عام مضى

رياض بن يحيى الغيلي

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ واقع المسلمين الأليم 2/ الحل في الجهاد 3/ المسلمون منتصرون لا محالة 4/ المسلم لا يتعجَّل النتيجة

اقتباس

لم يحدث لأمتنا -أيها الأحبة- في أي عام مضى، مثل ما حدث لها هذا العام، ففي هذا العام سقطت بغداد بأيدي المجرمين المعتدين الغاصبين، سقطت بغداد، بل وسقطت العراق بجميع مدنها وقراها؛ في هذا العام كشَّر الحقد الصليبي عن أنيابه، فقصف بالقنابل، وقذف بالصواريخ، وهدم البيوت على رؤوس ساكنيها، وقتل الأبرياء؛ ذبح الأطفال، أحرق الزرع، وأفسد الأرض، وعربد باطله، وصال وجال، وأهل الحق في سبات عميق..

 

 

 

 

 

 

الحمد لله رب العالمين؛ يا رب! يا رب! قد عم الفساد فنجِّنا، يا رب! قلّت حيلةٌ فتولَّنَا، ارفع مقتك وغضبك عنا، ولا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، ولا تعاملنا بما فعل السفهاء منا، اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، واقبل توبتنا، وأصلح قلوبنا، وارحم ضعفنا، وتول أمرنا، استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، وآمِنَّا في أوطاننا، وبلغنا مما يرضيك آمالنا، واختم بالصالحات أعمالنا.
 

وأشهد أن لا إله إلا الله، لا إله إلا الله غنىُّ كلِّ فقير، لا إله إلا الله عِزُّ كُلِّ ذليل، لا إله إلا الله قوة كل ضعيف، لا إله إلا الله مفزع كل ملهوف.

إلهي! إلهي! حاشاك أن نفتقر في غناك، وأن نضل في هداك، وأن نذل في عزك، وأن نضام في سلطانك، وأنت القائل: "ما من عبد يعتصم بي من دون خلقي، أعرف ذلك من نيته، فتكيده أهل السماوات والأرض، إلا جعلت له من بين ذلك مخرجاً؛ وما من عبد، يعتصم بمخلوق دوني، أعرف ذلك من نيته، إلا جعلت الأرض هوياً تحت قدميه، وقطعت أسباب السماء بين يديه؛ وما من عبد يطيعني، إلا وأنا معطيه قبل أن يسألني، ومستجيب له قبل أن يدعوني، وغافر له قبل أن يستغفرني".

إلهي

إِليْكَ رَفَعْتُ يَا رَبِّي دُعَائِي *** أَجُودُ عليْهِ بالدَّمْعِ الغَزِيرِ
لِأَشْكُو غُرْبَتي فِي ظِلِّ عَصْرٍ *** يُنَكِّسُ رأسَهُ بيْن العُصُورِ
أرَى فيه العَدَاوةَ بَيْنَ قَوْمِي *** وَأَسْمَعُ فِيهِ أبواقَ الشُّرُورِ
وَأَلمحُ عِزَّةَ الأعْداءِ حَوْلِي *** وَقَوْمِي ذُلُّهُم يُدمِي شُعُوري
أرَى في كُلِّ ناحيةٍ سُؤالاً *** مُلِحَّاً، والحقيقةُ فِي نُفُوري
وأسْمَعُ في فَمِ الأقصَى نِدَاءً *** ولكِنَّ العزائمَ فِي فُتُور

 

وأشهد أن سيدنا ونبينا، وعظيمنا وحبيبنا، وقائدنا وقدوتنا، محمداً رسول الله؛ الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والسراج المنير؛ أوصى أمته فقال: "اغتنِمْ خمسا قبل خمس: شبابَك قبلَ هرمِك، وصحتَك قبل مرضِك، وفراغَك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك، وخذ من نفسِك لنفسك، ومن دنياك لأخرتك".

ياصاحبَ الَدّينِ الحنيفِ تحيَّة *** تُجْزَى بها اَلاؤك الغَرَّاءُ
لماّحَمَلْتَ البِّيناتِ تَلأْلَأَتْ *** فِي الخافِقَيْنِ مِن الهُدَى أضْوَاءُ
أخْرجْتَ كُلَّ الناسِ مِنْ ظُلُمَاتِهِمْ *** وَأريْتَهمْ أن الوجودَ صَفاءُ
وشَرَعْتَ مِنهاجَ الَصَّواب وطَالَمَا *** ضَلَّ الطرِيقَ مُشْرِّعٌ وقضَاءُ
حطَّمْتَ أوهام اَلعبَيد فكلُّهُمْ *** والمالكونَ رقابَهم أكْفَاءُ

اللهم صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ عليه، وعلى أصحابه، وعلى أهل بيته وعلى من تبعه إلى يوم الدين.

أما بعد: أيها الإخوة الأماجد: بعد أيامِ نستقبل عاماً جديداً، ونودع عاماً آخر، نودع عاماً ليس كأي عام مر على أمة التوحيد، عاماً انكسرت فيه الأمة، وذلت، وخضعت، وطأطأت، وأصبحت قصعة مستباحة لأمم الأرض جميعاً.

لم يحدث لأمتنا -أيها الأحبة- في أي عام مضى، مثل ما حدث لها هذا العام، ففي هذا العام سقطت بغداد بأيدي المجرمين المعتدين الغاصبين، سقطت بغداد، بل وسقطت العراق بجميع مدنها وقراها؛ في هذا العام كشَّر الحقد الصليبي عن أنيابه، فقصف بالقنابل، وقذف بالصواريخ، وهدم البيوت على رؤوس ساكنيها، وقتل الأبرياء؛ ذبح الأطفال، أحرق الزرع، وأفسد الأرض، وعربد باطله، وصال وجال، وأهل الحق في سبات عميق!.

وفي هذا العام زاد اليهود من بغيهم وعدوانهم في أرض فلسطين، أرض الرسالات، ومهد الديانات، وزادت وطأتهم على الشعب المجاهد على ثرى فلسطين، فاغتالوا القادة، وهدموا البيوت، وشردوا مزيداً من الأسر، وذبحوا المزيد من الرجال والنساء والولدان المستضعفين ولا ناصر لهم إلا الله، الذين يقولون: (رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا) [النساء:75].

وفي هذا العام شرع اليهود في بناء الجدار، الجدار الظالم، الذي يحول بين الرجل وعمله، بين الفلاح وحقله، بين الطالب ومدرسته، بل ويعزل أسراً عن أسر.

وفي هذا العام زاد ظلم الظالمين، وعلا استكبار المستكبرين، وطفح طغيان الطغاة، فملؤوا السجون بالأبرياء، وعذبوا الموحدين الأخفياء، وحاصروا الدعاة، وأعلنوا الحرب على الله، تحت دعوى مكافحة الإرهاب!.
 

وفي هذا العام بلغ قادتنا وزعماؤنا المدى في الخضوع والاستسلام، والهزيمة والانبطاح، والخوف والهلع، والذل والجبن، حتى بادر عميدهم إلى طلب الود من أمريكا (عدو الأمس)، وبطل سحره عندما أعلن تخلِّيه عن برامج التسلح النووي، وطوى كل ملفاته التي كان يروج لها قبل سقوط سلفه، وأصبحت مفاهيم القومية والوحدة العربية أثراً بعد عين.

وفي هذا العام سقط طاغية من الطغاة، وفرعون من فراعين هذا العصر، ومن بعده سيسقط كل الطغاة، والفراعنة، بِعِزِّ عزيزٍ، أو بذل ذليل، وإنا لمنتظرون!.

وفي هذا العام عمد برلمان فرنسا، بلد الحرية المزعومة، و الإنسانية الموهومة، عمد إلى اغتيال عفاف العفيفات، وحجاب المسلمات.

وفي هذا العام تم -ولأول مرة- تبادل أسرى في سجون اليهود مع المجاهدين في لبنان؛ لتثبت للعالم أجمع، وتثبت لنا -معشر المسلمين- أنه لا حل إلا في الجهاد، وأن أبناء القردة وأحفاد الخنازير، ومن ورائهم طغاة البيت الأبيض، لا يفقهون إلا لغة الرصاص، ولا يفهمون إلا ثقافة الاستبسال، ولا يرغم أنوفهم إلا القوة، ولا يجدي معهم إلا الفداء والاستشهاد.

جاء هذا الإذعان -أيها الأحبة- ليصحو المسلمون من رقادهم على صرخات الجهاد، وعلى صيحات القتال، وعلى صوت الوحي ينادي: قاتلوهم، قاتلوهم، قاتلوهم؛ (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ) [التوبة:14-15]. (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) [التوبة:29].

أيها المسلمون الأماجد: كل ذلك حدث في هذا العام، فإلى متى نتباكى على مآسينا؟ إلى متى نظل نتأوه من آلامنا؟

أبناءَ أمَّتِنَا الكرَامَ،إلىَ مَتى *** تَمتَدُّ فيكُم هذه السَّكَراتُ؟!
ماذا أقول لكم؟ وليسَ أمَامَنَا *** إِلَّا دُخَانُ الغَدْرِ، والهَجَماتُ؟!
هذا العراقُ مضرَّجٌ بِدِمائِهِ *** قَدْ سُوِّدَتْ بجراحه الصَّفحاتُ
وهناكَ في الأقصَى يَدٌ مصبوغةٌ *** بِدَمٍ، وجيشٌ غاصبٌ وبُغاةُ
ماذا أقول لكم؟ ودُور إِبائِكُمْ *** لا سَاحةٌ فِيهَا ولا شُرُفاتُ؟
ماذا أقول لكم؟ وبَرْقُ سُيُوفِكُمْ *** يَخْبُو، فلا خَيْلٌ ولاَ صَهَواتٌ
قصَّتْ ضفائرَها المروءَةُ حينَمَا *** جمَد الإباءُ وماتَت النَّخَواتُ
بكت الفضيلةُ قبل أنْ نبكي لَها *** أسفاً، وأدْمتْ قلبَها الشَّهَواتُ
عُذراً، إذا أقسمْتُ أنَّ الرِّيحَ قدْ *** هَبَّتْ بما لا تفهم النَّعَراتُ
لن يدفَعَ الطُّغيانَ إلا دينُنا *** وعزيمةٌ تُرْعَى بها الحُرُمات
إني لأُبصِرُ فجر نَصْرٍ حاسمٍ *** ستزفُّه الأنفالُ والحُجراتُ

أيها الأحبة المؤمنون: في ظل هذا الواقع المرير، ما هو الحل؟ ما المخرج من هذه الفتنه؟ والجواب سهل يسير: الحل في الإسلام، والمخرج في الجهاد.

أيها الأحبة: لقد جرَّبْنَا الشرقَ مرة فلم ينفعنا، وجربنا الغرب مرات فلم ينفعنا، ولكننا لم نجرب الله مرة واحدة! فلْنُجَرِّب الله هذه المرة، لنجرب الله تعالى هذه المرة، سنجد الله تعالى خير ناصر، وخير مُعين، وأقوى سند، وأعظم ملجأ. (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران:139]؛ بالإيمان لا تهنوا، بالإيمان لا تحزنوا، بالإيمان أنتم الأعلون.

لا توجد معركة في مسيرة التاريخ، ولن توجد معركة في الوجود، قد حُسمت نتيجتها قبل أن تبدأ، إلا معركة الإسلام مع أعدائه؛ ومن ذلك معركة الإسلام اليوم في مواجهة الصليبيّة الصهيونيّة، لماذا؟ لماذا حُسمت نتيجة المعركة بين الإسلام والكفر مسبقاً؟ أما لماذا؟ فلأنّ الإسلام هو دين الحق؛ وكيف لا يكون الحق منصورا، والله تعالى هو الحق المبين؟ (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا) [الإسراء:81].

وثانيا: لأن هذا الدين خاصّة إنما بُعث يوم بُعث مكتوباً له النصر، اسمعوا إلى قول مولاكم -جل جلاله-: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [التوبة:33، الصف:9].

وثالثا: لأن هذا الجهاد الإسلامي العالمي، ليس اعتباطيّا، وليس صدفة، بل لأنه روحٌ واحدة، متناسقة النبضات، من جنوب شرق آسيا، إلى المسجد الأقصى وما وراءهما وبينهما، في فلسطين، والعراق، وأفغانستان، وكشمير، والفلبين، والشيشان.

يَا أخِي في الشَّرْقِ أو في المغْرِبِ *** أنَا مِنْكَ، أنتَ مِنِّي، أنْتَ بِي
لا تَسَلْ عَنْ عُنْصُرِي عَنْ نَسَبي *** إنَّهُ الإِسْلامُ أُمِّي وَأَبِي

عجبا! كيف جمع الله تعالى عرب الجزيرة، ومصر، والمغرب، واليمن، والشام، وأبطال الأفغان، ورجال الشيشان، وأشاوس الهند وباكستان، وأسود العراق، وحراس الأقصى الشجعان، وغيرهم من جميع شعوب الأرض؛ كيف جمعهم الله في ثغور الجهاد، كلهم في مشروع عالمي واحد؟!.
إنها روح واحدة مبعوثة بتدبير ربانيّ إلهي محكم، إنه كيد الله تعالى مقابل كيد الشيطان، إنه إرهاصات انقسام جديد في المشهد العالمي، قد هيأ الله تعالى له منذ فترة الحرب الباردة، وسيقسم العالم إلى قوتين عالميتين: إسلامية وصليبية؛ ليُهَيِّئ بعد ذلك لابتلاءات ربانية أعظم، قبل نصر الله الأعظم.

أيها المؤمنون الأعزاء: الوقت يداهمنا، وللإجابة على السؤال بقية، وللأسباب التي ذكرت تتمة، ولكن بعد الاستراحة نصل ما انقطع بإذن الله، فاستغفروا الله، وتوبوا إلى الله.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين؛ أشهد ألا إله إلا الله، الحكم العدل، الحق المبين؛
وأشهد أن محمداً رسول الله، إمام المتقين، وسيد المرسلين، وقائد المجاهدين، صلوات الله وسلامه عليه وآله وصحابته وأزواجه أجمعين.

أما بعد: أيها المؤمنون الأعزاء: أواصل مع حضراتكم بَثَّ أسباب حسم المعركة بين الحق والباطل، بين الإسلام والكفر.

فرابع الأسباب: أن الله تعالى قال في محكم التنزيل: (وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ المحْسِنِينَ) [يوسف:56]، وقال جل في علاه: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت:69]، وما كان الله ليضيع دماء الشهداء، ولا ظمأ ونصب ومخمصة المجاهدين في سبيله، في تلك الجبال، والأودية، والآكام، والقفار.

فبالرغم من أنهم مطاردون في الأرض، مستضعفون، مشرّدون، إلا أنهم صابرون، مرابطون في الجهاد، يبتغون رضا ربهم، ونصر دينه، مع قلة العدد، وضعف العدة، وقد عزّ الناصر، وقل المعين الصابر، وكثر المخذلون، وتكالب المخالفون، وتداعت عليهم الأمم، وجاؤوهم من فوقهم ومن أسفل منهم، وقد اشتد البأس، وزاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، وزلزلوا زلزالا شديدا، وهم مع ذلك ما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله، وما ضعفوا، وما استكانوا، والله يحب الصابرين.

ما كان الله ليضيع ذلك، ولن يفعل -سبحانه-، وسيريهم من نصره على عدوّهم، ما تقر به عيون أحيائهم بذلِّ أعدائهم، كما أقر عيون شهداءهم بنعيم الجنة التي يسرحون فيها حيث شاءوا، وسيكون من ذلك ما يسرُّ قلوبُ المؤمنين، ويشف صدورهم، ويذهب غيظ قلوبهم، سيكون ذلك قريبا بإذن الله تعالى، فقد تواترت الرؤى المبشرة بهذا كله، ووالله الذي لا إله إلا هو إنه لقريب! ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

وخامساً: لأن هذه المعركة يقودها الله تعالى، هو الذي يختار لها جنوده، يمحّصهم ليُعلي مراتبهم، ويصطفي فيها الشهداء، وهو الذي يحدد موعد نهايتها؛ أما الفوز فيها فهو لمن يختاره الله شهيداً، كما صرخ حرام بن ملحان يوم بئر معونة لما طعن في ظهره برمح، قال: فزتُ وربِّ الكعبة! فزت وربِّ الكعبة! فقد فقه أن هذا هو النصر.

كما فقهت أخته أم حرام بنت ملحان -رضي الله عنها- هذا المعنى فأرادت أن تكون في رفقة الركب المجاهد، وذلك عندما نام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عندها، ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: "ناس من أمتي عُرضوا علي غزاة في سبيل الله، يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الأسِرَّة، أو مثل الملوك على الأسرة"، قالت: فقلت: يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني منهم. ثم وضع رأسه، فنام، ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: "ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله، كالملوك على الأسرة" - كما قال في الأولى- قالت: فقلت يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني منهم. قال: "أنتِ من الأوَّلين".

ولما غزا معاوية قبرص سنة ثمان وعشرين، وغزاها أهل مصر وعليهم عبد الله بن أبي السرح حتى لاقوا معاوية فكان على الناس، خرجت معهم أم حرام بنت ملحان -رضي الله عنها- وصرعت عن دابتها فماتت.

أيها الأحبة المسلمون: إن السر في كون المجاهد لنصر هذا الدين، راضياً بما هو فيه، لا يستعجل آخر الصراع، بل همّه متوجّه إلى إرضاء ربه؛ لأنه منذ أن انحاز إلى ربه، فأحسن الاختيار، استبشر بنصر الله تعالى؛ ولهذا كان المجاهدون أبعد الناس عن الهمّ والغمّ، كما صحّ في الحديث، قال -صلّى الله عليه وسلّم-: "عليكم بالجهاد في سبيل الله تبارك و تعالى، فإنه بابٌ من أبواب الجنة، يذهب الله به الهمّ و الغمّ" رواه أحمد والحاكم.

ذلك أن الله تعالى أورثهم الرضا بما وفقهم إليه، فهم مستبشرون، مبشَّرون من الساعة التي عقدوا فيها بيعتهم، (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِين) [التوبة:111-112].

فأبشروا -والله!- أيها المجاهدون في مشارق الأرض ومغاربها، أبشروا من اللحظة التي وفقكم الله فيها للجهاد في سبيله، ضد صف شيطان الصليبية الصهيونية، وأوليائها من خوَنة الحكام، وعلماء السوء؛ أبشِروا، أبشروا بنصر من الله وفتح قريب، ولن يخلف الله وعده، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

أيها المؤمنون الأعزاء: ارفعوا أكف الضراعة إلى الله، وأمِّنوا على دعائي: اللهم إنا نسألك باسمك الأعظم الذي فزعت الجِنُّ من مخافته، وتزلزلت الأقدامُ من سطوته، وخرست الأفواهُ من عزته، واقْشَعَرَّتُ الجلودُ من هيبته، وانخلعت القلوب من رهبته ،أن تنزل نقمتك وغضبك على أعدائنا من اليهود والأمريكان.

اللهم كُفَّ عنا أذاهم وشرهم، اللهم كف عنا أذاهم وشرهم، يا من بيدك أمرُنا وأمرُهم؛ اللهم إنهم مفسدون في الأرض، وأنت لا تحب المفسدين، اللهم أهَلِكهم ومن والاهم، ومن عاونهم، ومن فتح ديار الإسلام أمامهم، بقوتك وجبروتك يا جبار! يا جبار! يا جبار!.

اللهم اكفناهم بما شئت، وكيف شئت، إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير، اللهم انصر إخواننا المجاهدين في فلسطين، وفى العراق، وفى أفغانستان، وفى كشمير، وفى الشيشان، وفى كل أرض يذكر فيها اسمك يا رب العالمين! يا رب العالمين! يا رب العالمين!.

يا رب الأقصى، حرِّر الأقصى الأسير، حرر الأقصى الأسير، اللهم حرر الأقصى على رايات الإيمان، وصيحة التكبير، وتوحيد الاعتقاد؛ اللهم خلّصْهُ من أيدي المغتصبين الملاعين، بقوتك يا الله، اكفنا شر أعدائك، اكفنا شر أعدائك، اكفنا شر أعدائك، يا رب العالمين.

اللهم انزع الوهن من قلوب المسلمين، اللهم انزع الوهن من قلوب المسلمين، ومن قلوب ولاة أمور المسلمين، لنصرة دينك يا رب العالمين.

يا جبار يا قهار! يا جبار يا قهار! يا جبار يا قهار! يا جبار يا قهار! يا جبار يا قهار! يا جبار يا قهار! يا جبار يا قهار! عليك بالأمريكان المعتدين، واليهود المجرمين، لا ترفع لهم راية، لا ترفع لهم راية، لا ترفع لهم راية، واجعلهم لمن خلفهم آية؛ اللهم أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تغادر منهم أحداً؛ اللهم دمِّرْهم تدميرا، ومزقهم تمزيقا، ورُدَّهم خائبين خاسرين، وردهم خزايا منكسرين.

اللهم ارزق هذه الأمة صحوة بعد رقاد، ونهضة بعد كبوة؛ اللهم أحْيِها بعد موت، اجمع كلمة علمائها، وحِّدْ صفوف أبنائها.

اللهم كما رزقتنا الصلاة في بيتك المحرم، ومسجد نبيك المكرم، فارزقنا صلاة في المسجد الأقصى، اللهم عجل لنا بالصلاة في المسجد الاقصى، اللهم عجل لنا بالصلاة في المسجد الاقصى.

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.

 

وآخر دعوانا أن الحمد رب العالمين.

 

 

 

 

 

 

المرفقات

مضى1

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات