عبر الحج ودروسه

عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات: الحج
عناصر الخطبة
1/ مكانة الحج 2/ فضل الحج 3/ تأملات في التلبية ودعوة لأن تشمل حياتنا كلها 4/ دروس وعبر من خُطَب النبي الكريم في الحج

اقتباس

والعِبْرَةُ العظيمةُ، والعظة البالغة التي ينبغي أن يأخذها كلُّ مسلم سواءً حج أو لم يحج من هذه التلبية العظيمة أن يتذكر دوما وأبدا أن الواجب عليه أن يكون دائما في كل حركاته وفي جميع تنقلاته ملبيا نداء الله، مستجيبا لأمره -جل وعلا-؛ لأن التلبية استجابة وامتثال وانقياد لأمر الله، دعا عباده للحج فكان جوابهم أن قالوا: "لبيك اللهم لبيك".

 

 

 

 

الحمد لله الذي فرض على عباده حج بيته الحرام، ورتب على القيام به وافر الأجر وجزيل الإنعام، فمن حج البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه طاهرا نقيا من الذنوب والآثام؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك العلام، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله خير الأنام، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه الكرام.

أما بعد: معاشر المؤمنين عباد الله، اتقوا الله تعالى، واعلموا أن تقواه -عز وجل- أساس السعادة والفوز والنجاح في الدنيا والآخرة، وهي خير زاد يبلغ إلى رضوانه -سبحانه-، كما قال -جل وعلا-: (وَتَزوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) [البقرة:197].

عباد الله: إننا نعيش هذه الأيام أيام توافد المؤمنين عباد الله إلى بيت الله الحرام لأداء طاعة عظيمة، ومنسك عظيم، ألا وهو حج بيت الله الحرام، وهو فريضة من فرائض الإسلام، وركن من أركانه العظام، كما في الصحيح من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: قال: "بني الإسلام على: خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام".

وقد جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أحاديث متكاثرة، ونصوص متضافرة، في بيان فضيلة الحج إلى بيت الله الحرام، وما يترتب على أدائه من الأجور العظيمة، والعطايا الجزيلة، والعتق من النيران.

ومن ذلكم -عباد الله- ما ثبت في الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "الحج يهدم ما كان قبله"، وقال -عليه الصلاة والسلام-: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة"، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَن حج ولم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه" رواه البخاري ومسلم، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة عديدة.

عباد الله: إن الحج طاعة عظيمة، وعبادة جليلة، فيها تحقيق للإيمان، وكمال في الذل والخضوع والانكسار بين يدي الرحمن.

عباد الله إن الحاج إذا خرج إلى أداء هذه الطاعة العظيمة يخرج من محابه وملاذّه، ويهجر بيته ويتغرب عن بيته ووطنه، ويغادر ويترك أهله وبنيه وعشيرته، يخرج مهاجرا إلى ربه -سبحانه وتعالى- متواضعا له، منكسرا بين يديه.

يصل إلى الميقات ويتجرد من الثياب ويلبس إزارا ورداء أبيضين نظيفين، ويحسر عن رأسه في هيئة متواضعة وذل تام يستوي فيه الرئيس والمرؤوس والغني والفقير، وينطلق في هذه الهيئة المتذللة خاضعا لله -جل وعلا- ملبيا نداءه يردد: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.

ويتنقل بين المشاعر في مكة، من مكة إلى عرفات الله، ومن عرفات إلى المزدلفة، ومنها إلى منى، وشعاره في ذلك كله: لبيك اللهم لبيك، فالتلبية -عباد الله- هي شعار الحاج في كل تنقلاته وفي جميع أعماله ومناسكه؛ بل الحج كله عباد الله تلبية لنداء الله قال الله -جل وعلا- في القرآن: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا) [الحج:27]؛ هذا نداء الله، وجواب هذا النداء: "لبيك اللهم لبيك، لبَّيك لا شريك لك لبيك".

عباد الله: والعبرة العظيمة، والعظة البالغة التي ينبغي أن يأخذها كل مسلم سواءً حج أو لم يحج من هذه التلبية العظيمة أن يتذكر دوما وأبدا أن الواجب عليه أن يكون دائما في كل حركاته وفي جميع تنقلاته ملبيا نداء الله، مستجيبا لأمره -جل وعلا-؛ لأن التلبية استجابة وامتثال وانقياد لأمر الله، دعا عباده للحج فكان جوابهم أن قالوا: "لبيك اللهم لبيك".

وهاهنا تتساءل -أيها المسلم- مع نفسك: كيف أنا في حياتي كلها مع تلبية نداء الله؟ ناداك الله للصلاة، وناداك للصيام، وناداك للزكاة، وناداك لفعل الطاعات، ونهاك -جل وعلا- عن المحرمات والآثام، فهل أنت متلَقٍّ تلك النداءات بالطاعة والاستجابة والتلبية، أم أنك مقصِّر مضيع مفرِّط لست ملبيا لنداء الله، ولا مستجيبا لداعي الله -جل وعلا-.

إنها فرصة عظيمة سانحة، ومناسبة كريمة ينبغي على كل مسلم أن يستفيد منها فائدة عظمى في حياته؛ ليتحول عبدا مستجيبا، ومؤمنا طائعا، وملبيا لنداء الله، خاضعا لأمره -جل وعلا-، منكسرا بين يديه، متزودا في هذه الحياة بزاد التقوى، وزاد الطاعة، وزاد الانقياد إلى الله -جل وعلا-.

عباد الله: ألا إنها -إي والله- فرصة عظيمة، ومناسبة كبيرة لأن نحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب، نحاسب أنفسنا ما دمنا في هذه الحياة قبل أن يحاسبنا الله -جل وعلا- حينما نلقاه ونقف بين يديه -عز وجل-، يا من دعاك الله للحج فقلت: لبيك اللهم لبيك، لقد دعاك الله للصلاة، ودعاك للصيام، ودعاك للزكاة، ونهاك عن الآثام؛ فما أنت قائل؟ وبماذا أنت مجيب؟.

إن الواجب علينا -عباد الله- أن تكون حياتنا كلها تلبية لنداء الله، واستجابة لداعي الله، وخضوعا لأمره -سبحانه-، مستسلمين منقادين محققين للطاعة ممتثلين للعبادة، لسنا خارجين عن طاعة الله وعن امتثال أوامره -جل وعلا-.

اللهم اهدنا إليك صراطا مستقيما، وخذ بنواصينا إلى كل خير، واجعلنا من الملبين نداءك في كل وقت وحين، اللهم وأصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر.

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على فضله وجوده وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه وأعوانه.

أما بعد: عباد الله اتقوا الله تعالى، واعلموا -رعاكم الله- أن الحج مدرسة تربوية مليئة بالعبر والعظات، والدروس البالغات، وليس أحد يستفيد من عظات الحج وعِبَرِه إلا إذا هيأ نفسه للاستفادة، واستحثها على التزود من هذه العبر والعظات بخير زاد.

عباد الله: ولما كان الحج مدرسة متكاملة للتربية على الإيمان، وتحقيق الإسلام، والبعد عن الآثام، ورعاية مكارم الأخلاق، كانت خطابة النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحج متنوعة شاملة لبيان الدين كله، وتقرير قواعد الإيمان، وبيان حقائق الإسلام، والدعوة إلى مكارم الأخلاق، والنهي عن الكبائر والآثام.

والأحاديثُ الواردة عنه في خطابته في حجه جاءت متنوعة في هذه المقاصد العظيمة، والغايات الحميدة، والآداب الكاملة التامة، جاء في مسند الإمام أحمد عن بشير بن سحيم -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر أن ينادى أيام التشريق أنه لا يدخل الجنةَ إلا نفس مؤمنة؛ فهذا -عباد الله- فيه تحقيق الإيمان، والدعوة إليه، وبيان أن دخول الجنة لا يكون إلا به.

وفي الحديث الآخر عن فضالة بن عبيد -رضي الله عنه- قال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول في الحج يخطب الناس: "ألا أخبركم بالمؤمن؟ المؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب، والمجاهد من جاهد نفسه على طاعة الله".

وجاء عن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب في الحج ويقول: "اتقوا ربكم، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدوا زكاة مالكم، وأطيعوا ذا أمركم، تدخلوا جنة ربكم".

وجاء عن أبي سلمة الأشجعي -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب في الحج فيقول: "ألا إنما هن أربع: لا تشركوا بالله شيئا، ولا تقتلوا، ولاتزنوا، ولا تسرقوا"؛ فتأمَّلْ -رعاك الله- هذا التنوعَ في البيان والدلالة والنصح للعباد.

فالحج -عباد الله- دعوة لتحقيق الإيمان، وتتميم الإسلام، والبعد عن المناهي والآثام، (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) [البقرة:197]، تربية وتعليم على كل فضيلة وعلى كل خير، فهذه -عباد الله- عِبَرُ الحَجِّ وعظاته ماثلة أمامنا، ألا فهل من متعظ؟ ألا فهل من مدَّكر؟.

نسأل الله -جل وعلا- أن يأخذ بنواصينا للخير، وأن يوفقنا للفقه في دينه، واتباع هدي سيد الأولين والآخرين، وأن يعيذنا من الفتن كلها، ما ظهر منها وما بطن.

وصلوا وسلموا...

 

 

 

 

 

 

المرفقات

الحج ودروسه

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات