ظاهرة التسول

الشيخ محمد بن مبارك الشرافي

2025-02-14 - 1446/08/15 2025-02-12 - 1446/08/13
عناصر الخطبة
1/شدة الفقر والاستعاذة منه 2/منهج الإسلام في محاربة الفقر 3/مفاسد ظاهرة الشحاذة والتسول 4/حِيَل التسول وأحواله وأشكاله 5/الحث على العمل والتكسب 6/النهي عن التسول في المساجد.

اقتباس

وَالْمُتَسَوِّلُ إِنْسَانٌ حَقَرَ نَفْسَهُ، وَأَرَاقَ مَاءَ وَجْهِهِ، وَاسْتَغْنَى عَنْ كَرَامَتِهِ وَحَيَائِهِ، وَبَدَأَ يَمُدُّ يَدَيْهِ لِلنَّاسِ؛ أَعْطوهُ أَوْ مَنَعُوهُ، وَإِذَا كَانَ هُنَاكَ إِنْسَانٌ يَعْجَزُ عَنِ الْعَمَلِ وَلا يَجِدُ قُوتَ يَوْمِهِ، فَهَذَا لَهُ عُذْرُهُ فِي الْحَاجَةِ إِلَى النَّاسِ وَامْتِهَانِ التَّسَوُّلِ، وَلَكِنْ مَا بَالُ الْقَادِرِ عَلَى الْعَمَلِ يَقْبَلُ عَلَى نَفْسِهِ الاحْتِقَارَ وَالذُّلَّ وَالْمَهَانَةَ، وَيَتَكَفَّفُ النَّاسَ؟...

الخُطْبَة الأُولَى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ للهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينَهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضْلِلَ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبَيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، بَلَّغَ الرِّسَالَةَ، وَأَدَّى الْأَمَانَةَ، وَنَصَحَ الْأُمَّةَ، وَكَشَفَ اللهُ بِهِ الْغُمَّةَ، وَجَاهَدَ فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهَ حَتَّى أَتَاهُ الْيَقِينُ، فَصَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ مَا تَعَاقَبَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -تَعَالَى-، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْفَقْرَ يُعَدُّ مِنْ الْأَدْوَاءِ التِي تُصِيبُ الْإِنْسَانَ وَتَدْفَعُهُ إِلَى الْحَاجَةِ لِغَيْرِهِ، وَإِنْقَاصِ قَدْرِهِ وَمَنْزِلَتِهِ عِنْدَ النَّاسِ؛ وَلِهَذَا كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَعِيذُ بِاللهِ مِنَ الْفَقْرِ، وَقَدْ قَرَنَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكُفْرِ فِي دُعَاءٍ وَاحِدٍ؛ فعن أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكُفْرِ والفقر وعذاب القبر"(رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

 

وَكَانَ لُقْمَانُ الْحَكِيمُ يَنْصَحُ ابْنَهُ قَائِلًا: "يَا بُنَيَّ، اسْتَعِنْ بِالْكَسْبِ الْحَلَالِ عَلَى الْفَقْرِ؛ فَإِنَّهُ مَا افْتَقَرَ رَجُلٌ قَطُّ إِلَّا أَصَابَتْهُ ثَلاثُ خِصَالٍ: رِقَّةٌ فِي دِينِهِ، وَضَعْفٌ فِي عَقْلِهِ، وَذَهَابُ مُروءَتِهِ، وَأَخْطُر مِنْ هَذِهِ الثَّلاثِ: اسْتِخْفَافُ النَّاسِ بِهِ".

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لَقَدْ وَضَعَ الإِسْلَامُ مَنْهَجًا قَوِيمًا يُحَارِبُ الْفَقْرَ، وَيَحْمِي الْمُجْتَمَعَ مِنْ خَطَرِهِ وَأَضْرَارِهِ؛ فَدَعَا إِلَى الْعَمَلِ وَرَغَّبَ فِيهِ، وَاعْتَبَرَهُ السَّلاحَ الْأَوَّلَ فِي مُقَاوَمَةِ الْفَقْرَ، ثُمَّ فَرَضَ الزَّكَاةَ، وَدَعَا الأَغْنِيَاءِ إِلَى الإِنفْاَقِ وَإِطْعَامِ الْمَسَاكِينِ، وَرَغَّبِ فِي الصَّدَقَاتِ؛ حِمَايَةً لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْمُحْتَاجِينَ مِنْ آلامِ الْفَقْرِ وَمَتَاعِبِهِ.

 

وَلَقَدِ ارْتَبَطَ بِدَاءِ الْفَقْرِ ظَاهِرَةٌ خَطِيرَةٌ انْتَشَرَتْ فِي الْمُجْتَمَعَاتِ الإِسْلَامِيَّةِ بشَكْلٍ مُدَمِّرٍ، وَهِيَ ظَاهِرَةُ الشِّحَاذَةِ وَالتَّسَوُّلِ، وَالشَّيْءُ الْغَرِيبُ أَنَّ التَّسَوُّلَ لَمْ يَعُدْ يَقْتَصِرُ الآنَ عَلَى الْفُقَرَاءِ غَيْرِ الْقَادِرِينَ عَلَى الْعَمَلِ وَالْكَسْبِ، وَلَكِنَّنَا وَجَدْنَا بَعْضَ الْقَادِرِينَ عَلَى الْعَمَلِ مِنَ الْكُسَالَى قَد اسْتَسْهَلُوا التَّسَوُّلَ وَالاحْتِيَالَ عَلَى النَّاسِ بِكَافَّةِ الطُّرُقِ وَالْوَسَائِلِ الْبَغِيضَةِ لِنَهْبِ أَمْوَالِهِمْ.

 

وَالْمُتَسَوِّلُ إِنْسَانٌ حَقَرَ نَفْسَهُ، وَأَرَاقَ مَاءَ وَجْهِهِ، وَاسْتَغْنَى عَنْ كَرَامَتِهِ وَحَيَائِهِ، وَبَدَأَ يَمُدُّ يَدَيْهِ لِلنَّاسِ؛ أَعْطوهُ أَوْ مَنَعُوهُ، وَإِذَا كَانَ هُنَاكَ إِنْسَانٌ يَعْجَزُ عَنِ الْعَمَلِ وَلا يَجِدُ قُوتَ يَوْمِهِ، فَهَذَا لَهُ عُذْرُهُ فِي الْحَاجَةِ إِلَى النَّاسِ وَامْتِهَانِ التَّسَوُّلِ، وَلَكِنْ مَا بَالُ الْقَادِرِ عَلَى الْعَمَلِ يَقْبَلُ عَلَى نَفْسِهِ الاحْتِقَارَ وَالذُّلَّ وَالْمَهَانَةَ، وَيَتَكَفَّفُ النَّاسَ؟ وَكَيْفَ يَكُونُ مَوْقِفُنَا نَحْنُ مِنْ هَؤُلاءِ الْمُتَسَوِّلِينَ الْقَادِرِينَ عَلَى الْعَمَلِ؟

 

إِنَّنَا فِي هَذَا الْوَقْتِ مِنَ الزَّمَانِ، الذِي تَفَشَّى فِيهِ الْجَهْلُ، وَانْتَشَرَتْ فِيهِ الْبَطَالَةُ، اعْتَدْنَا كُلَّ يَوْمٍ، بَعْدَ كُلِّ صَلاةٍ مِنَ الصَّلَوَاتَ تَقْرِيبًا، عَلَى مَنَاظِرَ مُؤْذِيَةٍ، وَمَشَاهِدَ مُؤْلِمَةٍ، يَقُومُ بِتَمْثِيلِهَا فِئَةٌ مِنَ الشَّبَابِ الْمُدَرَّبِينَ عَلَى إِتْقَانِ صِنَاعَةِ النَّصْبِ وَالاحْتِيَالِ، بِمُمَارَسَةِ مِهْنَةِ الشِّحَاذَةِ، وَأَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ.

 

وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ أَحْوَالٌ وَأَشْكَالٌ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُومُ بِتَجْبِيسِ يَدِهِ أَوْ رِجْلِهِ، أَوْ أَيِّ جُزْءٍ مِنْ جَسَدِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَصَنَّعُ الْبَلَاهَةَ وَالْجُنُونَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَدَّعِي الإِصَابَةَ بِحَادِثٍ، أَوْ مَوْتِ وَالِدٍ أَوْ أُمٍّ، أَوْ حُصُولِ مَرَضٍ، أَوْ تَرْكِ دُيُونٍ، وَتُرِكَ لَهُ إِخْوَةٌ وَأَخَوَاتٌ، وَيَقُومُ بِرِعَايَتِهِمْ، وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ، وَالدَّيْنُ أَثْقَلَ كَاِهَلَهُ، وَلا يَسْتَطِيعُ السَّدَادَ.

 

وَمِنْهُمْ مَن يَفْتَعِلُ الْبُكَاءَ، وَقَدْ يَجْلِبُ مَعَهُ ابْنَ الْجِيرَانِ أَوْ ابْنَتَهُمْ؛ لِيُمَارِسَ الشِّحَاذَةَ بِهَا؛ لاسْتِعْطَافِ الْقُلُوبِ، وَقَدْ يُقْسِمُ بِاللهِ كَاذِبًا أَنَّهُ لَوْلَا تِلْكَ الدُّيُونُ، وَعِظَمَ الْمَسْؤُولِيَّةِ، لَمَا وَقَفَ أَمَامَ النَّاسِ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْذَارِ وَالْأَكَاذِيبِ، التِي لَمْ تَعُدْ تَنْطَلِي عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْعُقَلاءِ.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لقدْ امْتَدَحَ اللهُ -تَعَالَى- الْفُقَرَاءَ بِعَدَمِ مَدِّ أَيْدِيهِمْ لِلنَّاسِ أَوْ سُؤُالِهِمْ؛ فَقَالَ –تَعَالَى-: (لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا)[البقرة: 273]، فَفِي الآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ الصَّدَقَةَ ليَسْتَ لِهَؤُلاءِ الْمُتَسَوِّلِينَ الْقَادِرِينَ عَلَى الْعَمَلِ، وَلَكِنَّهَا لِلْفُقَرَاءِ الذِينَ لا يَسْتَطِيعُونَ السَّعْيَ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ، وَيَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ؛ لِأَنَّهُمْ لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ شَيْئًا وَلا يَتَسَوَّلُونَ، وَلَكِنْ يُعْرَفُونَ بِسِمَاتِ الفَقْرِ التِي تَظَهَرُ عَلَيْهِمْ.

 

 إِنَّنَا لَوْ نَظَرْنَا إِلَى الإِسْلَامِ سَنَجِدُ أَنَّهُ قَدْ حَارَبَ التَّسَوُّلَ، وَبَالَغَ فِي النَّهْيِ عَنْ مَسْأَلَةِ النَّاسِ، فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ، حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا، فَإنِّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا، فَلْيَسْتَقِلَّ، أَوْ لْيَسْتَكْثِرْ"(رَوَاهُ مُسْلِم).

 

وَكَمَا نَهَي الإِسَلامُ عَنِ السُّؤَالِ فَقَدْ حَثَّ عَلَى الْعَمَلِ، فَعَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ، فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةٍ مِنَ الْحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا؛ فَيَكُفَّ اللهُ بِهَا وَجْهَهُ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ، أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ). 

 

وَالْقَادِرُ عَلَى الْعَمَلِ لا تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ"(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ)، وَالْمَعْنَى: أَنَّ الصَّدَقَةَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى  صَاحِبِ الْقُوَّةِ الْجَسَدِيَّةِ الذِي يُمْكِنُهُ الْعَمَلَ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَا يَفْتَحُ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَابَ مَسْأَلَةٍ، إِلَّا فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ"(رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَأَكْثَرُ السَّلَفِ لا يَرَوْنَ جَوَازَ التَّصَدُّقِ عَلَى مَنْ يَسْأَلُ فِي الْمَسْجِدِ، وَقَالَ أَحَدُ السَّلَفِ: لَوْ كُنْتُ قَاضِيًا لَمْ أَقْبَلْ شَهَادَةَ مَنْ يَتَصَدَّقُ عَلَى مَنْ يَسْأَلُ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَقَدْ صَدَرَتِ التَّعْلِيمَاتُ مِنْ وَزَارَةِ الشُّؤُونِ الْإِسْلَامِيَّةِ لِأَصْحَابِ الْفَضِيلَةِ أَئِمَّةِ وَمُؤذِنِي الْمَسَاجِدِ بِمَنْعِ أَيِّ شَخْصٍ مِنَ التَّسَوُّلِ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ أَوْ فِي مُحِيطِهِ، وَإِبْلَاغِ الْأَجْهِزَةِ الْأَمْنِيَّةِ فَوْرًا عِنْدَ مُلاحَظَةِ ذَلِكَ.

 

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرِّحِيمُ.

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمَينَ، الحَمْدُ للهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، أَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وُرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الشَّرِيعَةَ الإِسْلَامِيَّةَ جَاءَتْ بِالْحَثِّ عَلَى الْعَمَلِ وَالاكْتِسَابِ، وَعَلَى الْمَرْءِ أَنْ يَأْخُذَ بِالْأَسْبَابِ الْمُمْكِنَةِ لِتَحْصِيلِ رِزْقِهِ، وَأَنْ لا يَبْقَى خَامِلًا عَالَةً عَلَى النَّاسِ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)[الملك: 15]، أَيْ: سَافِرُوا حَيْثُ شِئْتُمْ مِنْ أَقْطَارِهَا، وَتَردَّدُوا فِي أَقَالِيمِهَا وَأَرْجَائِهَا فِي أَنْوَاعِ الْمَكَاسِبِ وَالتِّجَارَاتِ.

 

وَقَدْ رَوَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنْ رَسُولِ اللهِ أَنَّهُ قَالَ: "لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بطِاَنًا"(رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ)، فَأَثْبَتَ لَهَا رَوَاحًا وَغُدُوًّا لِطَلَبِ الرِّزْقِ مَعَ تَوَكُّلِهَا عَلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَهُوُ الْمُسَخِّرُ الْمُسِيِّرُ الْمُسَبِّبُ، وَكَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- يَمُرُّ بِبَعْضِ النَّاسِ وَهُمْ جُلُوسٌ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَيَقُولُ: مَا يُجْلِسُكُمْ؟ قَالُوا: فَمَا نَصْنَعُ؟ قَالَ: اطْلُبُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ، وَلا تَكُونُوا عِيَالًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ.

 

فاللَّهُمَّ إِنَّا نَسْالُكَ العَفْوَ وَالعَافِيَةَ فِي الدِّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْالُكَ العَفْوَ وَالعَافِيَةَ فِي دِينِنِا وِدُنْيَانَا وَأَهَالِينَا وَأَمْوَالِنَا، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنَا وَآمِنْ رَوْعَاتِنَا.

 

اللَّهُمَّ احْفَظْنَا مِنْ بَينِ أَيْدِينَا وَمِنْ خَلْفِنَا، وَعَنْ أَيْمَانِنَا وَعَنْ شِمَائِلِنَا وَمِنْ فَوْقِنَا، وَنَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ نُغْتَالَ مِنْ تَحْتِنَا.

 

 اللَّهُمَّ إنا نَعَوذُ بك مِنْ جَهْدِ الْبَلَاءِ وَدَرَكِ الشَّقَاءِ وَسُوءِ الْقَضَاءِ وَشَمَاتَةِ الْأَعْدَاء، اللَّهُمَّ إنا نَعَوذُ بك مِنْ زَوالِ نِعمتِك وتَحوُّلِ عَافِيتِك وفُجْأَةِ نِقمَتِك وجَميعِ سَخطِكِ.

 

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا وَأَصْلِحْ لَنا دُنْيَانا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنا وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنا وَاجْعَلْ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِنا فِي كُلِّ خَيْرٍ وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.

 

اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ، اللَّهُمَّ أَتِمَّ عَلَيْنَا نِعْمَةَ الأَمْنِ وَالإِيمَانِ وَالسَّلَامَةِ وَالإِسْلَامِ.

 

اللَّهُمَّ وَفِّقْ إِمَامَنَا خَادِمَ الحَرَمَينِ الشَّرِيفَينِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ بِطَانَتَهُمْ وَوُزَرَاءَهُمْ يَا رَبَّ العَالمَينَ.

 

اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِين.

 

المرفقات

ظاهرة التسول.doc

ظاهرة التسول.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات
عضو نشط
زائر
13-02-2025

جزاك الله خير