عاقبة الزنا

محمد بن سليمان المحيسني

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: حكم التشريع
عناصر الخطبة
1/الزنا نتيجة بدهية للتبرج والاختلاط 2/خطر فاحشة الزنا والوعيد المترتب عليها 3/العواقب الوخيمة والآثار السيئة للزنا 4/عقوبات الزنا العاجلة والآجلة 5/فضل العفة عن حرمات المسلمين 6/وسائل الوقاية من الزنا وطرق الخلاص منه

اقتباس

عاره يهدم البيوت الرفيعة، ويطأطئ الرؤوس العالية، ويسود الوجوه البيض، ويخرس الألسنة البليغة، ويبدل أشجع الناس من شجاعتهم جبناً لا يدانيه جبن، ويهوي بأطول الناس أعناقاً، وأسماهم مقاماً، وأعرقهم عزاً إلى هاوية من الذل والازدراء والحقارة ليس لها من قرار، وهو لطخة سوداء إذا لحقت تاريخ الأسرة، كما هو عار يطول عمره طولاً، فقاتله الله من...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي شرع الأحكام فبين الحلال والحرام، وأمر بالصالحات ونهى عن الآثام، وشرف بالإسلام أولي النهى والأحلام، نحمده - تعالى -على ما شرع وسن، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، أعرف خلقه به وأتقاهم له في السر والعلن، وأفضل داع إلى مكارم الأخلاق والخلق الحسن، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

 

أيها الناس: اتقوا الله -تعالى- وراقبوه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ)[لقمان: 33].

 

أيها الناس: حيث أن خطبة الجمعة الماضية كانت عن التبرج والاختلاط؛ فإن موضوع هذه الجمعة عن الزنا؛ ذلكم أن الزنا من النتائج البدهية للتبرج والاختلاط؛ فمتى وجد التبرج والاختلاط وجد الزنا، ومتى فتح السبيل للتبرج والاختلاط؛ فتح السبيل للزنا، فهما رفيقان لا يفترقان، وصنوان لا ينفصمان، وإذا نزل الأول في مكان قال له الثاني: أنزلني معك، وإذا رحل قال: رحلني معك.

 

أيها المسلمون: إن الزنا من أعظم المفاسد، وأخطر الفواحش التي تهدد المجتمع المتلبس به، وتنذره بالويل والثبور، وتحفر له المدافن والقبور؛ فقد نهى الله عباده أن يقربوه، ورتب عليه أشنع العقوبات العاجلة والآجلة؛ لأنه يدمر الأخلاق، ويخلط الأنساب، ويسبب حدوث الأمراض المستعصية والمهلكة؛ ففي الحديث الذي رواه ابن ماجة: "ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى أعلنوا بها إلا ابتلوا بالطواعين والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا"(سنن ابن ماجة: باب العقوبات (2/1332)، رقم (4019)، والمعجم الأوسط (5/61)، رقم (4671)، وقال في مجمع الزوائد (5/317): "روى بعضه ابن ماجة، ورواه البزار ورجاله ثقات"، ومصباح الزجاجة (4/186)، وقال:" رواه الحاكم أبو عبد الله الحافظ في كتابه المستدرك في آخر كتاب الفتن مطولاً من طريق عطاء بن أبي رباح به، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، هذا حديث صالح للعمل به ").

 

فالزنا -يا عباد الله-: عين الهلاك، ورأس الفساد، ومضيعة الأموال والأعراض والأولاد.

 

كما أنه مخل بالشرف والمروءة، ومؤدٍ إلى المرض والخزي والعذاب المهين، فالخيبة كل الخيبة لمن استعبدته شهوته لامرأة زانية، والندامة كل الندامة لمن أضاع نصيبه من الجنة واستبدل به ناراً حامية، والذل كل الذل لمن جاء يوم القيامة والصديد يسيل من فرجه.

 

يقول مكحول في تفسير قول الله -تعالى-: (لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ)[الحجر: 44] "يجد أهل النار رائحة منتنة فيقولون: ما وجدنا أنتن من هذه الرائحة، فيقال لهم: هذه ريح فروج الزناة".

 

ويقول ابن زيد: "إنه ليؤذي أهل النار ريح فروج الزناة"(الكبائر للذهبي (1/52)، والزواجر لابن حجر الهيتمي (2/779)).

 

وورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ما من ذنب بعد الشرك أعظم عند الله من نطفة وضعها رجل في رحم لا يحل له"(كنز العمال (5/125)، رقم (12994)، ونسبه لابن أبي الدنيا، والتيسير بشرح الجامع الصغير (2/361)، والورع لابن أبي الدنيا (ص94)، رقم (137)).

 

وأخرج الطبراني في الأوسط عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إياكم والزنا فإن فيه أربع خصال: يذهب البهاء عن الوجه، ويقطع الرزق، ويسخط الرحمن، ويسبب الخلود في النار"(المعجم الأوسط (7/138)، رقم (7096)، وكنز العمال (5/125)، رقم (13007)، وقال:" فيه عمرو بن جميح وهو متروك مجمع الزوائد ( ص2556)"، وجمع ابن الجوزي طرقه الواهية في الموضوعات (2/297)).

 

فالزناة يعذبون حتى في قبورهم كما جاء هذا في حديث رؤيا النبي -صلى الله عليه وسلم- التي رأى فيها صوراً من عذاب القبر، فقد ذكر المصطفى -صلى الله عليه وسلم- ذلك، فقال: "فانطلقنا فأتينا على مثل التنور أعلاه ضيق وأسفله واسع، فيه لغط وأصوات، فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة، فإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضو -أي: صاحوا من شدة حره- فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء هم الزناة والزواني -يعني: من الرجال والنساء- فهذا عذابهم في القبر إلى يوم القيامة"(صحيح البخاري: باب ما قيل في أولاد المشركين (1/465)، رقم (1320)).

 

نسأل الله العافية.

 

وقد سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أكثر ما يلج الناس به النار، فقال: "الأجوفان: الفم والفرج"(المستدرك (4/360)، رقم (7919)، وسنن ابن ماجة: باب ذكر الذنوب (2/1418)، رقم (4246)، ومسند أحمد (2/293)، رقم (9085)، وصحيح ابن حبان: ذكر البيان بأن من أكثر ما يدخل الناس الجنة التقى وحسن الخلق (2/224)، رقم (476)).

 

ولقد وصف بعض الصالحين آثار هذه الفاحشة المدمرة، فقال: "عاره يهدم البيوت الرفيعة، ويطأطئ الرءوس العالية، ويسود الوجوه البيض، ويخرس الألسنة البليغة، ويبدل أشجع الناس من شجاعتهم جبناً لا يدانيه جبن، ويهوي بأطول الناس أعناقاً، وأسماهم مقاماً، وأعرقهم عزاً إلى هاوية من الذل والازدراء والحقارة ليس لها من قرار، وهو لطخة سوداء إذا لحقت تاريخ الأسرة، كما هو عار يطول عمره طولاً، فقاتله الله من ذنب، حمانا الله وذرارينا منه".

 

ويقول ابن القيم -رحمه الله-: "ومفسدة الزنا مناقضة لصلاح العالم؛ فإن المرأة إذا زنت أدخلت العار على أهلها وزوجها وأقاربها، ونكست رءوسهم بين الناس، وإن حملت من الزنا؛ فإن قتلت ولدها جمعت بين الزنا والقتل، وإن أبقته حملته على الزوج فأدخلته على أهلها وأهله أجنبياً ليس منهم فورثهم ورآهم وخلا بهم وانتسب إليهم وليس منهم".

 

وأما زنا الرجل، فإنه يوجب اختلاط الأنساب، وإفساد المرأة، المصونة وتعريضها للتلف والفساد؛ ففي هذه الكبيرة خراب الدنيا والدين، ولشدة خطره وعظيم قبحه شدد الله -عز وجل- عقوبة مرتكبه، فجعل له عقوبة معجلة، وعقوبة مؤجلة..جعل له عقوبة حسية ومعنوية.

 

فالعقوبة الحسية: العذاب الأليم بالجلد أو الرجم بالحجارة، والمعنوية: أن لا نرأف به، ولا نشفق عليه حتى يبرأ من جريرته، ويتوب منها، قال تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [النور: 2].

 

ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "خذوا عني.. خذوا عني! قد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم"(صحيح مسلم: باب حد الزنا (3/1361)، رقم (1690)).

 

فزنا الثيب -أي: المتزوج- أقبح من زنا البكر.

 

وإن من عقوبات الزنا كذلك: أن الزاني قد تعجل له عقوبة أخرى فيرى غِبها وأثرها في أسرته، وهذا قد وقع كثيراً، فكثير من النساء اللواتي قبض عليهن رجال الحسبة أزواجهن ممن يكثرون السفر إلى بلاد الإباحية، أو ممن لهم سمعة سيئة وتصرفات وقحة داخل مجتمعهم.

 

وقد صور الإمام الشافعي -رحمه الله- ذلك بأبيات عجيبة، فقال:

عفوا تعف نساؤكم في المحرم *** وتجنبوا ما لا يليق بمسلم

من يزني ببيتٍ بألف درهم *** في بيته يزنى بغير الدرهم

من يزني يزنى به ولو بجداره *** إن كنت يا هذا لبيباً فافهم

إن الزنا دين فإن أقرضته *** كان الوفا من أهل بيتك فاعلم

يا هاتكاً ستر الرجال وقاطعاً *** سبل المودة عشت غير مكرم

لو كنت حراً من سلالة طاهر *** ما كنت هتاكاً لحرمة مسلم

 

أيها الرجل: إذا حدثتك نفسك بالزنا فتذكر مصير أهلك، وإذا حدثتك نفسك بالزنا مرة أخرى، فاسأل نفسك: هل ترضى أن يزني أحد بزوجتك، أو بابنتك، أو بأختك؟

 

ثم اعلم بعد ذلك أن غيرك لا يرضى كذلك، ولقد روى الإمام أحمد عن أبي أمامة: "أن فتى شاباً أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "يا رسول الله! ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مه مه؟ فقال: "ادنوا" فدنا منه قريباً، فقال: "اجلس" فجلس، فقال صلى الله عليه وسلم: "أتحبه لأمك؟" قال: لا والله جعلني الله فداك، قال: "ولا الناس يحبونه لأمهاتهم" قال: "أفتحبه لابنتك؟" قال: لا والله يا رسول الله، قال: "ولا الناس يحبونه لبناتهم" قال: "أفتحبه لأختك؟" قال: لا والله، قال: "ولا الناس يحبونه لأخواتهم" قال: "أفتحبه لعمتك؟" قال: "لا والله، قال: "ولا الناس يحبونه لعماتهم" قال: "أفتحبه لخالتك؟" قال: لا والله، قال: "ولا الناس يحبونه لخالاتهم" قال: فوضع يده عليه، وقال: "اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وأحصن فرجه" قال: فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء. (مسند أحمد (5/256)، رقم (22265)).

 

أيها المسلمون: كما أن الله -سبحانه وتعالى- حرم الزنا، وشدد في الوعيد على مرتكبه؛ فقد بين جل جلاله الأجر والخير والفضل لمن عف عن حرمات المسلمين، فقال عز من قائل عليماً: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) [المؤمنون: 1-6].

 

وفي حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله عد منهم: "ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله"(صحيح البخاري: بَاب من جَلَسَ في الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ وَفَضْلِ الْمَسَاجِدِ (1/234)، رقم (629)، وصحيح مسلم: باب فضل إخفاء الصدقة (2/715)، رقم (1031)).

 

وفي حديث يرويه ابن عمر: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "كان فيمن كان قبلكم رجل اسمه الكفل، وكان لا ينزع عن شيء".

 

وفي رواية: "كان الكفل من بني إسرائيل لا يتورع من ذنب عمِله، فأتى امرأة علم بها حاجة فأعطاها عطاءً كثيراً".

 

وفي رواية: "ستين ديناراً، فلما أرادها على نفسها ارتعدت وبكت، فقال: ما يبكيك قالت: لأن هذا عمل ما عملته قط، وما حملني عليه إلا الحاجة، فقال: تفعلين أنت هذا من مخافة الله؟ فأنا أحرى. اذهبي فلك ما أعطيتك والله لا أعصيه أبداً، فمات من ليلته، فأصبح مكتوب على بابه: إن الله -تعالى- قد غفر للكفل؛ فعجب الناس من ذلك، حتى أوحى الله إلى نبي زمانهم بشأنه"(رواه الترمذي وقال: " حديث حسن" باب (4/657)، رقم (2496)، والمستدرك (4/283)، رقم (7650)).

 

وفي قصة يوسف أبلغ دليل على فضيلة العفة حسن عاقبتها.

 

فأسأل الله -سبحانه- أن يحصن فروجنا، وأن يحفظ نساءنا وأبناءنا وبناتنا، إنه جواد كريم.

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

 

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الذي شرع عقوبة العصاة ردعاً للمفسدين، وصلاحاً للخلق أجمعين، وكفارة للطاغين المعتدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحق المبين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل النبيين، وقائد المصلحين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً.

 

أما بعد:

 

أيها الناس: اتقوا الله واعرفوا نعمة الله عليكم بهذا الدين القويم الجامع بين الرحمة والحكمة؛ رحمة في صلاح الخلق، وحكمة في اتباع الطريق الموصل إلى الهدف الأسمى.

 

أيها الناس: إن من طبيعة البشر أن يكون لهم نزعات متباينة فمنها نزعات إلى الخير والحق، ومنها نزعات إلى الباطل والشر؛ كما قال سبحانه: (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى)[الليل: 4].

 

ولما كانت النفوس الشريرة، والنزعات الخاطئة، والأعمال السيئة لا بد لها من رادع يكبح جماحها، ويخفف من حدتها، شرع رب العباد -وهو الرءوف الرحيم- عقوبات متنوعة بحسب الجرائم؛ لتردع المعتدي، وتصلح الفاسد، وتكفر عن المجرم جريمته، فالسارق تقطع يده، والزاني يجلد إذا كان بكراً، ويقتل إذا كان ثيباً، وشارب الخمر يجلد كذلك، وإن من أعظم الحكمة وأجلها: أن وضع الله -سبحانه- سبلاً للخلاص من كل جريمة تقيه وتحميه من الوقوع فيها وفي شباكها، فطرق الخلاص من الوقوع في الزنا كثيرة جداً:

 

أولها: إقامة الحدود؛ فإن الجاني إذا علم أن هناك رادعاً وزاجراً سيحول بينه وبين ما توسوس له نفسه؛ فإنه بذلك يقف ويتراجع -بإذن الله-.

 

ثانياً: غض البصر: فلما كان مبدأ الوقوع في جريمة الزنا من قبل البصر، جعل سبحانه الأمر بغض البصر مقدماً على الأمر بحفظ الفرج، فقال تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ)[النور: 30].

 

فكل الحوادث مبدأها من النظر؛ فكم من نظرة أودت بصاحبها إلى الوقوع في المعصية، وفتنة الرجل بالمرأة والمرأة بالرجل! ولذلك يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "إن النظر سهم من سهام إبليس مسموم، من تركه من مخافتي أبدلته إيماناً يجد حلاوته في قلبه"(كنز العمال (5/130)، رقم (13068)، ونسبه للطبري عن ابن عباس، وعدة الصابرين (ص42)، وذم الهوى لابن أبي الدنيا (ص140)).

 

ويقول صلى الله عليه وسلم: "كل عين باكية يوم القيامة إلا عيناً غضت عن محارم الله، وعيناً سهرت في سبيل الله، وعيناً يخرج منها مثل رأس الذباب من خشية الله"(كنز العمال (15/356)، رقم (43357)، والجهاد لابن أبي عاصم (2/418)، وحلية الأولياء (3/163)، وذم الهوى لابن أبي الدنيا (ص141)).

 

ثالثاً: الحجاب للمرأة: وهو ستر وجوههن وأجسامهن صيانة لهن وللرجال من الوقوع في الفاحشة.

 

رابعاً: منع الخلوة بالمرأة التي ليست من محارمه؛ لأن ذلك مدعاةً إلى إغراء الشيطان لهما بالفاحشة مهما بلغا من التقوى، ففي الصحيحين عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إلا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ"(صحيح البخاري: باب يقل الرجال ويكثر النساء (5/2005)، رقم (1763) ولفظه:" لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إلا مع ذِي مَحْرَمٍ "، وصحيح مسلم: (2/978)، رقم (1341)، واللفظ له).

 

فمن خلا بامرأة لا تحل له فقد عصى الله ورسوله، وعرض نفسه للفتنة، سواءً كانت الخلوة في بيت، أو مكتب، أو متجر، أو في سيارة، كركوب المرأة مع الرجل في السيارة خاليين، كما يفعل بعض أصحاب سيارات الأجرة في غير هذا البلد، وكما يفعله بعض الذين أضعفت المادة غَيرتهم؛ فجعلوا لنسائهم سائقين أجانب تركب إحداهن مع السائق وحدها يذهب بها حيث شاءت -نسأل الله السلامة والعافية-.

 

خامساً: سفر المرأة بدون محرم؛ فإن المرأة مظنة الشهوة والطمع، وهي لا تكاد تقي نفسها لضعفها ونقصها، وغياب الرقيب من أوليائها عنها، وفي هذا يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم عليها"(صحيح البخاري: باب حج النساء (2/658)، رقم (4935)، وصحيح مسلم: باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره (2/977)، رقم (1339)، واللفظ له).

 

سواء كان السفر في طائرة، أو في غيرها.

 

سادساً: تبرج النساء، وهو خروجهن بثياب الزينة؛ لأن ذلك مدعاة لصرف الأنظار المريبة إليها، ووسيلة لوقوع الفاحشة، وقد خالف كثير من النساء اليوم فصرن يلبسن أفخر الثياب، ويخرجن إلى الأسواق بكامل زينتهن.

 

سابعاً: الاستماع إلى الأغاني الماجنة الهابطة الساقطة؛ فإن استماعها من أكبر دواعي الزنا والفجور.

 

ثامناً: تحريم مصافحة الأجنبية، فلمس المرأة باليد يحرك كوامن النفس، ويفتح أبواب الفساد، ويسهل مهمة الشيطان؛ لذلك حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من مصافحة المرأة الأجنبية؛ فعن معقل بن يسار: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له"(المعجم الكبير (20/211)، رقم (486)).

 

وقد قال صلى الله عليه وسلم، وهو أطهر الناس قلباً وأسلمهم نية: "إني لا أصافح النساء"(سنن النسائي: بيعة النساء (7/149)، رقم (4181)، وصحيح ابن حبان: ذكر ما يستحب للإمام أخذ البيعة من نساء رعيته على نفسه إذا أحب ذلك (10/417)، رقم (4553)، وسنن ابن ماجة: باب بيعة النساء (2/959)، رقم (2874)، ومسند أحمد (6/357)، رقم (27053)).

 

وتقول عائشة: "ما مست يد رسول الله يد امرأة إلا امرأة يملكها"(صحيح البخاري: بَاب إذا أَسْلَمَتْ الْمُشْرِكَةُ أو النَّصْرَانِيَّةُ تَحْتَ الذِّمِّيِّ أو الْحَرْبِيِّ (5/2025)، رقم (4983)، وصحيح مسلم: باب كيفية بيعة النساء (3/1489)، رقم (1866)).

 

تاسعاً: السفر إلى الخارج؛ لما في ذلك من تبذل النساء العاريات هناك، وابتعاد الكثير منهن عن تعاليم دين الإسلام، ولما في ذلك من توفر دواعي الفتنة بشتى أنواعها من سفور واختلاط.

 

عاشراً: خروج المرأة متطيبة؛ فإن من دواعي فتنة الرجل بالمرأة ونزوعه إليها: ما يشم منها من الطيب الذي يفوح شذاه؛ فيجر إلى الفتنة، ويكون رسولاً من نفس شريرة إلى نفوس أخرى، ولذلك يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "أيما امرأة استعطرت، ثم خرجت، فمرت على قوم ليجدوا ريحها؛ فهي زانية وكل عين زانية"(سنن النسائي: ما يكره للنساء من الطيب (8/153)، رقم (5126)، وصحيح ابن حبان: ذكر إطلاق اسم الزنا على اليد إذا لمست ما لا يحل لها (10/270)، رقم (4424)، وسنن أبي داود: بَاب ما جاء في الْمَرْأَةِ تَتَطَيَّبُ لِلْخُرُوجِ (4/79)، رقم (4173)، ومسند أحمد (4/418)، رقم (19762)).

 

وهناك أسباب أخر لتوقي هذه الفتنة والهروب منها؛ كالعكوف على كتاب الله وسنة رسوله، وقراءة سير الصالحين.

 

إلى غير ذلك من الأسباب التي نسأل الله أن يجعلها سبباً في نجاتنا من هذه الفتنة التي طمت وعمت في بلاد المسلمين، ولم ينج منها إلا القليل.

 

عباد الله: صلوا وسلموا على خير عباد الله، فقد أمركم الله بذلك، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

 

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم ارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، بقدرتك يا قدير.

 

اللهم إنا نسألك بعزك الذي لا يرام، وبملكك الذي لا يضام، وبنورك الذي ملأ أركان عرشك، نسألك اللهم أن تنصر الإسلام والمسلمين، اللهم انصر الإسلام والمسلمين، اللهم انصر الإسلام والمسلمين، واخذل الشرك والمشركين.

 

اللهم رد ضال المسلمين إليك رداً جميلاً، اللهم رد ضال المسلمين إليك رداً جميلاً.

 

اللهم طهر قلوبنا من النفاق، وعملنا من الرياء، وألسنتنا من الكذب، وأعيننا من الخيانة، وفروجنا من الزنا، برحمتك وقدرتك يا قدير.

 

اللهم يا حي يا قيوم، يا غفور يا رحيم، اللهم يا قدير يا ودود يا ذو العرش المجيد، يا فعال لما تريد، يا من تقول للشيء كن فيكون، نسألك اللهم أن تعجل بهلاك عدونا، اللهم عجل بهلاكه، وأرح المسلمين من شره يا رب العالمين.

 

اللهم فرج هم المهمومين، واكشف كربتهم.

 

عباد الله: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل:90].

 

فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

المرفقات

عاقبة الزنا

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات
عضو نشط
زائر
21-01-2022

حديث جميل جدا جداجدا ربنا يوفقكم ويزيدكم علمايارب وجزاكم الله خيرالجذاء

عضو نشط
زائر
16-09-2022

  1. ممتاز 

عضو نشط
زائر
16-06-2023

جزاكم الله خيرا