البَرِّ: "وهو يَدلُّ على أنهمْ مَغفورٌ لهم؛ لأنهُ لا يُباهِيْ بأهلِ الذنوبِ". وقالَ ابنُ رجبٍ: "يُعتِقُ اللهُ مَنْ وَقفَ بعرفةَ، ومَن لم يَقِف بها".

 

فيا أيُها الصائمونَ: تذكروا أَنَّ اجْتِمَاعَ أَهْلِ عَرَفَةَ اليومَ يُوَافِقُ اجْتِمَاعَ الْمُسْلِمِينَ فِي مَسَاجِدِهِمْ وَمَوْقِفِهِمْ مِنَ الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ. وإِذَا اتَّفَقَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ جُمُعَةٍ، فَقَدِ اتَّفَقَ عِيدَانِ مَعًا. ولنتَذَكَّرْ بيَوْمِ عَرَفَةَ أَعْظَمِ مَوَاقِفِ الدُّنْيَا الْمَوْقِفَ الْأَعْظَمَ بَيْنَ يَدَيِ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ.

 

وَلنتَذَكَّرْ بساعتِنا هذهِ أنّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَسْتَقِرّون فِي مَنَازِلِهِمْ، وَأَهْلَ النَّارِ يَسْتَقِرّونَ فِي مَنَازِلِهِمْ.

 

وَلنتَذَكَّرْ أن يومَنا مُوَافِقٌ لِيَوْمِ الْمَزِيدِ فِي الْجَنَّةِ، حِيْنَ يُجْمَعُ فِيهِ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي وَادٍ أَفْيَحَ، وَيُنْصَبُ لَهُمْ مَنَابِرُ عَلَى كُثْبَانِ الْمِسْكِ، فَيَنْظُرُونَ إِلَى رَبِّهِمْ -تَعَالَى- عِيَانًا، وَيَكُونُ أَقْرَبُهُمْ مِنْهُ أَقْرَبَهُمْ مِنَ الْإِمَامِ يَوْمَ الجُمُعَةِ.

 

ولله في هذا اليومِ نفحاتٌ، ومِن نفحاتِهِ أن صيامَه يُكَفّرُ صغائرَ الذنوبِ لسَنَتَينِ، سنةٍ مَضَتْ، وسَنةٍ أَتَتْ. فكأنهُ حِفْظٌ للماضِي والمستقبلِ. أليسَ عرضًا مغريًا؟!

 

فلنتأهَبْ ولنتفرغْ لهذا اليومِ الجليلِ، ليسَ صومًا فحَسْب، بلْ دعاءً وبكاءً وجؤارًا، وذِكرًا وإحسانًا. ولا يَغُرنَّك قولُ مَن مَنعَ الدعاءَ عصرَ عرفةَ، ومَن يَنشرونَ كلَ مَقطعٍ يُخالِفُ ما عَهِدَه الناسُ. بل انثُرْ حاجاتِكَ وشكواكَ بين يدَيْ مَن لا يَمَلُ من سؤالِكَ، ولا يَغضَبُ من إلحاحِكَ. وتفرَّغْ من بعدِ صلاتِكَ هذهِ، واقضِ أشغالَكَ، وأغلِقْ جوالَكَ، وحضِّرْ أدعيتَكَ، واخْلُ بنفسِكَ، وابكِ بكاءَ الطفلِ بين يَدَي أبيهِ، وألحَّ وأنتَ مُوقنٌ بالإجابةِ؛ وخُصَّ من الدعاءِ والدَيكَ وولدَكَ وأهلَكَ ولوليِ أمرِ المسلمينَ، وادعُ لأقطارِ المسلمينَ، وللمَكروبينَ والمَرضَى والموتَى منَ المسلمينَ.

 

يا مَن يَشهَدُ عرفةَ صائماً في آخرِ ساعةٍ يومَ الجمعةِ: إنكَ ستدعُو رَباً بَراً كريماً، لا يَتعاظَمُه ذنبٌ أن يَغفِرَه، ولا فَضلٌ أن يعطيَه، فأحسِن ظنَك بربِك؛ ولا تَظُنَ بربِكَ إلا أنه قَبِلَكَ، وَوهَبَ لكَ خطأَكَ. فأبشِرْ، ولا تتحجَّرْ عنْ نفسِكَ، ولا عنِ الناسِ من رحمةِ اللهِ واسعاً.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ يُعطِينا، ويَشكرُ لنا إن أَعطَينا، والصلاةُ والسلامُ على أُسوتِنا، أما بعدُ:

 

فيا عبادَ اللهِ: إنَّ يومَ غدٍ، يومٌ مفضَّلٌ ومعظمٌ عندَ اللهِ. قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَعْظَمُ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللهِ يَوْمُ النَّحْرِ"(رواه النسائي). وفيهِ شَعيرتانِ عَظيمتانِ:

الأولَى: شُهودُ صلاةِ العيدِ معَ المسلمينَ، فلا تفوِّتْها فبعضُ العلماءِ يَرى وُجوبَها.

 

الثانيةُ: الأضحيةُ، ذلكَ القُربانُ العظيمُ موقعُه عندَ اللهِ -سبحانَه-. ومن عجَزَ عن قيمتِها فهو معذورٌ، وهي مسنونةٌ لا واجبةٌ، ويقال لمنْ عَجَزَ: قد ضحَّى عنكَ حبيبُك -صلى اللهُ عليه وسلمَ- وَقَالَ: "هَذَا عَنِّي وَعَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِي"(رواه الترمذي).

 

ومَنْ وجَدَ سَعَةً فليُعطِ دراهمَ لمنْ يعجَزُ، أو يعطيْهِ إحدَى ضحايا وَصايا أمواتِهِ، يذبحونها ويأكلوُنها فيَفرحونَ، وتبقَى نيةُ الوَصِيِ والموصِي على ما هيَ. أو لِيَجْمَعْ أهلُ بيتٍ قيمةَ أضحيةٍ، ولْيَهَبُوا المبلغَ لمحتاجٍ مِنْ عادتهِ أنه يُضحِيْ، ولكنهُ عجَزَ الآنَ. فما أعظمَ إدخالَ السرورِ على مِثلِ هؤلاءِ.

 

ومن مَسائلِ الأضحيةِ التي يُسألُ عنها كثيرًا: أن يقولَ الشابُ المتزوجُ حديثًا: أنا أسكُنُ في شِقةٍ عندَ أبي، أو يقولَ: أنا أسكنُ ببلدٍ بعيدٍ عن أبي، وفي إجازةِ العيدِ أسكنُ عندَ أبي، فهلْ تكفِي أضحيةُ والدِيْ عني؟ فيقال: إذا كان مطبخُكَ أو سكنُكَ مستقلاً فلا تَكفِي عنكَ أضحيةُ والدِك. فإن قدِرتَ فالأفضلُ أن تُضحِي.

 

فاللهم لكَ صَلاتُنا ونُسُكنُا ومَحيانا ومَماتُنا، وإليكَ مآبُنا(رواه الترمذي).

 

اللهم وَهبتَنا مالاً، فَبَذَلْنا منه بفضلِكَ قُربةً ومَنْسَكًا.

 

اللهم اقبَلْنا وأَقْبِلْ بقلُوبِنا عصرَ اليومِ، واجعَلْنا ممنْ تُعتقُهم وتُباهِي بهم.

 

اللهم اكتُبْنَا فيمَن كُفّرَتْ خَطايَاهُمْ لسَنَتَيْنِ.

 

اللهمَ لكَ الحمدُ على حلمِك بعدَ علمِك، ولكَ الحمدُ على عفوِك بعدَ قُدْرَتِك.

 

اللهم احفظْ دينَنا وبلادَنا، وأهلَنا، وجنودَنا وحجاجَنا ومنظِمي حجاجِنا.

 

اللهم سدِّدْ إمامَنا ووليَّ عهدِهِ لهُداكَ، واجعلْ عمَلَهما في رضاكَ.

 

اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.

 

المرفقات

عرفة والأضحية.pdf

عرفة والأضحية.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات