عذرا فلسطين

رياض بن يحيى الغيلي

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ لا طريق إلا الجهاد 2/ دروس مستفادة من أحداث فلسطين 3/ تخاذل الحكام 4/ كل شيء بيد الله تعالى 5/ الفجوة بين الحكام والشعوب

اقتباس

الشعوب قالت: لا للتطبيع، وهم يهرولون حثيثين للتطبيع سراً وجهراً، ليلاً ونهاراً؛ الشعوب ترفض وجود أي سفارات لبني صهيون في أي بلد مسلم، وهؤلاء الجبناء يحمون سفارات اليهود، ودونها الموت الزؤام؛ الشعوب تنادي حكامها بقطع العلاقات مع راعية اليهود أمريكا، وهم على العلاقات الأمريكية يحيون، وعليها يموتون، وعليها يبعثون إن شاء الله خزايا، مهطعين رؤوسهم؛ الشعوب أعلنت مقاطعتها للبضائع والمنتجات الأمريكية واليهودية..

 

 

 

 

 

الحمد لله رب العالمين، يا رب! إن لم أكن أهلاً لبلوغ رحمتك، فإن رحمتك أهلٌ لأن تبلغني، فأنت القائل: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) [الأعراف:156]، وأنا شيء، فلتسعني رحمتك.

يا رب! إذا نامت العيون، وهجعت الأطيار في الأشجار، وهدأت الكائنات في البحار، وأغلقت الملوك أبوابها فليس أمامنا إلا بابك؛ اللهم فرج كروبنا، واستر عيوبنا، واغفر ذنوبنا، وتَوَلَّ أمرنا، وأحسِنْ خلاصَنا، وفُكَّ أسرنا.

اللهم انصر المجاهدين والمجاهدات على أرض فلسطين، اللهم احفظ دماء المسلمين على أرض فلسطين، اللهم سلِّطْ سيف انتقامك على بني صهيون، اللهم سلط سيف انتقامك على بني صهيون، اللهم سلط سيف انتقامك على بني صهيون؛ اللهم حطم أمريكا وأساطيلها يا رب العالمين، اللهم ارم الظالمين بالظالمين وأخرجنا من بينهم سالمين، يا نعم المولى ويا نعم النصير.

وأشهد ألا إله إلا الله، إذا وقف العباد على الصراط يوم القيامة، نادى الله وقال: أنا الله، أنا الملك، أنا الديان، وعزتي وجلالي؛ لا يغادر هذا الصراط أحد من الظالمين! أنا الله، أنا الملك، أنا الديان، وعزتي وجلالي؛ لا يغادر هذا الصراط أحد من الظالمين! ثم ينادي ملَكٌ مِن قِبَل الله فيقول: أين الظلَمة؟ وأين أعوان الظلمة؟ أين مَن ناولهم دواةً، ومن برى لهم قلما؟.

إذا وقف العباد على الصراط يوم القيامة، نادى الله وقال: أنا الله، أنا الملك، أنا الديان، وعزتي وجلالي؛ لا يغادر هذا الصراط أحد من الظالمين؛ إذاً، فأين يذهبون يا رب العالمين؟ أين يذهبون؟ أين يذهب أصحاب الجلالة والفخامة والسمو؟ (فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا * ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا * ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا * وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا) [مريم:68-72].

يا رب:

قَصَدْتُ بَابَ الرَّجَا والنَّاسُ قَدْ رَقَدُوا *** وَبِتُّ أَشْكُو إِلى مَوْلَايَ مَا أَجِدُ

فَقُلْتُ يَا أَمَلِي فِي كُلِّ نَائبةٍ *** وَمَنْ عَلَيْهِ لِكَشْفِ الضُّرِّ أَعْتَمِدُ

أَشْكُو إليكَ أُمُورَاً أنتَ تَعْلمُها *** مَا لِي عَلَى حَمْلِها صَبْرٌ وَلَا جَلَدُ

لَقَدْ مَدَدْتُ يَدِي بِالذُّلِّ مُفْتَقِرَاً *** إِلَيْكَ يَا خَيْرَ مَنْ مُدَّتْ إِلَيْهِ يَدُ

فَلا تَرُدَّنَّهَا يَا رَبّ خَائِبَةً *** فَبَحْرُ جُودِكَ يَرْوِي كُلَّ مَنْ يَرِدُ

وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا وقائدنا وقدوتنا محمداً رسول الله؛ كان إذا اشتد القتال، ودارت رحى الحرب، وحمي الوطيس، وقف الحبيب في ميادين القتال، يزمجر زمجرة الأسود في بطون الغاب، وينادي قائلا: أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب؛ كان بين الناس رجلا، وكان بين الرجال بطلا، وكان بين الأبطال مثلا.

سيدي يا رسول الله:

أَنْتَ الَّذِي قَادَ الجُيُوشَ مُحَطِّمَاً *** عَهْدَ الضَّلالِ وَأَدَّبَ السُّفَهَاءَ

وَسَمَوْتَ بِالبَشَرِ الَّذِينَ تَعَلَّمُوا *** سُنَنَ الشَّرِيعَةِ فَارْتَقَوْا سُعَدَاءَ

صلَّى عليك الله يا علَمَ الهدى ما هبَّت النسائم، وما ناحت على الأيك الحمائم.

أما بعد:

فيا حماة الإسلام! ويا حراس العقيدة! مِن أين أبدأ؟ من أين أبدأ؟ وإلى أين أنتهي؟ وعَمَّ أتحدث؟.

أيها المؤمنون الأعزاء: بَحَّت الحناجر، وتقطعت الأكباد، وتفطرت القلوب، ودمعت العيون، وديست الكرامة، وانتهكت العزة، وبلغ السيل الزبا، ولم يبق في القوس مَنْزِع؛ ما عاد يجدي النداء، وما عاد ينفع الصراخ، وما عاد العويل والبكاء يقدم أو يؤخر.

هذه طاقتنا، وهذا جهدنا، استنفدناه لنصرة إخواننا في فلسطين، ولم يبق أمامنا من الوسائل والإمكانات، إلا طريق واحد، هو: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج:39-40].

ولينصرن الله من ينصره، إن الله لقوي عزيز، ولينصرن الله من ينصره، إن الله لقوي عزيز ، لم يبق أمامنا غير هذا الطريق، ولم يبق لدينا سوى هذا السبيل!لم يبق أمامنا إلا طريق الجهاد، فبالجهاد وحده نستعيد كرامتنا، ونسترد عزتنا التي ذبحها أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، قرباناً لأمريكا، وصنيعة أمريكا، وربيبة أمريكا؛ ذبحوها فوا أسفي عليها! ذبحوها في مؤتمرات الاستسلام، وفي قمم التفرق؛ ذبحوها على موائد التطبيع، ومؤامرات التركيع؛ فوا أسفي عليك يا أمة الإسلام! أسفي عليك يا أمة التوحيد، من مؤامرات أبناءك!.

أُمَّتِي هَلْ لَكِ بَيْنَ الأُمَمِ *** مِنْبَرٌ للسَّيْفِ أَوْ لِلْقَلَمِ

أتَلَقَّاكِ وَطَرفِي مُطْرِقٌ *** خَجَلاً مِن أمْسِكِ المنصَرِم

أُمَّتِي كم غُصَّةٍ دَامِيَةٍ *** خَنَقَتْ نَجْوَى عُلاكِ فِي فَمِي

أَلِإسْرائيلَ تعلُو رايةٌ *** فِي حِمَى المهْدِ وَظِلِّ الحَرَمِ؟

كَيْفَ أَغْضَيْتِ عَلى الذُّلِّ وَلَمْ *** تَنْفُضِي عَنْكِ غُبَارَ التُّهَمِ؟

أَوَمَا كُنْتِ إِذَا البَغْيُ اعْتَدَى *** مَوجَةً مِن لَهَبٍ أَو مِن دَمِ؟

اسمَعِي نَوْحَ الحَزَانَى واطْرَبِي *** وانْظُرِي حُزْنَ اليَتَامَى وابْسمِي

وَدَعِي القادةَ فِي أهْوائِها *** تَتَفَانَى فِي خَسِيسِ المغْنَمِ

رُبَّ وَامُعْتَصِمَاهُ انْطَلَقَتْ *** مِلْءَ أفْواهِ الصَّبَايَا اليُتَّمِ

لامَسَتْ أَسْمَاعَهُمْ لكِنَّهَا *** لَمْ تُلَامِسْ نَخْوَةَ المعْتَصِمِ

أُمَّتِي كَمْ صَنَمٍ مَجَّدْتِهِ *** لم يَكُنْ يَحْمِلُ طُهْرَ الصَّنَمِ

لا يُلامُ الذِّئبُ فِي عُدْوَانِهِ *** إنْ يكُ الرَّاعِي عَدُوَّ الغَنَمِ

فاحْبِسِي الشَّكْوَى فَلَوْلَاكِ لَمَا *** كَانَ فِي الحُكْمِ عَبيدُ الدِّرْهَمِ

أيها المؤمنون الأعزاء: هذه الأحداث التي تدور في فلسطين، في مسرى الحبيب محمد -صلى الله عليه وسلم-، تلخص لنا دروساً عظيمة، وجليلة، وكبيرة، أعيش معكم في هذا اليوم المبارك الأغر بعضاً منها.

أيها الأحبة الكرام: الدرس الأول الذي أثبتته الأحداث أن أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، لا يعرفون الله، إلا من رحم الله منهم، وقليل ما هم! لا يعرفون الله، ولو كانوا يعرفون الله، ما خافوا إلا من الله؛ ولو كانوا يعرفون الله، ما توكلوا إلا على الله، ولو كانوا يعرفون الله، ما استعانوا إلا بالله، ولو كانوا يعرفون الله، لم يبتغوا العزة إلا من الله.

لو كان حكامنا يعرفون الله، ما خافوا من أمريكا، ولا خافوا من اليهود، ولكنهم نسوا الله فأنساهم أنفسهم؛ لو كان حكامنا يعرفون الله، لم يبتغوا العزة من لدن أمريكا، لو كان حكامنا يعرفون الله، لوقفوا على قول الله: (فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران:175]، ولَوقفوا على قول الله: (أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [التوبة:13].

ولكن أين الإيمان في قلوبهم؟! وهم ما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه! لو كان حكامنا يعرفون الله، لوقفوا على قول الله: (أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا) [النساء:139].

والله الذي لا إله إلا هو! إني لأستغرب من هؤلاء الحكام! ممن يخافون؟ ولم يخافون؟ وعلام يخافون؟ أسئلة كلما دارت في ذهني لم تجد جواباً شافياً؛ أيخافون على أرزاقهم وأموالهم وبنوكهم وسياراتهم وقصورهم؟ أيخافون على سلطانهم وملكهم وعزهم وجبروتهم؟ أيخافون على أرواحهم وأرواح أبنائهم ونسائهم؟ أم أنهم يخافون على بلدانهم وشعوبهم ودينهم وعقيدتهم؟ وهو الأمر الأبعد؛ وإذا كانوا يخافون من كل هذا، فممن يخافون عليها؟ من أمريكا؟ من بني صهيون؟ من أحفاد القردة والخنازير؟ من أجبن خلق الله في الأرض؟.

إذا كانوا كذلك، فوالله ما عرفوا الله! ولو عرفوا الله حق معرفته، لعرفوا أن الرزق بيد الله، يرزق من يشاء بغير حساب؛ وأن الملك بيد الله يؤتيه من يشاء وينزعه ممن يشاء؛ وأن الأجل بيد الله وحده، والروح بيد الله وحده؛ أمور، ومفاهيم واضحة وضوح الشمس في ضحاها، جلية جلاء القمر إذا تلاها.

واسمعوا إلى هذه الحقائق جيداً؛ الحقيقة الأولى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) [فاطر:3]. يا أيها الناس!خطاب عام، يقرر فيه المولى جل جلاله وتقدست أسماؤه أن الرزق بيده هو وحده، وأن مصادر الرزق بيده وحده (من السماء أو من الأرض)، فلم يخصص في رزقه أحدا، فرزق الناس جميعاً، مسلمهم وكافرهم، يهوديهم ونصرانيهم، بيده هو وحده.

فالله وحده هو الذي يرزقكم، والله هو الذي يرزق أمريكا، والله هو الذي يرزق اليهود، والله هو الذي يرزق الكائنات جميعاً، ولا يستطيع أحد في هذا الكون مهما بغت قوته، ومهما بلغ جبروته أن يحرمكم ريالاً واحداً من رزق كتبه لكم أيها الحكام، عفواً وعذراً، بل من دولار واحد كتبه الله لكم، لأنكم لا تعرفون إلا الدولار، أما الريالات فلا يعرفها إلا المساكين!.

الحقيقة الثانية: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [آل عمران:26]، الملك بيد الله وحده ملك الملوك، والسلطان بيد الله وحده سلطان السلاطين، والرياسة بيد الله وحده، والعز بيد الله وحده، يؤتيه من يشاء هو لا من تشاء أمريكا، وينزعه ممن يشاء هو سبحانه، لا ممن تشاء أمريكا.

ولو كانت الإرادة إرادة أمريكا لما بقي على الكراسي المظلمة التي تقعدون عليها أحد منكم، فأمريكا تكرهكم أشد مما تكره الموت، ووالله! لكلب زوجة الرئيس الأمريكي أعز على أمريكا منكم جميعاً، فأين تذهبون؟ لو كانت المشيئة مشيئة أمريكا، لما بقي الرئيس الكوبي على كرسيه حتى اليوم، ولكنها مشيئة الله! لو كانت الإرادة إرادة أمريكا، لما بقي الرئيس العراقي على كرسيه حتى اليوم، ولكنها إرادة الله! لو كانت القول قول أمريكا، لما رجع الرئيس الفنزويلي إلى كرسيه بعد سبعين ساعة فقط من تدبيرها الانقلاب عليه، ولكنه قول الله الذي إذا أراد شيئا إنما يقول له كن فيكون.

الحقيقة الثالثة: (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) [آل عمران:145]، فأرواحكم -أيها الحكام- بيد الله نفخها من روحه، لا بيد أمريكا، آجالكم بيد من خلقكم بيده، لا بيد أمريكا؛ فهل عرفتم الله؟!.

لِلَّهِ فِي الآَفاقِ آَيَاتٌ لَعَلَّ *** أَقَلَّهَا هُوَ مَا إِليْهِ هَدَاكا

ولعل ما في النَّفْسِ من آياتِهِ ***عَجَبٌ عُجَابٌ لو تَرى عيناكا

والكونُ مَشحونٌ بأسْرارٍ إِذَا *** حاولْتَ تَفْسيرا لها أعياكا

قُل للطَّبيبِ تَخَطَّفَتْهُ يدُ الرَّدَى *** مَنْ يا طبيبُ بِطِبِّهِ أرداكا؟

قُلْ للمريضِ نَجَا وعُوفِيَ بعدَما *** عَجِزَتْ فُنُونُ الطِّبِّ: مَنْ عَافَاكَا؟

قل للصَّحيحِ يموتُ لا مِن عِلَّةٍ: *** مَنْ بالمنايا يَا صحيحُ دَهَاكا؟

قل للبصيرِ و كان يحفِرُ حُفْرَةً *** فَهَوَى بِها: مَنْ ذَا الَّذِي أهواكا؟

بَلْ سَائِل الأعمى خَطَى بيْن الزِّحا *** مِ بلِا اصطدامٍ: مَن يقودُ خطاكا؟

قل للجنينِ يَعيشُ مَعْزُولاً بِلَا *** رَاعٍ ولا مَرْعَىً: مَن يرعاكا؟

قل للوليِد بَكَى و أجْهَشَ بالبُكَا *** ءِ لَدَى الوِلادةِ: يا جنينُ مَن الَّذِي أبكاكا

وإذا ترى الثعبانَ ينفُثُ سُمَّهُ *** فاسْأَلْهُ: مَن ذا بالسُّمُوم حَشَاكَا

واسْألْهُ: كيف تعيشُ يا ثُعْبَانُ أوْ *** تَحْيَا وهذا السمُّ يملأُ فَاكَا؟

واسأل بُطُونَ النَّحْلِ: كيف تَقَاطَرَتْ *** شَهْداً وقُلْ للشَّهْدِ: مَنْ حَلَّاكا؟

بَل اِسألِ اللبنَ المصَفَّى كَانَ بَيْ *** نَ دَمٍ وَفَرْثٍ: مَن ذا الذي صفَّاكَا؟

وإذا رأيتَ الحَيَّ يخرُجُ مِن حَنَا *** يَا مَيِّتٍ فاسْأَلْهُ: مَن أحياكا؟

قل للهواءِ تحُسُّهُ الأيدِي وَيَخْ *** فَى عَن عُيُونِ النَّاسِ: مَنْ أَخْفَاكَا

قُل للنَّبَاتِ يجِفُّ بَعْدَ تَعَهُّدٍ *** وَرِعايةٍ: مَن بالجفافِ رَمَاكَا؟

وإذا رأيتَ النَّبْتَ في الصَّحْراءِ يَرْ *** بُو وَحْدَهُ فاسْأَلْهُ: مَن أرْبَاكَا؟

وإذا رأيتَ البدرَ يَسْرِي ناشِرَاً *** أنوارَهُ فاسْأَلْهُ: مَنْ أَسْرَاكَا؟

واسْأَلْ شُعَاعَ الشَّمْسِ يَدْنُو وَهْوَ أَبْ *** عَدُ كُلِّ شَيءٍ: مَا الَّذِي أدناكا؟

قل للمريرِ مِن الثِّمارِ: مَن الَّذِي *** بالمرِّ مِن دُونِ الثِّمَار غَذَاكَا؟

وإذا رأيتَ النخْلَ مَشْقُوقَ النَّوَى *** فاسْأَلْهُ: مَنْ يا نخلُ شَقَّ نَوَاكا؟

وإذا رأيتَ النَّارَ شَبَّ لَهِيبُهَا *** فاسْأَلْ لهيبَ النَّارِ: مَن أوراكا؟

وإذا ترى الجَبَلَ الأشَمَّ مُنَاطِحَاً *** قِمَمَ السّحابِ فَسَلْهُ: مَن أَرْسَاكا؟

وإذا ترى صَخْرَاً تفجَّرَ بالمِيا *** هِ فَسَلْه: مَن بالماءِ شَقَّ صَفاكا؟

وإذا رأيت النَّهْرَ بالعذْبِ الزُّلَا *** لِ جَرَى فَسَلْهُ: مَن الَّذي أجراكا؟

وإذا رأيتَ البحرَ بالملحِ الأُجَا *** جِ طغَى فسَلْهُ: مَن الَّذي أطغاكا؟

وإذا رأيتَ الليلَ يغشَى راجِياً *** فاسْألْهُ: مَن يا ليلُ حاكَ دُجَاكا؟

وإذا رأيتَ الصُّبْحَ يُسْفِرُ ضَاحِياً *** فاسْألْهُ: مَن يا صُبْحُ صَاغَ ضُحَاكا؟

ستُجيبُ ما في الكونِ مِن آياتِهِ *** عَجَبٌ عُجَابٌ لو تَرَى عيناكا!

رَبِّي لك الحمدُ العظيمُ لذاتِكم *** حَمْدَاً و ليس لواحدٍ إلَّاكا

يا مُدْرِكَ الأبْصَارِ، والأبصارُ لا *** تدرِي لَهُ وَلِكُنْهِهِ إدْرَاكا

إن لم تكن عيني تَرَاكَ فإِنَّني *** في كُلِّ شيءٍ أستبينُ عُلاكا

يا مُنْبِتَ الأزهارِ عاطرةَ الشَّذَى *** ما خاب يوما مَنْ دَعَا ورجاكا

يا أيُّها الإنسانُ مَهْلاً ما الَّذِي *** باللهِ جَلَّ جلالُه أَغْرَاكَا؟!

أيها المؤمنون الأماجد: ذلكم هو الدرس الأول، ونتابع ما بقي من دروس بعد جلسة الاستراحة بإذن العلي الأعلى.

أيها المؤمنون: توبوا إلى الله، عودوا إلى الله، استغفروا الله، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله،أهل الثناء والحمد، ولي الصالحين، وناصر المجاهدين؛ أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيئ قدير؛ وأشهد أن محمدا رسول الله سيد المتقين، وقائد المجاهدين -صلى الله عليه وسلم-.

أما بعد: أيها المؤمنون: أواصل إذاعة الدروس المستفادة من أحداث أرض الجهاد، أرض الرباط، أرض الشهادة، أرض فلسطين.

الدرس الثاني: أثبتت الأحداث -بما لا يدع مجالاً للشك- قساوة قلوب الحكام، وتبلد أحاسيسهم، وجفاف عواطفهم، وجمود مشاعرهم، وضعف حميتهم، وقلة غيرتهم، إلا من رحم الله منهم، وقليل ما هم! فانطبق عليهم وصف الحق حل جلاله: (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ ? وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) [البقرة:74].

قلوبهم قاسية، أشد قسوة من الحجارة؛ وعذراً للحجارة، وعذراً للحجارة، وعذراً للحجارة، عذرا جميلا! فالحجارة نصرت أبناء فلسطين، ونساء فلسطين، وشباب فلسطين، وأطفال فلسطين، وأصحاب الجلالة والفخامة والسمو لم يقدموا لهم شيئاً، بل لم تتحرك مشاعرهم لصور المآسي على أرض فلسطين،لم تحرك عواطفهم الدماء التي سفكت، ولا الأعراض التي انتهكت، ولا المدن والمخيمات التي حوصرت ثم دمرت وهم ينظرون.

لم تحرك عواطفهم تلك الأشلاء المتناثرة، ولا تلك الجثث الممزقة، والمتعفنة، والمتفحمة، التي لم تجد من ينتشلها من بين الأنقاض، ويكرمها بالدفن؛لم توقظ حميتهم غطرسة اليهود، وغرور الصهاينة، وتحدي الأقزام، وانحياز الأمريكان؛ لم تُنهض نخوتهم أنَّات الأيامى، وصراخ اليتامى، وعويل الثكالى؛لم يحرك غيرتهم عويل من فقدت ابنها، ولا عويل من فقدت زوجها، ولا عويل من فقدت أباها، أو أخاها!.

لم ترقق قلوبهم مشاهد التشريد التي تعيشها أسر كاملة بعد هدم وتدمير منازلهم، حين يصبحون أو يمسون على أنقاضها باكون منتحبون، أصبحوا بلا مأوى، بلا مسكن يقيهم حر الصيف وبرد الشتاء وقسوة الأيام؛ لم تثر عزيمتهم لضرب شعب أعزل من السلاح (يتهم بالإرهاب) بالطائرات والدبابات والمدرعات، وغيرها من آلات الحرب القاتلة، لم يحرك مشاعرهم وعواطفهم منظر ذلك الطفل ذي الثلاثة أعوام، الذي علا وجهه البكاء، والنحيب، وهو يبحث بين أنقاض منزله المتهدم عن سرير نومه، وألعابه؛ وأمه هناك، هناك على حافة الأنقاض، ترمقه من بعيد ، وتصرخ: وا إسلاماه! وا معتصماه! ولكن لا مجيب:

رُبَّ وا مُعْتَصِمَاهُ انْطَلَقَتْ *** مِلْءَ أفْواهِ الصَّبايَا اليُتَّمِ

لامَسَتْ أسْمَاعَهُم لكنَّها *** لم تُلامِسْ نَخْوَةَ المُعْتَصِمِ

بل لم توقظ شجاعتَهم ورجولتهم، شجاعةُ، وبسالة، وإقدام فتيات فلسطين، المؤمنات، المجاهدات، الصابرات، المرابطات، الاستشهاديات؛ الفتاة الشهيدة آيات، والفتاة الشهيدة دارين، وغيرهما من فتيات الجهاد، اللاتي فضلن أن يغسلن بدمائهن الزكية الطاهرة، يغسلن العار من جبين كل زعيم جبان متخاذل.
 

لم تحرك مشاعرَهم كلُّ هذه الصور المأساوية التي تتفطر لها الجبال الرواسي، لكنهم أصنام!
صورةُ المأساةِ تشهد:

أنَّ طفلاً مسلماً في ساحة الموتِ تمدَّد،

أنَّ جنديَّاً يهودياً على الساحةِ عربَد،
وتمادى وتوعَّد،
ورمى الطفلَ وللقتلِ تعمَّد،
صورة المأساةِ تشهد:
أنَّ إرهابَ بني صهيونَ, في صورته الكبرى تجسَّد،
أنَّ حسَّ العالَم المسكونِ بالوَهم تبلَّد،
أنَّ شيئاً إسمُه العطفُ على الأطفالِ, في القدس تجمَّد،
صورة المأساةِ تشهد: أن لصَّاً دخَل الدَّارَ وهدَّد،
ورأى الطفلَ على ناصيةِ الدَّرب فسدَّد،
وتعالى في نواحي الشارع المشؤومِ صوت القصفِ حيناً, وتردَّد،
صورة المأساةِ تشهد: أنَّ جيشاً من بني صهيونَ, للإرهابِ يُحشَد،
أنَّ نارَ الظلم والطغيانِ تُوقَد
أنَّ آلافَ الخنازير, على المنبع تُورَد،
صورة المأساةِ تشهَد:
أنَّ جرحَ الأمةِ النازفَ منها لم يُضَمَّد،
أنَّ دَينَ المجد مازال علينا, لم يُسَدَّد،
أنَّ باب المجدِ مازالَ, عن الأمَّةِ يُوصَد،

الدرس الثالث -أيها المؤمنون الأعزاء-: أثبتت الأحداث أيضاً أن هؤلاء الحكام لا يمثلون شعوبهم بأي حال من الأحوال، بل إن بينهم وبين شعوبهم هوة ساحقة، وفجوة عميقة، فالشعوب قالت: لا للاستسلام، وهم يمدون أيديهم كل يوم لأحفاد القردة والخنازير، يشحذون منهم السلام، ويتوسلونهم السلام!

الشعوب قالت: لا للتطبيع، وهم يهرولون حثيثين للتطبيع سراً وجهراً، ليلاً ونهاراً؛ الشعوب ترفض وجود أي سفارات لبني صهيون في أي بلد مسلم، وهؤلاء الجبناء يحمون سفارات اليهود، ودونها الموت الزؤام؛ الشعوب تنادي حكامها بقطع العلاقات مع راعية اليهود أمريكا، وهم على العلاقات الأمريكية يحيون، وعليها يموتون، وعليها يبعثون إن شاء الله خزايا، مهطعين رؤوسهم؛ الشعوب أعلنت مقاطعتها للبضائع والمنتجات الأمريكية واليهودية، وهم تجار هذه البضائع ووكلاؤها المعتمدون!.

الشعوب تتحرق شوقاً إلى الجهاد في سبيل الله، وهم يحولون بين شعوبهم وبين الجهاد؛ لأنه كما لقنتهم سيدتهم أمريكا: "إرهاب"، الجهاد في سبيل الله تعالى إرهاب، الدفاع عن النفس والعرض والأرض إرهاب، مقاومة المغتصب، المحتل، إرهاب؛ وقتل الآلاف من الأبرياء، وهدم المئات من المنازل، والقصف، والحصار، والتشريد، والقهر، كل هذا سلام؛ الفدائيون إرهابيون، وشارون رجل السلام الأول! هذه هي الدروس التي تعلمها السادة الحكام في المدرسة الأمريكية، ولسان حال الشعوب مع حكامها يقول:

طَفَحَ الكَيلُ
وقدْ آنَ لكُم أن تسمعوا قولاً ثقيلا
نحنُ لا نجهلُ مَنْ أنتُمْ
غسلناكُم جميعاً
وَعَصرْناكُم
وَجَفّفنا الغسيلا!
إنّنا لسنا نرى مُغتصبَ القُدْسِ يهوديّاً دخيلا
فَهْوَ لم يقطَعْ لنا شِبراً مِنَ الأوطانِ لو لمْ تقطعوا مِنْ دونِهِ عَنّا السّبيلا
أنتُمُ الأعْداءُ يا مَن قد نَزَعتُمْ صِفةَ الإنسانِ مِن أعماقِنا جيلاً فَجيلا
واغتّصبتُم أرضَنا مِنّا
وَكُنتُمْ، نِصفَ قرنٍ،
لِبِلادِ العُرْبِ مُحتلاًّ أصيلا
أنتُمُ الأعداءُ يا شُجعانَ سِلْمٍ زوّجوا الظُّلمَ بِظُلمٍ وبَنوا للوطَنِ المُحتلِّ عِشرينَ مثيلا

***
أَتُعِدّونَ لنا مؤتمَراً؟
كلاّ
كَفى
شُكراً جزيلا
لا البياناتُ ستَبني بيننا جِسْراً
ولا فَتْلُ الإداناتِ سيُجديكُم فتيلا
نحنُ لا نشري صُراخاً بالصّواريخِ ولا نبتاعُ بالسَّيفِ صَليلا
نحنُ لا نُبْدِلُ بالفُرسانِ أقناناً
ولا نُبْدِلُ بالخيلِ صَهيلا
نحنُ نَرجو كُلَّ مَن فيهِ بقايا خَجَلٍ أن يَستقيلا!
نحنُ لا نسألُكُمْ إلاّ الرّحيلا
وعلى رَغمِ القباحاتِ التي خلّفتُموها
سَوفَ لن ننسى لكُمْ هذا الجميلا!
 

 

 

 

 

المرفقات

فلسطين

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات