عناصر الخطبة
1/التساهل بالطلاق وانتشاره 2/أسباب كثرة الطلاق 3/متى يشرع الطلاق؟ 4/وصايا للزوج والزوجة.اقتباس
لقد استَخَفَّ كثيرٌ منَ الأزواجِ بحقوقِ وواجباتِ المرأةِ التي في ذمّتِهِمْ، وضَيَّعوا الأمانةَ والمسؤوليةَ التي أُمِرُوا بها مِنْ رَبِّهِمْ؛ فقصَّرُوا في حقوقِ الأولادِ، وأصبحَ عندهم شُحٌّ في الانفاقِ، وسهرٌ خارجَ البيتِ بالسّاعاتِ، وسفرٌ في جميعِ الاتجاهاتِ، واستراحاتٌ ومنتزهاتٌ، وترى أكثرَهُم إذَا كانَ خارجَ البيت يُضحِكُ الغريبَ ويُؤْنِسُهُ، وإذَا كانَ داخِلَ البيتِ يُبكِي أقربَ أنيسٍ ويوحشُهُ...
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُـحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ -تَعَالَى-؛ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
عبادَ اللهِ: أصبحَ التلفظُ بكلمةِ الطلاقِ في زمانِنَا سهلاً يسيرًا على كثيرٍ منَ الجاهلينَ بأحكامِ الشرعِ، وضعافِ الإيمانِ, وكثرةُ الطلاقِ في المجتمعِ منذرٌ بعواقبَ وخيمةٍ, وآثارٍ سلبيةٍ عظيمةٍ، وهي ظاهرةٌ مقلقةٌ وخطيرةٌ, ونسبتُهُ تتزايدُ بشكلٍ كبيرٍ بينَ الأزواجِ.
عبادَ اللهِ: كمْ منْ بيوتٍ للمسلمينَ هُدِّمَتْ بسببِ الاستعجالِ في الطلاقِ، وكمْ أحدَثَ مِنْ الفتنِ والخصوماتِ والعداواتِ والمشكلاتِ، وفرَّق الشملَ، وقطَّعَ الأواصرَ بينَ الأقاربِ.
أيُّهَا المؤمنونَ والمؤمناتُ: لقدْ كثرَ الطلاقُ في زمانِنَا حينما ابتعدَ كثيرٌ من الرجالِ والنساءِ عن شرعِ اللهِ، وقلَّ منْ يرعى الذِّمَم، ويتَّصفُ بالأخلاقِ والشِّيَم، فالرجلُ يأخذُ زوجتَهُ مِنْ بَيْتِهَا عزيزةً كريمةً فرحةً مسرورةً، ثمَّ يردَّها إليهم منكسرةً باكيةً حزينةً ذليلة.
كثُرَ الطلاقُ حينَمَا قلَّ في المجتمعِ الزوجُ الذي يخافُ اللهَ ويتَّقيه، ويرعى حدودَه، ويحفظُ العهدَ، ويتذكَّرُ الأيامَ الجميلةَ التي خلَت، واللحظاتِ الرائعةَ التي مَضَتْ, كثُرَ الطلاقُ حينما فقدَ المجتمعُ الزوجَ الذي يَغفرُ الزلَّةَ، ويسترُ العورةَ، ويتجاوزُ عن الهِنَّةِ.
كثُرَ الطلاقُ حينما أصبحت المرأةُ سليطةَ اللسانِ، طليقةَ العنانِ، مضيِّعَةً لحقوقِ زوجِهَا وأولادِهَا، تخرجُ وتدخلُ متى شاءتْ، مُتْعَتُهَا في الأسواقِ، والجلساتِ واللقاءاتِ، والحدائقِ والمتنزهاتِ، ليسَ لها همٌّ إلا نفسَهَا وملذّاتِهَا، وتَتْرُكُ تربيةَ أولادِها لغيرِهَا.
كثُرَ الطَّلاقُ حينما تسلَّطَ بعضُ الآباءِ والأمّهاتِ على بيوتِ أبنائِهِمْ وبناتِهِمْ؛ حتَّى وَصَلَ الأمرُ إلى أنْ تَسَبَّبُوا فِي الفراقِ.
كثُرَ الطلاقُ لمَّا كثرَت النِّعَم، وأصبحَ الرجلُ غَنِيًّا؛ يتزوَّجُ متَى شاءَ, ويُطلِّقُ متَى شاءَ؟! وهو يعلمُ أنّ اللهَ سائِلُهُ، ومجازِيه ومحاسبُه.
عبادَ اللهِ: لقد استَخَفَّ كثيرٌ منَ الأزواجِ بحقوقِ وواجباتِ المرأةِ التي في ذمّتِهِمْ، وضَيَّعوا الأمانةَ والمسؤوليةَ التي أُمِرُوا بها مِنْ رَبِّهِمْ؛ فقصَّرُوا في حقوقِ الأولادِ، وأصبحَ عندهم شُحٌّ في الانفاقِ، وسهرٌ خارجَ البيتِ بالسّاعاتِ، وسفرٌ في جميعِ الاتجاهاتِ، واستراحاتٌ ومنتزهاتٌ، وترى أكثرَهُم إذَا كانَ خارجَ البيت يُضحِكُ الغريبَ ويُؤْنِسُهُ، وإذَا كانَ داخِلَ البيتِ يُبكِي أقربَ أنيسٍ ويوحشُهُ.
أيُّها المؤمنونَ: لقد رغَّبَ الشَّارعُ الحكيمُ في الإبقاءِ على عقدِ النِّكاحِ، ووصفهِ بالميثاقِ الغليظِ، فقالَ -جلّ وعَلا-: (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا)[النساء:21]، وَأَمَرَ الزوجَ بالمعاشرةِ بالمعروفِ ولو معَ كراهتِهِ لزوجتِهِ، قَال -تَعَالى-:(وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)[النساء: 19].
فَإِذَا استحالتْ العشرةُ بينَ الزَّوْجَيْنِ؛ لكثرةِ الخلافاتِ المنفِّرَةِ للقلوبِ، فإنَّ الطلاقَ في هذه الحالةِ هو آخرُ الحلولِ, وهوَ أبغضُ الحلالِ, لكنَّهُ قدْ يكونُ علاجًا لابدَّ منهُ لاسيّما إذا فسدَت الحالُ بين الزوجينِ، وصَار بقاءُ النِّكاحِ مفسدةٌ محضةٌ، وفيه ضررٌ كبيرٌ بإلزامِ الزوجِ النَّفقةَ والسُّكنَى, وحبسِ المرأةِ مع سوءِ العِشرةِ والخصومةِ الدائمةِ من غيرِ فائدةٍ، ولهذا كلَّهُ وأمثالِهِ اقتضى الشرعُ المطهَّرُ إزالةَ النِّكاحِ؛ لتزولَ المفسدةُ الحاصلةُ منه.
ومعَ هذا كلِّه لا يجوزُ للمرأةِ أنْ تسألَ زوجَهَا الطلاقَ منْ غيرِ بأسٍ، قالَ -صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: "أيُّمَا امرأةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ؛ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ"(رواه الترمذي، وصححه الألباني).
أعوذُ باللهِ منَ الشيطانِ الرجيمِ: (الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُون)[البقرة:229].
بَارَكَ اللهُ لِي ولكمْ في القرآنِ العظيمِ, ونفعنِي وإيّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآياتِ والذِّكْرِ الحكيمِ, أقولُ مَا سَمِعْتُم فاستغفرُوا اللهَ يغفِرْ لِي ولَكُمْ؛ إِنّهُ هُوَ الغفورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ على فضلِهِ وإِحْسَانِهِ، والشُّكْرُ لَهُ على توفيقِهِ وامتنَانِهِ، وأشهدُ أنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وحدهُ لَا شريكَ لهُ؛ تعظيمًا لشأنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمّدًا عبدُهُ ورسولُهُ الدَّاعِي إلى رِضْوَانِهِ، صلّى اللهُ عليهِ وعلَى آلهِ وأصحابِهِ وإخوانِهِ، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بعدُ: فاتَّقُوا اللهَ -عبادَ اللهِ- واعلمُوا أنّ الطلاقَ لَا يُشْرَعُ إلَّا إذَا تعدّدَت محاولاتُ الإصلاحِ بينَ الزوجينِ ولمْ تنفعْ, قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ -رحمهُ اللهُ-: "الأصلُ في الطَّلاقِ الحَظرُ، وإنّمَا أُبيحَ منهُ قدرَ الحاجةَ؛ كمَا ثبتَ في الصحيحِ عن جابرٍ، عن النبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلّمَ-: "إنَّ إبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ علَى الماءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَراياهُ، فأدْناهُمْ منه مَنْزِلَةً أعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أحَدُهُمْ فيَقولُ: فَعَلْتُ كَذا وكَذا، فيَقولُ: ما صَنَعْتَ شيئًا، قالَ ثُمَّ يَجِيءُ أحَدُهُمْ فيَقولُ: ما تَرَكْتُهُ حتَّى فَرَّقْتُ بيْنَهُ وبيْنَ امْرَأَتِهِ، قالَ: فيُدْنِيهِ منه ويقولُ: نِعْمَ أنْتَ"(رواه مسلم).
أخي المبارك: يَا منْ يريدُ أن يُطَلِّق، تذَكّر أنّ اللهَ -جلّ جلالُهُ- يبغضُه، وأنَّ الشيطانَ يحبُّهُ، وتذكّر أنّ هذهِ المرأةَ الّتِي أكرمَكَ اللهُ بِهَا فِيهَا منَ الخيرِ أكثرَ ممّا فِيهَا منَ الشّرِّ، وأنَّها إنْ ساءَتْكَ يَوْمًا، فَقَدْ سَرَّتكَ أيّامًا، وإِنْ أحزنَتْكَ عَامًا، فقدْ سَرَّتْكَ أعوامًا, وأنَّهَا أعطتكَ منْ صحَّتِهَا وجهدِهَا الكثيرَ, ولعلَّ اللهُ -جلَّ وعَلا- أنْ يُفرِحَك بذريَّةٍ طيبةٍ منْهَا, وتذكَّرْ أنَّكَ إنْ صَبَرْتَ عليْهَا ابتغاءَ وجهِ اللهِ وأحسَنْتَ صُحْبَتَهَا ومُعَامَلَتِهَا فَلَعَلَّ ذلِكَ يكونُ سببًا كبيرًا في حفظِهَا لَكَ وذرِّيَّتِكَ ومالِكَ في حياتِكَ وبعدَ مماتِكَ.
ووصيَّتِي للزوجاتِ أنْ يتَّقِينَ اللهَ -جلّ وعَلا- في أزواجهنَّ، وأنْ يَقُمْنَ بحقوقهمْ، وأنْ يعملنَ على كسبِ قلوبهم ففي ذلكَ الخيرُ العظيمُ.
وللحديثِ بقيَّةٌ عن الأسبابِ المؤَدِّيَةِ لكثرةِ الطَّلاقِ، والحلولِ المناسبة للحدِّ منْهُ في مجتمعِنَا في جمعةٍ قادمةٍ بحولِ اللهِ وقوته, وأنبه إلى أن بعض المصلين يجلسون في سياراتهم خارج المسجد وبعضهم ينشغل بجواله.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم؛ كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ فَقَالَ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، وَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً؛ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا"(رَوَاهُ مُسْلِم).
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم