ظاهرة انتشار معبري الرؤى بلا علم

الشيخ أحمد بن ناصر الطيار

2025-01-24 - 1446/07/24 2025-01-28 - 1446/07/28
عناصر الخطبة
1/تعظيم الإسلام لأمر الروى والأحلام 2/التحذير من تأويل الروى بغير علم ومخاطر ذلك 3/تأويل الروى فتيا.

اقتباس

والقول بأنه إلهامٌ قولٌ مُحدَثٌ مُبتدَع، يقودُ إلى تقديسِ الأشخاص، والغرورِ والعجب، والتلاعبِ في رُؤى الناس وأحلامهم؛ لضمانِ المعبِّر الجاهلِ أنه لن يُسأل مِن أين أتى بتعبيره، لأنه عبّر بإلهامٍ من الله مُباشرةً بزعمه...

الخطبة الأولى:

 

الْحَمد لله الَّذِي جَعَلَ النّوم رَاحَة للأجساد، ثمَّ تَوَفَّىَ أَنْفُسَنَا عِنْد حُلُول الرقاد، فَيمسكُ الَّتِي قضى عَلَيْهَا الْمَوْتُ إلى يَوْم التناد، وَيُرْسلُ الْأُخْرَى إلى أجل مُسَمّى، فَلَا يَنْقُصُ الْأَجَل وَلَا يُزَاد.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جعل الرُّؤْيَا جُزْءا من النُّبُوَّة ووحيًا إِلَى الْعباد، فَمِنْهَا بِشَارَة للطائعين بِمَا حصلوا من الزَّاد، وَمِنْهَا نذارة للعاصين لما أَحْدَثُوا من الْفساد.

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرْسلهُ إلى كل حَاضر وباد، صلى الله وسلم عَلَيْهِ وعَلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين. أما بعد:

 

فاتقوا الله -عباد الله- واعلموا أنّ الله -تعالى- من رحمته وحِكمَتِه، ما ترك في كتابه شيئًا فيه منفعةٌ أو مضرّةٌ إلا بيّنه؛ قال الله -تعالى-: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ).

 

وزاد وبالغ في إيضاح الحُجّة، وبيان الْمَحجّة، فأرسل رسولاً صادقًا أمينًا، مُلْهمًا حكيمًا، فأخذ الناس عنه كلّ ما يحتاجونه في دينهم ودُنْياهم.

 

فلا يُمكن أنْ يحتاج الناس قديمًا وحديثًا أمرًا إلا أوضحه، ولا شيئًا يُهمّهم إلا بيّنه.

 

ومن بين تلك الأمور الْمُهمة، والحقائق الشائعة، عِلْمُ تعبير الرّؤيا، فقد جاءت شريعتُنا العظيمةُ الخالدة ببيانها، وكشفِ الغامضِ منها.

 

معاشر المسلمين: إنّ علم تعبيرِ الرؤى من العلوم الْهامّة والجليلة، وقد نبّه النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على أمر الرؤيا في مرض موته؛ فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: كَشَفَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- السِّتَارَةَ، وَالنَّاسُ صُفُوفٌ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ؛ فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ، يَرَاهَا الْمُسْلِمُ، أَوْ تُرَى لَهُ"(رواه مسلم).

 

فانظر إلى هذا الاهتمام بأمر المنام، في آخر حياة رسول الأنام، فهل يليق بمؤمنٍ بعد ذلك، أنْ يُقلّل من شأن الرؤى والأحلام، ويرى أنّ العناية بها مضيعةٌ للوقت؟

 

ولِشَرَفِ هذا العلم، أكثر الله -تعالى- من ذكره في كتابه؛ قال تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ).

 

وقال في قصة إبراهيم الخليلِ -عليه السلام-: (يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ).

 

وقال تعالى حكاية عن يوسف -عليه السلام-: (يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ).

 

ويكفي في شرفه أنّ يُوسف -عليه السلامُ-، ذكر أعظم نعم الله -تعالى- عليه؛ فقال: (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ)؛ فجعل علم تعبير الرؤى من أعظم مِنَنِ الله -تعالى- عليه.

 

فهل يليق بشرف هذا العلم أنّ يجترئ عليه كلّ أحد؟ فيعبّرُ بلا علم، ويُظْهِرُ للناس أنه معبّرٌ لرؤاهم وهو جاهل بأصول هذا العلم وقواعده؟

 

نسأل الله -تعالى- أنْ يُعلمنا ما ينفعنا، وأنْ يُعيذنا من الجهل والهوى، إنه سميعٌ قريبٌ مُجيب.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلم تسليما كثيرا؛ أما بعد:

 

معاشر المسلمين: لَمَّا دخل في هذا العلم من ليس بأهله جاءت الأخطاءُ الشنيعة، والزلات الفظيعة، ومنها: اعتمادُهم على التّخمينِ وما وَقَرَ في قلوبهم، وتعبير الرؤى من العلوم التي لها أصولها وقواعدها، وليس هو إلهامًا، ومن الغلط البيّن تسميتُه بذلك، فقد نصّ الله -تعالى- على أنه علمٌ؛ فقال تعالى ليوسف -عليه السلام-: (وَكَذَٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ).

فقال: "ويعلمك"، ولم يقل "يُلْهِمُك".

 

والقول بأنه إلهامٌ قولٌ مُحدَثٌ مُبتدَع، يقودُ إلى تقديسِ الأشخاص، والغرورِ والعجب، والتلاعبِ في رُؤى الناس وأحلامهم؛ لضمانِ المعبِّر الجاهلِ أنه لن يُسأل مِن أين أتى بتعبيره، لأنه عبّر بإلهامٍ من الله مُباشرةً بزعمه.

 

فاحذروا مِن هؤلاء، الذي ازْدَرُوا العلم والعلماء، وجاؤوا بالتخليطِ في التعبير والآراء.

 

فتعبير الرؤيا ليس أمرًا سهلاً عارضًا، أو هو أمرٌ يأتي عن طريق الصّدفةِ أو التخمين، بل هو علمٌ قائمٌ بذاته، له أُصولُه وكتبه وضوابطه.

 

ولا بُدّ أنْ يُعلَم: أنه ليس كلُّ من أدعى التعبير يكون مُعَبِّراً، وإنْ تسابق العامّةُ إليه، وليس العبرةُ بأنّه يُعبّر كلّ رُؤْيا، ولكنّ العبرةَ بصوابها وتحقّقها.

 

وينبغي لمن رأى رُؤْيا ألا يعرضها لأيّ أحدٍ، بل يسأل الأعلم والأورع والأتقى، لا المشهور بين الناس، فليست الشّهرةُ معيارًا للصلاح والعلم.

 

نسأل الله -تعالى- أنْ يُصلح أحوالَنا، ويجمع كلمتنا، إنه على كل شيءٍ قدير.

 

عباد الله: أكثروا من الصلاة والسلام على نبي الهدى، وإمام الورى، فقد أمركم بذلك جل وعلا فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).

 

اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.

 

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، وخُصَّ منهم الحاضرين والحاضرات، اللهم فرِّج همومهم، واقض ديونهم، وأنزل عليهم رحمتك ورضوانك يا رب العالمين.

 

 عباد الله: إنَّ اللَّه يأْمُرُ بالْعدْل والْإحْسانِ وإيتاءِ ذي الْقُرْبى ويَنْهى عن الْفحْشاءِ والمنْكرِ والبغْيِ يعِظُكُم لَعلَّكُم تذكَّرُون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

المرفقات

ظاهرة انتشار معبري الرؤى بلا علم.doc

ظاهرة انتشار معبري الرؤى بلا علم.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات