عناصر الخطبة
1/هدي النبي في سماع الطرف من أزواجه 2/حديث النساء عن أزواجهن ذماً ومدحا 3/مدح أم زرع لزوجها 4/فوائد ودروس من هذا الحديثاقتباس
زَوْجِي أَبُو زَرْعٍ, فَمَا أَبُو زَرْعٍ؟ أَنَاسَ مِنْ حُلِيٍّ أُذُنَيَّ, وَمَلأَ مِنْ شَحْمٍ عَضُدَيَّ, وَجَدَنِي فِي أَهْلِ غُنَيْمَةٍ بِشِقٍّ فَجَعَلَنِي فِي أَهْلِ صَهِيلٍ وَأَطِيطٍ وَدَائِسٍ, وَمُنَقٍ, فَعِنْدَهُ أَقُولُ فَلاَ أُقَبَّحُ, وَأَرْقُدُ فَأَتَصَبَّحُ, وَأَشْرَبُ فَأَتَقَنَّحُ", امْتَدَحَتْ أبا زَرْعٍ بأنه...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمد لله ربِّ العالمين, والصلاة والسلام على رسوله الكريم, وعلى آله وصحبه أجمعين, أمَّا بعدُ:
من مظاهر الخيرية عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في تعامله مع أزواجه -رضي الله عنهن- سماعُه الطُّرَفَ والأخبارَ الاجتماعية مِنْهُنَّ, ويدلُّ على ذلك ما جاء عن عائشةَ -رضي الله عنها- قالت: "جَلَسَ إِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً فَتَعَاهَدْنَ وَتَعَاقَدْنَ أَنْ لاَ يَكْتُمْنَ مِنْ أَخْبَارِ أَزْوَاجِهِنَّ شَيْئًا", وفي رواية: "اجْتَمَعَ نِسْوَةٌ ذَوَامٌّ, وَنِسْوَةٌ مَوَادِحٌ لأَزْوَاجِهِنَّ بِمَكَّةَ، وَكَانَ الْمَوَادِحُ سِتًّا, وَالذَّوَامُّ خَمْسًا".
"قَالَتِ الأُولَى: زَوْجِي عَيَايَاءُ, طَبَاقَاءُ, كُلُّ دَاءٍ لَهُ دَاءٌ, شَجَّكِ أَوْ فَلَّكِ أَوْ جَمَعَ كُلاًّ لَكِ", وَصَفَتْه بأنه عِنِّينٌ عاجِزٌ عن مُباضَعَةِ النِّساء, اجْتَمَعَتْ فيه كُلُّ العُيوب, وإذا غَضِبَ فإمَّا أنْ يَشُجَّ رأسَها, أو يَكْسِرَ عُضْوًا مِنْ أعضائِها".
"قَالَتِ الثَّانِيَةُ: زَوْجِي لَحْمُ جَمَلٍ غَثٌّ عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ, لاَ سَهْلٍ فَيُرْتَقَى, وَلاَ سَمِينٍ فَيُنْتَقَلُ", وَصَفَتْه بِقِلَّةِ خَيْرِه, فلا يُوصَلُ إلى خَيرِه إلاَّ بِمَوتِه؛ لِشِدَّةِ بُخْلِه.
" قَالَتِ الثَّالِثَةُ: زَوْجِي الْعَشَنَّقُ, إِنْ أَنْطِقْ أُطَلَّقْ, وَإِنْ أَسْكُتْ أُعَلَّقْ", وَصَفَتْه بأنه مُجَرَّدُ مَنْظَرٍ لا خَيْرَ فيه؛ فإنْ ذَكَرَتْ ما فيه طَلَّقَها, وإنْ سَكَتَتْ تَرَكَها مُعَلَّقَة.
"قَالَتِ الرَّابِعَةُ: زَوْجِي إِذَا شَرِبَ اشْتَفَّ, وَإِذَا رَقَدَ الْتَفَّ, وَلا يُدْخِلُ الْكَفَّ فَيَعْلَمُ الْبَثَّ", وَصَفَتْه بأنه يَشْرَبُ ويَأْكُلُ ويَنام, ولا يُكَلِّمُها ولا يَسْألُ عن حَالِها.
"قَالَتِ الْخَامِسَةُ: زَوْجِي لاَ أَبُثُّ خَبَرَهُ, إِنِّي أَخَافُ أَنْ لاَ أَذَرَهُ, إِنْ أَذْكُرْهُ أَذْكُرْ عُجَرَهُ وَبُجَرَهُ"؛ أي: أنها لا تَنْشُرُ أخبارَ زَوجِها؛ لأنه مَسْتُور الظَّاهِر, رَدِيءُ الباطِنِ, فَقَالَ عُرْوَةُ: "هَؤُلاءُ خَمْسَةٌ يَشْكُونَ"؛ أي: يَشْكونَ حالَ أزواجِهِنَّ.
"قَالَتِ السَّادِسَةُ: زَوْجِي كَلَيْلِ تِهَامَةَ, لاَ حَرٌّ وَلاَ قُرٌّ, وَلاَ مَخَافَةَ, وَلاَ سَآمَةَ", امْتَدَحَتْه بِحُسْنِ خُلُقِه, وسُهولَةِ أَمْرِه, وليس عِندَه أذًى, ولا مَكْروه, ولا تَخافُ شَرَّه.
"قَالَتِ السَّابِعَةُ: زَوْجِي إِنْ دَخَلَ فَهِدَ, وَإِنْ خَرَجَ أَسِدَ, وَلاَ يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ", امْتَدَحَتْه بالكَرَمِ, والشَّجاعَةِ, وحُسْنِ الخُلُقِ, والتَّغَافُلِ عن مَعايِبِ البيت.
"قَالَتِ الثَّامِنَةُ: زَوْجِي الْمَسُّ مَسُّ أَرْنَبٍ, وَالرِّيحُ رِيحُ زَرْنَبٍ, أَغْلِبُهُ وَالنَّاسُ يَغْلِبُ", امْتَدَحَتْه بِجَمِيلِ عِشْرَتِه لها, وَلِينِ عَرِيكَتِه, وصَبْرِه عليها, وشَجاعَتِه.
"قَالَتِ التَّاسِعَةُ: زَوْجِي أَبُو مَالِكٍ, وَمَا أَبُو مَالِكٍ؟! ذُو إِبِلٍ كَثِيرَةِ الْمَسَالِكِ, قَلِيلَةِ الْمَبَارَكِ, إِذَا سَمِعْنَ صَوْتَ الْمِزْهَرِ أَيْقَنَّ أَنَّهُنَّ هَوَالِكُ", امْتَدَحَتْه بالكَرَمِ, وكَثْرَةِ القِرَى, والاستعدادِ له مع الثَّروة الواسِعَة.
"قَالَتِ الْعَاشِرَةُ: زَوْجِي رَفِيعُ الْعِمَادِ, طَوِيلُ النِّجَادِ, عَظِيمُ الرَّمَادِ, قَرِيبُ الْبَيْتِ مِنَ النَّادِ", امْتَدَحَتْه بطول القَامِةِ, وحُسْنِ المَنْظَرِ, والكَرَمِ؛ لذا تَقْصِدُه الضُّيوف.
"قَالَتِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ (أُمُّ زَرْعٍ): زَوْجِي أَبُو زَرْعٍ, فَمَا أَبُو زَرْعٍ؟ أَنَاسَ مِنْ حُلِيٍّ أُذُنَيَّ, وَمَلأَ مِنْ شَحْمٍ عَضُدَيَّ, وَجَدَنِي فِي أَهْلِ غُنَيْمَةٍ بِشِقٍّ فَجَعَلَنِي فِي أَهْلِ صَهِيلٍ وَأَطِيطٍ وَدَائِسٍ, وَمُنَقٍ, فَعِنْدَهُ أَقُولُ فَلاَ أُقَبَّحُ, وَأَرْقُدُ فَأَتَصَبَّحُ, وَأَشْرَبُ فَأَتَقَنَّحُ", امْتَدَحَتْ أبا زَرْعٍ بأنه حَلاَّها بالأقراطِ والشُّنوف, وأحْسَنَ إليها حتى سَمِنَتْ, فدَخَلَ السُّرورُ والفَرَحُ قَلْبَها. وذَكَرَتْ حالَها وأهْلَها -قبلِ زَوَاجِها- بأنهم كانوا في شِقِّ جَبَلٍ ليس لهم من المَالِ إلاَّ الغَنَم, ثم أصْبَحَتْ غَنِيَّةً, تَشْرَبُ حتى تَرْوَى, وتَنامَ أَوَّلَ النَّهار, وتقولُ ما شاءَتْ, فلا يَرُدُّ عليها قَولَها؛ لِكَرامَتِها عليه.
"قَالَتْ (أُمُّ زَرْعٍ): خَرَجَ أَبُو زَرْعٍ فَلَقِيَ امْرَأَةً, فَطَلَّقَنِي وَنَكَحَهَا, فَنَكَحْتُ بَعْدَهُ رَجُلاً سَرِيًّا, أَرَاحَ عَلَيَّ نَعَمًا ثَرِيًّا, وَأَعْطَانِي مِنْ كُلِّ رَائِحَةٍ زَوْجًا, وَقَالَ: كُلِي أُمَّ زَرْعٍ, وَمِيرِي أَهْلَكِ, قَالَتْ: فَلَوْ جَمَعْتُ كُلَّ شَيْءٍ أَعْطَانِيهِ مَا بَلَغَ أَصْغَرَ آنِيَةِ أَبِي زَرْعٍ"؛ أي: بعدَ أنْ طَلَّقَها أبو زَرْعٍ, تَزَوَّجَتْ أمُّ زَرْعٍ رَجُلاً آخَرَ, وصَفَتْه بالسُّؤْدَدِ والشَّجاعَةِ, والفَضْلِ, والجُودِ بكونه أباحَ لها أنْ تَأكُلَ ما شاءَتْ مِنْ مَالِه, وتُهْدِي منه ما شاءَتْ لأهلها مُبالَغَةً في إكرامِها, ومع ذلك فكانَتْ أحوالُه عندها مُحْتَقَرَةً مُقارَنَةً بِأَبِي زَرْعٍ, وسَبَبُ ذلك أنَّ أبا زَرْعٍ كان أَوَّلَ زَوْجٍ لها, فَسَكَنَتْ مَحَبَّتُه في قَلْبِها.
قَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لأُمِّ زَرْعٍ"(رواه البخاري ومسلم), وفي روايةٍ: "إِلَّا أَنَّ أَبَا زَرْعٍ طَلَّقَ، وَأَنَا لَا أُطَلِّقُ"(صحيح, رواه الطبراني في الكبير), قال العلماءُ: هو تَطْييبٌ لِنَفْسِها, وإِيضاحٌ لِحُسْنِ عِشْرَتِه إيَّاها, أراد -صلى الله عليه وسلم- أنه كان لِعائِشَةَ كَأَبِي زَرْعٍ لأُمِّ زَرْعٍ في الأُلفة والمُوافَقَة, لا في الفُرْقَةِ والمُباعَدَة.
ويُرْوَى عن عائشةَ -رضي اللَّه عنها- أنها قالتْ: قلتُ: "يا رسولَ اللَّه! بل أنْتَ لِي خَيْرٌ مِنْ أَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ"، وهذا هو اللاَّئِقُ؛ لِحُسْنِ أَدَبِها -رضي اللهُ عنها وأرضاها-.
الخُطبة الثَّانية:
الحمدُ لله...
أيها المسلمون: احتوى هذا الحديثُ على عِبَرٍ وفَوائِدَ لا تَخْفَى على اللَّبِيب, منها: حُسْنُ العِشْرَةِ مع الأهل, واسْتِحْبابُ مُحَادَثَتِهِنَّ بما لا إِثْمَ فيه.
ومنها: المَرَحُ وبَسْطُ النَّفْسِ, ومُداعَبَةُ الرَّجُلِ أهلَه, وإعلامُه بِمَحَبَّتِه لزوجته؛ إذا عَلِمَ أنَّ هذا لا يُفْسِدُها عليه.
ومنها: أنَّ بَعْضَهُنَّ ذَكَرْنَ عُيوبَ أزواجِهِنَّ, ولم يَكُنْ ذلك غِيبَةً؛ لأنَّهم لم يُعْرَفوا بأَعْيانِهِم وأسمائِهِم.
ومنها: مَنْعُ الفَخْرِ بالمال.
ومن الفوائد: جَوازُ ذِكْرِ أمورِ الجاهلية واقْتِصاصِ أحوالِهم, والحديثِ عن الأمم الخالية, وضَرْبِ الأمثالِ بهم اعتبارًا.
ومنها: جَوازَ الانبساطِ بِذِكْرِ طُرَفِ الأخبار, ومُستَطاباتِ النَّوادِر؛ تَنْشِيطًا للنفوس.
ومن الفوائد: فَضْلُ عائشةَ -رضي الله عنها-, ومَحَبَّةُ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- لها, وفيه فَضِيلَةٌ لعائشةَ -رضي الله عنها-, وما كانت تَتَمَتَّعُ به مِنْ حُسْنِ الحديث, ولَطِيفِ المُجالَسَة, وحِفْظِ نَوادِرِ الأخبار, والاطِّلاعِ على ما يدور بين النِّساءِ مِنْ أخبارٍ وأسرار.
ومن الفوائد: بَيَانُ جَوَازِ ذِكْرِ الفَضْلِ بِأُمُورِ الدِّينِ.
ومنها: ذِكْرُ الْمَرْأَةِ إِحْسَانَ زَوْجِهَا.
ومنها: حَضُّ النِّسَاءِ عَلَى الْوَفَاءِ لِبُعُولَتِهِنَّ, وَقَصْرُ الطَّرْفِ عَلَيهِمْ, وَالشُّكْرُ لِجَمِيلِهِمْ.
ومنها: إِخْبَارُ الرَّجُلِ أَهْلَهُ بِصُورَةِ حَالِهِ مَعَهُمْ, وَتَذْكِيرُهُمْ بِذَلِكَ, لَا سِيَّمَا عِنْدَ وُجُودِ مَا طُبِعْنَ عَلَيْهِ مِنْ كُفْرِ الْإِحْسَانِ.
ومن الفوائد: جَوَازُ التَّأَسِّي بِأَهْلِ الفَضْلِ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فيما هو ثابِتٌ في شَرْعِنا؛ لِأَنَّ أُمَّ زَرْعٍ أَخْبَرَتْ عَنْ أَبِي زَرْعٍ بِجَمِيلِ عِشْرَتِهِ.
ومنها: جَوَازُ مَدْحِ الرَّجُلِ فِي وَجْهِهِ إذا كان ذلك لا يُفسِدُه.
ومنها: وَصْفُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا بِمَا تَعْرِفُهُ مِنْ حُسْنٍ وَسُوءٍ, وَجَوَازُ الْمُبَالَغَةِ فِي الْأَوْصَافِ, بِشَرْطِ ألاَّ يكونَ ذلك دَيْدَنًا لها.
ومن الفوائد: إِكْرَامُ الرَّجُلِ بَعْضَ نِسَائِهِ بِحُضُورِ ضَرَائِرِهَا بِمَا يَخُصُّهَا بِهِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ, بِشَرْطِ السَّلَامَةِ مِنَ المَيْلِ الْمُفْضِي إِلَى الْجَوْرِ.
ومنها: جَوَازُ تَحَدُّثِ الرَّجُلِ مَعَ زَوْجَتِهِ فِي غَيْرِ نَوْبَتِهَا؛ لقول عائشةَ -رضي الله عنها-: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَعِنْدِي بَعْضُ نِسَائِهِ, فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ! أَنَا لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لأُمِّ زَرْعٍ"(حسن, رواه الطبراني في الكبير).
ومن الفوائد: جَوَازُ وَصْفِ النِّسَاءِ وَمَحَاسِنِهِنَّ لِلرَّجُلِ, ويُشْتَرَطُ أَنْ يَكُنَّ مَجْهُولَاتٍ, وَالَّذِي يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَصَفُ الْمَرْأَةِ الْمُعَيَّنَةِ بِحَضْرَةِ الرَّجُلِ, أَوْ أَنْ يُذْكَرَ مِنْ وَصْفِهَا مَا لَا يَجُوزُ للرِّجَال تَعَمُّدُ النَّظَرِ إِلَيْهِ.
ومنها: جَوازُ المِزاحِ أحيانًا, وإباحَةُ المُداعَبَةِ مع الأَهْلِ, وبَسْطُ الوَجْهِ واللِّسانِ مع جميع النَّاسِ بالكلام السَّهْلِ المُباح, فهو مِنْ حُسْنِ العِشْرَةِ, وطِيبِ النَّفْسِ.
ومن الفوائد: يَحْرُمُ على الزَّوجةِ أنْ تَصِفَ زوجَها بما يَكْرَهُه؛ لأنَّ ذلك مِنَ الغِيبَةِ المُحَرَّمَة على مَنْ يقولُه, ومَنْ يسمَعُه, وهؤلاء الأزواج -الذين وصَفَتْهُمْ نِساؤُهم بما يَكْرَهون- كانوا غيرَ معروفين, وذِكْرُ المَرْءِ بما فيه من العَيْبِ جائِزٌ إذا قُصِدَ التَّنْفِيرُ من ذلك الفِعْلِ شَرِيطَةَ أنْ يَكونَ مَجْهولاً غَيرَ مَعْروفٍ.
ومن الفوائد: أَنَّ التَّشْبِيهَ لَا يَسْتَلْزِمُ مُسَاوَاةَ الْمُشَبَّهِ بِالْمُشَبَّهِ بِهِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ؛ لِقَوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم-: "كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ", وَالْمُرَادُ: مَا بَيَّنَهُما من الْأُلْفَةِ, لَا فِي جَمِيعِ مَا وُصِفَ بِهِ أَبُو زَرْعٍ مِنَ الثَّرْوَةِ الزَّائِدَةِ, وكافَّةِ أحوالِه.
ومن الفوائد: أَنَّ مِنْ شَأْنِ النِّسَاءِ إِذَا تَحَدَّثْنَ أَنْ لَا يَكُونَ حَدِيثُهُنَّ غَالِبًا إِلَّا فِي الرِّجَالِ, وَهَذَا بِخِلَافِ الرِّجَالِ فَإِنَّ غَالِبَ حَدِيثِهِمْ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِأُمُورِ الْمَعَاشِ.
ومنها: جَوَازُ الكَلَامِ بِالأَلْفَاظِ الْغَرِيبَةِ, وَاسْتِعْمَالِ السَّجْعِ فِي الكَلَامِ؛ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُكَلَّفًا.
ومنها: ما كانتْ النساءُ عليه من فَصاحَةٍ وبَلاغَة, قال القاضي عياضٌ -رحمه الله-: "فِي كَلَامِ هَؤُلَاءِ النِّسْوَةِ مِنْ فَصَاحَةِ الأَلْفَاظِ وَبَلَاغَةِ العِبَارَةِ وَالبَدِيعِ مَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ".
ومن الفوائد: أَنَّ الْحُبَّ يَسْتُرُ الْإِسَاءَةَ؛ لِأَنَّ أَبَا زَرْعٍ مَعَ إِسَاءَتِهِ لَهَا بِتَطْلِيقِهَا, لِمَ يَمْنَعْهَا ذَلِكَ مِنَ الْمُبَالَغَةِ فِي وَصْفِهِ, إِلَى أَنْ بَلَغَتْ حَدَّ الإِفْرَاطِ وَالْغُلُوِّ.
ومنها: أَنَّ كِنَايَةَ الطَّلَاقِ لَا تُوقِعُهُ إِلَّا مَعَ مُصَاحَبَةِ النِّيَّةِ؛ فَإِنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- تَشَبَّهَ بَأَبِي زَرْعٍ, وَأَبُو زَرْعٍ قَدْ طَلَّقَ, فَلَمْ يَسْتَلْزِمْ ذَلِكَ وُقُوعَ الطَّلَاقِ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم