ظاهرة الفساد.. ماهيتها ومظاهرها وأشكالها

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات:

 

 

د. مولاي المصطفى البرجاوي

 

الفساد آفة خطيرة استشرى لهيبها، وانتشر داؤها في العالم العربي انتشار النار في الهشيم، وتفشَّى سرطانها في أعصاب الحياة المجتمعية؛ فَشَلَّ وخرَّب أركان النهوض والتنمية، فساهم في تراجعها وتقهقرها في سلم مؤشر التنمية البشرية، فأضحت الدول العربية في ذيل القائمة؛ سواء على مستوى الاقتصاد أو التعليم أو الصحة أو الإدارة...

 

في خضم هذه المشكلة العويصة، تتبادر إلى الذهن جملة من الأسئلة المتواترة:

 

* ما المقصود بالفساد؟ وما أشكاله وصوره ومؤشراته؟

 

* وفيمَ تتجلى مظاهره؟

 

* وكيف انعكس تفشي الفساد على موقع العالم العربي في سلم التقارير الدولية؟

 

 

 

1- ماهية الفساد:

 

الفساد (Corruption) ضد الصلاح، فإذا كان المعنى اللغوي للفساد أنه ضد الصلاح، فإن صلاح المال - مثلاً - كما يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو: "وإني لا أجد هذا المال يصلحه إلا خلال ثلاث: أن يؤخذ بالحق، ويعطى في الحق، ويمنع من الباطل"[1].

 

وقد عرفته "منظمة الشفافية العالمية" التي تأسست سنة 1993 بأنه: "سوء استغلال السلطة من أجل تحقيق المكاسب والمنافع الخاصة"، أما "اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد" لسنة 2003، فإنها لم تتطرق لتعريف الفساد، لكنها جرمت حالات الفساد التي حددتها في:

 

* رشوة الموظفين العموميين الوطنيين.

 

* رشوة الموظفين العموميين الأجانب وموظفي المؤسسات الدولية العمومية.

 

* اختلاس الممتلكات أو تبديدها أو تسريبها بشكل آخر من طرف موظف عمومي.

 

* المتاجرة بالنفوذ.

 

* إساءة استغلال الوظائف.

 

* الإثراء غير المشروع.

 

* الرشوة في القطاع الخاص.

 

* اختلاس الممتلكات في القطاع الخاص.

 

* غسل العائدات الإجرامية.

 

* الإخفاء.

 

* إعاقة سير العدالة.

 

والفساد عمومًا ظاهرة مركبة ومعقدة، تشمل الاختلالات التي تمس الجانب السياسي والاقتصادي والاجتماعي والقيمي (الأخلاقي).

 

2- أنواع الفساد: يتخذ الفساد أشكالاً مختلفة ومتعددة، ولعل من أبرزها:

أ‌- الفساد العقدي: وهو فساد الاعتقاد الذي هو أساس كل فساد، فسعي الإنسان تبع لمعتقده؛ فإذا كان المعتقد فاسدًا كان السعي فاسدًا، وإذا كان المعتقد صحيحًا صالحًا صلح سعيه، قال تعالى: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [البقرة: 11-12].

 

ب‌- الفساد الأمني والاجتماعي: الأمن أساس النعم، ومن فقَدَ الأمن لا يشعر بسائر النعم... يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((من أصبح منكم آمنًا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حِيزت له الدنيا))[2].

 

ت‌- الفساد السياسي: والذي يعبر عنه بأنه "إساءة استعمال السلطة العامة لتحقيق مكسب خاص"[3]، والظاهرة البارزة استخدام المال في العمليات الانتخابية.

 

ث‌- الفساد الإداري: والذي يعبر عنه بأنه "سلوك بيروقراطي يستهدف تحقيق منافع ذاتية بطرق غير شرعية"[4].

 

ج‌- الفساد الأخلاقي.

 

ح‌- الفساد الاقتصادي: يتمثل في جرائم الشركات، سواء الوطنية أو الأجنبية التي تستغل تفشي البطالة في العالم العربي في الاستغلال البشع لليد العاملة، أو الجرائم الاقتصادية التي ترتكبها مافيا شركات متعددة الجنسيات.

 

خ‌- الفساد المالي: ويقصد به كافة المعاملات المالية والاقتصادية المخالفة لأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية، وتؤدي إلى أكل أموال الناس بالباطل، وإلى عدم استقرار المجتمع، وإلى الحياة الضنك لطبقة الفقراء والمعوزين في حكمهم[5].

 

د‌- الفساد المؤسسي: حينما تكون مؤسسات الدولة هشة وضعيفة بما يصبح معه جهاز الدولة نفسه مؤسسة للفساد.

 

أما أنواع الفساد من حيث الحجم، فيمكن التمييز بين:

 

* الفساد الصغير (Minor Corruption) (فساد الدرجات الوظيفية الدنيا): وهو الفساد الذي يُمارَس من فرد واحد دون تنسيق مع الآخرين؛ لذا نراه ينتشر بين صغار الموظفين عن طريق استلام رشاوى من الآخرين.

 

* الفساد الكبيرross Corruption) ) فساد الدرجات الوظيفية العليا من الموظفين: والذي يقوم به كبار المسؤولين والموظفين لتحقيق مصالح مادية أو اجتماعية كبيرة، وهو أهم وأشمل وأخطر؛ لتكليفه الدولة مبالغ ضخمة.

 

3- مؤشرات الفساد: إن مؤشرات الفساد تظل واضحة المعالم، تنتشر وتتفشى داخل المجتمع، يتجسد ظهورها بصيغ وهيئات مختلفة، تتمثل في:

 

* شيوع ظاهرة الغنى الفاحش والمفاجئ في المجتمع.

 

* شيوع ظاهرة الرشوة لدرجة تصل فيها من جملة المستمسكات المطلوبة في أية معاملة.

 

* المحسوبية والولاء لذوي القربى في شَغلِ الوظائف والمناصب، بدلاً من الجدارة والكفاءة والمهارة والمهنية والنزاهة.

 

* غياب مبدأ تكافؤ الفرص في شغل الوظائف.

 

* ضعف الرقابة "أجهزة وأداءً ودورًا" أو ظهورها بشكل شكلي مع إهمال نتائجها.

 

* الاستغلال السيئ للوظيفة لتحقيق مصالح ذاتية على حساب المصالح الموضوعية.

 

* الخروج المقصود عن القواعد والنظم العامة لتحقيق منافع خاصة.

 

* بيع الممتلكات العامة لتحقيق منافع ومكاسب خاصة.

 

* انتشار ظاهرة الابتزاز، متمثلة في التعقيدات الإجرائية والروتين، الذي يؤدي إلى هروب رؤوس الأموال من البلد.

 

ويعد ارتفاع مؤشر الفساد في أي مجتمع دالة على تدني الرقابة الحكومية، وضعف القانون، وغياب التشريعات، وقد ينشط الفساد نتيجة لغياب المعايير والأسس التنظيمية والقانونية وتطبيقها، وسيادة مبدأ الفردية بما يؤدي إلى استغلال الوظيفة العامة وموارد الدولة من أجل تحقيق مصالح فردية أو مجموعاتية على حساب الدور الأساسي للجهاز الحكومي بما يلغي مبدأ العدالة، وتكافؤ الفرص، والجدارة، والكفاءة، والنزاهة، في شغل الوظائف العامة[6].

 

4- مظاهر الفساد: من أبرز مظاهر الفساد المنتشرة في العالم العربي - وهي متشابهة ومتداخلة[7]

 

* الرشوة: أي الحصول على أموال أو أية منافع أخرى من أجل تنفيذ عمل مخالف لأصول المهنة، وهي منتشرة في كثير من الدول الغربية والدول النامية.

 

* المحسوبية: أي تنفيذ أعمال لصالح فرد أو جهة ينتمي لها الشخص؛ مثل: حزب أو عائلة أو منطقة، دون أن يكونوا مستحقين لها، وهي منتشرة في الدول العربية بشكل عام.

 

* المحاباة: أي تفضيل جهة على أخرى في الخدمة، بغير حق للحصول على مصالح معيَّنة.

 

* الواسطة: أي التدخل لصالح فرد ما أو جماعة دون الالتزام بأصول العمل والكفاءة اللازمة؛ مثل: تعيين شخص في منصب معين لأسباب تتعلق بالقرابة أو الانتماء رغم كونه غير كفء، وهي منتشرة كثيرًا في العالم العربي.

 

* نهب المال العام: أي الحصول على أموال الدولة والتصرف بها من غير وجه حق بشكل سري تحت مسميات مختلفة.

 

* الابتزاز: أي الحصول على أموال من طرف معين في المجتمع مقابل تنفيذ مصالح مرتبطة بوظيفة الشخص المتصف بالفساد.

 

* غسيل الأموال: هي عملية إخفاء المصدر غير القانوني لهذه الأموال وتحويلها أو دمجها في الاقتصاد المشروع.

 

وقد أظهر التقرير الأخير الذي نشرته منظمة الشفافية العالمية التي تتخذ من العاصمة الألمانية برلين مقرًّا لها - أن جميع الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية والبالغ عددها 21 دولة، لا تزال تحافظ على ترتيبها في سلم الفساد العالمي.

 

وجاءت نتائج معظم الدول العربية في المؤشر مخيِّبة للآمال، حيث حصلت على تقدير متوسط 35 درجة من درجات المؤشر البالغة 100 درجة، حيث تمثل هذه النتائج تحذيرًا من إساءة استخدام السلطة والتعاملات السرية والرشوة.

 

يظل الفساد بشتى أطيافه أحد معاول الهدم التي تواجه عمليات التنمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية؛ ولهذا فأحسن وسيلة لمحاربة الفساد هو أن تكون هنالك خطة إستراتيجية شاملة لإعادة العدل بمختلف صوره في المجتمع من القمة إلى القاعدة، ومن القاعدة إلى القمة، وإنهاء الظلم وأشكال الاستغلال في كل المجتمعات من خلال ربط المسؤولية بالمحاسبة.

 

--------------

(1) الخراج لأبي يوسف - دار المعرفة - بيروت صـ117.

 

(2) سنن الترمذي، كتاب الزهد، برقم 2268، 4/ 574.

 

(3) تقرير عن التنمية في العالم 1997م - البنك الدولي للإنشاء والتعمير - ترجمة ونشر مؤسسة الأهرام صـ112.

 

(4) عطية حسن أفندي "الممارسات غير الأخلاقية في الإدارة العامة" بحث مقدم لندوة الفساد والتنمية - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، 1999م، صـ53.

 

(5) حسين حسين شحاتة، الفساد المالي، أسبابه وصوره وعلاجه، مجلة الوعي الإسلامي، العدد 552، شعبان 1432هـ/ يوليو2011، ص 27.

 

(6) فتحي محمد أميمة، الفساد السياسي والإداري كأحد أسباب الثورات العربية: دراسة وصفية تحليلية، ثورة 17 فبراير في ليبيا نموذجًا، مؤتمر فيلادلفيا الدولي السابع عشر ثقافة التغيير: الأبعاد الفكرية- العوامل - التمثلات/6 - 8 نوفمبر 2012.

 

(7) أحمد أبو دية، الفساد: أسبابه وطرق مكافحته، منشورات الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة - أمان 2004، ص3، بتصرف.

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات