عناصر الخطبة
1/ منزلة عبادة الشكر 2/ ثمراته 3/ انقسام العباد إلى شاكرين وكافرين 4/ من سمات الشاكرين 5/ أمور تعين على أداء عبادة الشكراقتباس
عبادةٌ عظيمةٌ، ومنزلةٌ سامية رفيعة لا يَبْلُغُها إلا منْ مَنَّ الله -تعالى- عليه بِالهداية، وهي صفةُ الأنبياء والصالحين: شُكْرُ اللهِ -تعالى-، الذي هو من كمال الإيمانِ، وحسن الإسلام، وهو شطرُ الدين؛ لأنَّ العبدَ تكونُ حالُه إما ضراء فيصْبر، وإمَّا سراء فيشكُر، كما جاء في حديثِ صُهيبٍ -رضي الله عنه- أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ؛ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ! وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ؛ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ" رواهُ مُسلم.
الخطبة الأولى:
إنّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ. وأشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيِكَ لهُ، وأشْهَدُ أنّ مُـحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران:102]. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيِثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمّدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وَشَرَّ الأمُورِ مُحْدَثاتُها، وَكُلَّ مُحْدثةٍ بِدْعَة، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَة، وكُلَّ ضَلالةٍ فِي النّارِ.
إذا كان شُكري نِعْمَةَ الله نِعمةً *** عليَّ لهُ في مِثْلِها يَجِبُ الشُّكرُ
فكيفَ وُقُوعُ الشُّكْرِ إلَّا بِفَضْلِهِ *** وإنْ طالتِ الأيامُ واتَّصلَ الْعُمْرُ
إذا مسَّ بالسَّراءِ عمَّ سُرورُها *** وإنْ مسَّ بالضَّراءِ أعْقَبَها الْأَجْرُ
ومَا مِنْهُما إلاَّ لـهُ فيه مِنَّـةٌ *** تَضِيقُ بها الأوْهَامُ والبـرُّ والْبَحْرُ
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: عبادةٌ عظيمةٌ، ومنزلةٌ سامية رفيعة لا يَبْلُغُها إلا منْ مَنَّ الله -تعالى- عليه بِالهداية، وهي صفةُ الأنبياء والصالحين: شُكْرُ اللهِ -تعالى-، الذي هو من كمال الإيمانِ، وحسن الإسلام، وهو شطرُ الدين؛ لأنَّ العبدَ تكونُ حالُه إما ضراء فيصْبر، وإمَّا سراء فيشكُر، كما جاء في حديثِ صُهيبٍ -رضي الله عنه- أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ؛ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ! وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ؛ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ" رواهُ مُسلم.
وقد سُمّيَ الشكرُ بالحافظ؛ لأنه يحفظُ النِّعمَ الموجودة، وسمي بالجالب؛ لأنه يجلبُ النعمَ المفقودة، واللهُ -تعالى- يحبُّ الشكرَ وأهلَه، ويُبغضُ الكفرَ وأهلَه، ويَـجْزِي على قدْرِ شُكْرِ العبد لهُ، كما قال -تعالى-: (وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) [آل عمران:144]، وقال -تعالى-: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم:7].
ولذلك؛ قسَّم الله -تعالى- عبادَه في مسألة الشُّكر إلى قسْمينِ، فقال -تبارك وتعالى-: (إِنَّا خَلَقْنَا الإنسان مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) [الإنسان:2-3].
وقد ذكر أهلُ العلمِ أموراً يقومُ عليها الشُّكْرُ، ويَعْرفُ الإنسانُ من خلالها نفسَه في باب شُكر الْمُنعم، وهي: خضوعُ الشاكرِ -وهو العبدُ- لِلمشكورِ -وهو الله تعالى-، وحبُّه له، واعترافُهُ وثناؤُه عليه بِنعمته، وأنْ لا يستعمل هذه النعمةَ فيما يُغْضِبُ الله.
عبادَ اللهِ: لقد أعدَّ اللهُ لِلشَّاكرينَ أجُوراً عظيمةً، وفضائلَ كثيرةً، ووعوداً صادقةً؛ يقولُ -تبارك وتعالى-: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم:8].
ففي الشُّكر زيادةُ الفضل من الله -جلّ جلاله-، وفي الشكر دوامُ النِّعم ودفعُ النقم، قالَ -تعالى-: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) [البقرة:152]، وقال -صلى الله عليه وسلم- لِمعاذٍ -رضي الله عنه-: "يَا مُعَاذُ، إنِّي لَأُحِبُّك! فَلَا تَدَع أَنْ تَقُولَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ: اللَّهُمَّ أَعَنِّي عَلَى ذِكْرِك وَشُكْرِك وَحُسْنِ عِبَادَتِك" رواه أبو داود وصححه الألباني.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: ومنْ أعظمِ ما يُعينُ على أداءِ الشُّكر لله أمورٌ، منْها:
استحضارُ كمالِ قُدرة الله، وغِناهُ المطلق، وكمالِ رحمته ولُطفهِ وحِلمهِ بالعباد، وأنَّه يتفضَّلُ على عِبادهِ بالنعم، ويغمُرُهم برحمته، ويجودُ عليهم رغْمَ تقصيرهِم معه، كما قال -تعالى-: (وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) [لقمان:12].
ومنها: تفكُّرُ العبد في كثرة النِّعمِ التي لا يستطيعُ أنْ يُحصيَها، مِنْ إيمانٍ، وأمْنٍ، وسلامةٍ في البدنِ والمال والأهل والولد، وغيرِ ذلك؛ فكلُّ نعمةٍ يتولد منها نعمٌ كثيرةٌ، قال -تعالى-: (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) [النحل:18].
ومما يُعينُ على أداء الشُّكر لله: التَّأَمُّلُ في عَظيمِ جزاءِ الشُّكرِ في الآخرة وثوابهِ العاجلِ في الدنيا، والتأمّلُ في عذاب كُفر النعم في الآخرة ومحقِ النِّعم في الدنيا، قال -صلى الله عليه وسلم-: "الطَّاعِمُ الشَّاكِرُ بِمَنْزِلَةِ الصَّائِمِ الصَّابِرِ" رواه الترمذيُّ وصححه الألبانيُّ من حديثِ أبي هريرة -رضي الله عنه-.
ومما يُعينُ على أداء الشُّكر لله: النَّظرُ في أحوالِ الفُقراءِ والمساكينَ والْمُشرّدينَ الذين همْ أقَلُّ منكَ؛ فكم منْهم منْ لا يملكُ سَكَناً يُؤويهِ، وطعاماً يُغَذِّيهِ، وصحّةً تُنجيهِ، وصاحباً يُسَلِّيهِ! وأنتَ كُلُّهُ تَمْلِكُهُ.
فاتَّقُوا اللهَ عبادَ الله، واقْنَعُوا بما أنْعمَ اللهُ بهِ عليْكُم، وأدُّوا شُكْرَ نِعَمِ الله، واحْذَرُوا كْفْرَها وجُحودَها؛ فإنَّ اللهَ يـُمَتِّعُ بالنِّعمةِ مَا شَاء، فإذا لمْ يُشكر عليْها قَلَبَها عذاباً.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الكتابِ والسُّنة، وَنَفَعنا بِما فِيهِما مِنَ الآياتِ وَالْحِكْمَةِ. أقولُ قَوْلِي هَذا، وأسْتغفرِ اللهُ لِي وَلَكُم مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَإنّه هُوَ الْغَفُورُ الرَّحيم.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، والشّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعْظِيمًا لَشَانِهِ، وأشهدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وأصْحَابِهِ وأعْوانِهِ، وسَلّم تَسْلِيماً كثيراً.
أمّا بَعْدُ: فاعْلَموا -عِبادَ اللهِ- أنَّ الشكرَ أمرٌ مستقرٌّ في سُلوك المُتعبِّدين، ونهجٌ راسِخٌ في نُفوسِ الصَّالِحينَ، تَمتلِئُ بهِ قلوبُهم، وتلهَجُ به ألسِنتُهم، ويظهرُ على جوارِحهم.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: ونحنُ في بلادِنا نَنْعَمُ بِنِعمٍ لا تُعَدُّ ولا تُحَدُّ، تمتلئُ بطونُنا منْ رزقِ اللهِ، وننامُ مِلْء جُفونِنا بِنعمةِ اللهِ، آمِنينَ في بِلادنا ودُورِنا؛ قد يحصلُ في بلادنا شدّةٌ في الحرِّ فنَحْمَدُ اللهَ على ذلكَ، ونشكرُهُ وَنَتسَلَّحُ بِسلاحِ الصَّبْرِ في الضَّراءِ، والحمْدُ للهِ أنَّنا في حرٍّ وليس في حرْب، وفي حرٍّ ولسْنا مُشرَّدِينَ بين جُوعٍ وعطشٍ وعَراءٍ، وبينَ خوْفٍ وتَشْريدٍ وشَقاء، فلكَ الْـحَمْدُ والمنّة.
فاتَّقُوا اللهَ عبادَ اللهِ، واشْكُروا رَبَّكُم فِي الصِّحةِ والسَّقَم، والشَّباب والهرَم، والفَقْرِ والغِنى، والفراغِ والشُّغلِ، والسرَّاءِ والضرَّاء، واليقظَةِ والْمَنام، والسَّفَرِ والإقَامةِ، وفي الخَلْوةِ والاخْتِلاطِ، قِيامًا وقُعُودًا وعلَى جُنوبِكُم.
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: (إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَائِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ يآ أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَلّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا" رَوَاهُ مُسْلِم.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم