عبادة الشكر

عبدالله بن عبده نعمان العواضي

2022-10-07 - 1444/03/11
التصنيفات: أحوال القلوب
عناصر الخطبة
1/ أهمية عبادة الشكر 2/ ثمرات الشكر 3/ قواعده 4/ نعمٌ مستوجبة للشكر وكيفية شكرها 5/ وجوب شكر الناس والوالدين 6/ الهدي النبوي في الشكر 7/ عاقبة الجحود

اقتباس

إن الشكر جُعل غاية للخلق، فقال -تعالى-: (وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [النحل:78]، وإن أعظم الشكر: توحيد الله، وعبادته.

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الكريم المتفضل، الواهب المجزل، مَن نَعِمه على الخليقة نازلة، ومننهُ إلى عباده واصلة، يتقرّب إليهم بجوده وإحسانه، وهم يبتعدون عنه بجحوده وعصيانه.

 

أحمده ربي وأشكره، وأثني عليه ولا أكفره، أعبده ولا أجحده، وأعترف بفضله ونعمائه، وأعجز مهما شكرتُ عن إيفاء حق جوده وعطائه.

 

وأشهد أن لا إله إلا هو الشكور الصبور، الكريم الغفور، لا عادّ لنعمه، ولا حدَّ لسخائه وكرمه.

 

إلهي لك الحمد الذي أنت أهله *** على نعمٍ ما كنتُ قطُّ لها أهلا

فإن زدتُ تقصيراً فزدني تفضلاً *** كأنيَ بالتقصير أستوجب الفضلا

 

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أفضل نائل شاكر، وأثبتُ مبتلى صابر. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، نجوم الشاكرين في السراء، وأعلام الصابرين في الضراء، وسلم تسليماً.

 

أما بعد: روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "بينما رجل يمشي بطريقٍ وجد غصن شوك على الطريق فأخّره، فشكر الله له فغفر له".

 

وروى الشيخان أيضاً عن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- قال: إن كان النبي -صلى الله عليه وسلم- ليقوم ليصلي حتى تورم قدماه أو ساقاه، فيقال له؛ فيقول: "أفلا أكون عبدا شكورا!".

 

عباد الله: نعم الله على عباده أكثر من أن تحصى وتعد، وأوسع من أن يحيط بها أحدٌ غير الله -تعالى-، قال الله -تعالى-: (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) [النحل:18].

 

نعمٌ ظاهرة مشاهدة بالعيون، أو مسموعة بالآذان، أو مشهودة بغيرهما من الجوارح، ونعم علوية، ونعم سفلية، ونعم دينية، ونعم دنيوية، ونعم باطنة يدرك بعضها بالتأمل والتفكر، ونعم لا تدرك.

 

انظر -يا عبد الله- إلى نفسك: كم فيك من آياتٍ ونعم! قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ) [الانفطار:6-8]، وقال: (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) [الذاريات:20-21].

 

أيها الإنسان: أتظن نفسك خالياً من آيات لله فيك؟! لا تظن ذلك

وتحسب أنك جِرْم صغيرٌ *** وفيك انطوى العالَم الأكبرُ!

 

انظر ما حولك: كم من مخلوق خلق لخدمتك، وسخر لنفعك وراحتك! قال -تعالى-: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ * وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ) [يس:71-73].

 

قال أحد السلف لرجل يشكو ضيق حاله: أيسرك ببصرك هذا مائة ألف درهم؟ قال الرجل: لا، قال: فبيديك مائة ألف؟ قال: لا. قال: فبرجليك مائة ألف؟ فما زال يذكره نعم الله عليه واحدة واحدة، ثم قال له: أرى عندك مئات الألوف وأنت تشكو الحاجة؟!.

 

أيها المسلمون: إنما أنعم الله على عباده نعمه الغزيرة رحمةً بهم ليرى شكرهم، ولا يريد منهم ثمناً أو عائداً عليه، فإذا شكروا فلأنفسهم، وإن جحدوا فعليها. قال -تعالى-: (وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) [لقمان:12].

 

فإن الله لا ينفعه شكر الشاكرين، ولا يضره جحود الجاحدين، فمن شكر فقد حرس النعمة عليه بالبقاء، وكسب به المزيد والنماء، ومن كفر وجحد سارع في إذهاب النعمة، وتعجيل النقمة، قال الله -تعالى-: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم:7].

 

قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "إن النعمة موصولة بالشكر، والشكر يتعلق بالمزيد، وهما مقرونان في قرَن، فلن ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من العبد".

 

وقال الحسن البصري -رحمه الله-: "إن الله ليمتع بالنعمة ما شاء، فإذا لم يُشكر عليها قلبها عذاباً؛ ولهذا كانوا يسمون الشكر: الحافظ؛ لأنه يحفظ النعم الموجودة، والجالب؛ لأنه يجلب النعم المفقودة".

 

وقال كعب الأحبار -رحمه الله-: "ما أنعم الله على عبد نعمة في الدنيا فشكرها لله، وتواضع بها لله، إلا أعطاه الله نفعها في الدنيا، ورفع له بها درجة في الآخرة. وما أنعم الله على عبد نعمة في الدنيا فلم يشكرها لله، ولم يتواضع بها، إلا منعه الله نفعها في الدنيا، وفتح له طبقات من النار، يعذبه إن شاء أو يتجاوز عنه".

 

ألا أيها الشاكر: اعلم أن شكر الله طريق إلى الأجر الكبير، فماذا أنت خاسر؟! قال -عليه الصلاة والسلام-: "للطاعم الشاكر مثل ما للصائم الصابر" رواه أحمد والترمذي وغيرهما.

 

وشكرك سبيل إلى مرضاة الله عنك، فماذا تريد وراء ذلك؟! قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها" رواه مسلم.

 

عباد الله: إن حياة المؤمن بين صبر وشكر: صبر على ضراء، يصبر عندها فيربح بها أجراً، ويُرفع بها قدرا، وشكر على سراء يحمد ربه عليها، ويعرف حق الله عليه فيها. عن صهيب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "عجبا لأمر المؤمن! إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له"  رواه مسلم. فماذا فات المؤمنَ إن شكر في هنائه وصبر في بلائه؟ وماذا حصّل الجزِعُ من جزعه غيرَ الوزر والتعب؟ فإن ما قُدِّر عليه كائن.

 

معشر المسلمين: إن الشكر عبادة من العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه، ومما يدل على أهمية هذه العبادة وعظيم ثوابها أن الله أوقف الجزاء في كثير من الأعمال الصالحة على المشيئة، فقال في الإغناء: (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [التوبة:28]، وقال في المغفرة: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً) [النساء:48]، وقال في التوبة: (وَيَتُوبُ اللّهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [التوبة:15]. أما الشكر فأطلقه ولم يقيده بالمشيئة؛ لكرم الله -تعالى- على الشاكرين، ولتفاضل الشاكرين في الشكر، قال -تعالى-: (وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) [آل عمران:145].

 

عباد الله: إن الشكر جُعل غاية للخلق، فقال -تعالى-: (وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [النحل:78]، وإن أعظم الشكر: توحيد الله، وعبادته.

 

وكان الشكر صفة من صفات الأنبياء التي أثنى الله عليهم بها، فقال نوح: (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً) [الإسراء:3]، وقال عن إبراهيم: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [النحل:120].

 

وأخبر -تعالى- أنما يعبده من شكره، ومن لم يشكره لم يكن من أهل عبادته، فقال: (وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) [البقرة:172].

 

ولما عرف عدو الله إبليس قدر مقام الشكر وأنه من أجلّ المقامات وأعلاها جعل غايته أن يسعى في قطع الناس عنه فقال: (ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) [الأعراف:17].

 

أيها المسلمون: إن الشكر أعلى منازل السالكين إلى الله، ولن يكون كذلك حتى يبنى على خمس قواعد: خضوع الشاكر للمشكور، وحبه له، واعترافه بنعمته، والثناء عليه بها، وأن لا يستعملها فيما يكره.

 

فهذا ربنا المنعم الكريم علينا -عباد الله- ألا يليق بنا ونحن غارقون في نعمه ومننه أن نخضع له، ونحبه حباً صادقا، ونعترف بنعمته علينا، ونثني عليه، ونستعمل ما أنعم به في طاعته ومرضاته؟!.

 

عباد الله: من سارع في طاعة الله وتنكب طريق معصيته، وعمرَ قلبه بحبه، ولسانه بذكره، وجوارحه بخدمته ورضاه؛ فقد أدى شيئاً من شكره.

 

قال أحد السلف: "الشكرُ تقوى الله والعمل الصالح". فالصلاة الصحيحة شكر، والصيام المقبول شكر، وكل عمل تعمله -أيها المسلم- لله شكر.

 

قال رجل لأبي حازم: ما شكر العينين؟ قال: إن رأيت بهما خيراً أعلنته، وإن رأيت بهما شراً سترته، قال: فما شكر الأذنين؟ قال: إن سمعت بهما خيراً وعيته، وإن سمعت بهما شراً دفعته. قال: فما شكر اليدين؟ قال: لا تأخذ بهما ما ليس لهما، ولا تمنع حقاً لله هو فيهما. قال: فما شكر البطن؟ قال: قال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) [المؤمنون:5-6].

 

وقال علي -رضي الله عنه- لرجل: هل تدري ما حق الطعام؟ قال: ما حقه؟ قال: تقول: بسم الله، اللهم بارك لنا فيما رزقتنا. قال: وتدري ما شكره إذا فرغت؟ قال: قلت: وما شكره؟ قال تقول: الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا.

 

إخواني الأعزاء: إن النجاة من المآزق نعمة تستحق الشكر الذي يتجلى في أعمال صالحة تعقب النجاة؛ فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال: "ما هذا؟". قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى. قال: "فأنا أحق بموسى منكم". فصامه وأمر بصيامه. رواه البخاري.

 

إن حصول النعمة سبب يدعو الإنسان إلى شكر الله -تعالى-، ومن شكر الله: القيام بسجدة الشكر عند حصول ما يُسر؛ فقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا جاءه أمرٌ يسره، أو بُشر به، خرّ ساجداً لله شكراً.

 

معشر المسلمين: إننا ننام ثم نصبح إلى الحياة من جديد، وهذه نعمة علينا؛ لكوننا رجعنا إلى زمن المهلة؛ لعلنا نستغفر ونتوب، ونزداد عملاً صالحاً، فكيف نشكر هذه النعمة؟ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من قال حين يصبح: اللهم ما أصبح بي من نعمة فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكر، فقد أدى شكر يومه، ومن قال مثل ذلك حين يمسي فقد أدى شكر ليلته" رواه أبو داود وابن حبان.

 

فنسأل الله -عز وجل- أن يجعلنا من عباده الحامدين، ومن صفوة خلقه الشاكرين، والحمد لله عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته.

 

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على النبي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أما بعد: عباد الله: ما أحسن الإحسان إلى الخلق، وأجمل بذل المعروف في الحق، وألذ أثره في النفس، وأطيب ذكره في السمع، وأنضر رؤيته للعين!.

 

ولكن؛ ما أبقاه وأوفاه إن صادف نفوساً حية تفيض بالشكر الوافر، والثناء العاطر؛ فتقابل النعمة بالمدح والشكران، لا بالجحود والكفران، وتستقبل الجميل بالاعتراف والإعلان، لا بالنكر والكتمان.

 

فشكر الناس، وحمد صنيعهم، وعدم نكران جميلهم، من شكر الله -تعالى-. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يشكر الله من لا يشكر الناس" رواه أبو داود وابن حبان وغيرهما. وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أيضاً: "مَن صُنع إليه معروف فقال لفاعله: جزاك الله خيراً فقد أبلغ في الثناء" رواه أحمد وأبو داود.

 

قال الشاعر:

ومن يسدِ معروفاً إليك فكن له *** شكوراً يكن معروفه غير ضائعِ

ولا تبخلنْ بالشكر والقرضَ فاجزه *** تكن خيرَ مصنوعٍ إليه وصانع

 

ألا وإن من أعظم من أسدى إليك معروفاً ولن تستطيع جزاءه مهما شكرت والديك الحنونين، قال -تعالى-: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) [لقمان:14].

 

وشكر الوالدين: برهما والإحسان إليهما، وهذا إذا كان في حق الوالدين اللذين لن يقدر الإنسان على رد معروفهما، فكيف بالمنعم الكريم -سبحانه وتعالى- الذي لا تنقطع نعمه عنا؟! فما أكثرَ النعم! ولكن؛ ما أقلَّ شاكريها! قال -تعالى-: (وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ:13].

 

فلماذا لا نحرص -يا عباد الله- أن نكون من هذا القليل؟ لندعُ الله بذلك كما كان رسول الله يدعو، كان -عليه الصلاة والسلام- يقول: "اللهم اجعلني لك شكّاراً، لك ذكّاراً، لك مطواعاً، إليك مخبتاً، لك أوّاهاً منيباً" رواه أحمد وابن حبان.

 

فالشكرَ الشكرَ -يا عباد الله- على نعم الله -تعالى- الظاهرة والباطنة، ما قل منها وما كثر! فبالشكر تدوم النعم وتزيد، وبالجحود تفنى وتبيد، وقد يخلفها العذاب والنقمة، والندم والحسرة. قال -تعالى-: (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ) [النحل:112].

 

واعلموا -رحمني الله وإياكم- أنه لن تتغير نعم الله بالذهاب أو القلة إلا إذا غيّرنا ما بأنفسنا من الشكر إلى عدمه، قال -تعالى-: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأنفال:53].

 

وإن المسلم الشاكر ليقول لربه بلسان حاله أو مقاله:

أوليتني نعماً أبوح بشكرها *** وكفيتني كلَّ الأمور بأسرها

فلأشكرنك ما حييتُ وإن أمت *** فلتشكرنك أعظمي في قبرها

 

فيا رب لك الحمد كما ينبغي لوجهك وعظيم سلطانك، ولك الشكر على جزيل نعمائك وإحسانك، اللهم اجعلنا لك شكّارين، لك أوّابين، إليك منيبين، ومنك وحدك طالبين.

 

اللهم أعنا على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك.

 

المرفقات

عبادة الشكر

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات