تتعرض مجتمعات المسلمين اليوم لحملات متتابعة للطعن في ثوابتها ومحاولة شغلها عن بناء مستقبلها وإغراقها في مشاكل الهوية والفكر والصدامات الفلسفية استمرارا لنظرية هدم الإسلام من الداخل بأيدي أبناءه.
وما ينتشر اليوم من نشر للشبهات الفكرية والشهوات البوهيمية بين شباب المسلمين ليس جديدا ولا مستغرباً من أعداء الإسلام فتلك سنة من السنن الإلهية في الصراع بين الحق والباطل؛ لكن الجديد هو ما أُلبسته تلك الحملة الإلحادية من لبوس العصرية والاستفادة من التقنية والمال ووسائل الإعلام.
وقد تصدى لتلك الحملات الشرسة المتتابعة من أبناء المسلمين على مرّ التاريخ رجال كثر وعلماء صدق بذلوا حياتهم لنصرة الإسلام ونذروا أوقاتهم لكشف تلك الغمة الإلحادية عن أبناء المسلمين من خلال الدعوة والحوار والنقد وكشف شبهات الملاحدة.
ومن أبرز أولئك الإمام محمد الخضر حسين - شيخ الأزهر الذي استقال من مشيخة الأزهر دفاعاً عن الإسلام - في كتابه المسمى الإلحاد ، تقديم وتعليق محمد إبراهيم الشيباني الذي قامت بنشره مكتبة ابن تيمية بالكويت 1406هـ.وهو رسالة صغيرة الحجم كبيرة الفائدة جمعت أصولا مهمة في بيان أسباب الإلحاد ووصفات الملاحدة وطرق التعامل معهم وقد قمت باختصار هذه الرسالة لتقريبها للقراء ولفت الانتباه لها وزدت عليها إضافات قليلة جعلتها بين قوسين وبخط بارز.
قال الشيخ محمد خضر حسين رحمه الله:
في تعريف الإلحاد هو:العادل الجائر عن القصد ومنه قول الله تعالى:( إن الذين يلحدون في آياتنا) قال الحسن يجورون ويعدلون ومنه سمي القبر باللحد لأنه في ناحية.
أسباب الإلحاد:
1- النشأة في بيت لا يعرف آداب الإسلام ولا يهتدي بهداه، لا يسمع فيه الناشئ ما يدله على دينه.ولا يتعلم حب دينه.
2- أن يتصل الفتى بملحد أقوى منه نفساً وألحن حجة وأبرع لساناً يأخذه ببراعته إلى الإلحاد.
3- أن يقرأ كتبا في الإلحاد دُس فيها السم بألفاظ منمقة فتأخذ الألفاظ المنمقة بمجامعه عن معانيها المنحرفة.
4- أن تغلب الشهوات على قلب المرء فتريه المصلحة في إباحتها وأن تحريم الشرع لها خال عن الحكمة.فيؤدي به ذلك إلى إباحية وجحود.
5- (ومما استجد في هذا العصر انفتاح العالم الفضائي بشقيه- القنوات والانترنت- وما يُبث فيهما من شهوات وشبهات تأخذ كل واحدة منهما بنصيبها من شبابنا مع عدم وجود حملة تحصين مضادة لأثارها.
6- أنظمة الحكم وما سببته للناس من فتن في دينهم فبعضها يروج الإلحاد ويقيم المؤسسات التعليمية والأنشطة التي تبثه بين الناشئة، وأخرى تدعي أنها تعتني بالدين ؛ ومؤسساتها –عن غير قصد- ممثل سيء للدين مما يتسبب في ردة فعل عكسية من الدين والمتدينين ولسان حال هؤلاء الشباب يقول:إذا كان هذا حال حملة الدين من الظلم والانكباب على الدنيا فكوننا بلا دين أفضل!.
7- يتبع ما سبق عدم عناية الإعلام ووسائله الرسمية بإبراز القدوات الصالحة التي تتسم بالعلم والعمل وحينما يخبو أثر هؤلاء فقل ما شئت عن بروز أدعياء العلم والتقوى الذين تحتفل بهم وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية.
8- عدم قيام مؤسسات التربية من تعليم ومعاهد وجامعات بأنشطة تذكر للوقوف في وجه موجة الإلحاد الجديدة ؛ وبطء استجابتها للمستجدات العالمية والحراك الاجتماعي بشكل مؤسسي ؛ وغياب كثير من أساتذة الجامعات والمربين عن المشهد الثقافي وعدم تمكينهم من المشاركة الاجتماعية له أثره.
9- دور النشر وما تبثه من روايات إلحادية وتجارب منحرفة وكتب فكرية وفلسفية تصادم ثوابت الإسلام تسببت في نشر غثاء الإلحاد وشكوكهم وأثرها واضح على الجيل المعاصر؛ وإني لأعجب من جلد التجار والناشرين الملحدين ودأبهم في نشر غثائهم وكسل التجار الصالحين وطلبة العلم عن نشر الكتب والروايات التي لا تناقض الدين ؛ ومن حاول نشر كتاب من كتابنا غير المشهورين مهما كانت قيمة موضوع بحثه عرف المعاناة التي يعانيها المؤلف في بلادنا.
10- المقاهي الثقافية التي تروج للثقافة الإلحادية وعدم وجود منافس لها ؛ وسنرجع مرة أخرى للوم تجارنا الصالحين الغافلين ونسألهم إلى متى؟.
11- المواقع المشبوهة التي يدعمها كبار الملاحدة على الشبكة العنكبوتية والتي تدعي نصرة المظلومين وتبث ضمن ذلك ما شاءت من أفكار إلحادية
12- وجود فئات من المجتمع التي خلطت بين الدين والعادات وأساءت للدين من خلال حماسها غير المنضبط وجهلها العريض ليتحول الدين عندها إلى مظاهر لا يصاحبها في كثير من الأحيان جواهر نقية .
13- إشكاليات الحضارة وأزمة الهوية السائدة بين الشباب مع عدم وجود المحاضن التربوية المقنعة التي تحوي الفكر والإيمان إضافة إلى السلوك).
صفات الملاحدة (طبائع الإلحاد):
1- فرحتهم بوصف عالم كبير بالإلحاد لأن ذلك يدعم موقفهم.
2- استهزاؤهم بالدين في مجالسهم ما لم يخافوا من وجود رقيب عليهم.
3- انهماكهم في الفسوق والإغراق في الشهوات ولا يتورعون عن شيء.
4- تناقض أقوالهم.
5- إنكارهم المعجزات الكونية.
6- دسهم في الشريعة ما ينافي حكمتها مثل ترويج الأحاديث الموضوعة.
7- إنكارهم العمل بالحديث وزعمهم الاكتفاء بالقرآن وحده.
8- تأويلهم للقرآن على حسب أهوائهم.
9- صداقتهم للمجاهرين بالجحود.
10- إلحاحهم في الدعوة إلى حرية الرأي في الدين.
11- بسط ألسنتهم في أهل الدين من العلماء والدعاة.
12- دعوتهم إلى الإلحاد بشتى الوسائل الممكنة ونشر الشبه والشكوك.
مفاسد الإلحاد الاجتماعية:
تخيل مجتمعاً من الملاحدة لا يحل حلالا ولا يحرم حراما لترى ما شئت من الموبقات التي لا يجتنبها الملحد ما لم يخف من عقوبة توقع به.
أسباب ظهور الإلحاد:
1- أن بعض الحكومات صارت تضع قوانينها في عبارات لا يرى فيها الملحد قيدا يكفه عن إعلان إلحاده أو الدعوة إليه.
2- أن كثيرا من المنتمين إلى الشريعة فرطوا في واجب الغيرة على الحق فتراهم يوادّون من يصفهم الناس بالإلحاد ويتملقونهم بالإطراء ويشهدون لهم بالإخلاص في الدين يفعلون هذا رجاء متاع في الحياة الدنيا.
3- أن بعض الحكومات ترفع إلى مناصبها العالية بعض الملحدين مما يجعل لهم حظوة فيتمكن من مناصب ينفث من خلالها سمومه.
4- أن بعض الملاحدة دخلوا في الحركات الوطنية فأطلق عليهم المنخدعون بهم لقب الزعامة فأخذوا يروجون الإلحاد بين من يتصل بهم من الشباب .
5- (قلت :وغفلة التجار المسلمين عن دورهم المنتظر منهم في حماية المجتمع مع جلد التجار الفجار في دعم إلحادهم؛ حيث يروج التجار المنحرفون ما يتسبب في انحراف المجتمع ).
كيف يعالج الإلحاد؟ :
متى قيض الله للحكومات الإسلامية رجالا يقدرون فضل الدين في إصلاح حال الأفراد والجماعات ، وفضله في إخراج رجال يطمحون إلى العزة ، ويقتحمون كل ما يعترضهم في سبيلها من عقبات ، وفضله في بسط الأمن في البلاد ، متى قد أولوا الأمر فضل الدين ، ومتى تضافر علماء الشريعة على الدعوة إلى الحق بحكمة ، وعلى مكافحة الزائفين بالحجة ، طهرت الأمة من خبث الإلحاد وبلغت أقصى غايات المجد والفلاح.
(قلت: كان ذلك لما كانت الدولة ومؤسساتها هي المسئولة عن كل شيء أما وقد دخل في المسئولية شراكات اجتماعية و مؤسسات أهلية وأفراد من الملاحدة وجب أن يزاحمهم أهل الخير كل فيما يخصه فالتاجر والعالم والمعلم والمربي والإعلامي ومؤسسات المجتمع المدني كلها مسئولة عن ردّ الموجة الإلحادية المعاصرة.
كما يجب أن نحرص على وجود جمعيات تطوعية تقدم طرقاً تناسب العصر لتتقبل الشباب وتساعدهم على تجاوز أزمات الهوية التي يعانونها.
وقد غدا الفكر الإلحادي ظاهرة عامة يمكن لكل متابع أن يلحظ آثارها في وسائل الإعلام والكتب المنشورة والروايات المنحلة والموضات الهابطة وشيوع الدعوة إلى كل سلوك مصادم للشريعة والتراث والأعراف .
وجزء كبير من المشكلة يجب أن نرجع فيه لتصحيح كثير من السلوكيات التي تسببت في هذا مثل الظلم الاجتماعي والمظهريات الجوفاء في السلوك المتدين على المستوى الفردي والأسري وعلى مستوى المؤسسات الحكومية).
أرجو أن أكون قد وفقت في تقريب كتاب الشيخ محمد الخضر حسين أو لفت النظر لمن يبحث هذا الموضوع بشكل موسع وبالله التوفيق.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم