عبادة الله والأمور التي تعين على تحقيقها

عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات: التربية
عناصر الخطبة
1/ معرفةُ اللهِ تعالى وعبادتُه غايةُ الخَلْق 2/ مفهوم العبادة 3/ ألوان العبادة ومَظَانّها 4/ شرطا قبول العبادات 5/ الأركان القلبية الثلاثة التي تقوم عليها العبادات 6/ المسابقة والمسارعة في فعل الخيرات 7/ثمرات العبادة 8/ أمورٌ تُعين على العبادة وسلوك مدارج السالكين

اقتباس

وكما أن العبادة تتناول فعل المأمور، فإنها كذلك تتناول ترك المحظور، فتركُ المحرمات، ومجانبتها، والبعد عنها من العبادة التي أمر الله تبارك وتعالى عباده بها؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"، وفي الحديث قال عليه الصلاة والسلام: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن" ..

 

 

 

 

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعود بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخِرين، وقيُّوم السموات والأرَضِين، وخالق الخَلْقِ أجمعين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصادق الوعد الأمين، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

معاشر المؤمنين: اتقوا الله تعالى، فإن من اتقى الله وقاه وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه.

عباد الله: إن مقصود إيجاد الخليقة، والغايةَ من خلق الثقلين معرفةُ الله تعالى، وعبادته، ودليل المعرفة قول الله -تبارك وتعالى-: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) [الطلاق:12]، ودليل العبادة قول الله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات:56].

فالله تعالى خلق الثقلين ليعرفوه بآياته، وأسمائه وصفاته، وعظمته وجلاله وكماله، وأنه الخالق المدبر، والرّب العظيم، والموجِد لهذه الكائنات، والمالك لجميع المخلوقات، فيؤمن بذلك كله إقرارا وتوحيدا، وإيمانا وإثباتا، وتوحيداً في العبادة، بأن تُخلص العبادة لله، وأن نفرده وحده -سبحانه- بالطاعة، فلا يُعْبَدُ إلا الله، ولا يُصْرَف شيء من العبادة لأحد سواه.

عباد الله: والعبادة التي خَلَقَ الله الخَلق لأجلها، وأوجدهم لتحقيقها، هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال، والأعمال الظاهرة والباطنة.

والعبادة منها ما يكون بالقلب، كالرجاء، والخوف، والإنابة، والتوكل، وغير ذلك؛ ومنها ما يكون باللسان، كذكر الله -جلّ وعلا-، وتلاوة القرآن، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكل قول سديد يحبه الله؛ ومنها ما يكون بالجوارح، من فعلٍ للطاعات، وقيام بالعبادات وتحقيق للقربات التي أمر الله تبارك وتعالى عباده بها، ودعاهم إلى فعلها.

وكما أن العبادة -عباد الله- تتناول فعل المأمور، فإنها كذلك تتناول ترك المحظور، فتركُ المحرمات، ومجانبتها، والبعد عنها من العبادة التي أمر الله تبارك وتعالى عباده بها؛ ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم-: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"، وفي الحديث قال -عليه الصلاة والسلام-: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن".

عباد الله: والعبادة لا يقبلها الله من العابد إلا إذا أقامها على شرطين عظيمين، وأساسين متينين: الإخلاص للمعبود، ومتابعة الرسول الكريم؛ كما قال الله -تبارك وتعالى-: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) [الكهف:110].

والله جلّ وعلا لا يقبل العبادة من العامل إذا لم تكن خالصة له، وفي الحديث القدسي، يقول الله -جلّ وعلا-: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك، مَن عمِل عملا أشرك معيَ فيه غيري تركتُه وشركه"، وهو -جلّ وعلا- لا يقبل العبادة إن لم تكن موافقة هدْي النبي الكريم، ونهج الرسول العظيم، صلوات الله وسلامه عليه، والعبادة التي لا تكون موافقة هدي النبي -عليه الصلاة والسلام- مردودة على صاحبها، غير مقبولة منه، وفي الصحيحين، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد".

والله تعالى يقول: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلَاً) [هود:7]، قال الفضيل بن عياض -رحمه الله- في معنى هذه الآية: أخلَصُه وأصوبُه، قيل: يا أبا علي، وما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل، والخالص ما كان لله، والصواب ما كان على السنة.

عباد الله: والعبادة أنواع كثيرة، وصنوف عديدة، جاء بيانها في كتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

وأعظم العبادة شأنا، وأرفعها مكانا، مباني الإسلام الخمسة، المبيَّنة في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "بُنِيَ الإسلام على خمس: شهادة ألَّا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام" متفق عليه.

عباد الله: ثم إن كل عبادة يتقرب بها العامل إلى الله من صلاة وصيام وحج وغير ذلك يجب أن تقام على أركان قلبية ثلاثة عظيمة: وهي حبُّ الله، ورجاءُ ثوابه، وخوفُ عقابه؛ فكل عبادة نأتي بها، وكل طاعة نتقرب إلى الله، بها لا بد أن تكون قائمة على هذه الأركان الثلاثة: الحب، والرجاء، والخوف.

فنحن نعبد الله حبا لله، ورجاء لثوابه، وخوفا من عقابه، نُصَلِّي حبا لله، ورجاءً لثوابه، وخوفاً من عقابه؛ نصوم حبا لله، ورجاءً لثوابه، وخوفا من عقابه، وهكذا في كل الطاعات، وجميع العبادات، وهذا ما ذكره الله تعالى في قوله سبحانه: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا) [الإسراء:57].

عباد الله: والعُبّاد وعُمّال الآخرة والسائرون في رضا الله تبارك وتعالى هم في حقيقة الأمر في مضمار سباق، وفي ميدان منافسة؛ ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم-: "سبق المفرِّدون"، قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: "الذاكرون الله كثيرا والذاكرات".

فالعاملون للآخرة، والقائمون بعبادة الله، هم في حقيقة الأمر يعيشون هذه الحياة الدنيا في ميدان سباق، وفي ميدان مسارعة، قال الله -جلّ وعلا-: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) [الأنبياء:90]، وقال -جلّ وعلا-: (أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) [المؤمنون:61]، والآيات في هذا المعنى كثيرة عديدة.

عباد الله: ومَن يعمل للآخِرَةِ مجتهدا في عبادة الله، ساعيا في التقرب إلى الله بما يحبه الله ويرضاه من صالح الأعمال، وسديد الأقوال؛ فإنه يفوز بالأرباح العظيمة، والمكاسب الكبيرة، والنتائج المثمرة العظيمة في الدنيا والآخرة، وهذا من مِنّة الله -جلّ وعلا- على عباده المؤمنين، وحزبه الصادقين، وأوليائه المقربين.

وثمار العبادة والقيام بالطّاعة كثيرة عديدة يطول عَدُّها، ويحتاج الأمر إلى وقت كثير لسردها، والله تعالى يقول: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل:97].

اللهم وفقنا لعبادتك، وأعِنَّا على طاعتك، واهدنا يا ربنا إلى سواء السبيل، اللهم وبصِّرْنا بديننا، وأعِنَّا على طاعتك يا ذا الجلال والإكرام، وأصلح لنا إلهنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصْلِحْ لنا دنيانا التي فيها معاشنا، و أصلِحْ لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل لنا الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر.

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الفضل والجود والامتنان، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

عباد الله: وإن من مقامات عباد الله العظيمة في تقربهم إلى الله، ومحافظتهم على طاعة الله، عنايتهم الفائقة، ورعايتهم الكبيرة لمنازل السائرين، ومقامات العابدين؛ ولهذا فإن العابد لله -جلّ وعلا- يحتاج إلى أمور عظيمة تُعِينُه على القيام بالعبادة، وتُيَسِّرُ له المحافظة على الطاعة.

ومن ذلك -عباد الله- الصبر بأنواعه الثلاثة: صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على أقدار الله؛ ومما يحتاج إليه العابد حاجة عظيمة؛ بل حاجة مُلِحَّة: التوكل على الله، والاستعانة بالله، والاعتماد على الله في طلب مصالحه الدينية والدنيوية؛ ولهذا قال النبي لمعاذ -رضي الله عنه-: "يا معاذ، إني أحبك! فلا تدعَنَّ دُبُرَ كُلِّ صلاةٍ أن تقول: اللهم أعِنِّي على ذِكْرِكَ، وشكرك، وحسن عبادتك".

وإذا كانت العبادة ثقيلة على العبد فإن أعظم ما يسهلها ويلينها على قلبه ذكر الله تبارك وتعالى، وفي الترمذي، عن عبد الله بن بسر -رضي الله عنه- أن رجلا أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله: إن شرائع الدين قد كثُرَتْ عليَّ، فأوْصِنِي، فقال -عليه الصلاة والسلام-: "لا يزالُ لسانك رطبا من ذكر الله"، والحديث دليلٌ على أن من فوائد الذِّكر العظيمة، وآثاره العميمة، أنه يسهِّل الطاعة، ويُعِينُ على القيام بالعبادة، ويذللها للعبد تذليلا بإذن الله -جلّ وعلا-.

ومن مقامات العابدين العظيمة شكر الله على نِعَمِه، وحمده على عطاياه ومننه، وأعظم مِنن الله علينا -عباد الله- توفيقه لنا في الدّخول في هذا الدين، وأن كنا مِن أهل الصلاة والصيام، فهذه نعمة عظيمة، ومنّة جسيمة، والمؤمنُ شاكرٌ لنعمة الله، حامد لله -جلّ وعلا- على نِعَمِهِ وعطاياه، والشكر مُؤذِنٌ بالمزيد، والله -جلّ وعلا- يقول: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم:7].

اللهم أوزعنا شكر نعمك، اللهم أوزعنا شكر نعمك، ووفقنا لاستعمال نعمك في طاعتك وما يقرب إليك، وجَنِّبْنَا إلهنا منكرات الأخلاق والأهواء والأدواء، إنك سميع الدعاء، وأنت أهل الرجاء، وأنت ولينا، ونعم الوكيل!.

وصلوا وسلموا رعاكم على كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَن صلى عليَّ واحدة صلى الله عليه بها عشرا".

اللهم صَلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد...

 

 

 

 

 

 

المرفقات

الله والأمور التي تعين على تحقيقها

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات