عناصر الخطبة
1/من هم الملائكة؟ 2/ حكم الإيمان بهم 3/أعمال الملائكة وبعض أسمائهم 4/تطهير البيت من المنكرات وإعمارها بالطاعاتاقتباس
فَكَانُوا يَدْخُلُونَ فِي الإسلام جَمَاعَاتٍ كَثِيرَةً، فَصَارَتِ الْقَبِيلَةُ تَدْخُلُ بِأَسْرِهَا فِي دِيْنِ الْإِسْلَامِ، وَصَارَتِ الوُفُوْدُ تَتَقَاطَرُ على النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ كُلِّ جَانِب، حَتَّى سُمِّيَ ذَلِكَ العَام...
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْد: فَاتَّقُوا اللهَ حَقَّ التَّقْوَى، واسْتَمْسِكُوا مِنَ الإِسْلامِ بِالعُرْوَةِ الوُثْقَى؛ (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى)[البقرة:197].
عِبَادَ الله: إِنَّهُمْ عَالَمٌ غَيْبِيّ، وَخَلْقٌ نُوْرَانِيّ، إِنَّهُمْ (عِبَادٌ مُكْرَمُوْن)[الأنبياء:26] لا يَسْبِقُونَ اللهَ بِالْقَوْلِ، (وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ)[الأنبياء:27]؛ إِنَّهُمْ عَالَمُ المَلائِكَة.
والإِيْمَانُ بِالمَلائِكَةِ أَحَدُ الأَرْكَان الَّتِي يَقُوْمُ عَلَيْهَا الإِيْمَانُ؛ (وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا)[النساء:136].
والمَلائِكَةُ لا يَأْكُلُوْنَ وَلا يَشْرَبُوْن، وَإِنَّمَا طَعَامُهُم التَّسْبِيْحُ والتَّهْلِيل؛ فَهُمْ لا يَمَلُّوْنَ مِنْ ذِكْرِ اللهِ وَلا يَتْعَبُوْن (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ)[الأنبياء:20].
والمَلائِكَةُ خَلْقٌ عَظِيْمٌ، وَمَنْظَرٌ مَهِيْبٌ، وأَعْظَمُهُمْ على الإِطْلَاق جِبْرِيْلُ -عَلَيْهِ السَّلَام- وَقَدْ رَآهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- مَرَّتَيْنِ في صُوْرَتِهِ الحَقِيْقِيَّة: مَرَّةً في الأَرْض، وَقَدْ سَدَّ الأُفُق، وَلَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاح! (ولَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ)[التكوير:23].
وَرَآهُ مَرَّةً في السَّمَاءِ، لَيْلَةَ المِعْرَاج، (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى* عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى* عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى) [النجم:15].
وَبَقِيَّةُ الْأَوْقَاتِ، كانَ -صلى الله عليه وسلم- يَرَاهُ فِي صُورَةِ رَجُلٍ.
وَالمَلائِكَةُ لَهَا قُدْرَةٌ على التَّشَكُّل؛ فَقَدْ كانَ جِبْرِيْلُ يَأْتِي النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- في صُوْرَةِ رَجُل، وَغَالِبًا فِي صُورَة دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، وكانَ صَحَابِيًّا جَمِيْلَ الصُّوْرَة، وَتَارَةً يَأْتِيْهِ في صُوْرَةِ أَعْرَابِي! وَرَآهُ الصَّحَابَةُ مَرَّةً على صُوْرَةِ رَجُلٍ شَدِيدِ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدِ سَوَادِ الشَّعَرِ؛ حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، وَسَأَلَهُ عَنْ مَسَائِلِ الدِّيْن! فَلَمَّا انْصَرَفَ قال -صلى الله عليه وسلم-: “إِنَّهُ جِبْرِيلُ، أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ!"(رواه مسلم)
وَالمَلائِكَةُ خَلْقٌ كَثِيْر، لا يُحْصِيْهِمْ إِلَّا اللهُ! قالَ -صلى الله عليه وسلم-: "أَطَّتْ السَّمَاءُ، وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ"؛ أَيْ: صَوَّتَتْ، وَحُقَّ لَهَا أَنْ تُصْدِرَ صَوْتًا! "مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ، إِلَّا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ!"(رواه الترمذي، وحسنه الألباني).
وَالمَلائِكَةُ يَتَفَاوَتُوْنَ فِي الخَلْقِ والمِقْدَار؛ فَقَدْ جَعَلَهُمُ اللهُ (رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ)[فاطر:1].
وَاصْطَفَى اللهُ مِنَ المَلائِكَةِ رُسُـلاً، كما اصْطَفَى مِنَ النَّاسِ رُسُلًا، قالَ تعالى: (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ)[الحج:75].
وَمِنْ أَفْضَلِ المَلائِكَةِ الَّذِيْنَ شَهِدُوا بَدْرًا، فَإِنَّهُ قَدْ جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-؛ فَقَالَ لَهُ: "مَا تَعُدُّونَ أَهْلَ بَدْرٍ فِيكُمْ؟". قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "مِنْ أَفْضَلِ الْمُسْلِمِين". فقَالَ جِبْرِيْل: "وَكَذَلِكَ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الْمَلائِكَةِ!"(رواه البخاري).
وَالمَلائِكَةُ خَلْقٌ فَائِقُ الجَمَال، قال تعالى -وَاصِفًا جِبْرِيْلُ عَلَيْهِ السَّلام-: (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى)[النجم:6]. قالَ ابْنُ عَبَّاس: "(ذُو مِرَّةٍ): ذُوْ مَنْظَرٍ حَسَن"، وقَالَتْ النّسْوَةُ في حَقِّ يُوْسُفَ عَلَيْهِ السَّلام: (مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ)[يوسف:31].
وَمِنْ أَسْمَاءِ المَلائِكَةِ وَأَعْمَالِهِمْ: جِبْرِيْلُ -عَلَيْهِ السَّلَام-، وَهُوَ أَشْرَفُ المَلَائِكَة، المُوَكَّلُ بِأَشْرَفِ مُهِمَّةٍ! وَهِيَ نُزُوْلُ القُرْآنَ، على أَشْرَفِ الأَنَام: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ)[الشعراء: 193-194].
وَمِيْكَائِيْلُ مُوَكَّلٌ بِالمَطَرِ. وَإِسْرَافِيْلُ مُوَكَّلٌ بِالنَّفْخِ في الصُّوْر. وَمَلَكُ المَوْتِ مُوَكَّلٌ بِقَبْضِ الأَرْوَاحِ، وَلَمْ تَثْبُتْ تَسْمِيَتُهُ بِـعِزْرَائِيْل.
وَكُلُّ شَخْصٍ يُرَافِقُهُ مَلَكَانِ يَكْتُبَانِ عَمَلَهُ (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ* مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)[ق: 18]؛ فَكُلُّ شَيءٍ تَحْتَ الرَّقَابَةِ، وَمُقَيَّدٌ بِالكِتَابَة؛ فَإِذَا كانَ يَوْمُ القِيَامَةِ؛ يُخْرَجُ لِلْعَبْدِ (كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا) [الإسراء:13- 14].
وَهُنَاكَ مَلَكَانِ مُوَكَّلانِ بِفِتْنَةِ القَبْر، قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا قُبِرَ الْمَيِّتُ: أَتَاهُ مَلَكَانِ، أَسْوَدَانِ، أَزْرَقَانِ؛ يُقَالُ لأَحَدِهِمَا: الْمُنْكَرُ، وَالآخَرُ: النَّكِيرُ"(رواه الترمذي).
وَيُرْسِلُ اللهُ مَلَكًا إِلَى الجَنِيْنِ في بَطْنِ أُمِّه، "فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ"(رواه البخاري، ومسلم).
وَمِنَ المَلائِكَةِ العِظَام: حَمَلَةُ العَرْش، قال -صلى الله عليه وسلم-: "أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ مَلائِكَةِ اللَّهِ، مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ: إِنَّ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ؛ مَسِيرَةُ سَبْعِ مِائَةِ عَامٍ!"(رواه أبو داود، وصححه الألباني).
والزَّبَانِيَةُ خَزَنَةُ النَّار وَهُمْ (مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)[التحريم: 6].
وَإِذَا أَقْبَلَ أَهْلُ الجَنَّةِ عَلَى أَبْوَابِهَا: تَلَقَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ بِالْبُشْرَى قَائِلِيْن: (سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوْهَا خَالِدِينَ)[الزمر:72].
أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم
الخُطْبَةُ الثَّانِيَة:
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِه، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه.
عِبَادَ الله: "لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ"(رواه البخاري، ومسلم).
فَطَهِّرُوا بُيُوْتَكُمْ مِنَ المُنْكَرَات، وَاعْمُرُوْهَا بِالطَّاعَات؛ فَهِيَ سَبَبٌ لِحُضُوْرِ المَلَائِكَةِ وَالرَّحَمَات، وَنُزُوْلِ السَّكِيْنَةِ والبَرَكَات، قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ لِلَّهِ مَلائِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ، يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ؛ فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ؛ تَنَادَوْا: هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ؛ فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ"(رواه البخاري). وَفِي الحَدِيْثِ الآخَر: "صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ، وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا"(رواه البخاري، ومسلم). قالَ العُلَمَاء: "إِنَّمَا حَثَّ على النَّوَافِلِ فِي الْبيُوت؛ لِيَتَبَرَّكَ الْبَيْتُ بِذَلِكَ، وتَنْزِلَ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَالْمَلَائِكَة، وتَنْفِرَ مِنْهُ الشَّيَاطِين".
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.
اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.
اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا.
عِبَادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل:90].
فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت:45].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم