عار فضائي

عبد المحسن بن عبد الرحمن القاضي

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/تحذير القرآن من الفساد ووسائله 2/خطر البثّ المباشر والقنوات الفضائية 3/نعمة وسائل الإعلام والتقنيات الحديثة والاستغلال السيء لها 4/التحذير من البرامج الفضائية الهابطة 5/بعض أهداف القنوات الفضائية الهابطة وآثارها السيئة 6/بعض ما يجب على عامة المسلمين تجاه القنوات الهابطة 7/وسائل التخلص من القنوات الفضائية الهابطة 8/نصيحة للآباء وللشباب

اقتباس

أيها الإخوة: لطالما حذّر الدعاة والناصحون من خطورة البثّ المباشر، والقنوات الفضائية التي تعبر حدودَنا، وتغزو منازلنا، وركزوا على التحذير من مخاطر الغزو الفكري الصليبي والصهيوني عبر قنواتهم وإعلامهم الموجّه لمجتمعاتنا، بنشر الإباحية، والتنصير، وأفكار التحرّر، وترويج الفاحشة، لكن...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

أما بعد:

 

فيا عباد الله: اتقوا الله -تعالى-.

 

أيها الإخوة المؤمنون: إذا كنا قد تحدثنا عن شيخ على كرسيّ الإعاقة ارتفع بهمّته إلى الدعوة والجهاد، وحرّك الأمة باستشهاده، فتعالوا لنتحدّث عن أمّة أضحت قعيدةً على كرسيّ الهوان، مشلولة الهمة، مسلوبة الإدارة، تتلهّى بالأباطيل.

 

أنقلكم اليوم إلى حديث عن مشكلة تؤرّق الأذهان، وتؤذي الأسماع، لا سيما أولئك الذين عافاهم الله من متابعة مثل هذه المنكرات، ونجت بيوتهم من مثل هذا الفساد الذي عمّ وطمّ، لكننا نحاول بحديثنا إبراء ذمّتنا جميعا بإنكار هذا الأمر والتبرّؤ منه ومن أهله، علّ ذلك ينجينا من عقوبة الله وعذابه وفتنته التي قد لا تصيب الذين ظلموا منّا خاصة، وسعيًا لتحقيق معنى الإيمان، وعدم لبسه بالظلم، لنحصّل الأمن والهداية، والله وحده المستعان وعليه التّكلان.

 

أيّها الأحبة: عند تدبّر كتاب الله، والتأمل فيه، نرى فيه نهيا، وتحذيرا عن الفساد، ومن أعظم الفساد إضلال الناس في أخلاقهم، وتشكيكهم في دينهم، وهو خلق المنافقين، وسبيل المجرمين الذين إذا قيل لهم: (لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ) [البقرة: 11 - 12].

 

أيها الإخوة: لطالما حذّر الدعاة والناصحون من خطورة البثّ المباشر، والقنوات الفضائية التي تعبر حدودَنا، وتغزو منازلنا، وركزوا على التحذير من مخاطر الغزو الفكري الصليبي والصهيوني عبر قنواتهم وإعلامهم الموجّه لمجتمعاتنا، بنشر الإباحية، والتنصير، وأفكار التحرّر، وترويج الفاحشة، لكن الذي حدث -وبكل أسف- أن ذلك الإفساد والتحلل جاء من قنوات عربية صرفة نعَم عربيّة التمويل، واللغة والتفكير.

 

ورحم الله المجاهد نور الدين محمود حين جلس عنده ذات مرة أحد رواة الحديث روى حديثا عن رسول الله متسلسلا بالتبسّم، فقال له: تبسّم أيها السلطان، قال: والله، لا أتبسم والنصارى احتلّوا ثغر دمياط والمسجدُ الأقصى في الأسر.

 

الله أكبر يمتنع نور الدين -رحمه الله- عن التبسم في الوقت الذي أصبحت فيه دماء العلماء المجاهدين هدرًا للصهاينة، ودماء الشعوب رخيصة للأعداء بلا حساب، وفي الوقت الذي تعاني فيه الأمة انتكاسة في القيَم والمثل وضعفا في الدين، وتتجرّع مرارة الإغراق والتفكّك، وفي الوقت الذي تتذوّق فيه الأمة أنواعَ الهزائم النفسية والاقتصادية والسياسية، ويُشنّ عليها حرب لا هوادة فيها، وتحتل أراضيها وتنهب ثرواتها، وتهدر دماء المسلمين رخيصة يوميّا في فلسطين وبلادِ الشيشان والأفغان والعراق مع ضعف وخور في المسلمين شعوبا وقادة.

 

في هذا الذي تحتاج الأمة فيه إلى إعلام يصلحها، ويرفع من شأنها، فإذا بوسائل الإعلام في أمتنا تشن على الأمة حربا تقضي على ما تبقّى من خلق ودين.

 

قنوات فضائية يملكها من يزعم أنه عربي مسلم، وقد ينتسب إلى هذا البلد، لكنهم يبثون فضائح أخلاقية ومسابقات غنائية، رقص على جراح الأمة النازفة، ومآسيها المنتشرة التي تعرض صباح مساء، برامج فاسدة، يباركها أعداء الأمة، ومركّزة على الشباب والمراهقين؛ لأنها تريد إيجاد جيل مسلم متسامح مع أعدائه، غافل عما يصلح حاله، متناسٍ قضايا أمته ومقدساته التي تنتهك حرماتها.

 

ويريد أولئك البغاة الذين يعتدون علينا في بيوتنا من خلال تلك القنوات الهابطة أن نميل إلى باطلهم عبر برامجهم التي تسحَق كل فضيلة عرفها أولادنا، وتربّوا عليها، وتزيِّن في أعينهم الرذيلة: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا) [النساء: 27].

 

معاشر الإخوة: لا شك أنه من نعمة الله -جل وعلا- هذا التواصل في التقنيات الحديثة الذي نرى فوائده في عدد من المظاهر لا سيما الاتصالات، ولكن بدلا من شكر نعمة الله واستغلاها في الخير نرى سيطرةً للشر وأهله على تلك التقنيات، وتأكيدا على التفاهات، وتكريسا للتبعية للغرب الصليبي حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلوه وراءهم.

 

قنوات فضائية عربية تتنافس كلّ يوم في تقديم أنواع جديدة من الفساد، وفي بثّ حي للخلاعة والمجون، ولم يكفهم هذا، بل ذهبوا يجمعون الشباب والشابات في برامج وأماكن واحدة لأغراض مختلفة لا جامع بينهما إلا الفساد والإفساد، وكثير من الناس عنهم غافلون، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 

يجمعون الشباب والبنات ليصوّروهم طوال ساعات اليوم في مشاهد مخزية تصوّر أكلهم ورقصهم وغناءهم واختلاطهم ولهوهم غير البريء وتنافسهم على فعل المنكرات، ومن يبرز منهم في تلك الأعمال المشينة هو الفائز الذي يتسابق الناس للتصويت له، ويضعون أسفل الشاشة شريطا مكتوبا للتواصل يحتوي أخبث الكلام وأسقطه.

 

عباد الله: إنني لا أحدثكم عن برامج في أمريكا أو أوروبا، بل إنها في بلاد الإسلام وبأموال المسلمين، ومدعومة من رجال أعمال من بلادنا -نسأل الله لنا ولهم الهداية والسداد-.

 

إن ما يدعونا لذكر مثل هذه البرامج على حقارتها تلك الإحصائيات المبكية للاتصالات الهاتفية بهم من قبل أناس يعيشون بيننا في بلداننا العربية، متناسين هموم أمتهم وقضاياها، حتى فاقت الاتصالات الثمانين مليون اتصال تصوّت لنشر الرذيلة، وقتل الفضيلة، منها أحد عشر مليون اتصال من هذا البلد فقط.

 

ثم انظر للدعم اللامحدود من قبل بعض الجهاتِ المسؤولة في بعض البلدان العربية ودعوة مواطنيهم للمشاركة فيها والتصويت لهذا أو تلك.

 

أيها الأحبة: إنها أمور مبكِية محزنة حين ترى أنّ قضايا المسلمين المصيرية والتصويت لها والتعاطف معها لم ينل مثل هذا التصويت لدعمها.

 

كذلك يحزنك حين ترى أن اهتمام بعض مسؤولي البلاد العربية موجّه لمثل ذلك، متناسين دعم قضايا أمتهم وبلادهم، في تضييعٍ واضح للأمانة، وإشغالٍ للشعوب عمّا يهمها في دينها وحياتها، وامتدادا لهذا الاستهتار بالقيم وجراح الأمة ينبري البعض لافتتاح قنواتٍ غنائية على مدى ساعات اليوم لا تبثّ إلا كلّ ما يسيء إلى الخلق والمرأة، ويبثّ الدعارة المجانيّة على الهواء، وقنوات أخرى للأفلام والمسلسلات المدبلجة، أو لبرامج حوارية تثير الفتن بين الشعوب، ولا هدف لها إلا الإثارة، ولو كان ذلك على حساب تكفير العلماء الصادقين، وتبديع الدعاة الناصحين.

 

إنها قنوات تعبث بالأخلاق، وينشر هذا البلاء ليصبح همّ الكثيرين لا سيما المراهقين متابعة مثل هذه البرامج، ومشاهدة ما يحدث لفلان أو فلانة، حتى وصل ذلك إلى حديث في دور العلم، وهي المدار س بين الطلبة والطالبات.

 

ويزداد العبث حين يعلنون كلّ يوم عن افتتاح برامج وقنوات أخرى لا تحمل إلا ذات الأهداف، وكأن الأمة بحالتها هذه وجراحها الدامية بحاجة إلى مثل ذلك.

 

إنها طعنة غادرة من القائمين على مثل هذه القنوات توجه للشعوب العربية بإيجاد هذه البرامج، إنها حرب على العفاف، حرب على العقيدة والأخلاق، وهدم للحياء، وحرب على المسلمين والمسلمات، حينما يظهرون المراهقين والمراهقات، وهم ينضمون لبرامجهم تلك، ويرقصون على ضفاف نشرات الأخبار المثقلة بهموم الاحتلال، وقتل الشهداء، وترى البكاء والعويل على إخفاق أحدهم في تلك البرامج كما لو أنهم يبكون لاحتلال المسجد الأقصى، وسقوط بغداد، وقتل أحمد ياسين -نسأل الله السلامة والعافية، وأن لا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا-.

 

حرب إعلامية غير أخلاقية تشنّها هذه الفضائيات العربية على العرب والمسلمين في دينهم وأخلاقهم، تأخذ منحنى خطيرا لم يكن أشدّ المحذّرين منها، ومن خطورتها يتوقّعه، فهذه القنوات تريد اختزال الإنسانية بالعري والفتون بالعلائق المحرمة.

 

أما أهداف تلك الهجمات، فلا تجد أبلغ بيانا من أنها إشاعة للفاحشة في الذين آمنوا، وإباحة الباطل، وتسويق الاختلاط بين الجنسين، حتى يكون هو الحياة الطبيعية، وتقديم ذلك على أنه ثقافة الحاضر وجواز المرور إلى المستقبل عبر إيجاد أجيال يتخبّطها الشيطان من الجنس، أجيال حائرة هائمة على وجهها تتغذّى بفكر يهلك الحرثَ والنسل: (وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ) [البقرة: 205].

 

أجيال تتناغم مع المشروع الصهيوني الصليبي لصياغة عقول شباب الأمة، وحرف أخلاق المرأة.

 

إنما غرض مشروعهم أن يختزل الشباب حياتهم بالمتع الرخيصة، لاهين عما يراد بأمتهم من مشاريع تغريبية.

 

غرض مشروعهم اختصار المرأة في جسدٍ كاس عار مبذول لمدمني المتَع المحرّمة، والاتجاهات المغرضة، ويسمّون مشروعهم الصليبي هذا إصلاحا، قد ينبري من أزلامهم في المنطقة من يروّج له تزامُنا مع الهجمات الصليبية على المنطقة شعوبا وقادة: (قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) [التوبة: 30].

 

إنها برامج من أهدافها هدم المفاهيم الشرعية الصحيحة التي تربى عليها أولادنا؛ كالحجاب والاختلاء المحرّم، وغيرها، ورسالة إعلامية موجهة في إظهار المرأة متبرّجة، وإلغاء الحواجز بين الجنسين في العلاقات، ويكثرون من عرضها حتى يألفها الشباب فلا يستنكرونه، بل يريدون هذا التصويت الهائل له عبر الهاتف.

 

هكذا تنحر الفضيلة في المجتمع، وتشهَر المنكرات، ويقع فيها أولئك المساكين المغرّر بهم.

 

إنها برامج تزخر بها فضائياتنا، تلهي الشباب، وتخدّر طاقتهم التي تستطيع بالإيمان أن تخدم قضيّتها، وتعلي شأن أمتها، وتقاوم الغزاة، وتخرج المحتلين من المقدّسات في فلسطين والعراق.

 

برامج تفسد الرجولة، وتكرّس في عقولهم التفاهة، حتى لا يناصروا قضيّة، ولا يطلبوا حقّا، ولا يحفظوا شرفا.

 

برامج تجعل من نجومها المعروضين قدوات تتأثّر بها أجيالنا، فهل نجوميتهم أنهم حرّروا بلدا أم اكتشفوا دواء أو اخترعوا عِلما جديدا أم لهم ميزة بالعلم والدعوة؟! وأين أسلافنا العظام كأبي بكر وعمر وسعد وابن الزبير ونور الدين وصلاح الدين؟! أين هم في عقول وقلوب أجيالنا التي انشغلت بسير هؤلاء التافهين؟! أي ضرر عظيم لهذه البرامج المعروضة على القناة المسلمة، وهي تستهزئ بحجابها، وتسهل تواصلها مع الشباب، وأن حياءها الذي يعزّها إنما هو عقدة نفسية، وتخفّف من رهبة ذلك المنكر في نفسها لتتخذ من رسائل الجوال وأحاديث الإنترنت متنفّسا لها في مثل هذه المحرمات؟! وبعض الآباء الغافلين لا هون عن بناتهم بعد أن وفّروا لهم أجهزة في غرفهم، نسأل الله أن يحفظ نساءنا من عوادي الغفلة ومكر السوء.

 

أيها الإخوة المسلمون: إن حديثنا هذا ليس بمبالغة أو تهويل، فإن مما يدمي القلب سقوط كثير من الشباب أمام تلك الإغراءات والشهوات التي لا يقرها شرع ولا تتماشى مع خلق، وهذا التنافس البائس المحموم بين هذه القنوات العربية في إيجاد هذه البرامج التي كما أنها تعكس أخلاق منتجيها ومروّجيها، فإنها تعكس أيضا جمهورا صنعَه إعلام فعلي ينفق سحابة يومه على متابعتها، فيظهر بؤسه المعنويّ، وفقره القيَميّ، وهكذا ضعُف الطالب والمطلوب، فأيّ خيانة لأمتهم من أصحاب هذه القنوات حين يكون هدفهم المادي هو المقدّم وهم الذين يستطيعون بأعمالهم الأخرى جني الأرباح الطائلة بدلا من ترويج هذا الفساد أم أنهم أشبهوا اليهود والنصارى الذين يعبدون المال ويتاجرون في المحرمات دون اهتمام بالمتضرّرين ولو كانوا من أهلهم؟! في التقليد الأعمى الذي أخبر عنه رسول الله -صلوات الله وسلامه عليه- من التشبه بأهل الكتاب، ولو تركوا بيوتهم العامرة، ودخلوا جحر ضبّ لدخلوه وراءهم، بل قال عليه الصلاة والسلام كما في رواية الحاكم وأبي داود: "حتى لو أن أحد جامع امرأته بالطريق لفعلتموه".

 

وصدق رسول الله.

 

ألا يتّقون الله ببذل أموالهم في هذا الفساد والتخريب والتغريب؟! ألا يتقون الله وهم أصبحوا أداة بيد الصهاينة والصليبيين لإفساد الأمة قصدوا ذلك أم لم يشعروا به؟! ألا يتقون الله وهم يرون حاجة الأمة إلى إعلامٍ هادف يوضّح الحقائق، ويدافع عن المقدسات، ويكشف الشبهات، ويبني الأمة لا يهدمها؟! ثم ألا يتقون الله ببذل أموالهم هذه وهم يرون وصف الله لإنفاق الكافرين على مثل ذلك: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) [الأنفال: 36]؟!

 

إننا حين نتحدث عن فساد عريض في تلك القنوات، فمن العدل عدم تعميم ذلك، فهناك قنوات تحترم عقول مشاهديها، وتلتزم بالضوابط الشرعية، لكنها نادرة أمام هذا الفساد الفاجر، وكما هي بحاجة إلى التطوير، فهي بحاجة للدعم والمساندة.

 

أيها الإخوة المؤمنون: فبالرغم من جماهير المغشوشين والغافلين الذين ابتلوا بمتابعة مثل هذه المنكرات، فإن مما يسرّ أن ترى فئاما من الناس ممن لديهم الغيرة والدين ينكرون مثل هذه البرامج والقنوات، وتشمئز منها نفوسهم، لكن ذلك لا يكفي.

 

نعم -إخوتي- لا يكفي، فإن المطلوب كما أننا نستنكرها في نفوسنا أن ننكرها أمام من هم حولنا في بيوتنا وأصدقائنا، وسائر مجتمعاتنا، لا بد أن نشدّ على أيدي المسؤولين لمنع مثل هذه الممارسات، والأخذ على يد المشاركين بها، والداعمين لها، ومحاكمتهم، وهم يشهدون منكراتهم في مخالفةٍ للدين واضحة، ومجاهرة بالمنكر فاضحة.

 

كذلك لا بد من الوعي بهذه الظواهر المؤلمة، وما بينّاه من نتائج خطيرة على جيل المستقبل بدلا من الغفلة، أو الثقة الزائدة عن حدّها لدى بعض الآباء.

 

كما أننا إنكارا لمثل هذه المحرمات نقاطع من تميز بها والشركات الراعية والمموّلة مقاطعةً اقتصادية.

 

نتواصى عليها ونحاربهم بها كما حاربونا في أخلاقنا وديننا، ونحذّر من التأجير المحرّم للمحلات التي تبيع أجهزة هذه المنكرات.

 

ثم لا بد من دعواتٍ صادقة نلجأ بها إلى الله ليكفينا شرّ فتن هؤلاء، وأن يرزقنا ما يقوينا من الإيمان، وأن يجنبنا الكفر والفسوق والعصيان، وأن يشغل هؤلاء بأنفسهم عن المسلمين، وإن لم يرد بهم صلاحا وهداية أن يزيدَهم خسرانا في الدنيا وعذابا في الآخرة.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) [البروج: 10].

 

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

 

أما بعد:

 

فاتقوا الله حق التقوى.

 

إننا نذكّر من ابتلي بمشاهدة هذه المحرّمات، والمداومة عليها بتقوى الله، وطلب التوبة بإخلاصٍ، حتى يعينه الله، وعليه بالدواء الناجع الذي تطيب به القلوب القاسية، وهو ذكر الله -تعالى-، وكثرة قراءة القرآن؛ فإنه سبب لحياة القلوب، وهجره سبب لخرابها: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [الأنفال: 2].

 

كما أن صدق التضرّع، واللجوء إلى الله، ودوام الإنابة، واستحضار عظم الجناية، وذكر الموت وأهواله أسباب معينة على التوبة لمن أراد استدراك ما فاته.

 

أما أنت أيها الأب والولي، يا من جلب هذه الأجهزة إلى منزله، أو استراحته، بلا ضبط وتركها لتضيّع أهلَ بيته، ويرضى لهم مثل هذه الخبائث التي تفسِد الدين والخلق، وتتجاهل التوجيه الأبوي، والتعلم المدرسي.

 

ألا تتذكرون -معاشر الآباء والأمهات- حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته".

 

اتقوا الله فيمن تحت أيديكم من أولاد وزوجات، واعلموا أنها أمانة عظيمة أنتم مساءلون عنها يوم لا يجزي والد عن ولده، يومَ تذهل كلّ مرضعة عما أرضعت.

 

تذكر -أخي الأب- يوماً تحتاج فيه إلى مثقال ذرّة من حسنة، فإذا بك تُسأل عن أسباب فسادِ أولادك، يومَ يتعلقون فيه بك، ويأخذون بتلابيبك، يقولون: يا ربّ، لقد أضاع الأمانة، وتسبّب في ضياعنا، وأنت لا تستطيع المدافعة عن نفسك، فأقرب الناس لك خصماؤك الذين ظننت أنك تسعِدهم في الدنيا بجريمة عرض هذه المحرمات عليهم: (يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ * وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ * كَلاَّ إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِلشَّوَى) [المعارج: 11- 16].

 

نسأل الله أن يرزقنا العافية والنجاة لنا ولأهلينا وأولادنا ووالدينا.

 

البدار البدار -أيها الآباء- بتطهير منازلكم من كل هذه المنكرات.

 

أما أنتم أيها الشباب، فاعلموا أنكم مساءلون عن أوقاتكم وأعماركم وأموالكم التي تبذلونها في هذه المشاهدات، وتلك الاتصالات، وإن الأمة تنتظر منكم الكثير، فهداكم في الحياة أسمى من هذا العبث.

 

واعلموا أنكم مستهدَفون من أعدائكم لاختلالكم، وإن المرءَ يحشر يومَ القيامة مع من أحبّ، فهل تحبون أن تحشروا يوم القيامة مع نبيّكم وصحابته الكرام أم مع من أعطيتموهم محبّتكم وعِشقكم مع فسقةِ هذه القنوات، فتصبحوا كما وصف الله -جل جلاله-: (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ * وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ) [الصافات: 22 - 24]؟!

 

إنها مطالبة للمسؤولين بمنع المشاركة وإلغاء أسباب هذه الاتصالات المحرمة والوسائل المفضية إليها، كما أنها دعوة للكتاب والمثقفين والدعاة الناصحين لحمل هموم مجتمعهم، والكتابة عنها ونقدها، وبيان زيف مثل هذه الممارسات الإعلامية، وبيان خطرها، وسوء تغريبها، ولا بد من السعي لإثارة البدائل المناسبة الموافقة للشرع والخلق.

 

واعلموا أن العلاج ليس صعبا حين تصدق النفوس، وتحسن النوايا في أمّة متكاتفة متعاونة على البرّ والتقوى.

 

اللهم احفظ أبناءنا وبناتنا وجميعَ المسلمين وأصلِحهم وردّهم إلى الحق ردّا جميلا.

 

وصلّ اللهم وسلّم على نبيّنا محمد ...

 

 

المرفقات

عار فضائي.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات