ظاهرة انحراف الشباب

عبدالباري بن عواض الثبيتي

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ أهمية الشباب 2/ خطورة انحراف الشباب 3/ سلامة جيل الصحابة من الانحراف الفكري 4/ الانحراف الخلقي 5/ دور الأسرة في تربية النشء 6/ ضرورة محاربة الفقر 7/ دور المدرسة في إعداد الشباب 8/ الدين أعظم حصانة 9/ أهمية الرفقة 10/ خطورة الفراغ

اقتباس

الانحرافُ في مرحلة الشّباب خطيرٌ ومخوِّف، فمنحرفُ اليوم هو مجرمُ الغدِ ما لم تتداركه عنايةُ الله، وعلى قَدرِ الرعاية بالشبابِ والعنايةِ بشؤونهم يتحدَّد مصيرُ الأمّة والمجتمع. إنّ انحرافَ الشباب من أعظم المسائلِ المطروحة اليومَ وأهمِّ القضايا التي تُقلِق الآباءَ والمربِّين .

 

 

 

 

أمّا بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوَى الله، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

يُعتَبر الشبابُ ثروةَ الأمّة الغالية وذخرَها الثمين، يكون خيرًا ونعمةً حين يُستَثمر في الخير والفضيلةِ والبناء، ويغدو ضررًا مستطيرًا وشرًّا وبيلاً حين يفترسه الشرُّ والفساد.

الانحرافُ في مرحلة الشّباب خطيرٌ ومخوِّف، فمنحرفُ اليوم هو مجرمُ الغدِ ما لم تتداركه عنايةُ الله، وعلى قَدرِ الرعاية بالشبابِ والعنايةِ بشؤونهم يتحدَّد مصيرُ الأمّة والمجتمع.

إنّ انحرافَ الشباب من أعظم المسائلِ المطروحة اليومَ وأهمِّ القضايا التي تُقلِق الآباءَ والمربِّين.

تتملّك بعضَ كتّابنا ومفكِّرينا العاطفة وتقودهم السطحيّة أحيانًا في التعامُل مع ظاهرةِ الانحراف، فنظلّ نلوك المشكلةَ ونفجِّر جراحَها ونردِّد آهاتِها مرّةً وثانيةً وثالثةً دونَ طائل، والعلاجُ الناجِع إعمالُ العقل وإمعانُ النّظر واستشراف المستقبل، بتحليل الظاهرة ودراسةِ أسبابها والعَمَل على الوقاية منها، بموضوعيّةٍ ومنهجيّة على أساسٍ من الدين والشرع.

ليس غريبًا أن يهتمَّ المختصّون بظاهرةِ الانحراف في أوساطِ الشباب لتجفيف منابِعه واجتثاثِ جذوره؛ لأنّ الشبابَ أملُ الأمّة وعدّة المستقبل وذخيرةُ المجتمَع والعَصَبُ الفعَّال في حياةِ الأمم.

انحرافُ الشّباب ظاهرةٌ عامّة تظهَر في الأفق في كلِّ بلد، وتزدادُ زاويةُ الانحراف اتِّساعًا حين تجدُ نفسًا بلا حصانةٍ، وفكرًا بلا مناعة، وشخصيّةً بلا تربيّة وطاعة.

الشباب كغيرِه من الناس يخطئون ويصيبون، قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "كلّ ابن آدم خطّاء، وخير الخطائين التوّابون". أخرجه الترمذي. إلاّ أنّ هذه الأمّةَ التي كتب الله لها الخيريّةَ بين الأمَم لا ترضى لشبابها إلاّ أن يكونوا على الأرض سادةً، وفي الأخلاق قادَة، ولقد سجَّل تاريخ أمّتِنا منذ فجرِ الإسلام حتى يومنا نماذجَ فذّةً لشبابٍ تمسَّك بالإيمان الصحيح والعمل القويم، والتزَم منهَجَ الله وشرعَه، أسعدَ أمّتَه بقوله، وقوّى أركانَ مجتمعه بجميل فِعاله وكريم خصاله؛ ما يبشِّر بخير عميم، وهم حجّةُ الله على غيرهم.

وفي عصرِنا تنوّعت مسالكُ الشبُهات، وتأجَّجت نوازِع الشهوات، وغدَا شبابُنا معرَّضًا لسهامٍ مسمومةٍ، ورماحِ غزوٍ مأفونة، ذاق مرارَتها المجتمَع في غلوٍّ وتكفير وانحلالٍ خُلُقيٍّ مقيت.

في ميدانِ الأفكار المنحرفةِ والفِرَق والمِلَل الباطِلة لم يتلوّث مجتمعُ الرعيل الأوّل جيل الصحابة بقاذوراتها، فقد كان تحصينُ الرسولِ –صلى الله عليه وسلم- لهذا الجيل قويًّا؛ خرج الرّسول –صلى الله عليه وسلم- على أصحابه وهم يتنازعون في القدر، هذا ينزِع آيةً، وهذا ينزع آيةً، كأنما فُقِئ في وجهه حَبُّ الرمّان فقال: "بهذا أُمِرتم؟!"، أو "بهذا بُعِثتم أن تضربوا كتابَ الله بعضَه ببعض؟! إنما ضلّت الأمم قبلكم في مثل هذا، إنكم لستُم ممّا ها هنا في شيء، انظروا الذي أُمِرتُم به فاعملوا به، والذي نُهيتم عنه فانتهوا". أخرجه أحمد.

وغضِب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- غضبًا شديدًا عندما وقف متعالِم جاهلٌ مغرور بين يديه يعترِض عليه في حُكمه في الغنائم ويقول: اعدِل يا محمّد، فيقول له الرسول –صلى الله عليه وسلم-: "ويحَكَ، ومن يعدِل إذا لم أعدِل؟!"، فلما ولّى قال الرسول –صلى الله عليه وسلم-: "دعه، فإنّ له أصحابًا يحقِر أحدُكم صلاتَه مع صلاتهم وصيامَه مع صيامهم، يقرؤون القرآنَ لا يجاوِز تراقيَهم، يمرقون من الإسلامِ كما يمرق السّهمُ من الرميّة". أخرجه مسلم.

تيقّظ الصحابةُ للفِتن المدلهمّة، أغلقوا منافِذها، ووقفوا منها موقفًا منهجيًّا حازمًا، فهذا الخليفة الراشد عمرُ بن الخطّاب -رضي الله عنه- يضربُ صبيغًا بعراجينِ النخل على رأسِه عندما رآه يبحَث عن المعضلات والمشكِلات في الكتاب والسنة. وتشدّدوا -رضي الله عنهم- في روايةِ السنة، نهوا عن عضلِ المسائل والتكلُّف في السؤال، إلى غير ذلك من القواعِدِ التي حفِظت على الصحابة دينَهم.

ومنَ الانحرافِ -عبادَ الله- ما يهدِّد الأخلاقَ ويحطِّم القيَمَ ويشكِّل جريمةً شائِنة وخطيئةً متعمَّدَة وأضرارًا جسيمةً بنظام المجتمع وسلامَتِه، خاصّة إذا كان مقرونًا باستهتارٍ أو إصرارٍ أو كان يحمِل نشرَ صُوَر ارتكاب معصيةٍ في مجاهرةٍ على رؤوس الأشهاد بكبيرةٍ توعَّد الله عليها بالعذاب الأليم.

إنَّ سلامةَ القاعدَةِ الأخلاقية في حياةِ الأمّة سبيلُ استقرارها ومناطُ قوَّتها، وإذا انحرفَ سلوكُ الأفراد، وانفَجَر بركانُ الشهواتِ، وسيطرت النزوات، أشرفتِ الأمّة على الهلاك وآذنَت بالزوال، قال تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) [الإسراء:16].

الأسرةُ هي المحضِن الأبرز لإعداد الشبابِ وبناء الشخصية، ومنها يصدُر الخيرُ أو الشرّ، ومنها ينجُم الانحرافُ أو الصلاح.

تفقِد الأسرةُ دورَها وتضيِّع رسالتها إذا انصرَف الآباءُ عن أُسَرهم وكان همُّهم الأكبر توفيرَ مادّة الكسب مع ترك الحبلِ على الغارب للأولادِ، والتقصيرِ في تربيتهم، وعدم تخصيص وقتٍ لهم يمارسون فيه التوجيه والرعاية، يختزل كثيرٌ من الآباء علاقتَه بأبنائه ومسؤوليّته في أسرتِه في حساباتٍ مادّيّة لا تتجاوز حاجاتِ الأولاد من أكلٍ وشُرب وكِسوةٍ وترفيه، أما تربيةُ الأخلاق وتهذيبُ السلوك وبناءُ الشخصية فحظُّها أنها في ذيلِ قائمة المسؤوليات. ولا يشكُّ عاقِلٌ أنّ الآباءَ حين يمارسون التربيةَ الصحيحة ويجعلونها أولى المهمّات في حياتهم يوفِّرون المناعةَ الكافيةَ ضدَّ الانحراف والوقايةَ من المصير الأليم، ويُسهمون في أمن المجتمع، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) [التحريم:6]، وقال –صلى الله عليه وسلم-: "والرجل راعٍ في أهله وهو مسؤولٌ عن رعيَّته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولةٌ عن رعيتها". أخرجه البخاري.

الأسرةُ في الإسلامِ مسؤولةٌ عن حمايةِ الشباب من الانحرافِ، ويتحمّل الوالدان النصيبَ الأوفرَ من جريرةِ الغلوّ في الدين أو التطرُّف في الخُلُق لقوله –صلى الله عليه وسلم-: "كلّ مولودٍ يولَدُ على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانِه أو يمجِّسانه".

قد يُهيِّئ جوُّ الأسرةِ الملبَّد بالغيوم الانحرافَ، فالبيت الذي تعلو فيه أصوات النزاع وتحتدمُ في جنباته مظاهرُ الخُصومة والشقاق ليس مهيَّأً للتربية واستقرارِ النفوس، بل قد يهرب منسوبُو البيت من هذا الجوّ الملبَّد إلى مَن يُؤويهم، وقد يحتضنهم رفقاءُ سوءٍ وقُرَناء شرّ، وقد تُسهَّل له الطّرق ليصبحَ مجرمًا محترفًا، كيف لا وقد فَقَد الرعايةَ والنصحَ والتوجيهَ من أبويه، غاب عنه من يدلُّه على طريق الهدى والنّور.

الطلاق ظاهرةٌ اجتماعيّة خطيرة، تهدِم كيانَ المجتمعات ومِن الأسباب الرئيسةِ في انحراف الأولاد، خاصةً إذا اقترن بضَعف الوازع الدينيّ، وكلُّ خلافٍ يخلِّف خسائرَ واضحةً وآثارًا عميقة، بل هو طعنٌ في قلب المجتَمَع ونزيفٌ في جسده.

إنّ الولدَ الذي يهربُ من جحيم الطّلاق قد لا يجِد من ينصَح أو يردع، ولأقران السوءِ تزيينٌ، ولأهل الفسادِ شِباك، والمجتمع مطالبٌ -خاصةً أولو الأحلام والنُّهى- بتحجيمِ هذه الظاهرة المؤلمة، وتحصينِ المجتمع من آثارها المدمِّرة.

ومِن أسبابِ الانحرافِ وقوعُ بعضِ الأُسَر فريسةَ الفَقر، فيلجأُ بعضُ الأولاد إلى مغادَرَة البيت بحثًا عن أسبابِ الرّزق، ولجهلهم وقصورِ إدراكهم قد تتلقّفهم أيدي الشّرّ وقرناء السوء، فيسلكون بهم سُبُل الانحراف، وقد كان النبيّ –صلى الله عليه وسلم- يستعيذ من الفَقرِ فيقول: "اللهم إني أعوذ بك من الكفرِ والفقر".

وللوقاية من مشكلةِ الفقر وآثارها فرضَ الإسلام الزكاةَ وحثَّ على الصدقة، أحيى معاني التكافلِ الاجتماعيّ، دعا إلى تفقُّد الأيتام والفقراء والمساكين، ورتّب على ذلك أجرًا عظيمًا بقوله –صلى الله عليه وسلم-: "أنا وكافلُ اليتيم في الجنّة هكذا". وأشار بالسبابة والوسطى.

ومن التكافُل دعمُ الجمعيّات الخيريّة التي ترعى الأيتامَ والفقراءَ والمساكين، ولقد سَمت بلادُ الحرمين بأنموذجٍ فريد في منظومةٍ مباركةٍ تمثَّلت في هذه الجمعيّات الخيرية التي تناثر عِقدُها في أرجاء البلاد، وأصبحت رافدًا مُهِمًّا وشريكًا حقيقيًّا في التنمية البشريّة والاقتصاديّة، قاربت بين الفقراءِ والأغنياء، أسهمت في تقوية بنيانِ المجتمع، غمرته بمشاعرِ الرحمة والشفقة، كم أطعَمت من جائع، كم كَسَت من عارٍ، كم نفَّست من كَرب، كم فرّجت من عُسر، ولا يلمِز هذه الجمعياتِ المباركةَ التي شاع خيرها وعَمَّ فضلُها وطاب غرسُها ورعاها ولاةُ أمرنا، لا يلمزها إلا مغشوشُ النية، ملوَّثُ الفِكر، منهزِمُ النفس، قد جفّ نبْع الخيرِ من مشاعره وفُؤاده.

المدرسةُ -عبادَ الله- هي المحضِن الثاني، ووظيفتُها ذاتُ تأثيرٍ عميق في إصلاحِ الشباب أو انحِرافهم، تحمِل مِعوَلَ الهدم أو مِعوَلَ البناء، وأُسُّ المدرسة وأساسُها مناهِجُ التربية والتعلِيم، ولا ينكر عاقلٌ أن المرحلةَ تتطلَّب -خاصةً مع تقارُب أطراف العالم وشيوع الأفكار الضالّة والشهواتِ العارمة- يتطلَّب الأمرُ تكثيفَ المناهجِ الشرعية لتكونَ حصانةً لقلبِ الشباب وحمايةً لفِكرِهم من غُلوٍّ مَقيت أو فسوقٍ مُمِيت.

إنّ الدينَ أعظم حصانةٍ للشّباب من كلِّ انحراف، وقراءةُ التاريخ تُجلِّي أنّ ظهورَ الفِرَق وبروز الانحراف وشيوعَ الجريمة لم تنَل حظَّها في المجتمعات ولم تفعَل فِعلَها في القلوبِ والعقول إلاّ على فترةٍ من الدّعوة واندراسٍ من الشريعة، ولا إخالُ منصِفًا يُنكر هذا، وبالتالي يحيي سُنَنًا وعبرة، قال الله تعالى: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) [الإسراء:9].

وفي غِياب الدينِ الصحيح والإيمان والقويم والمنهَج الوسَط يكون الشبابُ معرَّضًا للانحراف، قد يقَع فريسَةَ الإجرام أو الإرهاب أو التطرّف، أو الارتماء في أحضانِ الأعداء، أو الوقوع في مصائد المنحَرفين، أو يسيطِر عليه الضّياع حتى يُصبِحَ كالسُّمِّ في جسَد الأمّة والمِعوَل في كيانها، يُحطِّم مستقبلَها ومُستقبَله، ويهدم كيانَها وكيانَه.

المعلِّم مِحوَرُ التربية والتعليم، وبه نقاوِم الانحرافَ ونحصِّن الشباب، إذا كان مستقيمًا في سلوكه، صالحًا في خُلُقه، قويًّا في إيمانه، متقِنًا لعمله، يحمِل همَّ أمته ومجتمَعه، وتلك أهمّ سماتِ المعلِّم في المجتمع المسلم.

رسالةُ المعلِّم تغذيةُ الإيمان، توطيدُ الوازع الخُلقي، إحياءُ رَقابة الله في نفوس النشء.

الرُفقةُ الصالحة لها أثرٌ في اكتساب القيمَ والسلوك، قال –صلى الله عليه وسلم-: "المرءُ على دين خليله، فلينظر أحدُكم من يُخالِل". وقد يوقع القرينُ السيّئ في المهلكات، أمّا القرين الصالح فسببٌ من أسباب الاستقامة والفضيلة.

الفراغُ -عبادَ الله- من أسبابِ الانحراف، والوقتُ إذا لم يُوظَّف توظيفًا سليمًا فإنّه ينقلب بآثاره السيئة على صاحبه، ويكون أكثرَ استعدادًا للانحراف، ويجب أن يتبيّن الوالدان أينَ وكيف تُقضى ساعاتُ الفراغ.

في الفراغِ قد تتسَلَّل فتتمكَّن فكرةٌ منحرِفة أو نَزوة عابِرة أو شهوةٌ جامحة، فتقع الواقعة، ولقد أسهمتِ المؤسَّساتُ التربويّة والدورات الشرعيّة وحِلَق القرآن في احتضان عقولِ وأفئدةِ جمعٍ من الشباب، ولا يزال الحالُ يتطلَّبُ توفيرَ محاضن تربويّة آمنةٍ أخرى واستيعاب وإصلاح ما تيسّر من شبابٍ جعل الغُلُوّ طريقًا والتكفيرَ منهجًا، وشبابٍ رضيَ بالعيش على هامش الحياة، فافترش الأرصفةَ وتسكَّع في الأسواق، وشبابٍ وقع فريسةَ الخمور والمخدِّرات، قال عليّ -رضي الله عنه-: "من أمضى يومًا من عمره في غير حقٍّ قضاه، أو فرضٍ أدّاه، أو مجدٍ بناه، أو حمدٍ حصَّله، أو خير سمِعه، أو عِلمٍ اقتبسه، فقد عَقَّ يومَه وظلَم نفسه".

بارك الله لي ولكم في القرآنِ العظيم، ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآيات والذّكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

 

الخطبة الثانية:
 

 

الحمد لله الذي خلَق فسوّى، والذي قدَّر فهَدى، أحمده سبحانه وأشكره على نعمٍ لا تُعَدّ ولا تحصَى، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريك له، له الأسماء الحسنى والصفاتُ العلى، وأشهد أن سيّدنا ونبيّنا محمّدًا عبده ورسوله المبعوث بالنور والهدى، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سلك سبيلَه واقتفى.

أمّا بعد:

فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فهي سبيلُ النجاة وطريق الفلاح، وبها السعادة في الدنيا والأخرى.

العالمَ اليومَ يعيشُ حالةً من الإثارةِ الشهوانية العارِمة التي تُلهِب مشاعِرَ الشباب، ومن أبرز سُبُل الانحراف ومن أبرز حبائلِ شياطين الإنس هذه الفضائياتُ التي يزيِّنُ مُعظمها الانحرافَ ويجرُّ إلى الضلالة، لقد تراجَع دورُ مؤسّسات التربية أمام هذه الفضائياتِ التي أطلقت أبواقَها وسخّرت جهودَها في فتح أبوابِ الانحراف من تلويثِ العقول وإفساد القلوبِ ونزع جلبابِ الحياء، سهَّلت الغزوَ الفكريَّ، ونَقلت ثقافة وأخلاق بلدانٍ لا تمثِّل الإسلامَ ولا تدين به، شجَّعت على الفسقِ والسّفور، جرَّأت على الجريمة والانحراف.

وإذا أردنا تقليصَ زاوية الانحرافِ فلا بدّ من البَحث عن حلولٍ لهذا الكابوسِ الجاثم على صدورِنا، القابِع في دورنا، المزَلزِل لأخلاقنا، والتصدِّي لسُمومه وإبطال مفعوله.

مِن وسائل علاج الانحراف القيامُ بالدعوة إلى الله بالحكمة وبالموعظةِ الحسنة، قيامُ المسجد برسالته وإحياء دورِه في التوجيه والإصلاح، قيامُ الدّعاة والمربِّين بواجبهم وتحمُّل مسؤوليّتهم.

أصحابُ الفكر وحملةُ الأقلام ندعوهم للإسهام في مقاومةِ مظاهرِ الانحراف بدراستِها ووضعِ الحلول لها، بل كلُّ فردٍ منّا يُعتبَر حارسًا أمينًا ومسؤولاً عن حمايةِ أمّته من الفساد والانحراف، محافظًا على نقاء وبقاءِ مجتمعه، قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) [هود:117].

يتحقّق هذا في التواصي بالحقّ والتواصي بالصّبر، والقيام بواجب الأمرِ بالمعروف والنهيِ عن المنكر الذي هو صمّام أمنِ المجتمعات وسبيل نجاتها، قال الله تعالى: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) [سورة العصر].

ألا وصلّوا -عباد الله- على رسولِ الهدى، فقد أمَرَكم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].

اللهمّ صلّ وسلِّم على عبدك ورسولِك محمّد، وارض اللهمّ عن الخلفاء الأربعة الراشدين...
 

 

 

 

 

المرفقات

انحراف الشباب

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات